الإنسان الذي تنقصه المعرفة بالأشياء، يكون كالأعمى الذي لا يعرف خفايا الطريق الذي يسير فيه، فيكون متلكّئا بطيئا في سيره، لأنه بسبب عدم معرفة الطريق سوف يشعر بأن كل شيء يشكل خطرا عليه، وقد يكون هذا سببا في تردّده وتراجعه، لأن قلّة المعرفة تعني قلّة التفكير...
مقالنا هذا يأتي ضمن سلسلة مقالات تناولنا فيها الفقر في جوانب عديدة، ووصلنا في هذا المقال إلى مشكلة قلّة المعرفة عند الإنسان، فردا كان أو مجتمعا، وأسباب قلة المعرفة، والمشكلات التي تتمخض عنها، فكيف يمكن أن يؤثّر الفقر المعرفي على حياتنا وطبيعة تفكيرنا وسلوكنا؟
قبل ذلك، لغويا تفسَّر مفردة مَعرَفة على أنها اسم جمعه معارف، والمَعرِفة تعني إدراك الشَّيء على ما هو عليه، أو ما يتكوَّن في الذِّهْن من مَفْهوم لشَيْء، إِدراك حَدْسيّ لأَمْرٍ ما وتَمْييز بين ما هو ضارّ وما هو نافع. مثل مَعْرِفةُ الخير والشَّرّ.
ويقول المعنيون بتفسير أو تعريف المَعرِفَة إنها الإدراك والوعي وفهم الحقائق عن طريق العقل المجرد أو بطريقة اكتساب المعلومات بإجراء تجربة وتفسير نتائج التجربة أو تفسير خبر، أو من خلال التأمل في طبيعة الأشياء وتأمل النفس أو من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم.
والمعرفة كما يحددها قاموس أوكسفورد الإنكليزي بأنها: الخبرات والمهارات المكتسبة من قبل شخص من خلال التجربة أو التعليم؛ الفهم النظري أو العملي لموضوع ما. وهي مجموع ما هو معروف في مجال معين؛ الحقائق والمعلومات، الوعي أو الخبرة التي اكتسبتها من الواقع أو من القراءة أو المناقشة.
المعرفة هي كيفية التفكير
إذًا كل فرد وكل مجتمع يحتاج إلى المعرفة، فمن دون أن تعرف الشيء لا يمكنك الخوض فيه، وطالما أن حياة الإنسان عبارة عن سلسلة متواصلة من الأشياء المختلفة والمتشابهة، المترابطة والمتباعدة والمتداخلة، فإنه يحتاج أن يعرف هذه الأشياء بعمق ووضوح وفهم تام، وإلا كيف يخوض فيها، وكيف يحقق أهدافه في الحياة؟
الغاية من المعرفة كما أظن هي كيفية معرفة التفكير، أو تنظيم أفكار الإنسان، والخروج بنتائج تقوده إلى أهدافه، وهنا يخبرنا كونفوشيوس قائلا: لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا عندما يتعلم كيف يفكر.
فهناك ترابط بين الفكر والمعرفة، وهناك تلازم واضح بينهما، فمن لا يعرف، قد يكون السبب لأنه لا يعلم، وإذا علم بالشيء عرفه، هذا لا يعدم الاختلاف بين المعرفة والعلم، ولكنه في نفس الوقت يؤكد التلازم بين الاثنين، فلا معرفة دون علم ولا علم دون معرفة، وإذا اقتصر العقل على حيازة أحدهما (المعرفة وحدها، أو العلم وحده)، يبقى هناك نقص لابد من أن يتفاداه الإنسان، فيجمع بين المعرفة والعلم، وهذا ما يجعله مكتمل التفكير.
الإنسان الذي تنقصه المعرفة بالأشياء، يكون كالأعمى الذي لا يعرف خفايا الطريق الذي يسير فيه، فيكون متلكّئا بطيئا في سيره، لأنه بسبب عدم معرفة الطريق سوف يشعر بأن كل شيء يشكل خطرا عليه، وقد يكون هذا سببا في تردّده وتراجعه، لأن قلّة المعرفة تعني قلّة التفكير، وقلة التفكير تعني أن حياة الإنسان غير منظَّمة بشكل صحيح.
الجاهل صغير وإنْ كان شيخا
يحتاج المجتمع للمعرفة كي يتعلّم التفكير الصحيح، وهذا ينطبق على الفرد أيضا، لأن الفقر المعرفي لا يتناسب وعالم اليوم الذي تتسارع خطاه نحو المعرفة وتنظيم الأفكار، وهناك تفاصيل كثيرة في نوع وحجم وأهداف المعرفة، لكنها في مجملها تهدف إلى تحسين حياة الإنسان من خلال تخليصه من فقر المعارف والمعلومات حيث تتحدّد حركته ويتوقف تقدمه وتطوره على مقدار المعرفة التي يحصل عليها، وعلى نوع هذه المعرفة أيضا.
(المعرفة هي الحب والضوء والرؤية. أحسَن المعرفة معرفتك لنفسك، وأحسَن الأدب وقوفك عند حدك. المعرفة أمر جيد، والارادة شيء أفضل، أما التصرف فهو أفضل الثلاثة. الحزن هو المعرفة، من يعرفون أكثر يُفجعون بشكلٍ أعمق، شجرة المعرفة ليست شجرة الحياة).
هذا ما يقوله أحد المبحرين في المعرفة، كونها الحب الذي يقود إلى النور والرؤية الصحيحة، وهذا جل ما يطمح له الإنسان في حياته، وهو لن يتحقق إلا عن طريق اكتساب المعرفة بأنواعها، ولعل أفضلها أن يعرف الإنسان نفسه، فإذا تحقق له ذلك نجح في بلوغ ما يرومه من أهداف وخطط مستقبلية ذات أبعاد كبيرة.
وفي كل الأحوال لابد أن تكون المعرفة على رأس متطلبات الإنسان، لأن فقدانها أو قلّتها لا تعني سوى شيء واحد وهو الجهل، وهذه مشكلة الأفراد والمجتمعات المصابة بقلة أو انعدام المعرفة، ذلك لأن (الجاهل صغير وإن كان شيخاً، والعالم كبير ولو كان حدثاً). كما يقول مالك بن دينار، لهذا علينا جميعا، أن نضع اكتساب المعرفية هدفا حاضرا ومستمرا في حياتنا.
اضف تعليق