لكل فرد أهداف يرسمها في عقله، تبعا لطموحاته من حيث النوع والحجم، هناك أهداف واسعة يرسمها خيال الإنسان وطموحه الواسع، تبعا لرغبات الإنسان وميوله ومدى تمسكه بالقوانين الذاتية والخارجية، فمن يضع هذه القوانين والاعراف الاجتماعية ضمن حساباته وهو يسعى الى أهدافه، ربما يكون أكثر عدلا وصبرا من غيره في السعي نحو أهدافه، أما الصنف الآخر فهو عكس الأول لا تردعه الموانع الخارجية او الذاتية، ويبقى الاستحواذ هو الذي يتحكم به ويقوده نحو أهدافه بغض النظر عمّا يلحقه من تجاوز على حدود غيره.
لا تنحصر مشكلة الشطط الفردي للإنسان وهو يسعى نحو أهدافه بشخصه فقط، بل هناك انعكاس على المجتمع، صحيح أن المسعى يكون فرديا، ولكن كل شيء يخضع الى التراكم حيث يكون مجموع أفعال الأفراد مؤثرا وقد يشكل ظاهرة جيدة أو عكس ذلك، من هنا ينبغي مراقبة أفعال النفس وحصرها فيما هو مشروع من الأقوال والأفعال.
الكلمة لها تأثيرها، قد تكون مفيدة وربما العكس، السلوك كذلك، فالإنسان وهو يمضي نحو أهدافه ينبغي أن يتنبّه لنزعة الاستحواذ في داخله، ولا يسمح لها بقيادته الى ما يريد، فغالبا ما تنقسم الفوائد التي يبحث عنها الفرد الى نوعين.. فوائد مادية وأخرى معنوية، ولا يمكن أن تتحقق هذه الفوائد من دون جهد، عبر التخطيط والتنفيذ، ولكن هناك إشكالية تعترض طريق الإنسان وهو يحث الخطى لتحقيق أهدافه التي تتوزع على كلا النوعين، هذه الإشكالية تتمثل بمشروعية تلك الأهداف!! والسبل التي ينتهجها الإنسان وصولا الى تحقيقها، علما أن المادي منها قد يكون على شكل أموال عينية او نقدية، أما الأهداف المعنوية فهي تتمثل بالمركز الاجتماعي والنفوذ والسلطة والمكانة بين الناس، هذه كلها لا يمكن تحقيقها من دون مثابرة وجهد متواصل من الإنسان، ولا ضير في ذلك بطبيعة الحال، ولكن المشكلة التي يواجهها الإنسان وهو يسعى لتحقيق ما يحب، هي طريقة الوصول الى ما يريد من أهداف، ونعني بذلك كيفية الطريقة التي يستطيع الإنسان أن يحقق من خلالها رغباته ومكاسبه المادية والمعنوية؟ هنا سوف يكون في حالة اختبار للنفس، فإن كانت ملتزمة سوف تسلك الطريق السليم بعيدا عن الاستحواذ، وإن كانت خارج قدرة الفرد على التحكم بها، فإن النتائج لن تكون في صالح الفرد ولا حتى الجماعة.
ضريب الأهداف السريعة
هناك عدة سبل لتحقيق أهداف الإنسان، أفضلها تلك التي تعتمد الحكمة والالتزام بالمبادئ والقيم والأعراف التي تنظم حركة مصالح المجتمع، إذ يوجد طريقان لتحقيق ما يربو إليه الإنسان من الفوائد والأهداف، الطريق الاول يتمثل بالعجالة، حتى لو رافقت هذا الأسلوب عواقب وخيمة ربما تكون ليست آنية، فالإنسان الذي يلهث وراء ملذاته ويسعى لتحقيقها بصورة عاجلة، لا يرى الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها بصورة آنية ولا حتى مستقبلية، لأن الوصول الى هدفه الأول يغطي على الخسائر وحتى المخاطر التي يتعرض لها، لذلك ربما لا يراها الإنسان الذي يسعى الى أهدافه بسرعة من دون ان يتذكر او ينظر الى خسائره، بل ربما لا يشعر بها ولا يقدر حجمها الحقيقي ولا أضرارها الفادحة حتى لو تجسدت أمام عينه، فما يهمه ويسعى إليه هو الوصول الى ما يريد من منافع، وهذه الأخيرة كفيلة بإصابته بعدم رؤية الخسائر.
على العكس من ذلك، يوجد الإنسان المتزن الحكيم الصبور، المحصّن بالعدالة الذاتية واحترام حقوق الآخرين، فهذا النوع من الناس يسعى الى المكاسب بتأنٍ وروية، بمعنى لا يكون متعجلا من أمره، نعم هو يسعى الى تحقيق فوائد كبيرة ومنافع كثيرة، لكنه يتخذ من التأني طريقا الى ذلك، لهذا ستكون مساعيه مشروعة ومكللة بالنجاح والقبول، لسبب واضح أنه يرى خسائر الأهداف العاجلة فيتجنبها، لصالح الفوائد الآجلة، والمكاسب المادية والمعنوية التي يمكن أن يحققها الإنسان ولكن بتروٍّ وهدوء وتخطيط رصين، يضمن أهداف كبيرة للإنسان، كل هذا يمكن أن يتحقق بمشروعية تامة، بسبب عدم استعداد الفرد للتجاوز على حقوق الآخرين، بالإضافة الى أنه يفضل الأهداف البعيدة المدى على الأهداف السريعة.
تفضيل المصالح العاجلة على الآجلة
إذاً نحن ازاء نوعين من البشر، أحدهما عجول يذهب الى أهدافه بدافع الاستحواذ، وهذا سوف يرتكب الكثير من الأخطاء والتجاوزات وسوف يحصد نتائج ذلك، النوع الآخر هو الإنسان المتأني الحكيم، لذلك سوف يكون النوع الأول ضحية الاستحواذ والمنافع العاجلة، وهو غالبا ما يفتقر للرؤية بعيدة المدى، أي أن تفكيره وتخطيطه محصور بالآنية، فهو لا يفكر بالمستقبل، ولا يعني له الغد شيئا، إنه ابن اليوم فقط، لذلك هو لا يفكر أن يبحث عن مكاسب جوهرية إستراتيجية كبرى، وهو غير معني بذلك، لأنه محاصر بقيمة المنفعة العاجلة، إذ تمنعه من التأني وتدفعه الى الكسب المادي الآني، وتضع على بصيرته غطاء يمنعه من رؤية الغد او المستقبل، فلا يرى أو لا يشعر بتلك الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها، ليس شخصه فحسب، وإنما نسله وذريته أطفاله الذين سيأتون بعده، هؤلاء سوف يتحملون أعباء وأخطاء أصحاب المنافع العاجلة، وسوف يكون وزرها ثقيلا عليهم، كونها ذات أساس خاطئ يعود على أصحابها بالأذى المباشر وغير المباشر.
لهذا نلاحظ أن أغلبية الناس ربما يفضلون المصلحة الآنية العاجلة رغم صغر حجمها، فيما يغضون الطرف عن الفوائد والأهداف الكبيرة بسبب بعدها الزمني وعدالة الوصول إليها، لذا فإننا قد نرى رؤية العين أناسا لا يفكرون بمشاريع مستقبلية ضخمة، يمكن أن تطور حياتهم وتجعلها أكثر كرامة ورفعة، ولكن هناك تأجيل لحصد النتائج بشكل فوري، وهناك تخلي عن الطمع والجشع والخضوع الى هاجس تحقيق الأهداف الآنية، التي تحرم الإنسان من فوائد جمة يمكن أن تتحقق بصورة متأنية يتم التخطيط لها بعلمية، ترفض العجالة والارتجال والعشوائية، والصراع الأعمى على المال والجاه والسلطة وما شابه، فمن يطلب الفوائد بصورة متسرعة عاجلة، عليه أن يتوقع حجم الأضرار الفادحة التي ستطوله، وتطول الأجيال القادمة التي لا ذنب لها فيما يقترفه آباؤهم من أخطاء ما كان لها أن تحدث لو أن هؤلاء الآباء فكروا بطريقة سليمة، واعتمدوا المبادئ والقيم الصحيحة التي تقودهم بمشروعية نحو أهدافهم المفيدة حاضرا ومستقبلا.
ولو أننا قمنا بدراسات ميدانية لعينات من الشعوب المتقدمة، سوف نكتشف بأنهم وضعوا التسرع والتجاوز خلف ظهورهم وهم يسعون نحو أهدافهم، فقد عمدت الأمم والشعوب العاقلة الذكية، الى نبذ المنافع العاجلة، ووضعت نصب أعينها الأهداف الكبيرة الآجلة، والنتائج التي يتم قطفها نتيجة للتخطيط المتأني الذي يرفض الخضوع للرغبات المريضة، تلك التي يندفع إليها بعضهم بسبب إلحاح حالة الاستحواذ التي تدفع بهم نحو السلوك الخاطئ بسبب التسرع في قطف النتائج والأهداف حتى لو كانت مضرة لهم.
من هنا ينبغي علينا اعتماد مشروعية الأهداف أولا، والسير نحوها ضمن المبادئ الجيدة التي لا تلحق التجاوز والأذى بالآخرين، ولا ضير أن يكون الصبر والحكمة والتخطيط طويل الأمد طريقنا نحو تلك الأهداف، فهذا يكون أفضل بالتأكيد، من حالة التسرع، واللهاث نحو المنافع الآنية التي غالبا ما تكون آنية يدفعنا إليها التسرع والاستحواذ وهو سلوك ينبغي أن نردعه دائما باعتماد القيم والمشروعية والالتزام.
اضف تعليق