دولة الإمام المهدي ستقوم بالعلم ورجالها سيحكمونها بالعقل والعدل وإلا فلن يستطيع أي منهم أن ينجح في مهمته في نفي العجز من حكومته، والحاجة من مجتمعه، لأن الناس سيعيشون بكامل حريتهم، ويحققون كل ما يصبون إليه
ولد الإمام الثاني عشر للمسلمين المهدي المنتظر في سامراء ليلة 15 شعبان عام 255 من الهجرة
مقدمة عقلائية
أجمع عقلاء الأرض على ضرورة وجود القائد الصالح أو الطالح للمجتمع البشري، إذ قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): (لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ)، فمن أقدم العصور ومنذ أن تكوَّنت أول أسرة من نبي الله آدم وزوجته حواء وأبناءهما كان القائد المرشد هو النبي آدم ومن بعده وصيه الأعقل والأعدل من بين إخوته، وعلى هذا سارت الحياة البشرية منذ انطلاقتها ولكن رافقها الخط الآخر أو المسار الثاني المعارض أو المناهض لهذا الخط الرَّباني وهو الخط الشيطاني الذي كان معادياً وقحاً لبني آدم ولذا جاء إلى ذلك الشخص الضعيف الذي جعل من نفسه مطيَّة للشيطان فركبه وراح ينفِّذ ما يمليه عليه فوقعت أول جريمة على وجه الأرض من هذه النشأة حيث قتل قابيل الطالح المجرم، أخاه هابيل الصالح التقي المؤمن، وكان ذلك من أجل القيادة والولاية -كما في بعض الروايات- حيث حسد قابيل أخاه هابيل على صلاحه وقربه من أبيه وظنَّ أنه الوصي والولي من بعده فقتله ليكون هو القائد والحاكم على إخوته.
وهكذا سارت الأمور في بني آدم من حيث الانحراف والضلال وكان كلما وصلت المسألة إلى حدِّها الفاصل بحيث أن المسيرة البشرية وصلت إلى حدِّ الهاوية الشيطانية ويستحيل الحل والإصلاح كان يرسل لهم نبياً يذكرهم، ثم رسولاً لينقذهم ويصلحهم ويعيد مسيرتهم إلى بدايتها وهذا ما بيَّنه أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين في خطبته التي يقول فيها شارحاً مهمة الأنبياء والرسل الكرام (عليهم السلام): (وَاِصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى اَلْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ اَلرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اَللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاِتَّخَذُوا اَلْأَنْدَادَ مَعَهُ وَاِجْتَالَتْهُمُ اَلشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَاِقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ اَلْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ اَلْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ، وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ، وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُخْلِ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ، أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ، أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ، رُسُلٌ لاَ تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلاَ كَثْرَةُ اَلْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ، عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ اَلْقُرُونُ، وَمَضَتِ اَلدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ اَلْآبَاءُ، وَخَلَفَتِ اَلْأَبْنَاءُ). (نهج البلاغة: ج۱ ص۳۹ خ 1)
وعلى ذلك سارت سيرة العقلاء في المجتمعات البشرية حيث أنهم يبحثون عن القائد ويسلِّمونه أمورهم ويفوِّضون له شؤون حياتهم ليسير بهم فيمنع عنهم العوادي الداخلية والخارجية، ويمنع الفوضى في المجتمع لأنها هي الحالقة والحارقة لكل شيء فيه، والفوضى دمار لكل ما بناه الإنسان من مدنية وحضارة، والعجيب الغريب في عصر الحضارة الرقمية يحاول أربابها نشرها بين الشعوب والأمم رغم أنها قاربت ثمانية مليارات إنسان على وجه الأرض الآن، ولكن أرباب الحضارة الرقمية من شياطين الإنس كالأرملة السوداء (كونداليزا رايس) تأتي إلى العراق وبكل وقاحة تطرح نظرية (الفوضى الخلَّاقة) لتدمير العراق والمنطقة وخلق الظروف المناسبة لهم في سرقة ونهب ثروات المنطقة وقتل شعوبها بدم بارد، وبكذبة القرن الواحد والعشرين بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وهم الذين ما عرفوا معنى للديمقراطية إلا الفاسدة منها، ولا معنى للحقوق إلا حقوقهم في سرقة ونهب العالم.
الحضارة الرقمية العملاقة
والناظر بعين بسيطة عدا عن أن تكون ثاقبة وعالِمة ودقيقة يجد أن العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى يسير إلى الهاوية بسرعة هائلة، وبخطى متسارعة للدمار الشامل، لكل ما بنوه ورفعوه من ناطحات السَّحاب والأبراج العالية والبنايات الراقية والقصور العجيبة والصناعات الغريبة التي ينعم فيها البعض ويتحسَّر عليها الآخرون، وذلك لاتساع الفجوة بين طبقات المجتمعات فمنهم مَنْ يملك البنوك والأرقام الفلكية وتفوق ثروتهم لأمم وشعوب كاملة وبالمقابل هناك الملايين لا يحصلون على لقمة العيش بل يموتون من الجوع، وربنا سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء: 16)، فقرار العذاب يأتي بعد أن يأمر المترّفين في الحضارة ولكنهم يأبون الطاعة ويعصون الرَّب فيستحقون العذاب، حيث يأتيهم العذاب بغتة ثم لا يُنصرون.
الهاوية الحضارية
فإذن الهاوية قريبة وبعض الشعوب وصلتها بل وصلت حدَّ البهيمية وكادت أن تخرج من الإنسانية إلا بالشَّكل فقط، حيث مَنَّ الله عليهم بهذا القوام وخلق لهم من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها وجعل من عنده وبرحمته بينهم مودة ورحمة إلا أنهم خرجوا عن الطريق السَّوي ودخلوا في متاهات الضياع الحيوانية وصاروا إلى البهائم أقرب واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وصار أكثرهم من الجنس الثالث غير المعروف جنسه لا بالشكل ولا باللون ولا حتى باللباس والكلام تستطيع أن تحدِّد جنسه، وصدق الله حيث قال: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)
القائد الحضاري المنتظر
والفساد ظهر بكل قوة ووضوح وهذا ينذر بالخطر العظيم أنه اقتربت البشرية من غضب الله ونزول العذاب عليهم ولكن بقيت مسألة واحدة كما تفيدنا سنن الله تعالى في هذا الخلق وآياته في كتابه الحكيم وهي في قوله تعالى: (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 15)، وبما أن رسولنا الأكرم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) هو خاتم الأنبياء والرسل فما من أمل في بعثة نبي أو رسول لينقذ هذه البشرية المعذَّبة وبهذه الأعداد الهائلة، ولذا ادَّخر الله تعالى لهذه المهمَّة الشَّاقة والصعبة جداً وليَّه المعظَّم خاتم الأوصياء والأئمة من آل محمد وهو الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عليه السلام) حيث يقوم على اسم الله وليعيد الناس إلى دينهم ورسالة جدِّه رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وليس غيره من مخلِّص ولا منقذ لهذه الإنسانية المهانة والمستشهدة.
القائد الإلهي المخلِّص
فلم يبقَ للبشرية ولا للإنسانية من أمل إلا بهذا الأمل الموعود، وهذا الإمام الهمام المنتظر الذي ينزل السيد المسيح (عليه السلام) ليكون من أعوانه وأنصاره على أمته التي تعدُّ ربع سكان الأرض، فيأمرهم باتباع الإمام المهدي من آل محمد لأنه هو من أتباعه وأعوانه والمقتدين به والمصلين خلفه في صلاته، فيقول لهم: كل مَنْ يحبني ويؤمن بي وينتظرني عليه أن يؤمن بالمهدي وينصره ويكون من أنصاره، وكذلك يظهر إلى الوجود الخضر الأخضر صاحب موسى وفتاه (عليهم السلام) ويكون مع الإمام، لأن هذا القائد الرَّباني صُنع صناعة خاصَّة من قبل الباري عز وجل حيث يقول: (نَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا وَاَلْخَلْقُ بَعْدُ صَنَائِعُنَا)، كما قالها جده أمير المؤمنين الإمام علي من قبله حيث قال: (فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَاَلنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا)، ويدوخ ابن أبي الحديد في فهمه وشرحه لها فيقول: (هذا كلام عظيم، عالٍ على الكلام، ومعناه عالٍ على المعاني، وصنيعة الملك مَنْ يصطَنعه الملك ويرفع قدره.. ويقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت، وباطنه أنهم عبيد الله، وأن الناس عبيدهم). (شرح نهج البلاغة؛ لابن أبي الحديد: ج ١٥ صفحة ١٩٤)
فهذا القائد ليس من تربية وتعليم أهل الأرض قطعاً، لأن الإنسان الأرضي مهما كان عملاقاً في فكره وعقله فيبقى محدوداً وابن بيأته ومتأثراً بمحيطه والظروف التي يعيش فيها، ولذا هيَّأ الله لهذا الخلق رجلاً خاصاً ومميَّزاً ربَّاه على عينه، وجعله من خيار خلقه، وصنعه على عينه، وحمَّله رسالته لينهض بها لينقذ العالم بأسره من هؤلاء الطغاة والجبارين، ويستخلص حقوقهم المنهوبة من هؤلاء القوارين -جمع قارون- وبالتالي يخلص الأرض من رجس الفراعين -جمع فرعون- والنماريد -جمع نمرود- ويعيش الناس في بحبوحة العدل في الحكم والقسط في المجتمعات، ويجرِّب حياة الجنَّة وهو في هذه الأرض.
فهذا القائد الرَّباني، والإمام العالمي هو المخلِّص الحقيقي، والأمل الواقعي، والذي يحقق طموحات الإنسان بالعيش في سعادة ورفاه وأمن وأمان وسلامة وسلام دون خوف أو وجل من الحكام الظالمين، أو الطغاة الجبارين الذين يحكمون الناس ويذلونهم ويجبرونهم على طاعتهم وعبادتهم من دون الله تعالى، فهؤلاء جميعاً سيكونون في مزابل التاريخ في الدنيا وحطب وحصب جهنم في الآخرة لأنهم أذاقوا الناس الأمرَّين من ألوان العذاب والاضطهاد وهم يتحمَّلون أوزارهم وأوزار الذين أضلوهم وذلك جزاؤهم العادل في محكمة العدل.
الحكومة العالمية
كلنا سمعنا عن العولمة، والآن نعيش في أتونها، أو تنورها الذي ننتظر أن يفور عليها لنتخلَّص منها وما هي في الحقيقة والواقع إلا أمركة العالم ونشر القيم والثقافة والسياسة والاقتصاد الأمريكي والغربي على العالم أجمع بالقوة أو المروَّة، وبالحديد والنار أو بالمكر والخديعة، وبالحرب الخشنة السَّاخنة، أو بالحرب الباردة الناعمة، أو الحرب في جيلها الرابع وهو الفناء الذاتي بإشعال الحروب الداخلية في الدول التي لا تنصاع لأوامرهم، والتي يسمونها المارقة على سلطتهم والعراق العزيز والجريح كان أول ضحايا هذه الحروب كلها حيث جربوها فينا وعلى أرضنا ومازلنا نحارب ولا ندري إلى متى نبقى هكذا.
ولكننا ننتظر ذلك الإمام الهمام ليأتي إلى هذه الأرض الطيبة وبلد الخيرات والمكرمات عراق الأئمة الأطهار الذي كان يسمَّى بلد السَّواد لكثرة خيراته وبركاته وغلبة الأشجار المثمرة عليه، ليقيم فيه وتكون الكوفة عاصمته، ومسجد السَّهلة بيته المبارك، ويقود العالم بتلك الحكومة العالمية والتي تمحو العولمة عن وجه الأرض وتزرع أو تنشر العالمية حيث العدالة والإنسانية تعمُّ المعمورة كلها في ظله وبقيادته الحكيمة وحكومته العالمية العادلة التي ستتكون من 313 قائداً ومديراً ومسؤولاً يديرون دفَّة الحكم وبدولة واحدة ولواء واحد وشعار وحيد؛ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وعندها ستختفي كل مظاهر العولمة الفاسدة والمفسدة وسلبياتها، وتظهر كل مظاهر العالمية الصالحة والمصلحة وايجابياتها، وتلك ستكون دولة الله في الأرض وهي دولة الحق والعدل المنتظرة.
تلك الحكومة التي بشَّر بها رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة وبالآلاف من الأحاديث والروايات في مختلف العصور وعبر كل هذه السنوات والتقلبات الكثيرة التي مرت على هذه الأمة المرحومة، وحتى أن بعض العلماء أحصى ما روي عن أحوال وكل ما يرتبط بالإمام المهدي فبلغت ستة آلاف رواية وحديث وهو رقم هائل ولذا العلماء كتبوا الموسوعات عن تلك الأحاديث والروايات العجيبة التي تتحدَّث عن كل التفاصيل رغم أنهم كانوا لا يعرفون معناها ولا يدرون مغزاها ولكن الآن وبعد التطور التقني والتقدم العلمي والثورة الرقمية صرنا نفهم ما استعصى عليهم وجزاهم الله أنهم أوصلوه لنا سالمة كما أنني أهيب بالأخوة لا سيما العلماء الأجلاء أن يحتفظوا بالروايات التي لم يفهموها الآن لعل في قادم الأيام تكتشف الأجيال معناها.
دولة العلم والعقل
لأن دولة الإمام العالمية ستقوم على العلم والفهم وإلا فلا يمكن لعاقل أن يدرك أو يستطيع أن يستوعب كيف لشخص يجلس في ظهر الكوفة أن يقود ويدير العالم ويتحكم في بعض مفاصل الكون أيضاً دون العلم وربما استفاد الكثيرون من أزمة كوفيدا (كورونا) التي أربكت العالم لحوالي ثلاث سنوات وغيَّرت النظام العالمي وهي فيروس صغير وحقير ولا يتجاوز نصف كأس شاي إذا جمع من العالم أجمع.
ولذا الآن صرنا نفهم هذا الحديث ونتحدث به بقوة ونستشهد به في المحافل فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: (إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اَللَّهُ يَدَهُ عَلَى رُءُوسِ اَلْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ، وَكَمَلَتْ بِهِ أَحْلاَمُهُمْ)، هل يعرف العالم ماذا يعني هذا الحديث الشريف عن باقر علوم الأنبياء والمرسلين، وعلوم الأولين والآخرين؟
والعلماء يعرفون والأطباء يعلمون أن العباقرة من البشر كآنشتاين، ونيلزبور، ولافوازيه، وأمثالهم من العقول والعلماء الذين غيَّروا وجه التاريخ أنهم لم يستخدموا من طاقة عقولهم إلا بنسبة من 2 – 4% فقط، فكيف إذا ظهر الإمام المهدي (عليه السلام) وهو الإنسان الكامل في كل صفات البشر والإنسانية، وجمع أصحابه ومرَّر يده الكريمة على رؤوسهم فجمع عقولهم، وأكمل لهم أحلامهم، ثم يوزِّع عليهم المهام كل في اختصاصه فالوزراء والمدراء والقادة كل في منصبه بحيث أنه يستطيع أن يسيطر على كل مَنْ تحت إمرته من غرفته ومكانه في مقر الحكومة في ظهر الكوفة وعراق الحضارة.
هذا بالعلم وليس بالمعجزة، فعصر ودولة الإمام المهدي (عليه السلام) ستقوم بالعلم ورجالها سيحكمونها بالعقل والعدل وإلا فلن يستطيع أي منهم أن ينجح في مهمته في نفي العجز من حكومته، والحاجة من مجتمعه، لأن الناس سيعيشون بكامل حريتهم، ويحققون كل ما يصبون إليه ويحلمون به فلا وجود للفقر والحاجة أصلاً، وذلك لتوفر جميع ما يحتاجه البشر وتكدَّس الأموال حتى في الشوارع والطرقات ولا تجد مَن يأخذها ففي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فيها: (إِذَا قَامَ قَائِمُ أَهْلِ اَلْبَيْتِ قَسَّمَ بِالسَّوِيَّةِ وَ عَدَلَ فِي اَلرَّعِيَّةِ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اَللَّهَ وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَى اَللَّهَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ اَلْمَهْدِيَّ لِأَنَّهُ يُهْدَى إِلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ وَيَسْتَخْرِجُ اَلتَّوْرَاةَ وَسَائِرَ كُتُبِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَارٍ بِأَنْطَاكِيَةَ وَيَحْكُمُ بَيْنَ أَهْلِ اَلتَّوْرَاةِ بِالتَّوْرَاةِ، وَأَهْلِ اَلْإِنْجِيلِ بِالْإِنْجِيلِ، وَبَيْنَ أَهْلِ اَلزَّبُورِ بِالزَّبُورِ، وَبَيْنِ أَهْلِ اَلْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، وَيُجْمَعُ إِلَيْهِ أَمْوَالُ اَلدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ اَلْأَرْضِ وَظَهْرِهَا فَيَقُولُ لِلنَّاسِ تَعَالَوْا إِلَى مَا قَطَعْتُمْ فِيهِ اَلْأَرْحَامَ وَسَفَكْتُمْ فِيهِ اَلدِّمَاءَ اَلْحَرَامَ وَرَكِبْتُمْ فِيهِ مَا حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيُعْطِي شَيْئاً لَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ وَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً وَنُوراً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً وَشَرّاً). (الغيبة (للنعمانی): ج۱ ص۲۳۷)
وقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): (يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يُعْطِي اَلْمَالَ بِغَيْرِ عَدَدٍ)، وقال: (يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي اَلْمَالَ حَثْياً لاَ يَعُدُّهُ عَدّاً)، وعَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): يَا عَلِيُّ اَلْأَئِمَّةُ اَلرَّاشِدُونَ اَلْمُهْتَدُونَ اَلْمَعْصُومُونَ مِنْ وُلْدِكَ أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً وَأَنْتَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ اِسْمُهُ عَلَى اِسْمِي يَخْرُجُ فَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً يَأْتِيهِ اَلرَّجُلُ وَاَلْمَالُ كُدْسٌ فَيَقُولُ يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي فَيَقُولُ خُذْ)، وعن أبي سعيد الخدري قال: (فَيَجِيءُ إِلَيْهِ اَلرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي، قَالَ: فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اِسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ).
والروايات في ذلك كثيرة جداً فالعالَم والبشرية سينعمون في دولة العدل العالمية بتلك القيادة الربانية الحكيمة حيث أن الدنيا ستتحول من غابة على كتف الأمازون إلى جنَّة على الأرض حيث السماء ستنزل خيراتها، والأرض ستخرج بركاتها وسينعم الإنسان بإنسانيته كاملة غير منقوصة، وحريته المسؤولة وليست المدخولة، وربما الحديث التالي يعطينا صورة مصغرة عن تلك الدولة العادلة قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): (بِنَا يَفْتَحُ اَللَّهُ وَبِنَا يَخْتِمُ اَللَّهُ وَبِنَا يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَبِنَا يُثْبِتُ وَبِنَا يَدْفَعُ اَللَّهُ اَلزَّمَانَ اَلْكَلِبَ وَبِنَا يُنَزِّلُ اَلْغَيْثَ فَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ اَلْغَرُورُ مَا أَنْزَلَتِ اَلسَّمَاءُ قَطْرَةً مِنْ مَاءٍ مُنْذُ حَبَسَهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا لَأَنْزَلَتِ اَلسَّمَاءُ قَطْرَهَا وَلَأَخْرَجَتِ اَلْأَرْضُ نَبَاتَهَا وَلَذَهَبَتِ اَلشَّحْنَاءُ مِنْ قُلُوبِ اَلْعِبَادِ وَاِصْطَلَحَتِ اَلسِّبَاعُ وَاَلْبَهَائِمُ حَتَّى تَمْشِي اَلْمَرْأَةُ بَيْنَ اَلْعِرَاقِ إِلَى اَلشَّامِ لاَ تَضَعُ قَدَمَيْهَا إِلاَّ عَلَى اَلنَّبَاتِ وَعَلَى رَأْسِهَا زَبِيلُهَا لاَ يُهَيِّجُهَا سَبُعٌ وَلاَ تَخَافُهُ). (بحار الأنوار: ج۵۲ ص۳۱6)
فهل يمكن أن تتصوَّر دولة بهذا الحجم وبهذا العدل أن تقوم إلا بالحكمة والعلم والعقل؟
السلام على العدل المنتظر، وكل عام وأنتم بنور حتى الظهور المقدس لصاحب الأمر وناموس الدَّهر أحبتي الكرام جميعاً، وأسعد الله أيامكم بظهور إمامكم، وإقامته دولتكم وجنَّتكم بإذن الله تعالى.
اضف تعليق