محمد الأديب

يحتفل المسلمون بالمولد النبوي الكريم شاكرين الله على تلك الرحمة المرسلة منه (عزوجل) للناس كافة، النبي الخاتم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) الذي أرسل داعياً إلى الحق وشاهداً ومبشراً ونذيراً، ويستحضر المحتفون بهذه الذكرى الزاهرة محطات من حياته (صلى الله عليه وآله) بمشاهدها الروحية والأخلاقية والسياسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، لتحفيز المجتمع على الأخذ بمضامين حياة النبي الأكرم لتكون كون دليلاً ومنهجاً في بناء الإنسان الصالح والمجتمع الفضيل والأمة الحية، يقول المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله): "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جميع حالاته مثالاً أعلى للأمانة والإخلاص، والصدق والوفاء، وحسن الخلق, وكرم السجية، والعلم والحلم، والسماح والعفو، والكرم والشجاعة، والورع والتقوى، والزهد والفضيلة، والعدل والتواضع، والجهاد".

التجربة الناجحة

ولد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وكان أهل الأرض مللاً متفرقة، وأهواء منتشرة، فهداهم (صلى الله عليه وآله) من الضلالة، وأنقذهم من الجهالة، وبين لهم سبل الخير، وحذرهم من طريق الشر، وحثهم على التعاون فيما بينهم على البر والتقوى، ونهاهم عن الإثم والعدوان، يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): "بعد أن كان المجتمع الجاهلي متفرقاً تحكمه نعرات التكبر ونزعات العنصرية، جاء رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله)، ودعا الناس إلى الوحدة، والأخوة، والانضواء تحت راية الإسلام المباركة".

ودعا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسعى، على مدى سنوات عمره الشريف، إلى الإصلاح والإعمار والتقدم والارتقاء، إنطلاقاً من الإنسان باتجاه الأمة والإنسانية جمعاء، وقد بدأ (صلى الله عليه وآله) استراتيجية الإصلاح بنفسه وأهل بيته وإنذار عشيرته، فكان أن عرف (صلى الله عليه وآله) قبل بعثته بـ(الصادق الأمين)، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): "لقد جذب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيراً من الناس بأخلاقه الرفيعة الكفار الذين لم يزالوا يكيدون الإسلام والمسلمين، ويعادون رسول الله (صلى الله عليه وآله) شخصياً، ويكذّبون النبي وينسبون إليه ما لا يليق، مع ذلك كانوا يعيشون بأمن وسلام وحرية ورفاه، في ظل حكم رسول الله وأمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله)، ولم ينقل أنه أُصيب أحد منهم بسوء، بل حفظ التاريخ، أن كافراً افتقده النبي (صلى الله عليه وآله) أياماً، فسأل عنه، فقيل: إنه مريض فعاده النبي (صلى الله عليه وآله) في ناس من أصحابه".

وهنا لابد من السؤال: في إطار واقع المسلمين المزري في جميع مفاصله، والسعي للخروج من هذا الواقع المأزوم، لماذا يتخبط المسلمون شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً، بحثاً عن تجربة حكم في هذا البلد أو ذاك وقد فشلت أو لاح فشلها، وقد قدم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) تجربة ناجحة في إقامة دول العدل والإنسان والحرية والفضيلة والرفاه؟؟!!!.

نظرة عملية

بعد أن صرفت نحوه (صلى الله عليه وآله) أفئدة من الناس، ودفنت به الضغائن، وأعز الله به أذلة، وألف إخواناً، لم يترك (صلى الله عليه وآله) أمته في مهب ريح التفرق والضعف والضياع، إنما ترك لها ما يحفظ دينها، ويوفر حياة العدل والسلام والرفاه، فقال (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبداً).

واليوم وحيث يحتفل المؤمنون والمؤمنات بمولده (صلى الله عليه وآله)، جدير بالأمة العودة إلى الثقلين (كتاب الله والعترة الطاهرة)، لتنتشل نفسها من مستنقع التكفير والتعصب والتطرف، يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤكد بقوله وفعله وتقريره على حرية الفكر والعقيدة، فكان يكرم وفود المشركين، ويسعى في دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان يجادلهم بالتي هي أحسن، ومنذ اليوم الأول الذي صدع فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) برسالة الإسلام الحقة، دعا الناس إلى الالتزام بوحدانية الله (عزوجل)، ورفض كل القيود والأغلال التي تكبل حرية الإنسان".

ونحن نحتفل بمولده الأكرم (صلى الله عليه وآله)، حري أن نتذكر، إن الذي يدخل الحزن إلى قلب مَنْ أرسل (رحمة للعالمين)، تفاقم مظاهر الظلم والقهر والانحراف والفساد والجوع والجهل والبطالة والمرض والعنوسة والأيتام والأرامل، وهي ظواهر أتخم بها مشهد العالم الإسلامي، بالرغم من أن الله تعالى أنعم على بلاد المسلمين بثروات عظيمة، يقول الإمام الشيرازي الراحل: (المجتمع الإسلامي في زمن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، لم يعان من أزمة البطالة وتأزم فرص العمل، إذ إن الجميع آنذاك كان بوسعه أن يعمل ويكد لعياله وأسرته بكل حرية، دون أن يحتاج إلى إجازة، أو دفع ضريبة، أو ما أشبه).

وبعد التجارب العديدة والمريرة، على مدى عقود، اليوم باتت القناعة راسخة، بأن أس الأزمة التي يعيشها المسلمون، بل عموم البشرية، هو الابتعاد عن القيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام، وهو ما ينبغي الدعوة له، في ذكرى المولد النبوي، لخلق رأي عام بالاتجاه الصحيح، الذي يصل بنا (دول وشعوب) إلى حلول، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): "لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل إنسان، وصاحب خير منهج، فمن ذا الذي لا يحب أن يتبع المنهاج الأفضل، أو ينتسب إلى النظام الأمثل؟! ففي الإسلام مواد ثلاث التي بمجموعها لم يسبق لها في التاريخ مثيل، ولم يعقبها حتى اليوم نظير، فلا يوجد في معظم بلاد العالم (لا ضريبة على الإرث)، كما لا يوجد في أي قانون اليوم (قانون ضمان الدولة لجميع ديون الميت)، كما لا يوجد (تكفل أية دولة لجميع حاجات العائلة التي لا معيل لها ولا مورد)، هذه المواد لما أعلنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسلم بسببه الكثير من الكفار، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): أن سبب إسلام كثير من الكفار كان بعد هذا القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله)".

إذن:

وعندنا هذه السيرة.. وتجربة حكم ناجحة..

ما الذي يمنع من العمل بها..

بعد كل هذا الفشل والحيرة.. ونكبة بعد أخرى!!!

اضف تعليق