أن تحسن الظن بالآخرين، أفضل من أن تظن سوءاً بهم، فتبتعد عنهم، أو تضع بينك وبينهم حاجزا، فتكون في حالة من العزلة، تمنع عنك الاستفادة من خبرات الآخرين الفكرية والعملية، وكذلك تحرمهم من قدراتك ومواهبك، وهذا يشكل خسارة للطرفين، قد تكون بلا مبرر، وهذا بالضبط ما ينبغي أن يدفع الانسان الى حسن الظن بالناس، بدلا من ان يتعامل معهم وفقا لسوء الظن، أو الشعور تجاههم بهاجس المؤامرة، فهذا الشعور المسبق بسوء الآخرين، قد يكون خاطئا، مما يؤدي الى خسائر يتعرض لها صاحب هذا الشعور والطرف الآخر أيضا من دون مبرر مقنع.
المطلوب حتى لا تكون الخسائر كبير، أن نحسن الظن بالآخرين، ولكن بشرط أن يتميز هذا الظن بالذكاء، بمعنى يمكنك أن تتعامل مع الناس الذين لا تعرفهم، وفقا لهذا المبدأ، وأن تحسن الظن معهم، لكن هذا لا يمنع من أن تكون ذكيا في تعاملك معهم، وهذا يشترط عليك أن لا تمنحهم ثقتك قبل التجربة، وفي الوقت نفسه لا تمتنع عن تبادل العلاقات والافكار والأنشطة المتنوعة معهم، خاصة ما يعود عليك وعلى الطرف الآخر بالفائدة.
هذا الاسلوب من التعامل مع تقديم حسن الظن على عكسه، يزيد الربحية، على المستويات كافة، المادية منها والمعنوية والفكرية وما شابه، فيستفيد منها الطرفان، ويمكن أن يكون الذكاء والفراسة والخبرة، والقدرة على معرفة الآخر، عاملا مساعدا على بدء التعامل مع الاخر، بدلا من تحاشيه، او التهرّب منه، فمبدأ حسن الظن لا يعني أن تتعامل مع الجميع من دون محددات او ضوابط ضامنة، لذلك من حق الانسان أن يكون حذرا، وأن يحمي نفسه من حالات الخداع والتزييف والوقوع ضحية لألاعيب السيّئين، وعليه بذكائه أن يتحاشى الطريق المنحرف الذي قد يسلكه أناس يعلنون شيئا ويبطنون شيئا نقيضا لما يعلنون، فيبقى الفيصل هنا ذكاء الانسان وقدرته على التعامل بحذر ونجاح في الوقت نفسه.
وعندما يكون هناك أناس يتحيَّنون الفرص لتحقيق المكاسب السريعة غير المشروعة، على حساب الآخرين، فلا يصح أن يتم تعميم ذلك على الجميع، بمعنى ينبكي أن لا يعمم الناس الاساءة الفردية على الجميع، فعندما يسيء أحدهم وهذا امر وارد، هذا لا يعني أن الكل سيئون، بل لابد أن تتضاعف قدرة الانسان على التعامل مع الناس وفقا لمبدأ حسن الظن، وليس العكس، والسبب غالبا ما يكون واضحا لجميع الاطراف، لاسيما أن الفوائد التي تأتي كنتيجة للتعامل المتبادل بين الناس، سوف تصل أرباحها الى الجميع.
لذلك يرى علماء الاجتماع أن انجح الشخصيات في المجتمع، هي الأكثر انفتاحا على غيرها، والأكثر إصرارا على اقتحام الأوساط الاخرى، مع الاحتفاظ بشرط الذكاء، والفراسة والقدرة على الفرز بين الجيد والرديء من الناس، وهو أمر يمكن تحقيقه من خلال اعتماد مبدأ أو قيمة (حسن الظن الذكي)، وهذه القيمة تدفع حاملها الى التعامل مع الناس بحسن الظن الذي يفهم عقلية الآخر، ويخمّن أو يعرف ماذا يريد، وبأي شيء يفكر، والى ماذا يتطلع ويطمح، عند ذاك سوف يعود حسن الظن المشروط بنتائج طيبة لجميع الاطراف.
علما لا يصح أن يتقدم هاجس المؤامرة على سواه في التعامل مع الآخر، لأنه سوف يكون عائقا أمام الانسان، ويحد من علاقاته، فينكمش ويتراجع وينعزل عن محيطه الاجتماعي الأوسع، وتصبح شخصيته هزيلة مترددة، غير قادرة على التفاعل مع الناس ولا تقوى على المواجهة، هنا سوف يتحول الامر الى حالة مرضية، تتسبب بتعرض الانسان المنكمش الى خسائر كبيرة على الاصعدة المادية والنفسية والسلوكية، ولعل هذه النتائج ممكنة الحدوث في الواقع، بل هي امر واقع فعلا يتعرض له الذين يتعاملون مع الآخرين وفق سوء الظن وهاجس المؤامرة.
الصحيح الذي يقود الى الربحية في المجالات كافة، أن يتحلى الانسان بالبراعة في ادارة العلاقات وليس تجنبها او إلغاءها، بل على العكس تماما، ينبغي على الانسان أن يوسّع من علاقاته، ويجعلها متعددة الاتجاهات، ولكن ثمة شرط يحد من التسرع ويزيد من الحنكة في العلاقة مع الاخرين، ذلكم هو (حسن الظن المدروس)، وهذا المبدأ لا يشترط منح الجميع ثقة تامة لاسيما في التعاملات التي تتعلق بتحقيق الربحية المادية، فضلا عن الربحية المعنوية او الفكرية، فكل هذه الانواع من الربح مهمة ولا تقل بعضها عن بعض مكانة وقيمة، بل هناك معادلة تقول (إعمل وفق مبدأ حسن الظن مع الآخر مع استخدام الذكاء والحنكة)، وهذا أفضل بكثير، من القطيعة والانعزال، فمع القطيعة تصل الربحية الى درجة الصفر لجميع الاطراف.
اضف تعليق