يظهر المفكرون المبتدئون نزعات فكرية تبعدهم عن النجاح مثل: تصنيفهم المشكلات على وفق ملامح ظاهرية، وفشلهم تضمين عناصر المشكلة في اعتباراتهم، مستخدمين المحاولة والخطأ عوضا عن التحليل والمثابرة. إن اكتشاف أسباب مشكلة ما يتطلب وضع قواعد لفحص الحلول المناسبة لها باستمرار، وبالتالي استخدام هذه القواعد...
بقلم: أ.د. عامر إبراهيم علوان

إذا كان هناك أنواع تفكير مختلفة، وعدة أسباب للاهتمام بالتفكير، فليس من المستغرب أن يسأل الناس، إذا كان للتفكير مثل هذه الأهمية، فهل يمكن تعلمه؟

أن ما يتوقعه الناس من تعليم التفكير يعتمد على عدة اعتبارات منها: ما هو المقصود بمصطلح (التفكير) وما علاقته بالذكاء؟

وبعض الإجابة يمكن أن توجد في إشارة (رايموند نيكرسون Raymond Nickerson) التي تتضمن التفريق بين المصطلحين، إذ أن التفكير (Thinking)، والذكاء (Intelligence) ليس من الضروري أن يكونا مترادفين. فالذكاء يرتبط بشكل أكبر بـ(القوه الخام Raw Power) للمستلزمات العقلية للفرد.

 وان (القوة الخام) شيء، والاستخدام الماهر لها شيء آخر. ولا يستلزم التفكير (القوة الخام) المطلوبة للذكاء، بل يستلزم (التكتيك tactics) ومعرفة بالمحتوى (الموضوع الذي يدور حوله التفكير)، ومازال هنالك فرق آخر، فالتفكير يستلزم عمليات Operations؛ ومعرفة Knowledge؛ وافتراضات Dispositions.

 وإذا أمكن التمييز بين عناصر التفكير المختلفة، فانه يبدو إذا لم يكن هناك شيء يعرف (بالذكاء) أو القليل منه، فإنه يمكن تطوير (القوة الخام) للذكاء، وربما هناك عمل قليل أو كثير يمكن القيام به لتطوير العمليات Operations واستخدام المعرفة الملائمة، والافتراضات Dispositions.

وإذا ما بدا التفكير كمهارة معقدة، أو مجموعة مهارات، فمن المنطقي افتراض أن التفكير شيئا يجب عمله بشكل جيد أو سيء، بكفاءة أو بدونها، فضلا عن افتراض كيف جعله أفضل شيء يمكن تعلمه.

كما قارن (نيكرسون) التعلم (Learning) بالتفكير وبتعلم مهارات معقدة فاعلة، بمعنى زيادة عدد البرامج المحركة مسبقة الترميز Pre-coded motor programs التي بإمكان الفرد استدعائها لمقابلة احتياجات اللحظة المعاشة.

 وإذا كانت مهارات التفكير تعلم فعلا أنماطا سلوكية، فنحن يجب أن نتوقع أثر تناظر (analogous) التدريب– التناظر وجود تشابه جزئي أو جوهري بين زوجين من المفاهيم أو الأشياء– وبشكل مبدئي توسيع أوليات الفرد المتمثلة في الأنماط الأدائية للذكاء مسبقة الترميز Pre- coded Intellectual Performance Patterns، التي تعمل بشكل آلي نسبيا في الوسط الملائم، وعند النظر بهذه الطريقة فإنه يبدو أن مهارات التفكير شيئا يمكن تعلمه وتعليمه.

وإذا كانت مهارات التفكير يمكن تعلمها، فان ذلك يدعونا للتفريق بين المفكرين الماهرين Skilled thinkers، وبين المفكرين المبتدئين Novice thinkers، ماذا يفعل المفكرون الجيدون؟

 هنالك الكثير من البحوث تقارن بين (المفكرين الجيدين) وبين (المبتدئين)، فالخبراء يعملون في مستوى المبادئ Principles، ويخططون قبل الغوص في التفاصيل المعقدة للحل.

 وهم يكتشفون عددا من التمثيلات (Representations) للمشكلة قبل توصيتهم حلا معينا. وهم يتعاملون مع خطة الحل (Solution Plan) كفرضية (Hypothesis)، ويفحصون مسار خطواتهم نحو الحل بين حين وآخر، تجنبا للنتائج غير المتوقعة، وهم يبذلون نشاطا استكشافيا للتوصل إلى فهم كامل للمشكلة. الذين يحلون المشاكل، الناجحون يبحثون باضطراد عن الارتباط بين المشكلة المطروقة، والمعلومات المتوافرة عنها. 

ويظهر المفكرون المبتدئون نزعات فكرية تبعدهم عن النجاح مثل: تصنيفهم المشكلات على وفق ملامح ظاهرية، وفشلهم تضمين عناصر المشكلة في اعتباراتهم، مستخدمين المحاولة والخطأ Trial and error عوضا عن التحليل والمثابرة.

إن اكتشاف أسباب مشكلة ما يتطلب وضع قواعد لفحص الحلول المناسبة لها باستمرار، وبالتالي استخدام هذه القواعد لتوصية عملية التفكير، مثلا، حاول أن تكتشف أي نوع من المشكلات تواجهها قبل البدء بالبحث عن حل لها.

إن الخبراء يصبحون واعين لتفكيرهم من خلال استعراض شامل للعملية كلها، وهم ماهرون أيضا في استخدام المهارات فوق المعرفية (meta- cognition)، التي هي عبارة عن استخدام الاستراتيجيات لاستعراض وتركيز الانتباه والذاكرة من اجل اتخاذ القرارات حول الكيفية التي يمكن التقدم بها لإنجاز المهمة، وبعبارة أخرى فأن المهارات فوق المعرفية تجعلنا واعين لتفكيرنا عندما ننجز مهمات محددة، واستخدام هذا الوعي للسيطرة على ما نقوم به من أفعال، وتتضمن المهارات فوق المعرفية؛ التخطيط Planning والتنبؤ Predicting، الفحص checking وغيرها.

وتكتشف الدراسات التي تضمنت أفرادا ذات مستويات متباينة من الخبرة، أن الخبراء والمستجدين يحلون المشاكل بطرق مختلفة جوهريا، إذ يفسر ويركب الخبراء متطلبات مشكلة ما بشكل أكثر تأثيرا لأنهم يأتون بقاعدة من المعلومات جيدة التطوير لتحتوي تلك المهمة. ويواجه الخبراء عادة مشاكل مألوفة لديهم وبالنتيجة فأنهم غالبا ما يعتمدون على (التفكير الأوتوماتيكي Atomized Learning)، وهذا يسمح لهم بتكريس وقت أكثر للتعامل مع المظاهر الجديدة أو الحديثة في المشكلة المعروضة.

 وعلى امتداد هذا الخط، تشير التقارير التي تم إعدادها حول الأفراد الذين يعرفون بإنجازاتهم الإبداعية أن هؤلاء ليسوا مفكرين عظماء وحسب، بل أنهم يمتلكون أو يعرفون الكثير عن مجال اختصاصاتهم أو عملهم. وهكذا، عندما تتطور المعرفة في ميدان، ومدى محدد، فإن السياقات التي يوظف فيها التفكير يصبح متوفرا.

يبدو أن إعداد وتهيئة الطلبة ليفكروا مثل الخبراء رسالة مهمة في التعليم الذي يوفر المساعدة لهم ليبتكروا المعرفة والمعنى بأنفسهم في الوقت الذي يتعاملون فيه مع معلومات جديدة.

* نشر في مجلة النبأ-العدد 83-تموز 2006 / جمادي الثاني 1427

....................................

المصادر

1- علوان، عامر إبراهيم 2005، بناء برنامج تدريبي لمدرسي الرياضيات في هيئة التعليم التقني وأثره في تفكيرهم وتحصيل طلبتهم، أطروحة دكتوراه غير منشورة مقدمة إلى قسم التربية وعلم النفس / كلية التربية /ابن الهيثم/ جامعة بغداد/ بغداد.

2- Reis, Rick, Tomorrow s Professor 19sg # 330

TEACHINGTHINKINK

http:www.stanford.edu /dept/ctl / Tom Prof/Postings/330. html

اضف تعليق