هو اليراع.. قد وضع حروفه الثقيلة.. على اديم السطور وعلى جثث الافكار... وهو يتلوى في بحور الصياغات.. والبلاغات.. يفتش عن طهارة الكلمات ليدخل بها صومعة الشهادة العلوية.. على اعتاب ذكرى رحيل ابي تراب.. ها انا اطرق بابك يا علي بإرتعاشة قلب... (اخلع نعليك.. انك بالوادي المقدس طوى)... ومع يراعي المدمى اتشرف بالولوج الى واحة الولاء المحمدي احمل على كتفي مداد الموالين بخطى متعثرة.. وانا اسمع صوتا هادرا من اعماق التأريخ (يا دنيا غري غيري).... انت يا علي يامن نسجت للوجود قميصا.. على غير النول الذي حيك عليه قميص (عثمان)... وصنعت للدين الحنيف حساما كان من غير معدن سيف عشيق (قطام)... المرادي ابن ملجم... ذلك السيف المسموم الذي قضم جذور العفن المتشعبة في بطون التأريخ...
لكن فؤادي ويراعي عشقا ذكراك.. وحارت الافكار في معناك منبهرة.... عجز القلم والقرطاس وهما يلملمان الالفاظ والمعاني والصياغات.... وتكسرت الكلمات والحروف على السطور خجلا من ان توفيك حقا... من معاجز الكلم.. فللسطور حنين زادت يراعي شغفا حتى غدا طيفها في فؤادى المدمى... مسجى غير ذي حراك...
وحيث تعثرت انغام الكلمات في قيثارة السطور... وانا ابحر من شواطيء حزني... تزجيني ايدي الاهات في موج متلاطم... وسطوري تشع في حدق الليالي زهوا وهي مثقلة بيوم حصادها في ذكر الشهاده... ويراعي يرهف السمع عله يلقى رجعا يعالج صخب الاقوال... اقوال المرجفين... وحملة مصاحف (صفين)... وشهادة في محراب الكوفة... امثولة قدسية الابعاد والمعاني... وبكل ما في الدرب من وعورات... وبكل ما في الجهاد من اثقال...... وبكل ما في العمر من اوصاب... لأنها الرسالة التي ترعرعت في ظل قلبك... وغرقت من فيض حجاك... ستظل ترتبط بمحامل سيفك ذي الفقار... نياط مفاوزها... لأنك لها... اذ تغور بها الرحاب.... وحيث ابت صياغات اللغات... وبلاغات الالفاظ... الا ان تلتحم مع انين المداد الممتزج بحشرجة اليراع المتمددة على اديم السطور.. لتعيد نفسها.. دما احمرا قانيا... على بساط المحراب العلوي... هي ذات الحروف والكلمات والسطور الحزينة.. التي ابت الا ان تكون... مرثية... دائمه... تتربع على مراثي ال البيت المحمدي....
مدادي أضحى دم الجرح... مرتمياً على صحيفة الهموم.. صارخاً... يا علي.. وجمرة الأسى في صميم الحشا.. توجرت.. وتكسرت عبراتي.. بين مآقي العيون... وندى دمك الزكي... فار كما (فار التنور).. حاملاً غصصي وشهقاتي بين الجوانح النائحة... والشرايين الصائحة... وارتجف اليراع بعاصف الأقدار جزعاً... لوجد الفراق.. وعتب يراوح في خلجات النفس.. يكدر صفوة السنين... وشجى ناقوس الذكريات.. وادلهمام سجف الليالي الباكيات... ابحث عن دروب الصبر... وأغفو على وسادة الحزن.. واستيقظ بتمتمة الدموع.. والأنين.. ولوعة الفراق.. الفراق الذي شابت منه ذوائبي... وجرح الشوق الغائر... ينزف.. دون محطات وقوف.. ومن كل جفن ينبوع.. فاض.. وتفجر... فناحت نسائم الدهر... ورسمت اكف الحزن.. سواد الليل البهيم.. وسحائب من الآلام خيمت على الوجود...
انشر حروفك.. أيها القلم المدمى... فليلي مسهد... وبدرك يقظ... وصمتك مخترق... واجم وجوم المعابد... والخلوات... وصيحة الكرار (فزت ورب الكعبة).... وأمواج من الدموع... طافحة في دار العصمة العلوية... وتفجر بركان الأحزان.. وها أنا اليوم أتوكأ على عصا الهموم... وامشي على الجمر.. حائراً بين الدهر... ولوعة الجرح.... وجمرة في القلب مستعرة... حين اقبل الناعي وطرق سمعي ناعيته... فاشتعلت بين جوانحي.. نار... وهاج الأنين لفقد زوج البتول... وارتجفت الأيام... ووقف كون المعالي تحت منبرك.. في محراب الشهادة االهاشميه.... هنا تربع أمس... بانتظار غد.... تعتكف فيه الشفاه.. هنا صدحت بخطابك... وكل الأكوان صامته... باسم الولاية... وكأنك اختطفت الموت.... صرفاً... ونحواً... ولغات... وجرت عيون السماء دموعاً حين اغتيل بدر الأمة على ارض كوفان... فاظلم وجدان العالم.. ونشر الديجور... وفجع نظام الكون... وشجى أصل النبوة بفاجعة الإمامة... واهتزت أركان الهدى.. وردد لسان روح القدس.. ناعياً... قد حل مصاب.. وأي مصاب.. فضجت أصوات النوح في العالم العلوي... فاشدد حيازيمك يا علي.... ومحرابك الحزين... يا زين الموحدين النجباء... يناديك.. أينك يا صاحب العصا والميسم ؟؟؟؟
أنين المحراب.. مكتوم.. يسأل عنك... لم تركتني يا عماد الأتقياء؟؟ أطلت الغياب يا علي.. ألا تدري أن موعد التكبير قد حان؟؟؟ وخيوط الفجر ألقت بنفسها على أديم المحراب فغدت تحبو كطفل صغير.. لا تقوى أرجله على السير؟؟؟ أتراك تركتني يا صاحب الحوض واللواء.. مع بقايا دمك الطاهر... ؟؟؟... وحين نطق السيف.. صبت حتوف على حتوف... وصمت العالم... واختير المصرع... ليكتب بدم الوصي... صحائف اليقين.. ولترسم العزة بنضوح الشريان... وتكدر وجه الكون... وانطوت سماء العقيدة.. كمداً.. بعاصف من رياح النائبات وتكسرت صم جلاميد الصخور... عزيز علي أن أراك صريعاً... وقد توسد خدك التراب... يا أبا تراب... أندبك كالوالهة الثكلى... وان بقي ذكرك مقروناً بلسان المجد.. غياثاً للورى... في سفر صيغ من جواهر الكلم... صعب مغزاه في نهج بلاغتك... إلا على العارفين... ولئن أبكتني صائحات النوائح... وحشرجات الثكالى... في أوائل أسراب الذاكرين لهول الفاجعة.. التي زلزلت رواسي الدهور مذ عقد لك الأمر.. في اللوح المحفوظ.. وجرى القضاء أن تمضي شهيد المحراب.... وسواد الليل والديجور.... أمسى ثوب حزني.. وحدادي... حين اغتالك سيف المرادي... لينطلق نداء الوحي عند ذي العرش.. فيملأ الكون دوياً.. فنعى مقتلك العرش والكرسي.. وسكان سبع سماوات... نعياً شجياً... وبكى اللوح لفقدك يا أبا الحسنين.... بكاءً سرمدياً.. وأنت تكابد الأمر المهول.. وهتاف من امة.. بكت قبلك الرسول الابطحي التهامي.... لك أيها الأمير في الأحشاء نيران لم يزل لظاها يورى... ودموع العين جرت دماً.. وهل يجدي بكاء العيون؟؟؟
يا أخا المختار طه.. يا قسيم الجنة والنار.. في موعد الحشر... تباً لأمة غيبت بدر الوفاء... وعيون الوحي بكت... تلتها دموع المصحف.. وزمزم... والصفا.. وماج بدر الدجى في دمائه... ارتمى على أديم المسجد الكوفي.... واحسرتاه... والوعتاه... لقد غسلتك سيدي في عبرتي... كفنتك سيدي في مهجتي... وضج الورى.. صياحاً... بعيون همل... هيهات لها أن تطفيء نيران الحشا.. وجمرات القلوب... وحرقات المهج والأرواح... وأنا أطوف بين الخلق.. صارخاً.. هو مولاي علي... همت عشقاً بعلي... يا إمامي يا علي....
سيدي.. استميحك عذراً.. في قبول سطوري.. هذه بضاعتي مسجاة في حضرة محرابك... وقد غيض البحر الخضم... وطمى... بعدما عقد اللواء العلوي... مجدا قدسيا... ورحيقا كوثريا... على اعتاب ذكراك يا ابا تراب.... واربعة عشر قرنا عبر مفازات الدهور بسنيها.... بأيامها... بلياليها... بساعاتها... ذابت كذوبان حبة الملح حين هوى سيف المرادي.. مخضبا تلك الشيبة الشريفة.. من نجيع الهامة الجريحة... متوهمين انهم قد حشروك بين بداية ونهاية... او امارة... او بيعة خلافه.... ولك على كف ابن ملجم دثار الكفن... وقماطك قميص عثمان.... لقد رحل ابو تراب مولى الموحدين... وترك شهادته للدهور... سراجا للأجيال... فسلام عليك سيدي يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.... والحمد لله رب العالمين....
اضف تعليق