رمز الولاية العظمى، ومقياس الإنسانية الكاملة، وإمام الأمة وحاكمها الأرقى، وهو حكيم الإنسانية الأسمى مهما تطاولت الأيام وتقادمت الأزمان، وهو صراط الحق المستقيم الذي نتمسَّك به في حياتنا لأنه المقياس الذي جعله الله لنا لأنه يمثِّل الحق والقرآن في هذه الدنيا التي كانت من أجله، وأشرقت بنوره الذي...
ولد الإمام علي في يوم الجمعة (13 رجب) الأصب في جوف الكعبة 30 عام بعد الفيل
مقدمة حكمية
الحكمة: هي تلك الدرَّة التي يبحث عنها العقلاء، أو هي تلك الجوهرة الثمينة التي يعرفها الخبراء من بني البشر، لأنها التي قال الرَّب عنها: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (البقرة: 269)، فكم تحتاج هذه الآية الكريمة إلى التَّفكر والتَّدبر من قبلنا لنغوص في بحارها العميقة، أو نسبح بين أمواجها المتلاطمة، باحثين عن تلك الدُّرة العجيبة، والجوهرة الثمينة التي يهبها الله تعالى لمَنْ يريد به الخير، بشرط أن يكون من ذوي الألباب والعقول.
والحكمة: هي عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ولذا قال الراغب الأصفهاني: (الحكمة: إصابة للحق بالعلم والعقل، فالحكمة لله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان معرفة الموجودات، وفعل الخيرات، وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة). (مفردات الراغب الأصفهاني: ص127)
ولذا يقول عنها الإمام الصادق (عليه السلام): (الْحِكْمَةُ ضِيَاءُ الْمَعْرِفَةِ، وَمِيرَاثُ التَّقْوَى، وَثَمَرَةُ الصِّدْقِ، وَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ أَعْظَمَ، وَأَنْعَمَ، وَأَجْزَلَ، وَأَرْفَعَ، وَأَبْهَى مِنَ الْحِكْمَةِ لِلْقَلْبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)، أَيْ لَا يَعْلَمُ مَا أَوْدَعْتُ وَهَيَّأْتُ فِي الْحِكْمَةِ إِلَّا مَنِ اسْتَخْلَصْتُهُ لِنَفْسِي، وَخَصَصْتُهُ بِهَا، وَالْحِكْمَةُ هِيَ النَّجَاةُ، وَصِفَةُ الْحَكِيمِ الثَّبَاتُ عِنْدَ أَوَائِلِ الْأُمُورِ، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ عَوَاقِبِهَا). (مصباح الشريعة: ص198)
وعرفها السيد في الميزان بقوله: "الحكمة هي القضايا الحقه المطابقة للواقع من حيث اشتمالها بنحو على سعادة الإنسان كالمعارف الإلهية الحقه في المبدأ والمعاد، والمعارف التي تشرح دقائق العالم الطبيعي من جهة مساسها بسعادة الإنسان كالحقائق الفطرية التي هي أساس التشريعات الدينية". (الميزان: ج2 ص395)
وكذلك السيد السبزواري في مواهبه قال: "الحكمة هي المطالب الحقة التي ترتسم في النفس وتوجب التوفيق بين الاعتقاد والعمل والسَّوق إلى الكمال المنشود للإنسان". (مواهب الرحمن: ج4 ص371)
الإمام علي (ع) حاكم وحكيم
ومن الحكمة نعرف الحاكم، والحكيم، وإذا كان هناك شخص يستحق هذا الوصف أو تجدر به هذه الصفة الجليلة الجميلة -الحكمة- فهو علي بن أبي طالب (ع) فهو حاكم ولا يوجد حاكم مثله، ولذا صنفته الأمم المتحدة في بداية هذا القرن، ففي عام 2002م أصدرت سكرتارية الأُمَــم المتحدة- لجنة حقوق الإنْسَان، في نيويورك برئاسة أمينها العام السابق (كوفي عنان) هذا القرار التأريخي، وقالت في نص هذا القرار: إن (خليفة المسلمين علي بن أبي طالب يعتبر أعدل حاكم ظهر في تأريخ البشر)، مستندة بوثائق شملت 160 صفحة باللغة الإنكليزية، ودعت الحكام والملوك إلى الاقتداء بنهجه الإنْسَاني السليم في الحُكمِ، المتجلي بروح العدالة الاجتماعية والسَّلام.
فجدير بنا أن نطلق عليه: (حاكم الإنسانية الأعدل، وحكيمها الأرقى في تاريخها)، لأنه أعطى منهجاً قويماً للحكم هو الأرقى والأسمى في تاريخ البشر، لخَّصه في عهده لمالك الأشتر النخعي عندما كلَّفه بولاية مصر العدية، فكتب له دستوراً إنسانياً للحكم لم يشهد العالم، ولا الدول، ولا الشعوب والأمم مثيلاً له ولا نظير، وهو مجهول سياسياً في العالم للأسف الشديد، ولو أن البشرية اليوم بملياراتها الثمانية أرادت أن تتحرر ويسودها العدل في الحكم، والقسط والإنصاف في المجتمعات فما عليها إلا دراسة وتطبيق هذا الدستور العلوي الكوني -كما أطلق عليه الباحث الدكتور راشد الراشد في بحثه الراقي (الوثيقة الكونية) - جزاه الله خير الجزاء.
والعجيب من شخصية أمير المؤمنين الإمام علي (ع) الثبات وعدم التغيُّر والتقلُّب ولا حتى بمقدار شعرة في حياته عندما كان مواطناً كغيره في الدولة الإسلامية، أو عندما صار الشخصية الأولى فيها وهو حاكمها، وذلك لأنه من المعروف والمتداول بين الناس أن الكرسي يغرُّ راكبه، وكلما ارتفع مكانه ومكانته كان تغيُّر صاحبه أكثر، وذلك لأن كرسي السلطة والوجاهة له تأثير سحري في النفوس والقلوب الخاوية، وكان والدي (رحمه الله) دائماً يحذِّرني من الكرسي وبريقه وتأثيره على النفوس وتغييرها، ويذكر بعض التجارب التي رآها في حياته، فأحدهم عندما صار مختاراً للقرية أنكر أهله وأصحابه لأنه صار بيده ختم وسلطة كما يظن.
فكيف إذا صار يجلس في كرسي الزعامة السياسية والمتحكم في السلطة على دولة مترامية الأطراف وتحكم أكثر من خمسين دولة من دول عالمنا المعاصر؟ ويحكي التاريخ عن أحدهم كان يسمَّى حمامة المسجد، ولما توفي والده وآلت السلطة إليه كان يقرأ القرآن فأغلقه وقال: "هذا فراق بيني وبينك، ولا يأمرني أحد بالعمل بما فيك إلا ضربت عنقه"، وذلك لأنه كان ينصب فخاً للبسطاء والمغفلين ليصطادهم كما يفعل الصياد.
إلا علي بن أبي طالب (ع)
فكل الناس والبشر يتغيَّرون إذا تقلَّدوا المناصب وركبوا الكراسي السياسية إلا ذلك الشخص الذي أقام دولة بجهده وجهاده وبسيفه الذي أنزله الله من السماء مع جبرائيل الذي كان ينزل بآيات القرآن الحكيم إلى الرسول العظيم ليُبلِّغها للأمة ويُطبِّقها في حياتها، إلا أن البشر لم يكونوا مستعدين لتطبيق الأحكام الإلهية إذا لم يقترن معها قوة تجبرهم على تطبيقها والالتزام بها، ونزول السيف مع رسول الوحي ربما له هذه الدلالة بضرورة وجود قوة تنفيذية -حكومة إجرائية- لتطبيق الوحي وإلزاماته وواجباته في الناس، وإلا فالناس لا يلتزمون من أنفسهم ولا يخضعون لإنسان مثلهم إلا إذا كانت معه السلطة ويرفدها القوة الملزمة، إلا من رحم ربي.
ولذا قال رسول الله (ص): (ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة، وسيف علي بن أبي طالب)، والسيدة خديجة أول مَنْ آمن من النساء، وأعطت نفسها الطاهرة وكل ما لديها لحبيبها رسول الله (ص) ثم ذهبت إلى ربها راضية مرضية، وأما الإمام علي (ع) الذي بنا هذا الإسلام، ورفع قواعده، وأشاد دولته وحكومته بضربات سيفه التي كانت أوتاراً ولذا قال صاحب (النهاية): كانت ضربات علي مبتكرات لا عونا، أي إن ضربته كانت بكراً؛ يقتل بواحدة منها، لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانياً. يقال ضربة بكر؛ إذا كانت قاطعة لا تثنى". (النهاية في غريب الحديث: ١ / ١٤٩)
وقال الدميري في (حياة الحيوان الكبرى): "ومما يؤثر من شجاعة علي (عليه السلام) أنه كان إذا اعتلى قدَّ، وإذا اعترض قطَّ.. فالقدُّ: قطع الشيء طولاً. والقطُّ: قطعه عرضاً". (حياة الحيوان الكبرى: ١/٥٣)
وهو الذي قال لمعاوية في صفين: (ويحك، علام يقتتل الناس بيني وبينك، ويضرب بعضهم بعضا؟! أبرز إليَّ فأينا قتل صاحبه فالأمر له)، فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أبا عبد الله فيما ها هنا، أبارزه؟ فقال عمرو: لقد أنصفك الرجل، واعلم أنه إن نكلت عنه لم تزل سُبَّةً عليك وعلى عقبك ما بقي عربي، فقال معاوية: يا عمرو بن العاص، ليس مثلي يخدع عن نفسه، والله ما بارز ابن أبي طالب رجلاً قط إلا سقى الأرض من دمه". (وقعة صفين: ص٢٧٥)، هذه شهادة -والفضل ما شهدت به الأعداء- كما يقول الشاعر.
ولكن هذا المجاهد البطل، والباني المؤسس لدولة الإسلام، وحضارة الإنسان، عندما أغمض رسول الله (ص) عينه عن هذه الدنيا وحصل ذلك الانقلاب الأسود في السقيفة المشؤومة لبني ساعدة، حيث ترك الأصحاب مكانهم في جيش أسامة في الجرف، ورسول الله (ص) مسجَّى بين أهله لم يبرد وتراكضوا إلى سقيفتهم وحسموا أمرهم وما خرجوا منها إلا وهو يزفُّون خليفتهم إلى المسجد زفَّة العروس، ولما رأى العباس ذلك قال له: (ابسط يدك يا بن أخ أبايعك فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن أخيه فلا يختلف عليك اثنان).
فقال له: (إن رسول الله (ص) عهد إليَّ ألَّا أدعو أحدا حتى يأتوني، ولا أجرِّد سيفاً حتى يبايعوني، ومع هذا فلي برسول الله شغل)، فلم يقبل بيعة بهذه الطريقة، وكذلك جاءه صخر بن حرب -أبو سفيان- وقال له: "ما بال هذا الأمر في أقل حيٍّ من قريش، والله لئن شئت لأملأنها عليه -على أبي بكر- خيلاً ورجالاً"، فقال علي (ع): (يا أبا سفيان طالما عاديت الإسلام وأهله فلم تضره بذاك شيئاً، لا حاجة اليوم لنا بنصرتك)، وأبو سفيان زعيم قريش وقائد الأحزاب وشخصية معروفة وليس بنكرة ويقول ما يقول عصبية لبني عبد مناف وليس إيماناً لأجل الدِّين والإسلام، ولذلك رفض دعوته ونصرته أمير المؤمنين الإمام علي (ع) بقوة.
وهو الوحيد في هذا العالم، كما يقول الإمام الراحل محمد الشيرازي (قدس سره) في كتابه الرائع (لأول مرة في تاريخ العالم)، ولكنه يتحدَّث فيه عن أعمال وأخلاق وإنجازات الرسول الأعظم (ص) التي كانت أبكاراً في التاريخ البشري كله، وهنا حديثنا عن إنسان لأول مرة في تاريخ العالم بينه وبين الخلافة كلمة: نعم؛ ليفوز بها قبل عثمان، فرفضها وقال: (لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي، ووَ اللَّه لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً، الْتِمَاساً لأَجْرِ ذَلِكَ وفَضْلِه وزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوه مِنْ زُخْرُفِه وزِبْرِجِه). (نهج البلاغة: خ74)
ويزحف إليه الصحابة وأهل الحل والعقد ليُبايعوه فيرفض، وتأتيه الخلافة والحكم فيرفضها ويقول: (دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي ـ فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً ـ لَه وُجُوه وأَلْوَانٌ ـ لَا تَقُومُ لَه الْقُلُوبُ ـ ولَا تَثْبُتُ عَلَيْه الْعُقُولُ، وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ، واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ، رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ، وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ، ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ، لِمَنْ وَلَّيْتُمُوه أَمْرَكُمْ، وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً)! (نهج البلاغة: خ92)
وهو الوحيد في تاريخ القادة والزعماء الذي يجبره الناس على قبول الزعامة والقيادة والحكم، اسمعه كيف يصف بيعته الشريفة: (بَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا ومَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا، ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ الإِبِلِ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ، وسَقَطَ الرِّدَاءُ، ووُطِئَ الضَّعِيفُ، وبَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ، أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغِيرُ وهَدَجَ إِلَيْهَا الْكَبِيرُ، وتَحَامَلَ نَحْوَهَا الْعَلِيلُ، وحَسَرَتْ إِلَيْهَا الْكِعَابُ). (نهج البلاغة: خ229)
وقال في مقام آخر: (فَمَا رَاعَنِي إِلَّا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ، وشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ). (النهج: خ3)
فالإمام علي بن أبي طالب (ع) فقط الذي يتشرَّف به الجاه، وتتشرَّف به الخلافة والكرسي والسلطة وليس كبقية الخلق، وصدق صعصعة بن صوحان حيث فقال: "والله، يا أمير المؤمنين، لقد زيَّنتَ الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، ولهي إليك أحوج منك إليها".
وجميل ما قاله خطيب الأنصار ثابت بن قيس بن شماس: "والله، يا أمير المؤمنين، لئن كانوا تقدَّموك في الولاية فما تقدَّموك في الدِّين، ولئن كانوا سبقوك أمس فقد لحقتهم اليوم، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك، ولا يجهل مكانك، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون، وما احتجت إلى أحد مع علمك".
أو قول خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين: "يا أمير المؤمنين، ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك، ولا كان المنقلب إلا إليك، ولئن صدقنا أنفسنا فيك، فلأنت أقدم الناس إيماناً، وأعلم الناس بالله، وأولى المؤمنين برسول الله، لك ما لهم، وليس لهم ما لك".
وأما وزير دفاعه مالك بن الحارث الأشتر فقال: "أيها الناس؛ هذا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، العظيم البلاء، الحسن العناء، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان، ورسوله بجنة الرِّضوان، مَنْ كملت فيه الفضائل، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل".
وأما الإمام الشيرازي الراحل (رحمه الله) فيقول عن الحاكم الإسلامي الذي يمثِّله أمير العدالة والإنسانية علي بن أبي طالب (ع): " الحاكم الإسلامي يختلف تماماً عن سائر الحكام والملوك الذين عرفتهم البشرية، حيث إنهم يكنزون الذهب والفضة ويسرقون أموال الشعب، ولكن الإمام أمير المؤمنين (ع) كان يُقسِّم كل ما في بيت المال حتى لا يبقي شيئاً، وربما أنفق ما عنده أيضاً، وفي الحديث أنه (ع) قُتل وهو مديون، كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مديوناً عند وفاته، قال الإمام الصادق (ع): (قد مات رسول الله (ص) وعليه دَين، وقُتل أمير المؤمنين (ع) وعليه دَين، ومات الحسن (ع) وعليه دَين، وقُتل الحسين (ع) وعليه دَين)، وعن أبي جعفر (ع) قال: (قُبض علي (ع) وعليه دَين ثمانمائة ألف درهم، فباع الحسن (ع) ضيعةً لـه بخمسمائة ألف فقضاها عنه، وباع ضيعةً لـه بثلاثمائة ألف فقضاها عنه)، كان الإمام (ع) في حكومته العادلة بعيداً كل البعد عن الدنيا وزخارفها، وعن الظلم والاستبداد، وعن كل ما ربما يؤدِّي إلى ذلك، حتى أنه لم يقبل بأخذ الحراس ومن أشبه". (من حياة الإمام أمير المؤمنين (ع): ص58)
فمَنْ قيل له مثل هذه الشهادات في التاريخ البشري كله، غير ذاك الأنزع البطين، الذي خلقه الله من نور ذاته، وعجن طينته بمحبته وفرض على الخلق ولايته، فهو الحاكم الوحيد في تاريخ العالم الذي تزيَّن به الحكم، وارتفع به العلم، وانتسب إليه الكرم، فصار (صوت العدالة الإنسانية) عند جورج جرداق ذاك النصراني الذي فتن بأبي الحسن علي بن أبي طالب، أو هو عند صاحبه سليمان كتاني: (نبراس ومتراس)، وهو عندنا ولي الله الأعظم وحاكم الأمة المعظَّم، وحكيم الإنسانية المكرَّم، الذي لا يلحقه لاحق ولا يسبقه سابق فقد بزَّ الخلق طراً إلى المكارم.
وهو يبقى عندنا رمز الولاية العظمى، ومقياس الإنسانية الكاملة، وإمام الأمة وحاكمها الأرقى، وهو حكيم الإنسانية الأسمى مهما تطاولت الأيام وتقادمت الأزمان، وهو صراط الحق المستقيم الذي نتمسَّك به في حياتنا ونسأل الله أن يحشرنا معه وفي ركابه بعد وفاتنا لأنه المقياس الذي جعله الله لنا لأنه يمثِّل الحق والقرآن في هذه الدنيا التي كانت من أجله، وأشرقت بنوره الذي هو من نور ذات الله تعالى مع صنوه رسول الله الأكرم (ص)..
أسعد الله أيامكم بإمامكم ومولاكم يا موالين، وبأميركم يا مؤمنين، وكل عام وأنتم بولايته من المتمسِّكين.
اضف تعليق