يقف العراقيون على أبواب الانتخابات النيابية الجديدة، يقترن ذلك بحملات إعلامية عن هذا الحدث المهم في المسيرة الديمقراطية للعراق، يُضاف إلى ذلك حملات الكتل والأحزاب المشاركة، والشخصيات التي تنوي الدخول في هذا المحفل الانتخابي، لكل حزب فكر يسير في هدْيهِ، ولكل كتلة مآرب تنقسم على المادي وسواه، الإعلام هو الذي يقدّم هؤلاء إلى الشعب وجمهور الناخبين، ما هي الأداة التي تصل الناخب بالمنتخَب، الإعلام بأشكاله وأنواعه هو الأداة، والفكر والبرنامج والمشروع الأفضل هو الذي يرتقي بالمرشَّح إلى مقعده في مجلس النواب، هذا إذا افترضنا انتفاء حالات التزوير والترويج غير المشروع للمرشَّحين.
الذي يهمّنا في هذه الكلمة، كيف يثقّف الإعلام للانتخابات، وما هي الطريقة الإعلامية المنصفة التي يمكن للإعلام تقديمها في هذه الحملة، يجيز الدستور الحملات الإعلامية للمرشحين وفق ضوابط دقيقة من حيث الانطلاق والنهاية ومدة الصمت الانتخابي، الإعلام له قصب السبق في تثقيف الناخب وحثه على الإقبال والمشاركة في الاقتراع.
ما هي الكيفية التي يتعامل معها الإعلام الناضج المهني مع الانتخابات بكل مفاصلها، والداخلين فيها، من مرشحين وناخبين وأحزاب وكتل سياسية، ما لوحظَ في الحملات الإعلامية التي رافقت الدورات الانتخابية الماضية، أنها ارتكبت أخطاء منها مثلا، عدم تثقيف الناخب على أداء هذه الفعالية بطريقة تضمن حقوقه عبر الانتخاب الصحيح، وقد يكون حجر الزاوية في الإخفاقات السابقة هو ما تسببت به الحملات الإعلامية المرافقة من تقصير، بالأخص في قضية التثقيف الانتخابي السليم.
فالتلفاز والإذاعة والصحافة الورقية والإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، كلها وسائل إعلامية لم تقم بما يجب القيام به حول تثقيف الناخبين، وتوضيح أهمية دورهم في بناء النظام السياسي الديمقراطي والدولة المدنية القادرة على حماية الحقوق والحريات، خصوصا أن البند الأخير هو الميزة الأهم التي تفرّق بين الحكومة الديمقراطية والدكتاتورية، هذه هي أهمية الثقافة الانتخابية الصحيحة ونتائجها، وهذه هي المهمة الأولى التي تقع على عاتق الإعلام.
فالثقافة الانتخابية العميقة الواضحة المسدَّدة هي العمود الفقري لفعالية أي دورة انتخابات نيابية أو سواها، وحين السؤال عن مدى نجاح الإعلام في أداء دوره للتثقيف الانتخابي، واعتمادا على التجارب السابقة، فإن الفشل هو النتيجة المنطقية لتقاعس الإعلام المهني المنصف، وعدم إيفائه بالتزاماته في تثقيف الناخب كما يجب، فالقول بفشل السياسيين في إدارة الدولة بسلطاتها الثلاث، لا يعود للساسة فقط، فهناك من يتحمل هذا الفشل ونتائجه معهم، إنه الإعلام الذي لم يقم بواجبه المنصف المهني.
يُضاف إلى ذلك عدم تسليط الضوء الإعلامي على برامج الكتل والأحزاب السياسية بصورة علمية دقيقة، فذهب الناخب إلى صناديق الاقتراع وهو لا يحمل معه الثقافة الانتخابية التي تساعده على الاختيار الأحسن، بالإضافة إلى عدم قدراته الفكرية أصلا، لكن الإعلام لو تصدى لدوره في التعريف السياسي والفكري عبر التثقيف الانتخابي المائز، فإن الناخب في هذه الحالة سينهض بدوره الصحيح، وسوف يدفع بالعقول الجيدة إلى مجلس النواب كممثلين ذوي فهم وخبرة وإرادة ورؤية مستقبلية ترفض الآني وتتمسك بما يبني الدولة ومؤسساتها وفق نظام ديمقراطي.
ومن مكامن الخلل الإعلامي أيضا، لهاث بعضهم إلى الكسب المادي على حساب النضوج والمهنية، فبعضهم يُباع ويُشترى، واضعا الكسب المادي عنوانا لعمله الإعلامي الذي يعدّ من أشرف المهن، وأكثرها تأثيرا في بناء حاضر الأمم ومستقبلها، حتى قال بعضهم، إذا صحَّ الإعلام تقدمت الشعوب، وهو قول لا غبار عليه، ولن يختلف على جديته وجدواه منصفان، أما حين يكون المال هو المحرك والدافع والموجِّه للإعلامي أو المؤسسة الإعلامية في هذا الاتجاه أو ذاك، هنا سوف نقف أمام مشكلة خطيرة قد تكون نتائجها تدمير دولة بأركانها مجتمعة.
فلما يساهم الإعلام بتدمير الدولة؟ وهل يتمكن من ذلك حقاً؟، نعم ماكنة الإعلام المُشتراة قادرة على أداء هذا الدور بسلبية عالية، بالأخص إذا كان الهدف الربح المالي، فبعض الإعلاميين مدفوعين بأوامر من المؤسسات التي ينتمون لها، لا يكون التثقيف الانتخابي من مهامهم ولا يدخل في جداول أعمالهم ونشاطاتهم، إنهم مؤتمِرون منفذون خلّص، فحبذا لو كان هذا الإخلاص وهذا التنفيذ الدقيق دافعا للإعلاميين والوسائل الإعلامية للنهوض بعملهم وبرامجهم بما يضاعف من الوعي والتثقيف الانتخابي للناخب.
لماذا هذا التركيز والتعويل الكبير على دور الإعلام في إيصال النتائج الانتخابية إلى مرساها الدقيق والمثمر؟، لقد عاش العراقيون عذاب الحكومات الفردية الدكتاتورية الانقلابية، وعانوا من الجهل وغياب جذوة الفكر المتوقِّد، فإن كان هنالك قصور ذاتي فردي وحكومي وشعبي، سوف يقف الإعلام في صدارة المسببات التي انتهت بوصول نواب غير مؤهلين إلى قاعة مجلس النواب ومقاعده، والنتيجة قصور في بناء الدولة وتقديم الخدمات الأساسية، يُضاف إلى ذلك بعض السياسات الهوجاء التي أودت بالبلاد في متاهات كانت في غنى عنها.
ماذا يُراد من الإعلام المحايث للانتخابات؟ سؤال أجيب عنه من وجهة نظر فردية، وأقدّم بعض الخطوات التي ربما تقدم بعض المفاتيح لنتائج برلمانية منصفة ومؤهلة لإدارة العراق، منها:
- ترجيح كفة الإعلام المستقل.
- تدعيم المؤسسات الإعلامية المعتدلة.
- حصر المهمات الإعلامية بالتثقيف الانتخابي المنصِف.
- إبعاد الإعلام المضلل عن هذه الساحة.
- تحفيز العاملين في الحقل الإعلامي على أداء العمل المهني.
- تقديم المكافآت لمن يستحقها في حالة ثبات نزاهة نشاطه الإعلامي.
- تثقيف الناخب ودعمه بالفكر الذي يساعده على الفرز بين الصالح والطالح.
- مراقبة الطارئين على هذه المهنة الشريفة وفق معايير دقيقة وعدم السماح لهم بتلويث هذه المهنة بنزعات مسيئة هدفها الربح المادي دون أي شيء آخر.
- تسليط الضوء على المرشحين بمساحة واحدة وفق نظام المسطرة المتساوية.
- إيمان الكتل والأحزاب والشخصيات الداخلة في الاقتراع النيابي بالعدل الإعلامي، والكف عن الأساليب المرفوضة.
اضف تعليق