كان رسول الله يبذل لهم الإحسان، ويحوطهم بمداراته، ويشملهم بكريم أخلاقه العالية، ويحتويهم ويستوعبهم في دولته ويضمّهم بكلّ رحمةٍ ورأفة ٍوقلبٍ كبير، لقد أذعن واعترف به الصديق والعدو معًا بذلك. فكان أسوة في الصدق والأمانة حتى لُقّب بالصادق الأمين، فقد آمن به الكثير من الناس تأثرًا بأخلاقه...
ارتبطت -الكاريزمية- في عقول الكثيرين من الناس، بشخصيات مرموقة ومشهورة على الإطلاق في المجتمعات الإنسانية "كالشخصيات التاريخية والدينية والسياسية وغيرها" وأنقى وأفضل صورها تتجلّى في شخصيات الأنبياء والأئمة الأطهار (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، فالكاريزمية هي القدرة في التأثير على قلوب الناس وإثارة فضولهم وتحريك عقولهم وتفكيرهم.. وتتمثل الكاريزمية كذلك في القدرة على استغلال الفرص المتاحة والمناسبة حتى ولو في الظروف الصعبة والقاسية، واستثمار كافة القدرات والكفاءات الموجودة، لتعطي انطباعات قوية ومؤثرة للغاية، تاركة بصماتها وانجازاتها العملية والعلمية محفوظة وشاهدة على مر العصور.
والكاريزمية النقية الطاهرة والتي تظهر فيها درجات تأثير الشخصية على الآخرين، والتي بتعزيزها وتمكينها تستطيع أن تخلق لنفسها هالة كاريزمية غير طبيعية على الإطلاق، تحيط بشخصيات الآخرين وتؤثر بهم.
ولـنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة من خلال تعامله مع الناس وخاصة أعدائه وخصومه، إذ تكشف لنا مواقفه الإنسانية الشامخة التي جسدها (ص) على الواقع العملي.
يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: {لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا} (1).
ويخاطب الله رسوله (ص) في القرآن الكريم بقوله عز من قائل: {فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله إن الله يحب المتوكّلين} (2).
لقد آذى المشركون رسول الله (ص) بشتى أنواع الأذية وحاولوا –دائمًا– تشويه سمعته وتحطيم مكانته الشريفة مع كل هذا تحملها في سبيل الله تعالى صابرًا محتسبًا، وكان من التّهم التي أثارها المشركون على رسول الله (ص)، لينفروا الناس عنه، أن رموه بالجنون، وأنه أصابه مسّ من الجن، فما يدعيه من الرسالة والنبوة هو نتيجة اختلال عقلي ونفسي والعياذ بالله.. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكرٌ للعالمين} (3).
لقد تعامل رسول الله (ص) بحكمة ودراية، وبنفس طويل، وصبر عميق، ومارس معهم سياسة الاحتواء والاستيعاب، وعدم اللجوء إلى القوة والقمع، رغم استفزازهم وجرائمهم، فلم يتعامل معهم كأعداء محاربين، ولم يقتل منهم أحدًا، ولم يسجن أحدًا، ولم يجلد أحدًا، ولم يطرد أحدًا، ولم يصادر أيّ حقٍ من حقوقهم المدنية.. وخاصةً مع أولئك الذين ينتمون إلى طبقة الأثرياء والنافذين، وكانوا من ذوي الثروة والنفوذ، أو الطامحين للزعامة والسيطرة بالقوة سواء بالمال أو بالسلاح، والذين لم تلين قلوبهم إطلاقًا وأبدًا للإسلام المحمدي الأصيل.
لكن ما يثير الدهشة والاستغراب هو سعة صدر رسول الله (ص) وحلمه، وعظيم احتماله وصبره، لكل إساءاتهم الخطيرة، وممارساتهم العدوانية والإرهـابية.
كان رسول الله (ص) يبذل لهم الإحسان، ويحوطهم بمداراته، ويشملهم بكريم أخلاقه العالية، ويحتويهم ويستوعبهم في دولته المباركة، ويضمّهم بكلّ رحمةٍ ورأفة ٍوقلبٍ كبير، لقد أذعن واعترف به الصديق والعدو معًا بذلك. فكان أسوة في الصدق والأمانة حتى لُقّب بالصادق الأمين، فقد آمن به الكثير من الناس تأثرًا بأخلاقه العظيمة، فكانت أخلاقه (ص) من أهم الركائز والمبادئ الأساسية التي قامت عليها حركته الرسالية وانطلقت نحو الإنجاز العظيم.. وكما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز: {وإنّك لعلى خُلقٍ عظيم} (4).
ولقد اختار أحد الكتّاب الغربيين في كتابه (الخالدون المائة) الرسول الأعظم (ص) في المرتبة الأولى من عظماء التاريخ البشري، كما واعتبره أعظم شخصية في تاريخ العالم، بما حققه من نجاح عظيم في إبلاغ رسالته، وتأسيسه لدولة إسلامية كبيرة.. يقول الدكتور (مايكل هارت) أستاذ الرياضيات والقانون والفلك والفيزياء في الجامعات الأمريكية وخبير هيئة الفضاء الأمريكية: "لقد اخترت محمدًا أول هذه القائمة، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق في ذلك، ولكن محمد هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي، وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدًا سـياسيًا وعسكريًا ودينيًا وبعد (13 قرنًا) من وفـاته، فإنّ أثـر محـمـد (ص) ما يـزال قـويًـا متـجـددًا" (5).
اضف تعليق