على الرغم من أن الأسوة مفردة واحدة لا أكثر، لكنها تحمل بين حروفها وطياتها، الكثير من المعاني والمضامين التي أسهمت على نحو واضح، في تغيير المجتمعات ونقل الشعوب والدول، من حالات التراجع والضمور الى التفاعل والحيوية والابداع، وجعلتها ترتقي الى مصاف الدول التي تقود العالم، في قضايا ومجالات حسن التدبير، في السياسة والاقتصاد والتعليم والتربية والصحة، وما شابه ذلك من تفاصيل، تزخر بها الحياة اليومية للانسان.
وتعني أسْوةً به: على مثاله، على منواله، وعلى غراره، كذلك تعني القُدْوَةُ: من يُقْتدى به، ومن يتّخذه الناسُ مثلاً في حياتهم، ونظرا للمصاعب الكثيرة التي تعترض طريق الانسان في الحياة، وتميل به نحو اللامبالاة والانحراف ومن ثم الضمور مع الزمن، فهو في هذه الحالة يحتاج الى النموذج والمثال والأسوة التي يتعقَّب خطواتها، حتى لا يسقط في فخ التراجع او السكون في المكان نفسه، فيما يتقدم الاخرون عليه بأشواط ومسافات، ومن ثم يتعرض لفقدان فرصة التقدم الى أمام.
بهذا المعنى نحن بحاجة الى الأسوة التي نتمثّل أفكارها وسلوكها وشخصيتها، لكي تحمينا من الزلل، ونحن نحتاج ايضا الى قدوة ونموذج نقتفي أثره، لاسيما أن الانسان لا يخرج من رحم امه مكتملا!، بل علمتنا الحياة أننا نحتاج الى الاسوة والقدوة طالما كنا على قيد الحياة.
ولأننا نعيش هذه الايام الذكرى السابعة لرحيل آية الله، الفقيه السيد محمد رضا الشيرازي (أسكنه الله فسيح جناته)، ولأننا عايشنا شخصيته وعرفنا خصاله ونهلنا منها الكثير، فإننا نتشبث بهذه الذكرى لاستعادة مزايا هذه الشخصية الفريدة بخصالها ومزاياها وصفاتها وملَكاتها، كما رأينا ذلك في حياته (رحمه الله)، فقد كان الفقيه الشيرازي، نموذجا فريدا في الصبر بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، لاسيما في مجال التعامل مع الآخر.
فقد كان الفقيه الشيرازي نموذج الانسان الصابر الصبور، وكان يمنح الآخر كل ما يبتغيه من فرص للكلام وطرح الحجة ومبادلة الرؤى والاحاديث، وكان سماحته يدير الحوار مع الآخر باسلوبه المتأني العلمي العقلاني الدقيق، ليصل بالنتيجة الى إقناع الاخر بصورة لا لبس فيها، حدث هذا كثيرا بصورة مباشرة مع آخرين، بالاضافة الى الافكار التي يطرحها الفقيه الشيرازي عبر محاضراته التي يداوم الملايين من البشر، على حضورها وسماعها عبر القنوات الفضائية ووسائل الاعلام الصوتية وسواها، وبهذه الطريقة تمكن سماحته من التعامل مع الآخر وفق اسلوب الاقناع القائم على المنطق والعلمية والاقناع، لاسيما اذا عرفنا ان الانسان ليس معاندا بطبعه، انما قد يتشبث أحيانا بنتائج ليست معقولة، ولا تنطبق مع التحليل السليم، ربما تم فرضها عليه في التنشئة وما شابه.
لذلك كانت شخصية الفقيه الشيرازي ولا تزال وستبقى قدوة حسنة، تساعد المسلمين وغيرهم من البشر، على اقتفاء أثر المحبة والتسامح والسلام، والتعامل بروح الأخوة والتعاون والتكافل، بما يضمن توّحد وتجمّع الطاقات خدمة للانسانية، وكل هذا كان يتحقق على يد الفقيه الشيرازي باسلوبه الصبور، وقدراته الكبيرة على استيعاب الآخر مهما كان متناقضا او بعيدا في افكاره ومعتقداته، من هنا كانت شخصية الفقيه الشيرازي نموذجا للاعتدال، ووجهة لكثير من المسلمين والمؤمنين، لكي يتعلموا منه ويقتدوا به.
وكنا في مقال سابق، قد تحدثنا أفكار الفقيه الشيرازي والمبادئ التي آمن بها، وهي موجودة على نحو واضح في مؤلَّفاته، ومحاضراته التي تتوزع المجالات كافة، وتعالجها بروية وصبر ودقة، فنجد علمية الفقيه الشيرازي في كل ما يتعلق بالإنسان، من امور فكرية وروحية وعقائدية، غيبية او ظاهرة في واقعنا الحياتي المعيش، وجعل كل خبراته في هذه المجالات تحت تصرف المتابعين له، وهم كثر كما يتضح ذلك من ارقام الحاضرين لمجالسه، او التابعين لمحاضراته عبر الشاة الصغيرة.
وقد ارتبطت علمية وآراء ورؤى الفقيه الشيرازي، بصورة محكمة مع شخصيته النموذجية، فتوحَّدت تلك الافكار والمضامين مع سلوك السيد محمد رضا الشيرازي، لتقدم منها شخصية يندر وجودها في عالمنا المرتبك اليوم، من هنا لابد أن يتم التركيز على كيفية الاستفادة من شخصية الفقيه الشيرازي كأسوة وقدوة لنا، لاسيما أننا نحتاج اليوم الى الاسوة والقدوة والنموذج القادر على انقاذنا من حالات التشرذم والتفرّقة التي يتعرض لها المسلمون، في ظل مستجدات واقعهم الراهن، وما تعتوره من معضلات كبيرة.
لذلك ما أجدر بالمسلمين وهم يعيشون واقعهم المرير، أن يقتفوا أثر الفقيه الشيرازي، ويتمثلوا شخصيته، بكل تفاصيلها، من حيث الافكار والسلوك، وسمات وملَكات الشخصية، وأن ينهلوا على نحو دائم من افكاره ونظرته للحياة، ومنهجه التربوي الانساني، وطريقته في التعامل مع الجميع، لاسيما أن كل ما قدمه الفقيه الشيرازي على مدى عمره (الذي مرَّ سريعا)، يعد من كنوز القيم والافكار الايجابية التي تصنع شخصية نموذجية للانسان.
وهكذا نحن ازاء شخصية ينصهر فيها السلوك مع الفكر في بوتقة واحدة، هي بوتقة حب الانسان والتضحية من اجله، والتعامل الصبور معه في المجالات كافة، لأنه الأخ في الدين او النظير في الخلق، كما قال بذلك سيد البلغاء الامام علي عليه السلام، فحري بالمسلمين اقتفاء اثر هذه الشخصية القدوة والنموذج الأرقى لنا، إنه سماحة الفقيه الشيرازي، بشخصيته المحببة، وخلقه الرفيع، وبعلمه (السهل العميق)، الذي يحاكي جميع العقول من كل المستويات، وهذه سمة مهمة من سمات الخالدين.
اضف تعليق