وما زلنا في ذكراك يا ابا عبدالله، ما لاح الجديدان، وما اطرد الخافقان، وما حدا الحاديان، وما عسعس ليل، وما ادلهم ظلام، وما تنفس صبح، وما اضاء فجر، يسألوننا ما سر هذا التدافع، وهذا الزحف المليوني باتجاه ارض الطف، باتجاه قبرك يا سيدي؟
هذا الحشد الهادر، وهذه النفوس، وهذه التجليات، مظاهر عجيبة في المعاني، ومعان عجيبة في المظاهر، لا يمكن لاحد الا ان يكون واقفا اجلالاً لهذه الحشود، باتجاه سفينة النجاة، وقارب الخلاص، حيث مذبح الحسين هناك في باب قبلته، وحيث لبت هذه الحشود النداء الى سفينة الخلود وشاطئ الرحمة، يحوط بها، عشاق الحسين وزواره، ليقولوا لابي الفضل العباس (ع) نعم سيدي انت اسست الفضل الاباء، جاءوا يبحثون عن كفيك وهل كفيك الا الجود والعطاء، وهل كفيك الا محض الحب والولاء، تمسح على جبين الكون.
ومع هذا الزحف الهادر ونحن نشاهد عشاقا ليسوا ككل العشاق وانصارا ليسوا ككل الانصار وكرامات ليست ككل الكرامات، وليس هذا من فيض التعبير الانشائي او انشاء التعبير اللغوي، انها حقيقة سرمدية وصدق ثابت، ومعنى متجذر، واُسٌ لا يمكن الا ان يكون قاعدة للعلوم، علوم الرياضيات ورياضيات لعلوم الكون وفيزياء الكون والذرة والقوانين والاواصر والكيمياء المختصة بها كلها علوم محترمه، لكنها عند الحسين قانون واحد انه قانون الوعي، والبصيرة، على امتداد هذه الحشود الى ما بين الحرمين ستقف كل القوانين، وتنتهي كل الاشياء، انه القانون الطبيعي، الفيزيائي، الذري، الكيميائي، هذه الرايات والبيارق، كلها تعبيرات عن هذا القانون وهذا الفهم وهذا الوعي وهذا الصوت وهذه المدرسة وهذه الجامعة.
ترى ماذا في صدورهم وماذا في خلجات انفسهم وماذا في مشاعرهم عندما يضربون على الرؤوس ويلطمون الصدور، حزنا على الانسانية المعذبة ينادون يا حسين، على ارض العراق عراق الصدق والمباديء، عراق الرفعة والعظمة والسمو، العراق الحسيني الموحد بوحدة ابنائه، بالصوت الذي ينطلق برمز وحدته، بصدق المخلصين من قادته، ونحن نسير الى كربلاء، كربلاء الحسين، ها هم اتباعك سيدي ابا عبدالله يواسون الرسول الاكرم (ص) بفاجعته ومصيبته، التي ابكت اهل الارض والسماء، ها هم اتباعك سيدي قادمون اليك يطوفون بكعبتك مولاي، راسمين لوحة رائعة من الموالاة والبيعة..
تعجز فصاحة اللسان وجمال المعاني والبيان وصف هذه الملحمة الرائدة التي حوت ما حوت من معاني العزة والشجاعة والشموخ والتضحية والايثار، انها ترنيمة الحياة وسمفونية الدهر، سائرة هذا الحشود الى باب قبلة الحسين واخيه ابي الفضل(ع)، انها قبلة المعاني، والحضارات، قبلة الدم الذي لا ينتهي، وسفينة النجاة، بقلوب مؤمنه آمنت بالثقلين، الكتاب والعترة، ومدرسة محمد (ص) التي تحدت كل الطغاة عبر التاريخ، وكل طواغيت الارض، لان هذه الحشود المليونية هي التي تكتب التاريخ، بدماء القلوب التي اتصلت وتواصلت مع فاجعة كربلاء وملحمة عاشوراء، متصلة بعطاء مدرسة محمد (ص) وال بيته الاطهار، مدرسة الحسين، ودم الحسين، الذي قتل ظلما وعدوانا في صحراء كربلاء على ايدي الطغاة، اتباع سائرون، يضربون على الصدور والرؤوس. . دلالات على الرفض والاستنكار لكل جريمة عبر التاريخ وقعت وواقعة الان وستقع مستقبلا، يضربون الرؤوس ويلطمون الصدور حزنا على الإنسانية المعذبة، والصابرة، والموحدة، منطلقين من ارض العراق المعطر بدماء ابنائه، بالمخلصين من قادته، بمرجعياته، الذين وقفوا وتحدوا، وخاضوا غمار هذا التغيير رغم كل محاولات التزييف ورغم كل الاعلام المضلل.
ورغم كل الاجندات من الكبار والصغار، لكن العراق، عراق الإنسانية عراق الحسين نهض وبقي وبقيت وحدته، يبني ويعمر وينشد الامن والامان بفضل تضحيات الحسين، ايها الامام الشهيد، يا فيض العلم الملكوتي، وهناك على ارض الطف حيث بقيت راية ابي الفضل (ع) ترفرف رغم الكفين القطيعين، نعم يتيه القلب في هؤلاء، مع المشاعر، من اعماق الحناجر، مع هذه الشعائر، انه قول اصدق من كل قول، ونشيد يحمل كل معاني الانسانية المعذبة، ترانيم وتسبيحات، تهفو الى الاله العظيم الذي اشترى من المؤمنين انفسهم، وعاشوراء، والعراق، وملحمة العطاء المحمدي والوعي الكامل الحقيقي لهذه الامة، قضية الدم المسفوح، دم السبط الشهيد، دم اتباع النهضة الحسينية، وكيف لنا ان ننسى من وقف بوجه هذا الشعب، ابان سنوات الظلم والقهر.
لبيك يا حسين، نشيد القلوب، لان حبك يا سيدي ربيع المشاعر وسلوة النفوس. . ونهجك طريق للصلاح، ورؤاك المستقبلية حددت طريق الخلاص، والتحرر، والسعادة، لأنك امرت بالمعروف فحققته بدمك الطاهر، وطلبت الصلاح فنلته في قلوب الزائرين، مسيرنا اليك سيدي صرخة اباء وشموخ، ونشيد يردده الاحرار في كل زمان ومكان.
اضف تعليق