تضافرت الرواية عن أبنائه والأوصياء من بعده على ذكر مناقبه العبادية وأوراده الروحانية وانقطاعه الى الله تعالى وهي تكشف عن تأصيلات التقوى الجذرية في النفس الطائعة العابدة لله تعالى والتي كانت محل انبهار تلك الذوات المقدسة وتداول ذكرهم لها من أجل الاقتداء بها، فهو القدوة لهم...
الأجساد الطاهرة هياكل الأرواح المقدسة وتستمد طهارتها تلك الأجساد من تلك الأرواح المقدسة التي تستمد قداستها من المعارج الى أفلاك العرش الأعلى حيث تتماهى وشؤون ذلك العالم الإلهي، وفي مقام سدرة المنتهى تتماهى البشرية في تلك الأحوال وتصاغ الأرواح مرة أخرى بالمضامين الإلهية فيكون بشرا معصوما وخلقا إلهيا وصنعا ربانيا.
هكذا أرواح الأئمة في رحلتها الدائمة في عالم الجبروت ثم عودتها الى عالم الملكوت وهي تحمل عبق اللقاء الإلهي وتضمينات انفتاحات العلوم الإلهية والعطايا الربانية، ونجد في الروايات عن الأئمة عليهم السلام مسارات تلك الرحلات وأسرار هذه اللقاءات وهي لا تمت الى الغلو بصلة ولكنها ممارسات ورياضات الأرواح المعصومة ويتفهمها المتلقين من أصناف عالمها أي عالم أرواحهم عليهم السلام "فأمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان".
وفي مسارات تلك الأرواح نحو اللقاء الإلهي ورحلتها في عالم الجبروت جاءت الرواية (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يا أبا يحيى إن لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشأن، قال قلت جعلت فداك وما ذاك الشأن قال: يؤذن لأرواح الأنبياء الموتى عليهم السلام وأرواح الأوصياء الموتى وروح الوصي الذي بين ظهرانيكم، يعرج بها إلى السماء حتى توافي عرش ربها، فتطوف به أسبوعا وتصلي عند كل قائمة من قوائم العرش ركعتين، ثم ترد إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملؤا سرورا ويصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جم الغفير)، وفي رواية أخرى عنه عليه السلام (قال: ما من ليلة جمعة إلا ولأولياء الله فيها سرور قلت: كيف ذلك؟ جعلت فداك قال: إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى الله عليه وآله العرش ووافى الأئمة عليهم السلام ووافيت معهم فما أرجع إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندي)، وفي رجعتهم من عالم الجبروت وأفلاك العرش الى عالم الملكوت وحياة البشر تتجلى تلك النفحات الإلهية والسمات الروحانية في عباداتهم وسلوكهم وأعرافهم وعاداتهم عليهم السلام.
وقد كان الإمام العابد والزاهد الرائد أبا الحسين علي بن الحسين زين العابدين المثل الأعلى للأئمة التسعة المعصومين، فقد تضافرت الرواية عن أبنائه والأوصياء من بعده على ذكر مناقبه العبادية وأوراده الروحانية وانقطاعه الى الله تعالى وهي تكشف عن تأصيلات التقوى الجذرية في النفس الطائعة العابدة لله تعالى والتي كانت محل انبهار تلك الذوات المقدسة وتداول ذكرهم لها من أجل الاقتداء بها، فهو القدوة لهم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو القدوة له وذلك سره وسر اشتهاره بفرادة العبادة، فقد روي عن ولده أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام (ولقد دخل أبو جعفر ابنه عليه فاذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه وقد اصفر لونه من السهر ورمضت عيناه من البكاء ودرت جبهته وانخرم أنفه من السجود وقد ورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، فقال أبو جعفر: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء فبكيت رحمة له، فاذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي ابن أبي طالب فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا، ثم تركها من يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب).
وفي اقتداء سيد الساجدين وزين العابدين عليه السلام بأمير المؤمنين عليه السلام وفي انفراده من بين ولده من الأئمة بهذا الاقتداء المنقطع النظير ودون إدراك أحد من الخلق هذه المنزلة روي عن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام انه (ذكر أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب فأطراه ومدحه بما هو أهله ثم قال: والله ما أكل علي ابن أبي طالب من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله رضا إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله نازلة قط إلا دعاه ثقة به، وما أطاق عمل رسول الله من هذه الامة غيره، وإن كان ليعمل عمل رجل كأن وجهه بين الجنة والنار، يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار، مما كد بيديه ورشح منه جبينه، وإن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلا الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين).
وكيف لا تعرج روحه في مدارك الكمال تلك وأفلاك العصمة هذه وهو يروح في كل يوم وليلة ألف مرة نحو اللقاء بالحبيب الأبدي والشوق السرمدي الى رب الروح وهيكلها الجسدي فقد روي أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وهو تعبير عن استغراق زمنه الكلي بالصلاة والمناجاة والقيام بين يدي الله تعالى وقد جاء في الخبر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام (كان علي بن الحسين يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، وكانت له خمسمائة نخلة، فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين، وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، كان أعضاؤه ترتعد من خشية الله وكان يصلي صلاة مودع يرى أنه لايصلي بعدها أبدا).
وكان الاستغراق يزيد في عالم الملكوت كلما عرجت روحه الطاهرة الى عالم الجبروت فكان إشفاقا من أهل بيته الكرام أن يسألوه الراحة لجسده الذي أوهنته أحزان الطف وتكاليف العبادة والبر فشكت أخته الطاهرة فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم السلام هذا الحال الى جابر بن عبدالله الأنصاري حليف البيت النبوي وأليف الأئمة من آل علي جاء في الخبر (أتت فاطمة بنت (الحسين) بن علي بن أبي طالب: إلى جابر بن عبدالله، فقالت له: يا صاحب رسول الله إن لنا عليكم حقوقا ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكروه الله، وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين قد انخرم أنفه ونقبت جبهته وركبتاه وراحتاه أذاب نفسه في العبادة، فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد أنضته العبادة، فنهض علي فسأله عن حاله سؤالا حفيا، ثم أجلسه بجنبه، ثم أقبل جابر يقول: يا ابن رسول الله أما علمت أن الله إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ فقال له علي بن الحسين: يا صاحب رسول الله أما علمت أن جدي رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبد بأبي هو وامي حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا، فلما نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول، قال: يا ابن رسول الله البقيا على نفسك فانك من اسرة بهم يستدفع البلاء، وبهم تستكشف اللاواء، وبهم تستمسك السماء فقال: يا جابر لا أزال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما حتى ألقاهما، فأقبل جابر على من حضر فقال لهم: ما رؤي من أولاد الانبياء مثل علي بن الحسين، إلا يوسف بن يعقوب والله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف).
وقد حفظ لنا التراث العبادي – من العبادة- في الإسلام صور ومشاهدات عبادات زين العابدين وقدوة الأولياء الصالحين نقلها الزهاد والعبّاد وتكشف هذه الروايات قوة التأثير التي خلفتها تلك المشاهدات في تلك النفوس الراغبة نحو الله تعالى، وروى طاووس الفقيه عن تلك المشاهدات له في البيت الحرام فقال (رأيته يطوف من العشاء إلى سحر ويتعبد، فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه، وقال: إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد صلى الله عليه وآله في عرصات القيامة، ثم بكى وقال: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولكن سولت لي نفسي وأعانني على ذلك سترك المرخى به علي، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني؟ فواسوأتاه غدا من الوقوف بين يديك، إذا قيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا، أمع المخفين أجوز؟ أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن أستحي من ربي؟! ثم بكى وأنشأ يقول:
أتحرقني بالنار يا غاية المنى... فأين رجائي ثم أين محبتي
أتيت بأعمال قباح زرية وما... في الورى خلق جنى كجنايتي).
ويبدو أن أبيات الشعر هي من وضع المتأخرين من الصوفية والزهاد وهي تؤشر عميق التأثر بمقامات إمام الزاهدين وصفوة الله من أوليائه الطاهرين علي بن الحسين عليه السلام وقد سعى التصوف الذي يوصف بالإسلامي الى إضفاء الزهد الصوفي أو الخاص بالتصوف على شخص الإمام زين العابدين ولكن حقيقة الزهد في حياة الإمام المعصوم علي بن الحسين هو خلاصة التربية والحياة في البيت النبوي فهو الزهد الموروث عن أهل بيت النبوة عليهم السلام وصادر عن التقوية الإسلامية التي غرسها القرآن الكريم بقوة الإيمان واليقين في النفوس الصالحة من جيل المؤمنين الأولين، وليس أدل من ذلك على خلو التراث العبادي والمروي عن الإمام سيد الساجدين من مفاهيم ومصطلحات وسلوك التصوف سواء في عباداته أو في أدعيته أو في سلوكه الشخصي والعام، وقد أوضحت الرواية كما مر معنا أنه عليه السلام كان يصطحب في أعمال عبادته كتبا لأمير المؤمنين عليه السلام تنص على أعمال وعبادات علي بن أبي طالب عليه السلام وكانت مصادره في العبادات عملا واقتداءا كما بدا من محاججته لولده الباقر عليه السلام وهي تؤكد وراثته عليه السلام للزهد والعبادة عن بيته النبوي.
وبهذا كان زهده زهدا تقويا إسلاميا خالصا أورثه ذلك الوجل في قيامه وصلاته والحزن في مناجاته ودعائه وقد بدا مشهد الحزن عليه غالبا فقد كان يشاركه فيه الحزن على أبيه الذي أدمى القلوب بكاءا وسهد العيون أحزانا، ولكن إحالة الزهد في حياة الإمام علي بن الحسين عليه السلام الى آثار واقعة الطف المؤلمة وحصرها بنطاقه الشخصي وهو راي د.كامل مصطفى الشيبي إنما يفنده ذلك الشوق واستغراق الوله المبثوث في مرويات أدعية الإمام زين العابدين الذي يشكل عاملا أصيلا في الزهد التقوي للإمام زين العابدين وليس طارئا بسبب حزن مادي تطور الى أن يكون حزن روحي معنوي كما يقول الشيبي، بل إن بعض الروايات تشير الى تبتله وانقطاعه وصنوف عبادته في أيام غضاضة الشباب ولعلها قبل واقعة الطف فقد روى عبدالله بن المبارك (حججت بعض السنين إلى مكة فبينما أنا سائر في عرض الحاج وإذا صبي سباعي أو ثماني؟ وهو يسير في ناحية من الحاج بلا زاد ولا راحلة فتقدمت إليه وسلمت عليه، وقلت له: مع من قطعت البر؟ قال: مع البار فكبر في عيني، فقلت: يا ولدي أين زادك وراحلتك؟ فقال: زادي تقواي، وراحلتي رجلاي، وقصدي مولاي، فعظم في نفسي، فقلت: يا ولدي ممن تكون؟ فقال: مطلبي، فقلت: أبن لي؟ فقال: هاشمي، فقلت: هاشمي، فقلت: أبن لي، فقال: علوي فاطمي فقلت: يا سيدي هل قلت شيئا من الشعر؟ فقال: نعم، فقلت: أنشدني شيئا من شعرك، فأنشد:
لنحن على الحوض رواده... نذود ونسقي وراده
وما فاز من فاز إلا بنا... وما خاب من حبنا زاده
ومن سرنا نال منا السرور... ومن ساءنا ساء ميلاده
ومن كان غاصبنا حقنا... فيوم القيامة ميعاده
ثم غاب عن عيني إلى أن أتيت مكة فقضيت حجتي ورجعت، فأتيت الأبطح فإذا بحلقة مستديرة، فاطلعت لأنظر من بها فإذا هو صاحبي، فسألت عنه فقيل: هذا زين العابدين عليه السلام) ويبدو أن عبدالله بن المبارك قد رواها عن أخرين وليس معه قد وقعت الحادثة فهو ولد بعد وفاة زين العابدين سنة 118هـ ووفاة زين العابدين سنة 95هـ وفي الرواية إضافات لعلها من النقلة والرواة، وكذلك روى الأصمعي (كنت أطوف حول الكعبة ليلة، فإذا شاب ظريف الشمائل وعليه ذؤابتان، وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: " نامت العيون، وعلت النجوم وأنت الملك الحي القيوم، غلقت الملوك أبوابها، وأقامت عليها حراسها، وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إلي برحمتك يا أرحم الراحمين " ثم أنشأ يقول:
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم... يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت قاطبة... وأنت وحدك يا قيوم لم تنم
أدعوك رب دعاء قد أمرت به... فارحم بكائي بحق البيت والحرم
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف... فمن يجود على العاصين بالنعم
قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدين عليه السلام)، وكانت وفاة الأصمعي سنة 216هـ مما يوجب القول بأنها من روايته عن أخرين بسلسلة من الرواة عمن شاهد زين العابدين عليه السلام وهو في غضاضة الشباب وقبل واقعة الطف وقد انغرس شخصه وروحه في التعلق بالعبادات ومثاوي الزهد وسلوكه.
وتطالعنا نصوص الصحيفة السجادية بعبارات ذلك الشوق الأصيل والوله المغروس مبكرا ومسبقا في النفس المعصومة للإمام زين العابدين فهو يقول في مناجاة المحبين:
(بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إِلهِي مَنْ ذا الَّذِي ذَاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرَامَ مِنْكَ بَدَلاً، وَمَنْ ذا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغى عَنْكَ حِوَلاً، إِلهِي فَاجْعَلْنا مِمَّنِ اصْطْفَيْتَهُ لِقُرْبِكَ وَولايَتِكَ، وَأَخْلَصْتَهُ لِوُدِّكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَشَوَّقْتَهُ إِلى لِقائِكَ وَرَضَّيْتَهُ بِقَضائِكَ، وَمَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ إِلى وَجْهِكَ وَحَبَوْتَهُ بِرِضاكَ، وَأَعَذْتَهُ مِنْ هَجْرِكَ وَقَلاكَ، وَبَوَّأْتَهُ مَقْعَدَ الصِّدْقِ فِي جِوارِكَ وَخَصَصْتَهُ بِمَعْرَفَتِكَ وأَهَّلْتَهُ لِعِبادَتِكَ، وَهَيَّمْتَ قَلْبَهُ لإرادَتِكَ، وَاجْتَبَيْتَهُ لمُشاهَدَتِكَ وَأَخْلَيْتَ وَجْهَهُ لَكَ، وَفَرَّغْتَ فُؤادَهُ لِحُبِّكَ وَرَغَّبْتَهُ فِيما عِنْدَكَ، وَأَلْهَمْتَهُ ذِكْرَكَ وَأَوْزَعْتَهُ شُكْرَكَ، وَشَغَلْتَهُ بِطاعَتِكَ، وَصَيَّرْتَهُ مِنْ صَالِحِي بَرِيَّتِكَ، وَاخْتَرْتَهُ لِمُناجاتِكَ وَقَطَعْتَ عَنْهُ كُلَّ شَيْءٍ يَقْطَعُهُ عَنْكَ، اللّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ دَأْبُهُمُ الارْتِياحُ إِلَيْكَ وَالحَنِينُ، وَدَهْرُهُمُ الزَّفْرَةُ وَالأَنِينُ، جِباهُهُمْ ساجِدَةٌ لِعَظَمَتِكَ، وَعُيُونُهُمْ ساهِرَةٌ فِي خِدْمَتِكَ، وَدُمُوعُهُمْ سَائِلَةٌ مِنْ خَشْيَتِكَ، وَقُلُوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحَبَّتِكَ، وَأَفْئِدَتُهُمْ مُنْخَلِعَةٌ مِنْ مَهابَتِكَ، يا مَنْ أَنْوارُ قُدْسِهِ لأَبْصَارِ مُحِبِّيهِ رائِقَةٌ، وَسُبُحاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عارِفِيهِ شائِقَةٌ، يا مُنى قُلُوبِ المُشْتاقِينَ، وَيا غايَةَ آمالِ المُحِبِّينَ، أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُوصِلُنِي إِلى قُرْبِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا سِواكَ، وَأَنْ تَجْعَلَ حُبِّي إِيّاكَ قائِداً إِلى رِضْوانِكَ، وَشَوْقِي إِلَيْكَ ذَائِداً عَنْ عِصْيانِكَ، وَامْنُنُ بِالنَّظَرِ إِلَيْكَ عَلَيَّ، وَانْظُرْ بِعَيْنِ الوُدِّ وَالعَطْفِ إليَّ، وَلا تَصْرِفْ عَنِّي وَجْهَكَ وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الإسْعادِ وَالحُظْوَةِ عِنْدَكَ، يا مُجِيبُ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ).
وفي تلك المناجاة نجد شوق القلب وهوى الود وهيام النفس وفرح اللقاء وسعادة الانقطاع وهي تأصيلات التقوى ومغارس الوحي في النفس التي تزينت بالعبادة والزهد والتقوى فلم تجد لها اسما أو وصفا إلا زين العابدين علي بن الحسين.
اضف تعليق