هدف ظهور المنتظر هو انتشال العالم من مستنقع الظلم والجور ونشر العدل والمساواة لذلك يؤمن به البشرية معظمها وتنقاد له الأديان ذلك ان الأديان تؤدي غرضا فطريا واحد يتوحد فيه الشعور الإنساني ويحس به عندما يتكامل إدراكه العقلي مع وجود قيادة حكيمة ينبعث منها الاخلاص والصدق والواقعية...
لقد تواتر في الكتب والرسالات السماوية والمذاهب المختلفة عن وجود منقذ عالمي يقود البشر نحو الخلاص وإيجاد مجتمع بشري قائم على العدالة والحرية والحق. وهذا ليس مجرد خطاب مذهبي او شعار ديني بل هي حقيقة فطرية تعيش في أعماق العقل البشري ويحسها الضمير الإنساني، ويؤمن بها الإنسان الذي يعيش الألم والعذاب اليومي والقلق والخوف واللاأمن.
ذلك ان العقل يدرك في كينونته ان العالم هذا قائم على العدل والتوازن وليس من خصائصه الظلم والفوضى، فإذا كان هناك فوضى فإنها من حصاد الظلم البشري بحق البشر. فلابد من تحقق العدل والا فان العدالة الإلهية تصبح لغوا وعبثا. ولذلك كانت بعثة الأنبياء وتواتر الرسل وقيام المصلحين من إيجاد مجتمع إنساني واحد يعبد الله عز وجل ويحقق عدالته.
وهذا هو هدف الأديان جميعا، وهدف الرسالة الإسلامية التي تخاطب البشر جميعا بلا استثناء لأنها تملك قدرة قوية على إيجاد الوحدة العالمية بما تحمله من مباديء مثل الاخوة والسلام والتسامح والعفو والوحدة، يقول نعوم تشومسكي: في هذا الجزء من العالــــم سيكون الإســـلام بسبب تـــأيـــيـــده الـــمطلق للـــمقهورين والمظلومين اكثر جـــاذبية، فهذا الديـــن المطرد في الانـــتشار على المستوى العالمي هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة والكفاح(1).
فالإسلام دين عالمي يحمل مقومات بناء المجتمع العالمي، يخاطب الله تعالى رسوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء 107.. (وما أرسلناك الا كافة للناس) سبأ 28. ولكن هذا الدين الذي أنقذ العالم من فوضى الجاهلية وظلماتها سوف يعود يوما بإذن الله لإنقاذ العالم وقيادة المستضعفين نحو الخلاص كما بشر بذلك القرآن الكريم: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) القصص 5. ويروى عن الإمام علي (عليه السلام) في الجزء الثالث من نهج البلاغة: (لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها). ثم تلا (عليه السلام) الآية. ويقول ابن أبي الحديد في شرحه على النهج: ان أصحابنا يقولون انه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك(2).
وفي اية أخرى يقول الله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون) الأنبياء 106..
يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (ان ذلك وعد الله للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض).
وكذلك بشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بظهور المهدي (عليه السلام) حيث روى عنه سعيد ابن جبير عن ابن عباس انه قال: ان خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لإثنا عشر أولهم أخي وأخرهم ولدي. قيل يا رسول الله من أخوك؟ فقال: علي بن أبي طالب، قيل ومن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملؤها -أي الأرض- قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب (3).
ماذا يحدث عندما يظهر المهدي (عليه السلام)..؟
ان هدف ظهور المنتظر هو انتشال العالم من مستنقع الظلم والجور ونشر العدل والمساواة لذلك يؤمن به البشرية معظمها وتنقاد له الأديان ذلك ان الأديان تؤدي غرضا فطريا واحد يتوحد فيه الشعور الإنساني ويحس به عندما يتكامل إدراكه العقلي مع وجود قيادة حكيمة ينبعث منها الاخلاص والصدق والواقعية. يقول الفيلسوف الألماني كنت: اختلاف الأديان تعبير غريب مثل هذا كمثل ما لو تكلم المرء عن أخلاق مختلفة انه يمكن ان يوجد أنواع مختلفة من الاعتقادات لا في الدين لكن لا يوجد غير دين واحد مقبول لكل الناس وفي كل الأزمان فما تلك إذن غير محامل للدين، اي شيء عرضي ومتغير وفقا لاختلاف الأمكنة والأزمنة(4).
وقد يكون المراد من هذه الآية القرآنية: (ان الدين عند الله الإسلام) آل عمران 19، هو ان بعثة الأنبياء والرسل هي لتحقيق هدف واحد، وذلك الهدف هو الذي يقود البشرية بكافة تياراتها للانضواء تحت راية المهدي المنتظر (عليه السلام). يقول تعالى في كتابه الكريم: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون) التوبة 33.
يقول الامام الكاظم (عليه السلام): يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم (عليه السلام).
إن الخطوة الأولى في توحيد العالم والمجتمع البشري هو إيمان الأديان جميعا بالإمام المهدي (عليه السلام) والدخول تحت رايته، ذلك ان الدعوة لدمج العالم ليست دعوة حديثة بل إنها ارتبطت تاريخيا بالديانات السماوية القديمة، لقد انطلقت هذه الديانات من فكرة وحدة البشرية أمام الخالق وبالتالي فان الجوهر بالنسبة لكل الديانات هو دعوة الشعوب والأمم للتقارب والتكافل تحت راية الأيمان بوجود رب واحد وخالق واحد وقيم وقناعات ومسلمات مشتركة تحكم السلوك الإنساني في كل أنحاء العالم(5).
لذلك تتوقع الأديان ظهور المهدي وتنتظره وعندما يظهر فإنها تؤمن به خاصة انه عليه السلام يظهر مع علائم تجعل من المستحيل التشكيك به. فيخرج معه عيسى بن مريم كما في الرواية المروية عن رسول الله ويصلي خلف الإمام المهدي (عليه السلام). يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (إذا ظهر القائم ظهر براية رسول الله وخاتم سليمان وحجر موسى وعصاه).
وعنه (عليه السلام): (فإذا اجتمع عنده عشرة آلاف فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممن يعبد غير الله الا آمن به وصدقه وتكون الملة واحدة ملة الإسلام).
وعنه (عليه السلام) أيضا: (وانما سمي المهدي لانه يهدى الى أمر خفي ويستخرج التوراة والإنجيل من ارض يقال لها إنطاكية).
ان عالمية الإمام المهدي (عليه السلام) تظهر من خلال تواصله العالمي وقدرته على إيصال الرؤى الى كافة بقاع العالم، فعن الصادق (عليه السلام) حيث يقول عن النداء السماوي: يسمعه كل قوم بألسنتهم. اذ ان اللغة هي من أهم اصعب العوائق والحواجز التي تفصل بين البشر وتمنعهم عن التواصل والحوار وتؤدي الى الانعزال والتقوقع والانقسام.
العدالة في ظل الحكومة العالمية للإمام المهدي
ان العالم البشري الذي يتخبط في أزماته وحروبه وان العولمة تسير في الاتجاه المعاكس لتحقيق السعادة البشرية، لدليل على ان العدالة حلم بشري تحن لتحقيقه. ومن هنا فان هذا الحلم البشري لا يتحقق إلا عند ظهور المنتظر الذي يحمل راية نشر العدل والقضاء على الظلم.
يبدأ مشروع العدالة العالمي عند المهدي عليه السلام من تحقيق التكامل المعرفي والعقلي عند الإنسان، لان معظم الشرور تنشأ من الجهل وعدم المعرفة، فعن الباقر (عليه السلام): (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم). وهذا الجمع يعني أمرين: الأول ان التكامل الحضاري لا يعتمد على مستوى التقدم المادي والتكنولوجي والمعلوماتي بل يعتمد على التكامل العقلي والتركيز المعرفي من اجل بناء النفس والذات، والحضارة المادية هي وسيلة وليست غاية. والثاني: هو الحوار العقلاني والفكري الذي يعتمد على الثقة والتفاني فيتم التواصل والتقارب وهذا ما يحققه المهدي عليه السلام.
والمرحلة الثانية من مشروع الحكومة العالمية تنطلق من خلال إيجاد التوازن الاجتماعي والاقتصادي وإلغاء الاستغلال والاحتكار والتفرد في السيطرة على موارد الأرض. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (فيجيء إليه الرجل يقول يا مهدي اعطني اعطني اعطني، فيحثى له في ثوبه ما استطاع ان يحمله. وعنه رسول الله صلى الله عليه وآله: ابشروا بالمهدي...ويقسم المال صحاحا بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى انه يأمر مناديا ينادي من له حاجة اليّ... وتكثر الماشية وتعظم الأمة... وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض اكلها.. (6)، ويطبق الإمام عليه السلام قانون الإسلام الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحيا أرضا مواتا فهي له. وهذه هي قمة العدالة التي تعطي الحق للإنسان في امتلاك الأرض كالآخرين، يقول الباقر (عليه السلام): (أيما قوم احيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها وهي لهم). لذلك تزدهر الأرض وتموج بالنشاط والعمل وكمثال على ذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا قام قائم آل محمد...اتصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء).
وبتحقيق العدالة والعدل ينتشر الأمن وتختفي الجريمة ويتحقق الآمان، يقول الإمام الباقر (عليه السلام) في حديثه عن الأمن والامان في عصر المهدي: (... وتخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا يؤذيها أحد).
وتتكامل دولة الإمام المهدي (عليه السلام) العالمية بإلغاء الحدود الجغرافية وترفع الحواجز المصطنعة ويصل البشر الى مبتغاهم في حرية العمل والحركة والحياة، يقول فكتور باش: حق كل إنسان بوصفه إنسان في امتلاك حقوق، وهو الذي يخول لكل مواطن دولة ان يدخل أراضي دولة أخرى، وهذا الحق في التجول بحرية على الارض وفي عقد اتفاقيات قانونية مع سائر الناس يقوم حق المواطن العالمي(7).
فالأرض تصبح موطنا لكل إنسان في عهد الإمام المهدي (عليه السلام)، يقول الصادق (عليه السلام): (ان القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز كلها ويظهر الله به دينه ولو كره المشركون). ويقول (عليه السلام): (ان المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي بالمغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق).
ان المجتمع البشري لايصل الى طريق الوحدة الحقيقية التي تقضي على الحروب والأزمات والعواصف إلا بعد ان يرجع الى العوامل الواقعية المشتركة التي تجمع العنصر البشري، ولاشك ان العامل المادي لا يمثل غير عنصر للاختلاف والتنازع والاستغلال. أما العقل والفطرة فهما العاملان اللذان يقودان البشرية لاستجماع ذاتها والوصول الى حقيقتها، وهذا لا يكون بوجود الا قيادة واقعية تقودها نحو التكامل العقلي والتأصل الفطري والتنكر عن الدوافع الأنانية المميتة وهو عصر العدالة والحرية والامان والسعادة عصر الإمام المنتظر المهدي (عليه السلام) وفقنا الله لرؤية نور وجهه الكريم والامتثال والعيش تحت راية عدالته العالمية الإلهية.
اضف تعليق