هكذا كان رسول الله وهكذا علَّمنا أن نكون بهذه الأخلاقية العالية، ونبحث عن الفضيلة، ونُكرم أصحاب الأخلاق والفضائل، ولكن ألم تكن فاطمة الزهراء ابنة رسول الله ووحيدته، والبضعة الطاهرة منه، بل هي روحه التي بين جنبيه، وكم قال فيها من أحاديث وروايات ليُبيِّن للصحابة والعالم مكانتها العالية...
مقدمة خُلقية
اعتادت العرب إلى احترام الكبير وتقدير الزعيم كما في احترامهم لشيوخ العشائر، والحكماء، والشعراء الكبار، وأهل الوجاهة والمكانة الاجتماعية فيهم، وعليه فإنهم كانوا يُقدِّرون أهله وأبناءه وبناته لأجله، ففي قصة سفانة بنت حاتم الطائي أكبر حُجة ودليل على ذلك.
فقد روت كتب السيرة والتاريخ؛ فقد روى ابن هشام في (السيرة النبويّة) فيما حكاه عن ابن إسحاق أنّه قُدِم بابنة حاتم الطائي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في سبايا من طيء، فجُعِلت في حظيرةٍ بباب المسجد كانت السبايا توضع فيها، فمرّ بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقامت إليه - وكانت امرأةً جَزْلَة -، فقالت: يا رسول الله، هلَكَ الوالد، وغاب الوافد، فامنُنْ علَيّ مَنّ اللهُ عليك. قال: ومَن وافدُك؟، قالت: عَديّ بن حاتِم (أخوها).
قال: الفارُّ مِن الله ورسوله!
قالت سفّانة راويةً: ثمّ مضى وتركني، حتّى إذا كان من الغد مرّ بي فقلت له مِثل ذلك، وقال لي مِثلَ ما قال بالأمس، حتّى إذا كان بعد الغد مرّ بي وقد يئستُ منه، فأشار إليّ رجل من خلفه (لم تكن تعرفه، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ قومي فكلّميه، فقمتُ إليه وقلتُ له مثل ذلك، فقال: قد فعلتُ فلا تعجلي حتّى تجدي مِن قومكِ مَن يكون لكِ ثقةً يبلغك إلى بلادك فآذنيني.
وسألتُ عن الرجل الذي أشار إليّ أن أُكلّمه، فقيل: هو عليّ بن أبي طالب (ع) فأقمتُ حتّى قَدِم رهطٌ من طيء، وإنّما أريد أن آتيَ أخي بالشام، فأخبرته أنّ لي في الشام ثقةً وبلاغاً، فكساني وحملني وأعطاني نفقةً، فخرجتُ حتّى قدمتُ الشام على أخي، وكان بدومة الجندل.
وفي (السيرة الحلبيّة) روى الحلبيّ أنّها قالت: يا محمّد، إن رأيتَ أن تُخلّيَ عنّي ولا تُشمتَ بنا أحياء العرب، فإنّي ابنة سيّد قومي، وإنّ أبي كان يحمي الذِّمار ويفكّ العاني، ويُشبع الجائع ويكسو العاري، ويُقري الضيف، ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، ولم يَردَّ طالبَ حاجةٍ قطّ، أنا ابنة حاتم طيء. فقال لها (ص): (يا جارية، هذه صفة المؤمن حقّاً، لو كان أبوكِ مسلماً لَترَحّمنا عليه، خلّوا عنها؛ فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق).
وفي روايةٍ أخرى، فقال لها (ص): (هذه مكارم الأخلاق حقّاً، لو كان أبوكِ مسلماً لترحّمتُ عليه، خَلُّوا عنها؛ فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، وإنّ الله يحبّ مكارم الأخلاق).
وفي روايةٍ أخرى، قال (صلّى الله عليه وآله): (إرحموا عزيزاً ذَلّ، وغنيّاً افتقر، وعالماً ضاع بين جُهّال)، فأطلقها ومَنّ عليها بقومها، فاستأذَنَته في الدعاء، فأذن لها وقال لأصحابه: (إسمعوا وعُوا).. فقالت له: شكرَتْك يدٌ افتقَرت بعدَ غِنى، ولا ملكَتْك يدٌ استَغْنَت بعد فقر، وأصاب اللهُ بمعروفك مواضعَه، ولا جعل لك إلى لئيمٍ حاجة، ولا سلب نعمةً من كريمٍ إلاّ وجعلك سبباً لردّها.
هكذا كان رسول الله (ص) وهكذا علَّمنا أن نكون بهذه الأخلاقية العالية، ونبحث عن الفضيلة، ونُكرم أصحاب الأخلاق والفضائل، ولكن ألم تكن فاطمة الزهراء (ع) ابنة رسول الله (ص) ووحيدته، والبضعة الطاهرة منه، بل هي روحه التي بين جنبيه، وكم قال فيها من أحاديث وروايات ليُبيِّن للصحابة والعالم مكانتها العالية في هذه الدنيا، ومكانتها الرئيسية في الآخرة؟
فهل كان رسول الله (ص) في كل تلك الروايات المشهورة وبعضها المتواترة، يقصد من ورائها مجرد مديح، أو إطراء لابنته؟ أو أنه صلوات الله عليه وآله يُريد أن يُحابيها، ويُرضيها؟ فمَنْ يظن ذلك فهو لم يقرأ القرآن الحكيم، ولم يفقه شيء عن شخصية رسول الله (ص) الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم: 4)
فحاشا وكلا فرسول الله (ص) أعظم وأجل من أن يُجامل أو يُحابي، بل لا يقول إلا الحق الذي أُوحي إليه بكل أقواله، وأفعاله، وتصرفاته، وحت سكوته وصمته، ولذا كانت هي تشريع كلها، فأقواله في ابنته وأهل بيته كان بأمر من الله تعالى من فوق سبع سماوات، كما في الغذاء والماء الذي خُلقت منه نطفتها النورانية، فقد كانت من السماء بعد صيام أربعين يوماً بالنهار وقيام لياليها بالعبادة، مع الاعتزال عن السيدة خديجة (ع) في بيتها، ففي الرواية الرائعة؛ (فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرائيل، فقال: يا محمد! العلي الأعلى يُقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيَّته وتحفته.. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل وما تحفة رب العالمين وما تحيته؟ فقال جبرئيل: لا علم لي.
فبينما النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطّى بمنديل سندس أو إستبرق، فوضعه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) وأقبل جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام.
قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد من الأقطار فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي (صلى الله عليه وآله) على باب المنزل وقال: يا بن أبي طالب إنه طعام محرَّم إلاّ عليَّ.
قال علي (عليه السلام): فجلستُ على الباب، وخلى النبي (صلى الله عليه وآله) بالطعام، وكشف الطبق، فإذا عذق من رطب، وعنقود من عنب، فأكل النبي (صلى الله عليه وآله) منه شبعاً وشرب من الماء رياً، ومدّ يده للغسل، فأفاض الماء عليه جبرائيل، وغسل يده ميكائيل وتمندله إسرافيل، وارتفع فاضل (باقي) الطعام مع الإناء إلى السماء.
ثم قام النبي (صلى الله عليه وآله) ليُصلي فأقبل عليه جبرئيل وقال: الصلاة محرَّمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى (حلف) على نفسه أن يخلق من صلبك هذه الليلة ذرية طيّبة.. فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.
قالت خديجة: وقد كنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنّني الليل غطّيت رأسي، وسجفت (أرسلت) ستري وغلّقت بابي، وصلّيت وِردي، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي؛ فلما كانت تلك الليلة لم أكن نائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي فقرع الباب، فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد؟
فنادى النبي (صلى الله عليه وآله) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد. قالت خديجة: فقمت مستبشرة بالنبي، وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه.. فلما كانت تلك الليلة لم يدعُ بالإناء ولم يتأهب للصلاة.. بل كان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء، وأنبع الماء ما تباعد عني النبي حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني). (فاطمة الزهراء (ع) من المهد إلى اللحد، السيد القزويني: ص22)
هكذا كانت القصة الوحيدة الفريدة من هذا الخلق وبهذا الشكل والعظمة، ولذا كانت (حوراء إنسية) يشمُّ منها رسول الله (ص) ريح الجنة فيُكثر تقبيلها، فهل هذا إلا أمر رباني ووحي إلهي؟
باب فاطمة بابي وحجابها حجابي!
ومن أقوال رسول الله (ص) بحق بيت فاطمة عدا عنها –روحي فداها– هذه الكلمة المعروفة التي ترويها بألفاظ مختلفة كتبنا المعتبرة، وربما كان الأصحاب يستغربون من تصرف النبي، وأقواله هذه، إذ أنهم يروون عن أبي الحمراء قال: أقمتُ بالمدينة تسعة أشهر كيوم واحد، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجئُ كل غداة فيقوم على باب علي وفاطمة (عليهما السلام) فيقول: (الصلاة يرحمكم الله (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
وعن أنس: (أن رسول الله (صلى الله عليه واله) كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر لما نزلت هذه الآية، قريباً من ستة أشهر) (المستدرك على الصحيحين 3/172 حديث رقم: 4748، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأخرجه الترمذي في جامعه الصحيح، وأحمد بن حنبل في مسنده، وعبد حميد في مسنده، وأبو داود الطيالسي في مسنده).
فهذا التصرف الطويل (ستة، أو تسعة) أشهر امام رؤيا العين من أهل المدينة جميعاً، فهل هذا كان محبة، أو محاباة، أو أي شيء من ذلك؟ مَنْ يظن ذلك فهو ناقص المعرفة ضحل الإيمان بالله ورسوله (ص)، بل هي إشارات قولية وفعلية تدلُّ الأمة على أن هذا هو باب الرحمة، الهُدى للأمة فلا تقفوا عليه إلا كما كان يقف رسول الله (ص) بكل احترام وتعظيم وتبجيل، فهو باب الله الذي منه يُؤتى، وفيه رحمة الله المكنونة المخزونة، باب مدينة العلم الرباني.
فهل فعلوا ذلك أم أنهم لم يحضروا جنازة رسول الله (ص) وذهبوا إلى سقيفتهم المشؤومة، وخرجوا منها يزفون خليفتهم كما تُزفُّ العروس ورسول الله (ص) مسجَّى بينهم يبكيه أهله؟ ثم عمدوا إلى تلك الباب التي كان يقف عليه رسول الله (ص) وجبرائيل (ع) ويستأذنون بالدخول فدخلوه عنوة وجمعوا أحطابهم عليه وشبُّبوا به النار يحرقونه على مَنْ فيه –وما أدراك مَنْ فيه– فقالوا للرجل: إن فيه فاطمة!! فقال: وإنْ.. ووا ويلاه على هذه ال(وإن) كم هي عظيمة عند الله؟!
فباب فاطمة هو ذلك الباب الذي تقف عليه أملاك السماء الكروبيين وحملة العرش المكرَّمين، جاءه الأعراب ورجال السلطة القرشية بكل ما عندهم من ثارات، وأحقاد، مستأسدين وهم همُ على أسد الله الغالب الخادر في عرين النبوة، وزوجته البضعة النبوية الطاهرة وأبناءه سادة شباب أهل الجنة ليحرقوه عليهم، مفتخرين بهذه البطولة القرشية الفظة الغليظة، ألا كانوا يصنعون ذلك مع ابنة الحاكم الأول، أو الثاني، فهل كانت قريش سترضى بأن يُحرق بيتهما وتعصران بالباب ويُضربان بالسوط والسيف واللطم واللدم وغير ذلك، هل سترضى قريش بذلك؟
ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لَمّا حضَرَت رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاةُ دعا الأنصارَ وقال: يا معشرَ الأنصار، قد حان الفراق... ألا فاسمعوا ومَن حضر، ألا إنّ فاطمة بابُها بابي، وبيتها بيتي، فَمَن هتكه فقد هتك حجابَ الله!).
قال عيسى بن المستفاد وقد نقل ذلك عن الإمام أبي الحسن الكاظم (عليه السلام): فبكى أبو الحسن (عليه السلام) طويلاً وقطع بقيّةَ كلامه، وقال: (هُتِك واللهِ حجابُ الله، هُتِك والله حجابُ الله، هُتِك واللهِ حجابُ الله!) (الطُّرَف للسيّد ابن طاووس:18، وبحار الأنوار 476:22، والخصال:607)
وعن ابن عبّاس قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذاتَ يومٍ جالساً إذ أقبل الحسن، فلمّا رآه بكى... (إلى أن قال صلّى الله عليه وآله:) (وأمَّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيّدة نساء العالمين، مِن الأوّلين والآخِرين، وإنّي لمّا رأيتُها تذكّرتُ ما يُصنَع بها بعدي، وكأنّي بها وقد دخل عليها الذُّلّ في بيتها، وانتُهِكَت حرمتُها، وغُصِب حقُّها، ومُنع إرثها، وكُسِر جُنْبُها، وسقط جنينُها). (أمالي الصدوق، الفضائل لابن شاذان:9، إثبات الهداة للحرّ العاملي 280:1 / ح 150، فرائد السمطين للجويني الشافعي 36:2)
فلماذا يُحرق ذلك الباب يا أمة الحبيب المصطفى(ص)؟!
المظلومة المقهورة
يروي مأساة جدته الزهراء (ع) جناب السيد العظيم والمرجع المظلوم الإمام الشيرازي الراحل فيقول: "إن القوم ظلموا الصديقة فاطمة (ع) بعد أبيها رسول الله (ص)، فهجموا على دارها، وأحرقوا الباب، وضربوها، وكسروا ضلعها، وأسقطوا جنينها، وهم يُريدون بذلك قتلها (صلوات الله عليها) لأنهم علموا بأن الصديقة (ع) تفضحهم كل يوم، وتطالبهم بإرجاع الخلافة إلى علي (ع) وصي رسول الله (ص) فخطّطوا للقضاء عليها، وهكذا أصبحت مظلومة مقهورة حتى ماتت شهيدة بسبب ما جرى عليها.
وقال علي (ع): (إن فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) لم تزل مظلومةً، من حقها ممنوعةً، وعن ميراثها مدفوعةً، لم تحُفَظ فيها وصية رسول الله (ص)، ولا روعي فيها حقّه، ولا حق الله عزّ وجلّ، وكفى بالله حاكماً ومن الظالمين منتقماً) (الأمالي للطوسي: ص156)
إنّ رسول الله (ص) كان يذكّر بما يجري على أهل بيته (ع) وعلى الصديقة فاطمة (ع) من بعده وكان (ع) يبكي على مصابهم، ويحذّر القوم من ظلمهم وإيذائهم، ويلعن الظالمين لهم والغاصبين لحقوقهم، قال رسول الله (ص): (وإني لما رأيتُها ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذُلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغُصبت حقها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأُسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجُاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونةً مكروبةً باكيةً، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلةً بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة؛ (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (آل عمران: 42)
يا فاطمة؛ (اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (آل عمران: 43)
ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث الله عزّ وجلّ إليها مريم بنت عمران (ع) تمرّضها وتؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة وتبرمّت بأهل الدنيا فألحقني بأبي (ص)، فيلحقها الله عزّ وجلّ بي، فتكون أول مَنْ يلحقني من أهل بيتي، فتُقدم عليَّ محزونةً، مكروبةً، مغمومةً، مغصوبةً، مقتولةً، فأقول عند ذلك: اللّهم العن مَنْ ظلمها، وعاقب مَنْ غصبها وأذلَّ مَنْ أذلّها، وخلّد في نارك مَنْ ضرب جنبيها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين) (الأمالي، للصدوق: ص176)
إلى أن يقول: "إن الصديقة فاطمة (ع) هي أول شهيدة بعد جنينها محسن السقط (ع) في الدِّفاع عن ولاية أمير المؤمنين علي (ع) وفضح من غصب الخلافة، وقد لبثت بعد رسول الله (ص) قليلاً.. روي: أنها لبثت أربعين يوماً. وقيل: سبعين. وروي: خمسةً وسبعين، وخمسة وتسعين.
وقيل: غير ذلك.
قال أبو عبد الله (ع): (إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يوماً، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرائيل يأتيها فيُحسن عزاها على أبيها، ويُطيّب نفسها ويُخبرها عن أبيها ومكانه في الجنة، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي (ع) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (ع). (بصائر الدرجات: ج3 ص173)
وعن الإمام الصادق (ع) قال: (عاشت فاطمة (ع) بعد أبيها (ص) خمسة وسبعين يوماً لم تُرَ كاشرةً ولا ضاحكةً). (وسائل الشيعة: ج3 ص224)
وعن ابن عباس قال: رأت فاطمة (ع) في منامها النبي (ص) قالت: (فشكوت إليه ما نالنا من بعده) قالت: (فقال لي رسول الله (ص): (لكم الآخرة التي أعدّت للمتقين، وإنك قادمة عليَّ عن قريب) (من حياة فاطمة الزهراء (ع) السيد محمد الشيرازي: ص244 بتصرف)
هذا في رواية أبنائها وذريتها الطاهرة، وشيعتها الكرام، وأما عند القوم لا سيما في البخاري وأتباعه كما في أحاديث أمهم الغيورة جداً من السيدة فاطمة وأمها السيدة خديجة (ع) وهي في قبرها كانت تغتر منها، فقد روت أنها عاشت ستة أشهر، فهل كانت لا تُحتمل هذه البنت الطاهرة والرقيقة أرق من نسيم الصباح، وأطهر من ماء السماء عند الصحابة؟
فلماذا منعوها حتى شم الهواء، والبكاء على أبيها العظيم (ص) الذي جعلهم ملوكاً بعد أن كانوا أذلة خاسئين، ولماذا تُدفنُ ليلاً ولا تعرف الأمة إلى اليوم مكان قبرها الشريف، ومَنْ قتلها يُدفن في جوار أبيها وفي بيتها وإرثها؟
فكم هي مظلومية فاطمة الزهراء (ع) حينما نبحث عن قبرها فلا نجده، وعن إرثها فلا نعرفه، وزوجها يُدفن في نجف الكوفة، وولدها يُدفن في صحراء كربلاء جثة بلا رأس، وعزيزتها زينب تُدفن في راوية الشام، أليس هذا من أعجب العجب في هذه الأمة التي تدَّعي أنها من أمة أبيها رسول الله (ص) وتروي أنها: (أم أبيها)؟
السلام على المظلومة المقهورة المغصوبة المقتولة الشهيدة أبد الدهر..
اضف تعليق