ولد الإمام أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، في مكة المكرمة، بعد ولادة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بثلاثين سنة، وهو أول مولود هاشمي محض، كونه قد ولد لأب وأم هاشميين، فأبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم. وكانت ولادته في الكعبة المشرفة، سابقة في مكة المكرمة وقريش وسائر العرب والبشرية، وبذا أراد الله (عز وجل) أن يميزه منذ ولادته الأولى، تنويهاً به، وإعلاناً عنه.
هو ابن عم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، شقيق والده الوحيد لأبيه وأمه، نشأ في حجر الرسول الأعظم، وكان والده أبو طالب قد أملق، فتقاسم إخوته كفالة أبنائه، وفق ما جرت عليه تقاليد العرب وقريش، وشاركهم الرسول (صلى الله عليه وآله) في ذلك.. فكان الإمام وهو الأصغر بين إخوته، من نصيب الرسول الأعظم، فنشأ في كنفه، وتولاه برعايته وتربيته وتأديبه، فشرب (عليه السلام) صفاته وخلقه.
وكان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد نشأ في كنف عمّه أبي طالب، بعد وفاة جده عبد المطلب، وبعد وفاة والدته وهو طفل، تولت حضانته ورعايته، والدة أمير المؤمنين فاطمة بنت أسد، عمته وزوجة عمه، وقد حفظ الرسول الأعظم لها هذه الأمومة حتى وفاتها، حيث أدخلها القبر بنفسه، وتوسد بجانبها.
ولهذه المقدمات المتعلقة بالولادة والنشأة والرحم، فقد تميزت هذه الصلة، بين الرسول الأكرم ووصيه، حتى باتت تشكل اتحاداً ووحدة، تجلّت في جميع المدركات والجوانب السلوكية، في القول والعمل.
يضاف إلى ذلك التقديس الإلهي لهذه الصلة، الذي حفظ في الذكر الحكيم، وصدح به القرآن الكريم.
وهو المشار إليه في آية المباهلة: ((فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل إلى الله))، وبإجماع أهل التفسير والسير والأخبار، أن المقصود بأنفسنا، هو الإمام أمير المؤمنين في تبيان علاقته من الرسول الأعظم، إذ كان مع السيدة الزهراء وولديهما الإمامين الحسن والحسين في مباهلة نصارى نجران.
وعليه فإن صلة الإمام أمير المؤمنين، بالرسول الأعظم، تستمد من عنوانين، الأول "صلة القرابة والرحم" المادية، والثاني "الصلة الروحية المقدسة"، المرتبطة بالنص الإلهي القرآني، والنص النبوي الشريف.
ثم يجلل الله هؤلاء الأربعة بالكساء، مع الرسول الأعظم وفيهم أمير المؤمنين، (فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها)، وتنزل الآية الشريفة ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)). وقد ثبت أنها بحق الخمسة أهل البيت وأهل الكساء دون سواهم.
ثم يؤاخي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة، ويستثني الإمام علي (عليه السلام) فيؤاخيه مع نفسه، وحين استبقاه في المدينة لحماية الأهالي في غزوة تبوك، وسأله الإمام عن ذلك، قال له (صلى الله عليه وآله): (ألا تحب أن تكون أخي، أنت مني بمنزلة هرون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)، في إشارة إلى دعوة نبي الله موسى ربه، أن يجعل من أخيه نبي الله هارون وزيراً له، ليشدّ به أزره، لما يتحلّى به من فصاحة وعلم غزير، فضلاً عن عمق المودة والولاء المطلق له، فاستجاب الله لدعائه،((قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيرا)).ً
ثم يقول عنه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، عندما رأه مقبلاً: (أنا وهذا حجّة على أمتي يوم القيامة)، و(علي مع الحق والحق مع علي).
وقد روى عمّه العباس بن عبد المطلب، أنه شهد الإمام علياً (عليه السلام) يصلي خلف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ومعهما خديجة بعد زمن من البعثة، يقول العباس: (والله ما على هذه الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة).
إن من يقرأ السيرة النبوية - أو مختصراً عنها - سيعلم فوراً اسم المرشح لخلافة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، علي بن أبي طالب، فهو: أول المسلمين، وأول المجاهدين، وأول المضحين، والأول في كل الميادين والمهمات. وهكذا لا تكون عملية اختيار علي بذاته، فرضاً إكراهياً على الناس، وإنما هي عملية تلقائية شأنها شأن النبات الذي زرعت بذرته في الأمس، فأصبح بعد مراحل النمو شجرة وارفة الظلال.
يقول الفقيه آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قده): (هناك حديث مروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو حديث رواه السنة والشيعة، بمضامين مختلفة وأشكال متعددة، ومن بين من رواه، أحمد بن حنبل إمام الحنابلة في مسنده، روي في مسند أحمد بن حنبل، مقطع من هذا الحديث. وقد بيّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث، أن هنالك مجموعة من القيم الإنسانية الكبرى، تجسدت وتجلت في حياة مجموعة من أنبياء الله، وأن هذه القيم جميعاً، قد تمثلت وتجلت في حياة سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى داود في زهده، وإلى أيوب في صبره، وإلى سليمان في قضائه، وإلى إسماعيل في صدقه، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب)، هذه القيم الإنسانية الكبرى التي تمثلت كل واحدة منها في حياة واحد من الأنبياء بحيث غدا ذلك النبي مظهراً لهذه القيمة الإنسانية الكبرى، جميع هذه الصفات تمثلت في حياة شخص، هو مولى الموحدين وإمام المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)).
اضف تعليق