مدرسة تربوية في الهداية والرِّعاية للناس، لأنهم عِدل القرآن الصامت بل هم القرآن الناطق، وكلمات الله التامات كما يؤكد الإمام الهادي (ع)، ولكن كان دور الإمام حساساً جداً لصعوبته من ناحية، ولقربه من عصر الغيبة الصغرى من ناحية أخرى، فكان همُّ الإمام الهادي (ع) بلورة القيم الولائية وترسيخها...
ولد الإمام علي الهادي (ع) في 2 رجب (212 ه)، واستشهد في الثالث منه (254 ه)
مقدمة ولائية
الله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان وكرَّمه وفضَّله على كثير ممَّن خلق، وذلك لأنه جعله محور هذا الكون فشرَّفه وكلَّفه بتكاليف شرعية من أجله ومن أجل تربيته ورفعته وكرامته عنده لأنه خلقه من الجنة ونفخ فيه من روحه ولكن أهبطه مع أبيه آدم ولكن كلَّفه ليرجعه ويعيده إلى جوار قدسه ويكون أهلاً لقوله تعالى: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (القمر: 55)، وتلك هي الكرامة التي ما بعدها كرامة لهذا المخلوق.
ومن أجل إتمام هذه المهمة وإنجاز هذا التكليف منحه الله جوهر العقل، ومنحه درَّة الإرادة، وهي إمكان الفعل والترك، ليكون التكليف فيه حرية واختيار منه يهديه إليه عقله، ولكن العقل فقط لا يكفيه لاختيار الصحيح الأفضل والأنسب له، فأنزل عليه دستوراً من السماء، وبعث إليه رسولاً لينطق عن الله في تربيته وتعليمه وتسديد عقله، فكان الرسول عقل من الخارج، والعقل رسولاً من الداخل، يتكاملان في الإنسان ليتكامل في نفسه ويترقَّى في درجاته حتى يكون في ذلك المقعد عند الله تعالى.
فالإنسان لو ترك ونفسه فإنه سيكون كأبشع البهائم ركضاً وراء غريزته وشهوته، ولو أنه أراد أن يتجرَّد لما يأمره به عقله فقط لكان كالآلة التي تتحرك وفق البرنامج التي ضُبطت عليه كالروبوت تماماً، ولكن الإنسان خُلق من عقل وشهوة ومشاعر وأحاسيس ويريد أن يأكل ويشرب ويمارس غريزته ويُشبع شهواته التي تتأجج فيه كالنار، فما السبيل إلى ذلك، هو أن يلتزم بقانون ودستور السماء، ويقتدي بالأنبياء، والأوصياء، ليهذِّبوه ويربوه على الآداب ومكارم الأخلاق ليعيش سعيداً في حياته، ويكون سعيداً بعد وفاته أيضاً.
فالأنبياء والأوصياء ودستور السماء هو الذي يرسم خارطة الطريق لهذا الإنسان، ولذا كان من لطف الله تعالى أنه لم تخلُ الأرض من دستور سماوي، وحجة من البشر ليدلَّهم على الطريق الصحيح والسبيل إلى الله، فتكتمل منَّة الله عليه، ولذا ورد في الكثير من الروايات الشريفة كقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام): (اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وبَيِّنَاتُهُ)، (نهج البلاغة: 497)، فلا يمكن أن تخلو الأرض من حجة لله تعالى، ولذا قال الإمام الصادق (ع): (الحجّةُ قبلَ الخَلْقِ، ومع الخَلْقِ، وبعد الخَلْقِ)، وبالحجة تُحفظ الأرض ومَنْ عليها.
الإمام الهادي (ع) حجة الله
ومسألة الحجية هي من المسائل الأصلية في قيام الخلق بالحق، وهي تتمثَّل إما بالنبي المرسل، أو الإمام الوصي من بعده، وهو في هذه الأمة المرحومة يتمثَّلون بأئمة المسلمين من آل محمد (صلوات الله عليهم)، الذين اصطفاهم الله واختارهم على علم على العالمين وعيَّنهم حججه عليهم ليُقيموا الحق ويحكموا بالعدل، وينطقوا بالصِّدق، ويعلِّموا الناس أصول المعارف ومبادئ الأخلاق، ويدرِّبوهم ويربوهم على القيم الإلهية الراقية ويوصلوهم إلى الحضارة الإنسانية التي يتطلَّع إليها البشر في حياتهم ليسعدوا في دنياهم وأخراهم.
وفي العصر العباسي الذي يسمونه بالذَّهبي كان حجة الله عليهم هو الإمام العاشر من أئمة المسلمين علي بن محمد الهادي التقي (ع) الذي ولد في الثاني من رجب الأصب (212 ه)، واستشهد في الثالث منه (254 ه)، حيث عاش فيهم (42 عاماً)، وكان قائداً لهم ل(34 عاماً) مباركاً حيث تسنَّم قيادتها وهو في عمر الفتوة وريعان الصِّبا وقاد سفينتها في تلك الفترة التي تميَّزت بالعواصف الشَّديدة والأنواء المرعبة لا سيما تلك التي مرت عليها في عصر المتوكل على الشيطان الناصبي لآل محمد بشكل عجيب وغريب، ولذا تراه حاربهم حتى في قبورهم ومزاراتهم الشَّريفة فحرث قبر الإمام الحسين (ع) عدَّة مرات وأدار الفرات عليه ليمحو أثره فحار الماء على القبر الشَّريف فسمِّي الحائر الحسيني، ولكن لم يقنع الرجل بهذه الآية الرَّبانية فزاد في ظلمه وطغيانه وكأنه خلق من إبليس، وقلبه قدَّ من صخر أملس لا أمل للخير فيه.
والإمام علي الهادي (ع) الذي تسلم مقاليد الإمامة والولاية من بعد شهادة أبيه الإمام محمد الجواد (ع) ابن الرِّضا -كما كانوا يسمُّون كل مَنْ جاء بعد الإمام علي الرِّضا بابن الرِّضا (ع)- لشهرته في دنيا الإسلام وعالم المسلمين لأنه ولي عهد عبد الله المأمون، الذي سُكَّت العملة الذهبية والفضية باسمه الشَّريف، ونودي باسمه على جميع منابر المسلمين في طول البلاد وعرضها، كما أن شهرته بأخلاقه، وعلمه بحواراته الحضارية أكسبته شهرة في غير المسلمين أيضاً، ولذا كانت شهرة ومكانة الإمام الهادي (ع) هي امتداد لآبائه الأطهار الأبرار (ع).
ولذا حاولت السلطة العباسية محاصرته منذ الطفولة في المدينة المنورة فقد روى المسعودي في دلائل الإمامة، عن محمد بن سعيد، قال: "قدم عمر بن الفرج الرُّخَّجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد (عليه السلام) فأحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لهم: أُبْغُوا لي رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم، لا يوالي أهل هذا البيت، لأضمه إلى هذا الغلام وأُوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه! فأسمَوْا له رجلاً من أهل الأدب يكنَّى أبا عبد الله ويعرف بالجنيدي، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة لأهل البيت! فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري (الراتب) من مال السلطان، وتقدم إليه بما أراد وعرَّفه أن السلطان "المعتصم" أمره باختيار مثله، وتوكيله بهذا الغلام (الإمام علي الهادي).
قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن (عليه السلام) في القصر بِصِرْيَا -بضاحية المدينة- فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه! فمكث على هذا مدة، وانقطعت الشيعة عنه وعن الاستماع منه والقراءة عليه.. ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟ فقال منكراً عليَّ: تقول الغلام، ولا تقول الشيخ الهاشمي؟! أُنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا. قال: فإني والله أذكر له الحزب من الأدب، أظن أني قد بالغت فيه، فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أُعلمه، وأنا والله أتعلم منه!
قال: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه، ثم لقيته بعد ذلك فسلمت عليه وسألته عن خبره وحاله، ثم قلت: ما حال الفتى الهاشمي؟ فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا والله خير أهل الأرض، وأفضل من خلق الله تعالى، وإنه لربما همَّ بالدخول فأقول له: تَنَظَّرْ حتى تقرأ عُشْرَك فيقول لي: أيَّ السُّور تحب أن أقرأها؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه، فيهذُّهَا بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط، بأطيب من مزامير داود النبي (عليه السلام) التي بها من قراءته يضرب المثل! قال ثم قال: هذا مات أبوه بالعراق وهو صغيرٌ بالمدينة، ونشأ بين هذه الجواري السُّود، فمن أين عَلِمَ هذا؟". (إثبات الوصية للمسعودي: ص230)
نعم؛ هذا السؤال يجب أن يسأله كل منصف في هذه الأمة من أين له هذا العلم وقد تسلَّم مقاليد الإمامة في الثامنة من عمره، أو لأبيه العظيم الذي تسلمها في السادسة من عمره الشريف، فلو لم تظهر لهما تلك العلوم التي شهدها الأعداء قبل الأولياء لكنا نظنُّ أنها من أحاديث الخاصة وأن الإمام كان يُعلِّمه معلِّم ولكن هذه الرواية تقول: بأن المعلِّم كان يتعلَّم منه أشرف وأعقد وأصعب العلوم وهي علوم القرآن والتشريع والحقوق.
وهذا يؤكد لنا بأن الإمام علمه لدُنِّي من الله تعالى فالعبد الصالح الذي قال الله عنه: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) (الكهف: 65)، والإمام الجواد وولده علي الهادي (ع) كان علمهم من عند الله ومن لدنه، وكذلك كل إمام منصوب من الله هو كذلك، ولذا عندما باءت محاولة السلطة العباسية محاصرة الإمام في مدينة جده المنورة به، حاولوا انتزاعه من بين أهله وطلابه وشيعته إلى بغداد ثم إلى السجن المفتوح في مدينة العسكر سامراء، حيث أرسل له المتوكل العباسي رسالة يستقدمه بها يقول فيها: (أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ أَمِيرَ (الْمُواطنِينَ) عَارِفٌ بِقَدْرِكَ، رَاعٍ لِقَرَابَتِكَ، مُوجِبٌ لِحَقِّكَ، يُقَدِّرُ مِنَ الْأُمُورِ فِيكَ وفِي أَهْلِ بَيْتِكَ مَا أَصْلَحَ اللهُ بِهِ حَالَكَ وَحَالَهُمْ... وأَمِيرُ (الْمُواطنِينَ) مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ، يُحِبُّ إِحْدَاثَ الْعَهْدِ بِكَ، والنَّظَرَ إِلَيْكَ، فَإِنْ نَشِطْتَ لِزِيَارَتِهِ والْمُقَامِ قِبَلَهُ مَا رَأَيْتَ، شَخَصْتَ ومَنْ أَحْبَبْتَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ ومَوَالِيكَ وحَشَمِكَ عَلى مُهْلَةٍ وطُمَأْنِينَةٍ، تَرْحَلُ إِذَا شِئْتَ، وتَنْزِلُ إِذَا شِئْتَ، وتَسِيرُ كَيْفَ شِئْتَ) (الكافي: ج2 ص602)
وهكذا استقدم المتوكل الإمام علي الهادي (ع) إلى بغداد، ثم لحق به إلى مدينة سامراء، ولكن أنزله في خان الصعاليك استخفافاً به واستصغاراً بحقه -للأسف الشديد- فعَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فِي كُلِّ الْأُمُورِ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِكَ، والتَّقْصِيرَ بِكَ حَتّى أَنْزَلُوكَ هذَا الْخَانَ الْأَشْنَعَ، خَانَ الصَّعَالِيكَ؟
فَقَالَ: (هَاهُنَا أَنْتَ يَا ابْنَ سَعِيدٍ؟ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ، وقَالَ: انْظُرْ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَوْضَاتٍ أَنِقَاتٍ، ورَوْضَاتٍ بَاسِرَاتٍ، فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ عَطِرَاتٌ، وولْدَانٌ كَأَنَّهُنَّ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ، وأَطْيَارٌ وظِبَاءٌ وأَنْهَارٌ تَفُورُ، فَحَارَ بَصَرِي، وحَسَرَتْ عَيْنِي، فَقَالَ: حَيْثُ كُنَّا فَهذَا لَنَا عَتِيدٌ، لَسْنَا فِي خَانِ الصَّعَالِيكَ). (الكافي: ج2 ص600)
فالحكام والظلام يحاولون أن يقللوا من شأن الأئمة وتصغيرهم ولكن الله الحكم العدل يرفعهم ويُعلي شأنهم وكعابهم على رؤوس أولئك الطغاة رغم أنوفهم، ولكنهم لا يعون ولا يفهمون ذلك لأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، لأن شعارهم: (الملك عقيم ولو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عينيك) كما قال هارون لولده المأمون.
الإمام الهادي (ع) وترتيب شؤون الأمة
في تلك الظروف القاسية التي عاشها الإمام علي الهادي (ع) في مدينة العسكر سامراء، كان لا بدَّ له من متابعة شؤون الأمة وقيادتها والتواصل معها بأي طريقة ممكنة، لإيصال ما يحتاجونه من مسائل وأحكام، ويأخذون منهم الحقوق الشَّرعية، وإعطاءهم ما يحتاجونه في حياتهم كلها، فما الحيلة والإمام في سجن مفتوح؟
هنا كان إبداع الإمام علي الهادي (ع) الذي يحق لنا في هذا العصر أن ندرس الإبداع الإداري للإمام علي الهادي (ع) حيث أنه أبدع في كل شيء يخص التواصل والإدارة وأحدث نقلة نوعية في ذلك رغم أنه في الإقامة الجبرية والمراقة اللصيقة له، فاستطاع أن يتخلَّص منها جميعها ويرتب شؤون الأمة بالخطوات التالية:
أولاً: ربط الأمة بالأئمة بشكل وثيق جداً، وذلك عن طريق بث ونشر تلك الزيارات العجيبة المروية عنه وهي:
1-الزيارة الجامعة الكبيرة، وهي من أعظم وأجل وأجمل الزيارات المروية على الإطلاق.
2-زيارة الغدير الكبيرة، وهي أطول وأكمل وأجمل زيارة لأمير المؤمنين (ع) بما تتضمنه من دلائل.
3-زيارة الإمام علي بن موسى الرضا (ع) وهي أكبر زيارة لغريب الغرباء وأنيس النفوس وغريب طوس.
ثانياً: بلورة نظام الوكالة والوكلاء الخاصين والعامين وذلك لتهيئة الأمة لعصر الغيبة الصغرى ثم الكبرى.
ثالثاً: تحصين الأمة فكرياً وعقائدياً وذلك عبر الوصايا وأجوبة المسائل العقائدية المتعلقة ببعض الشخصيات المنحرفة، أو الفرق الزائغة والضالة كالغلاة، والواقفية، والصوفية الزائفة والفلاسفة وغيرها ممَّن ردَّ عليهم الإمام الهادي (ع) حتى قطعهم.
رابعاً: إعطاء الأمة منهجاً في التعامل السياسي مع السلطات الجائرة قولاً وعملاً، حيث أن حياة الإمام الهادي (ع) تذخر بتلك المواقف المشرِّفة والمعلِّمة في التعاطي السياسي مع الطغاة والحطام الظلمة، لا سيما في ظل حكم المتوكل العباسي المجرم.
الإمام الهادي (ع) مدرسة الهداية
وهذا دأب وحال كل أئمة المسلمين في أنهم مدرسة تربوية في الهداية والرِّعاية للناس، لأنهم عِدل القرآن الصامت بل هم القرآن الناطق، وكلمات الله التامات كما يؤكد الإمام الهادي (ع)، ولكن كان دور الإمام حساساً جداً لصعوبته من ناحية، ولقربه من عصر الغيبة الصغرى من ناحية أخرى، فكان همُّ الإمام الهادي (ع) بلورة القيم الولائية وترسيخها في الأمة، لربطها بهم بشكل قوي لا يتزعزع لعلمه بما سيواجههم في قابل الأيام من إشكالات وامتحانات في غياب الإمام عنهم، فاعتنى بهم من هذه الناحية بالخصوص حيث عرَّفهم بالأئمة لا سيما الإمام المهدي (عج) وثقافة انتظار الفرج الإيجابي له، فكان مدرسة في الهداية إلى الحق.
يقول الإمام الراحل السيد الشيرازي (رحمه الله) عن أخلاق الإمام في كتابه الرائع (من حياة الإمام الهادي (ع): " كان الإمام علي الهادي (ع) كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) أفضل الناس خُلُقاً، وأكرمهم أخلاقاً، قال ابن شهر آشوب: (كان (ع) أطيب الناس مهجةً، وأصدقهم لـهجةً، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت علته هيبة الوقار، وإذا تكلم سماه البهاء، وهو من بيت الرسالة والإمامة، ومقر الوصية والخلافة. شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة). (من حياة الإمام الهادي: ص32)
وقد اعترف بفضله حتى الأعداء، فهذا عبيد الله بن يحيى بن خاقان ـ من عمال العباسيين والنواصب ـ يقول في وصف الإمام الحسن العسكري وأبيه (عليهما السلام): (لو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيراً فاضلاً)
وقال ابن حجر في صواعقه: (علي العسكري سمِي بذلك؛ لأنه لما وجه لإشخاصه من المدينة النبوية إلى سرِّ مَنْ رأى وأسكنه بها، وكانت تسمَّى العسكر فعرف بالعسكري، وكان وارث أبيه علماً وسخاءً). (من حياة الإمام علي الهادي (ع): ص33)
تلك هي سيرة الإمام الهادي وأخلاقه الراقية التي يجب أن ندرسها جيداً ونتعلم منها أساليب مواجهة الطغاة والمتجبرين في كل عصر ومصر، وليكون لنا قدوة وأسوة في هذه الحياة.
السلام على الإمام العاشر من أئمة المسلمين علي الهادي الذي هدى الله به الأمة لسبيل الأئمة (عليهم السلام)، ونظَّم أمرهم ورتَّب شأنهم حتى لا يضيعوا أو يضلوا في عصر الغيبة عن الحق وإمامهم الغائب.
اضف تعليق