علي عليه السلام مكلف ببناء نموذج للدولة العادلة الفاضلة الممثلة لجوهر الدين وصلب العقيدة نموذج يُقتدى به على مر الأزمان وتعاقب الدهور وليس مكلفاً ببناء مملكة او سلطان أو امبراطورية تنتهك فيها الحقوق وترتكب فيها الجرائم باسم الدين وشريعته الغراء وقد انجز المهمة على أفضل وجه رغم كل التحديات التي واجهته...
يُروى أن رجلًا سأل علياً عليه السلام عن سبب حدوث الفتن والاضطرابات في عهده، بينما لم تكن موجودة في عهد من سبقوه فأجابه :“لأن رجالهم كانوا أنا وأمثالي، أما اليوم، فرجالي أنت وأمثالك) وهذا سؤال قديم جديد وربما سأله في ذلك الحين معاوية او طلحة أو ابن الزبير او رجل من الخوارج أولئك الذين ثاروا عليه ثم يقولون لماذا هذه الاضطرابات ؟!!
عليٌ الذي جاء إلى الحكم وأمراء الشام واليمن والبصرة والكوفة وبلاد فارس كلهم من بني أمية، جاء إلى الحكم ومعاوية يحكم الشام سبعة عشر عاماً (منذ 18هـ)،حتى طمح بالخلافة والملك. عليٌ ورث انحرافاً آخر وهو التفرقة في توزيع العطاء على المسلمين بين المهاجرين والانصار وبين الموالي والعرب وبين زعماء القبائل واتباعهم. علي جاء إلى الحكم وثروات بعض المهاجرين تكسر بالفؤوس من الذهب والفضة، على جاء إلى الحكم وقد عمت القبلية والمحسوبية بين صفوف المهاجرين والانصار، جاء إلى الحكم وقد تمرد الولاة وقلت هيبة الخلافة كل هذا ورثه علي عليه السلام ممن كان قبله.
علي بين خيارين أما إبقاء الحال على ما هو عليه أو اعادة الأمر إلى نصابه الذي يأمر به الله والشريعة والعقل فاختار الثاني فبدت الاعتراضات وثارت ثائرة الطامحين بالحكم فاتخذوا من قميص عثمان ذريعة للانقضاض على الخلافة ولو كان غير علي عليه السلام وسار على نهجه لما استطاع الاستمرار أسابيع فضلاً عن أشهر أو سنوات.
علي عليه السلام مكلف ببناء نموذج للدولة العادلة الفاضلة الممثلة لجوهر الدين وصلب العقيدة نموذج يُقتدى به على مر الأزمان وتعاقب الدهور وليس مكلفاً ببناء مملكة او سلطان أو امبراطورية تنتهك فيها الحقوق وترتكب فيها الجرائم باسم الدين وشريعته الغراء وقد انجز المهمة على أفضل وجه رغم كل التحديات التي واجهته ولو امتلك زمام الأمور غيره واعترض عليه القاسطون والمارقون والخارجون مثلما اعترضوا على علي عليه السلام وبهذا الصلف وتلك الوقاحة لفتك بهم فتكاً وغنم أموالهم وسبى نساءهم وصلبهم على جذوع النخل وجعل من جثثهم طعاماً للضواري بتلك الفلوات كما فعل بنو أمية وبنو العباس بالثائرين عليهم .
الفرق كبير بين أمير يجعل الدين نصب عينية ولا يرى من الملك إلا إقامةً للحق والعدل وآخر يدور حيث يبقى تاج السلطنة وسيف الإمرة فالملك هو الغاية وكل ما عداه وسيلة لبقائه وتمدده، وعلي عليه السلام قال ذلك مرة (أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ).
لولا ان رسول الله صلى الله عليه واله قال: ( إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم) لقلت أن علياً عليه السلام حكم في زمان غير زمانه وأنه يتقدم على الأمة وعياً وعدلاً وسلوكاً بقرون وان تجربته في الحكم وعهده لمالك الأشتر عندما ولاه مصر لم يزل متقدماً على عصرنا اليوم فدولته لم تحن بعدُ رغم مرور اربعة عشر قرناً. لكن هذا الرأي يُطعن به أن الإسلام دين لا دولة ودولته نسج من خيال لا تحاكي الواقع، إنها نظرية يستحيل تطبيقها.
اضف تعليق