من الغريب حقا أنه لا أحد يسأل عن شخصية المعلم، ولا عن طبيعة قدراته، ولا امتيازاته، ولا الظروف المحيطة به، ولا ماهيَّة بيئته، وكل ما يتم التركيز عليه هو وجوب أن يكون المعلم جادا ملتزما، وقادرا على أن يتحمل مسؤولية تعليم الأجيال على أفضل وجه، وبأرقى الأساليب التعليمية حتى يكونوا أساتذة المستقبل المتميزين...
من الغريب حقا أنه لا أحد يسأل عن شخصية المعلم، ولا عن طبيعة قدراته، ولا امتيازاته، ولا الظروف المحيطة به، ولا ماهيَّة بيئته، وكل ما يتم التركيز عليه هو وجوب أن يكون المعلم جادا ملتزما، وقادرا على أن يتحمل مسؤولية تعليم الأجيال على أفضل وجه، وبأرقى الأساليب التعليمية حتى يكونوا أساتذة المستقبل المتميزين.
وحسنا فعل الشاعر حين خلَّد المعلم بذلك البيت الشعري الكبير، الذي يقول فيه:
قمْ للمعلِّمِ وفِّهِ التبجيلا........ كاد المعلّم أن يكون رسولا
فهل يليق هذا الوصف بالمعلم فعلا، وهل يتناسب مع ما يقدمه للمجتمع، وللنشء الجديد، بحيث وضعه الشاعر في مصاف الأنبياء درجةً وكرامً وقيمةً؟
في الحقيقة يستحق المعلّم هذا التوصيف الخالد، ولكن لابد من القول أن الذي يستحق مساواته أو مقاربته بالأنبياء ليس كل المعلّمين، فالواقع التعليمي يشير إلى عكس ذلك، ولابد من الاعتراف بأننا نقف في أحيان معينة أمام معلمين لا يستحقون هذه التسمية ولا هذه الصفة، لأنه ليس معلمًا ولا يستحق أن يحمل هذا العنوان، لماذا؟
هنالك أسباب كثيرة تقف وراء عدم استحقاق المعلم لهذه التسمية ولصفة المقاربة مع الأنبياء، تنقسم هذه الأسباب إلى شقَّين هما:
أولا: المسؤولية الذاتية
ونعني بهذه الأسباب ما يتعلق بشخص المعلم نفسه، حيث يوجد معلمون يراوحون في أماكنهم، لا يتقدمون خطوة إلى الأمام مع أن العالم من حولهم يتقدم بسرعة مذهلة إلى الأمام، ليس في مجال التعليم وحده، وإنما في كل شيء، بينما نجد أن هذا النوع من المعلمين عبارة عن جماد لا يتحرك، وهو أقرب إلى الآلة المبرمجة وفق مخطط معيّن تنفذه كما يريد هذا البرنامج، وتُعاد العملية بشكل آلي، لذا تتحرك الآلة نفس الحركة لينتج عنها نفس السلعة.
هذا النوع من المعلمين الذين يشبهون الآلة، يدخل الصف، يتلفّظ يوميا بالمعلومات نفسها، يطلب من الطلبة حفظها، ويغلق عقولهم بالتلقين اليومي الذي يلقيه عليهم بشكل آلي، فيتم صنع طلاب آليين مثل معلّمهم، فكما أن هذا المعلم راكد جامد يراوح في مكانه ويجترّ نفس المعلومات سنوات بعد أخرى، فإن طلابه الذين يتخرجون على يديه لا يختلفون عنه بشيء.
ثانيا: المسؤولية الخارجية
وهذا الشق من المسؤولية لا علاقة للمعلم به، فهو يعيش في بيئة اجتماعية متعبة، وتحيط به ظروف اقتصادية وإنسانية صعبة جدا، ويعاني من نواقص لا حصر لها، بعضها مادي (قلة الرواتب والمكافآت التشجيعية والدعم المادي والمعنوي)، وبعضها نواقص علمية بحتة تقع على عاتق الجهات التي ينتسب إليها المعلم وظيفيا وإداريا.
على سبيل المثال وزارة التربية، أو وزارة التعليم العالي، تقع على هاتين الوزارتين، مسؤولية هائلة بخصوص تطوير قدرات المعلم التعليمية (والمعلم هنا يشمل كل الأساتذة الذين يحاضرون بالطلبة ويقدمون لهم المعلومات كل بحسب اختصاصه)، فإذا كان هناك معلم قاصر المعلومات، وقليل القدرات، فإن الوزارة والجهة الإدارية التي يتبع لها تتحمل مسؤولية كبيرة.
أليس من واجب الجهات الإدارية الوظيفية (وزارة التربية، والتعليم العالي، ومديريات التربية كافة)، أن ترتقي كثيرا بالمعلم والأستاذ الأكاديمي، ثم ألا يستحق هذا الشخص أن يُرسَل في دورات تطويرية تنمّي قدراته التعليمية داخل وحارج العراق.
صحيح هناك مسؤولية كبيرة فردية أو ذاتية تقع على هذا المعلم في تطوير نفسه، ومعلوماته وخبراته، لاسيما في ظل الانفتاح على المنصات الإلكترونية التعليمية المختلفة، ولكن هذا وحده لن يكفي أبدًا، فالمطلوب أن يحصل المعلم والتدريسي بكل التسميات والعناوين على حصته وفرصته من التطوير والتنمية المعلوماتية لاسيما خارج العراق.
زيادة الخبرات التعليمية
أليس مهمًا أن يُرسَل المعلم في دورات تطويرية دورية لتنمية معلوماته، وزيادة خبراته التعليمية، ومن ثم تقديمها لطلبته وفق أحدث أساليب التدريس العالمية؟
ولا ننسى أن الشقّ النفسي له تأثير كبير على عطاء المعلم، لذا فإن الثقافة النفسية للمعلم جزء مهم له علاقة مباشرة في تطوير قدرات المعلم التدريسية، بحيث يستطيع أن يتعامل مع طلابه نفسيا بعد حصوله على دورات تطويري في مجال علم النفس، وقد تحققت نتائج مذهلة في هذا المجال لاسيما في تخفيض نسبة كبيرة من العنف اللفظي والجسدي الذي يتعرض له الطلبة، بحيث أصبح المعلمون أقل شراسة وأكثر لطفا ولينًا في تعاملهم مع طلابهم.
خلاصة هذه الكلمة، يجب أن يتم تطبيق شعار (المعلّمون أولا) في كل شيء، وهذه مهمة ومسؤولية الجهات الإدارية والوظيفية التي ينتسب لها المعلمون قبل غيرهم، إذ يجب على هذه الجهات أن تتحيَّن الفرص كي يمنح المعلمين مكافآت تشجيعية مع إدخالهم دورات تدريبية، مع الإسهام في تذليل مصاعبهم وظروفهم، والسعي لمعرفة أدق التفاصيل في حياتهم لتذليل المعوّقات التي تعترض حياتهم وتجعلها أكثر سهولة ويسرَا.
اضف تعليق