مَن هُم الذين يجب علينا أن نَتَولاّهم؟ ومَنْ هُم أولئك الذين عَلينا التّبرّي منهم؟ وَهَل واجِبَي التَوَلّي والتَبَرّي ينحصر في إظهارِ المّوقف نظرياً فقط، أم أنّهما بوصلة تُنظّم وتؤطِّر فِعلَ المُؤمن وَسلوكه في الحياة، فهما اعتقاد ومَنهَج وَتَجسيد وسلوك شخصي وتَطبيق عملي لهما؟ التولّي والتبرّي في المنظور...
على رواية في 28 صفر كان انتقال الرسول، وسبطه المجتبى (صلوات الله عليهما)
مقدمة ولائية
من العقائد الحساسة التي أنكرها شطر هذه الأمة، وبعضهم قلبها رأساً على عقب ليستريح من تبعاتها، هي عقيدة التولِّي لأولياء الله والتبرِّي من أعدائهم، وهذه المسألة الدَّقيقة هي كمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تماماً في عملها الاجتماعي وحساسيتهما بالنسبة للمجتمع السياسي أو الفكر السياسي الدِّيني إذا درسنا المسألة في الفكر الإسلامي، وهي في الحقيقة ميزان للعمل السياسي، كما أن الأمر والنهي ميزان العمل الاجتماعي في الدِّين الإسلامي العظيم.
وَلكن مَن هُم الذين يجب علينا أن نَتَولاّهم؟ ومَنْ هُم أولئك الذين عَلينا التّبرّي منهم؟ وَهَل واجِبَي التَوَلّي والتَبَرّي ينحصر في إظهارِ المّوقف نظرياً فقط، أم أنّهما بوصلة تُنظّم وتؤطِّر فِعلَ المُؤمن وَسلوكه في الحياة، فهما اعتقاد ومَنهَج وَتَجسيد وسلوك شخصي وتَطبيق عملي لهما؟
ونِعم ما قيل: "التولّي والتبرّي في المنظور الإنساني هي علاقة اجتماعية أساسها مُعتَقَد يَدفع الفَرد لاتخاذ مَواقف مؤيدة أو رافضة لمنهجٍ، أو فكرٍ، أو عقيدةٍ يتبنّاه فَرد، أو مَجموعة، فيجعل منه وليّاً يَحذو خلفه ويؤيّده ويعمل بأفكاره أو رافضاً له.. فالتولّي والتبرّي إذن هو إعلانُ مَوقف، وَبَيان مَنهَج، وَرَسم حُدود في التّعامل، وهذا المَوقف يَجب ألَّا تَحكُمه العَواطِفَ، أو الأمزجة، ولا الشُبهات، أو الظُنون، ولا المَصالح الفئوية، ولا الميول الغريزية، بل يكون مَبنيّاً على مَعايير حَدَّدتها الشّريعة الإسلامية، والقِيَم السَماويّة، وَرَسَمَت حُدودها الآيات القرآنية، وأحاديث المُصطفى وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين)، فَقَد ورد مفهومي التولّي والتبرّي في القرآن الكريم مرات عديدة، وأن حدود الولاء قد حددها قول الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة/55)، وهي تستبطن وتُفسَّر بقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء/59)
الطاعة المطلقة
فهي الطاعة المطلقة وبهذه التراتبية (الله – رسوله – وليَّه)، وهي طاعة طولية لا عرضية -كما يقول العلماء- أي أنها واحدة فالأمر من الله والتبليغ من الرسول والتنفيذ والمراقبة من الولي، وهكذا تقوم الدنيا والحكومات كلها في عصرنا الحاضر وهذا صار من البديهيات التي يعيشها الناس جميعاً، ولذا صدق مَنْ قال: "إن أصل الدولة وكل الحضارات في هذه الدنيا من رسالات السماء، ودين الله وأنبياء الله ورسله"، ولكن حوَّرها البشر وأنكروا هذا الأصل الأصيل وادَّعوا أنهم هم أصحاب النظريات في السياسة والاجتماع والاقتصاد والفكر والثقافة وكل شيء ونسبوها إلى فلان أو علان والحق والحقيقة أنه ما من حق وصدق إلا خرج من أهل الرِّسالة والدِّين.
وهذا واضح لدينا نحن المسلمون لأننا نعتقد بأن الدولة والحضارة الإسلامية ركائزها وأصولها من القرآن الحكيم والسُّنة النبوية المطهرة، ويؤيد ذلك العقل السليم المستضيء بنور الوحي أيضاً، ولكن مشكلة المشاكل وأم المسائل الخلافية في الأمة الإسلامية هي الخلافة، والسلطة، والحكم، وصدق الشهرستاني حيث يقول: (أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلَّ على الإمامة في كل زمان). (الملل والنحل للشهرستاني: ج ١ ص ٢٤)
وبقول مطلق السياسية إذ أن السُّلطة القرشية الأولى انقلبت على أوامر الله، ورفضت أوامر رسوله الله (ص) وردَّته وهو في بيته وعلى فراشه في يوم الخميس، وجاءت بحكام ونصَّبتهم على الناس دون أهلية في الحكم، ودون تفويض من الولي الأعلى وهو الله تعالى، فمَن الذي فوَّض فلان ليحكم في دماء وأموال وأعراض الأمة الإسلامية؟ وعلى أي أساس يحكم فيهم ولا علم له بأصول الحكم ولا بفروعه؟
أليس هو الذي خطب وقال: (أما والله ما أنا بخيركم (وعلي فيكم)، ولقد كنت لمقامي هذا كارهاً، ولوددت لو مَنْ يكفيني، فتظنون أني أعمل فيكم سُنَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذا لا أقوم لها، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك (جبرائيل)، وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أوثر (أو أقع) في أشعاركم، ولا أبشاركم ألا فراعوني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني). (مصنف عبد الرزاق: ج11 ص336 ح 20701)
ونعم ما قاله الشيخ المجلسي معلقاً عليه: يدل على أنه لا يصلح للإمامة من وجهين:
أحدهما: إن هذه صفة مَنْ ليس بمعصوم ولا يأمن الغلط على نفسه، ومَنْ يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا واقع المعصية، وقد بيَّنا أن الإمام لا بدَّ أن يكون معصوماً مسدَّداً موفقاً.
والوجه الآخر: إن هذه صفة مَنْ لا يملك نفسه، ولا يضبط غضبه، ومن هو في نهاية الطيش والحدَّة، والخرق والعجلة، ولا خلاف في أن الإمام يجب أن يكون منزَّها عن هذه الأوصاف غير حاصل عليها). (بحار الأنوار: للمجلسي: ج ٣٠ ص ٤٩٨)
والأمر أعظم من ذلك وأدهى إذ أنه يعترف بأن له شيطاناً يعتريه ويمتطيه فكيف نطيعه ونأخذ برأيه، ونسلِّم لأمره وهو هذا حاله بطاعته للشيطان؟ كما أنه يصرِّح ولا يلوِّح بأنه لا يستطيع أن يقوم ويحكم بالسُّنة النبوية المطهَّرة، فبماذا يحكم وكيف نطيعه، وهو يحكم بهواه بما يأمره به شيطانه؟
والولي الذي يُطاع بطاعة الله ورسوله هو الذي معه ملك يسدِّده ويؤيِّده ولا يحكم بغير ما أنزل الله ولذا نقول ونعتقد بأنه معصوم من الله ومأمون منه الخطل والزلل، بل علمه متصل بعلم الله ولا يحكم بهوى النفس، أو بالعصبية والقبلية أو بأي شيء من أمر الجاهلية، وهو الولي الذي بايعوه في يوم غدير خم حتى قال له الحاكم القرشي يومها: (بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (أو مسلم ومسلمة)، فهذا هو الولي حقاً ولكن هو نفسه يهجم على بيته ويقود ثلاثمائة من جنوده ومعهم النار والحطب الجذل ليحرق بيت ولي الله، وليس ذلك فقط بل يخرجه ملبَّباً ومكتفاً بعمامته ويقول له عندما رفض البيعة لصاحبه: (إذن والله نضرب عنقك)، إذ كيف تستقيم بيعته واعترافه بأنه وليَّه والآن يريد أن يضرب عنقه إذا لم يبايع صاحبه وله نصفها أيضاً، لأنه حلب حلباً له شطره كما قال له ولي الله الأعظم (عليه السلام) يومها.
فإذا هم جميعاً بايعوه عن آخرهم في يوم الغدير أي قبل حوالي التسعين يوماً فقط فكيف يطلبون منه البيعة لهم وبيعته في أعناقهم التي يقول عنها عبد الله بن عباس (الذي أطلقوا عليه حبر الأمة): (لزمت في أعناقهم إلى يوم القيامة)، فالولي حقاً يُبايَع ولا يُبايِع وهم قد بايعوه فعلاً قبل أيام ولم يطل بهم العهد فكيف نقضوا بيعتهم ونكثوا بها وغدروا بوليهم وولي الله فيهم؟ إن هذا من العجب العجاب في هذه الأمة الذي قد لا تجد له شبيهاً في أمم وشعوب الأرض قاطبة.
الولاية ما بين الجدِّ والسِّبط
وهنا نشير إلى مسألة في نفس السياق وهي مرتبطة بين رسول الله الأعظم (ص) ونحن نعيش ذكرى شهادته المؤلمة، وفي نفس اليوم ذكرى شهادة سبطه الأكبر ولي الأمة في عصره الإمام الحسن المجتبى (صلوات الله عليهما وآلهما)، لنجد أن خط الولاية والرسالة متصلاً بينهما، وكذلك خط السَّم والغدر والشهادة متصلاً بينهما أيضاً لأنهم وكما قال قائلهم: (بَنى لَهُمُ الماضونَ أساسَ هَذِهِ * فَعَلّوا عَلى أساسِ تِلكَ القَواعِدِ)، فالذي انقلب على الجدِّ وسقاه السَّم ليصل إلى الكرسي والسلطة، هو نفسه الذي أرسل السَّم إلى الجعدة بنت الأشعث لكي تسمَّ الإمام الحسن السبط (عليه السلام) لتفوز بولده يزيد، ونصف مليون من الدراهم فقط.
فسم الجد الأعلى أو صل بني أمية الطلقاء الذين كل أنواع الحكم والسلطة محرمة عليهم بنصٍّ من رسول الله (ص) ولأنهم من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن، وأنهم أبغض الخلق إلى الله بشهادة الخليفة الحاكم الثاني وبلسانه، فعن ابن عباس أنّه قال لعمر: يا أمير (المواطنين) هذه الآية: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (إبراهيم/29)؟ قال: (هم الأفجران من قريش (مخزوم وأميَّة) أخوالي وأعمامك، فأمّا أخوالي (مخزوم) فاستأصلهم اللّه يوم بدر، وأمّا أعمامك (أمية) فأملى اللّه لهم إلى حين). (الدرّ المنثور للسيوطي: ج4 ص۸4 وأخرجه البخاري في تاريخه، وابن جرير الطبري، وابن المنذر، وابن مردويه)
المحنة بين رسول الله وسبطه الأكبر
والعلماء يقولون: "التاريخ يعيد نفسه"، و"الناس ناس والزمان زمان"، ولكن كم هو الفرق بأن يكون رأس المجتمع في التاريخ رجل ساقط كأبي الجهل عمرو بن هشام المخزومي (فرعون هذه الأمة)، ومن بعده كهف المنافقين أبو سفيان، ومن بعده ولده الدَّعي معاوية بن هند الهنود آكلة الكبود الداهية، أو أن يكون قائده وسيده وإمامه محمد بن عبد الله رسول الله وخيرته، (ص) ثم وصيه ووليه وصهره الإمام علي بن أبي طالب، ومن بعده السبط الأكبر سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسن المجتبى (عليهم سلام الله)، إنه فرق يقاس بالسنين الضوئية ولا قياس أصلاً، فأين الثرى من الثريا، وأين قاع البحر الميِّت من ساق العرش الذي كُتب عليه أسماء أهل البيت (عليهم السلام)؟
ولكن المحنة وعثرات التاريخ وسوء طالع المسلمين أن مثل أبو سفيان معاوية يقف نداً لرسول الله (ص)، ومثل معاوية يقاتل أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وعندما وقفت الحرب بخديعة الداهية عمرو بن العاص افتعلوا مسألة الخوارج وتآمروا على قتل الإمام علي بن أبي طالب (ع) في محراب عبادته واستمروا في المكر والغدر والخديعة حتى هادنه الإمام الحسن المجتبى وهو أحق الناس بالناس، وأطهر أهل الأرض في حينها، ولكن ماذا يصنع وقد فعلت سياسات وخساسات معاوية فعلها فراح جيشه يغدر به ورؤساء العشائر تبيع نفسها وشرفها إلى معاوية ويعدونه أن يسلمون له إمامهم وسيد شباب أهل الجنة سلماً، فلم يقبلوا بالجنة وسيِّدها بل زحفوا على البطون والرُّكب إلى خسيس أهل النار معاوية طالبن رضاه عنهم ولن يرضى عنهم أبداً.
والعجيب أنهم حاولوا اغتيال إمامهم مراراً وطعنوه في المدائن ونهبوا حتى مصلاه ولما هادن ووادع معاوية جاؤوا إليه قائلين: "السلام عليك يا مذلَّ المؤمنين"، وا عجباه، من خور العزيمة، وفلول الحدِّ بعد الجدِّ، هل كان الإمام الحسن المجتبى مذلاً للمؤمنين، أو أن الذي أذلهم وقتلهم تحت كل حجر ومدر هو ذلك الطاغية الذي زحفوا إليه طلباً للعافية كما كانوا يظنون فوجدوا عنده السيف والسَّم الزُّعاف لسادتهم وصلحاءهم.
وإليك فلسفة الهدنة والصلح بلسان الإمام المجتبى (عليه السلام) فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَقِيصَا قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ لِمَ دَاهَنْتَ مُعَاوِيَةَ وَصَالَحْتَهُ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ اَلْحَقَّ لَكَ دُونَهُ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ ضَالٌّ بَاغٍ؟
فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَ لَسْتُ حُجَّةَ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَإِمَاماً عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَبِي (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)؟ قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: أَ لَسْتُ اَلَّذِي قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِي وَلِأَخِي: (اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا)؟ قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَأَنَا إِذَنْ إِمَامٌ لَوْ قُمْتُ، وَأَنَا إِمَامٌ إِذْ لَوْ قَعَدْتُ.. يَا أَبَا سَعِيدٍ عِلَّةُ مُصَالَحَتِي لِمُعَاوِيَةَ عِلَّةُ مُصَالَحَةِ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِبَنِي ضَمْرَةَ وَبَنِي أَشْجَعَ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ اِنْصَرَفَ مِنَ اَلْحُدَيْبِيَةِ، أُولَئِكَ كُفَّارٌ بِالتَّنْزِيلِ وَمُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ كُفَّارٌ بِالتَّأْوِيلِ.. يَا أَبَا سَعِيدٍ إِذَا كُنْتُ إِمَاماً مِنْ قِبَلِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُسَفَّهَ رَأْيِي فِيمَا أَتَيْتُهُ مِنْ مُهَادَنَةٍ، أَوْ مُحَارَبَةٍ، وَإِنْ كَانَ وَجْهُ اَلْحِكْمَةِ فِيمَا أَتَيْتُهُ مُلْتَبِساً؟ أَ لاَ تَرَى اَلْخَضِرَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لَمَّا خَرَقَ اَلسَّفِينَةَ، وَقَتَلَ اَلْغُلاَمَ، وَأَقَامَ اَلْجِدَارَ، سَخِطَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فِعْلَهُ لاِشْتِبَاهِ وَجْهِ اَلْحِكْمَةِ عَلَيْهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ فَرَضِيَ؟ هَكَذَا أَنَا سَخِطْتُمْ عَلَيَّ بِجَهْلِكُمْ بِوَجْهِ اَلْحِكْمَةِ فِيهِ، وَلَوْلاَ مَا أَتَيْتُ لَمَا تُرِكَ مِنْ شِيعَتِنَا عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ أَحَدٌ إِلاَّ قُتِلَ). (علل الشرایع للشيخ الصدوق: ج۱ ص۲۱۱)
فوجه الحكمة واضح ولكن الذي لم يؤمن بالصلح ومعاهدة الحديبية أصلاً، وقال: "لو وجدت معي مائة لجاهدتهم" ولما نزلت سورة الفتح المبين وقرأها عليه رسوله الله (ص) قال: "والله ما هذا بفتح"، فكيف لمثل هؤلاء العصاة أن يدركوا وجه الحكمة ولسان الوحي يقول ولكنهم يقولون هم ولا يأبهون للوحي ولا للرسول ولا لشيء لأنهم أغلقوا قلوبهم وعقولهم عن الفهم فكيف سيفهمون موقف الإمام الحسن السبط وهم لم يفهموا موقف الجد الرسول الأعظم (ص) من قبل؟
الطاعة هي الطاعة
والطاعة هي المطلوبة من الإنسان أن يؤديها إلى سيده ومولاه سواء كان رسول الله أو لي الله ولكنهم ادَّعوا الأخذ بكتاب الله (حسبنا كتاب الله يكفينا) وتركوا الشَّطر الآخر وقالوا: "لا نسلم لهم زمام أمورنا أبداً"، و"لا تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم"، لأنهم كانوا ينظرون إلى المسألة بعين أبي سفيان العمياء التي لا ترى منها إلا السُّلطة والحكم، وهم قلبوا الطاعة من ولي الله إلى الحاكم والسلطان ولو كان الشيطان كمعاوية أو ولده الشرير يزيد وأفتوا بحرمة الخروج عليهم والعجيب منهم أنهم يعنونون أبواباً في كتبهم ومجاميعهم الروائية: "باب لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، ويلكم من الله هل كان معاوية وولده الشرير، أو الأوزاغ يطيعون الله حتى أفتيتم بوجوب طاعتهم وحرمة الخروج عليهم، والجواب عن هذا السؤال أوضح في عالمنا اليوم فهل طاعة هؤلاء العصاة من حكام البلاد واجبة على المسلمين المحكومين فما لكم كيف تحكمون؟
فمَنْ يفتي بوجوب الطاعة عليه أن يأمن بعدم معصية مَنْ يفتي بطاعته، وأنى لهم ذلك وهم غارقون في المعصية حتى آذانهم بل يطيعن الاستكبار العالمي وإمبراطورية الشَّر أكثر مما يطيعون الله تعالى والواقع يشهد على ما نقول، وها هي غزة هاشم شاهدة ودماء أكثر من خمسين ألف مازالت حارَّة تغلي ولا أحد يأبه بهم من أمة تدَّعي أنها ربع المعمورة، وما أو صلنا إلى هذه القاع السَّافلة إلا طاعة الحكام الذين يعصون الله في العباد والبلاد ويأتيك بوق من أبواقهم الشيطانية ويُفتي بوجوب طاعتهم، وأي طاعة لمَنْ عصى الله ورسوله وكتابه وكل المنظومات الحقوقية، والشرعية، والأخلاقية، وحتى الأعراف الاجتماعية؟
ولن تنهض الأمة إلا بهذين الجناحين التولي لأولياء الله والتبري من أعدائهم، وتمارس واجبي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اضف تعليق