يكفي قولَ الله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} لتبرئةِ الاسلام من كلِّ ما هو غير أَخلاقي، كالعُنف والارهاب والاستبداد والاستئثار!.
ولقد ترجمَ هذا الوصفُ ثلاثةَ أُسُسٍ أَخلاقيَّةٍ راقيةٍ لا يُمكنُ أَن نتخيَّلَ بناء الأُمم مدنيَّاً وحضاريَّاً من دونِها؛
الأَساس الأَوَّل؛ هو الثِّقة التي يخلقها الاِيمانِ واليقين والوعي! والتي تجسدت في قول الله تعالى {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وكذلك في قصَّة المُباهلة العظيمة التي يحكيها القرآن الكريم بقولهِ {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.
الأَساس الثَّاني؛ هو القناعة التي هي ضدَّ الفرض والاكراه والقهر والتعسُّف، فقال تعالى {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} وقولهُ تعالى يصف مهمَّة الرَّسول في أُمَّتهِ {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} وقولهُ تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
الأَساس الثَّالث؛ هو الحوار العلمي والعقلي والمنطقي الذي يخلق القناعة والثَّبات في القِيم والرُّؤَى والمشاريع، كما في قولهِ تعالى {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وقولهُ تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ}.
لقد كان المسلمونَ {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يوم أَن كانت تحكمُ هذه الأُسس في كلِّ مفاصلِ حياتهم! والعكس هو الصَّحيح فيومَ أَن غابت كلَّ هذهِ الأُسس وحلَّ محلَّها القهر والظُّلم والاكراه والعُنف والارهاب باسم الدِّين تقهقرت حتَّى باتوا اليوم من أَتفهِ الأُمم على وجهِ الأَرض! فعادوا جاهليةً جديدةً يقتلُ بعضهُم بعضاً بسلاحِ أَعدائهِم ويدمِّرُ بعضهُم بعضاً ويكفِّرُ بعضهُم بعضاً ويكرهُ بعضهُم بعضاً! فانتشرت العُنصريَّة وتحكَّمت الطَّائفيَّة وحلَّت الكراهيَّة والبغضاء محلِّ الحُب والتَّقاطع محل التَّعاون وإِلغاء الآخر لأتفهِ الأَسباب محلَّ التنوُّع للتَّعارف والتَّعايش!.
لقد إِمتدَّت سيرة ومسيرة رَسُولُ الله (ص) بأَهل بيتهِ عليهمُ السَّلام قرابة [٣٠٠] عاماً لم يُسجَّل فيها حتَّى حالة ظُلمٍ واحدةٍ وعلى مُختلفِ الأَصعِدةِ! وهي الوحيدة التي تُترجم الاسلام الحقيقي بعيداً عن كلِّ أَنواع التَّزييف والتَّضليل وسوء إِستغلال الدِّين والسُّلطة!.
ولذلك فانَّ مَن يُريدُ أَن يقرأَ الاسلام بشكلٍ صحيحٍ يعرضهُ على القرآن الكريم وعلى هذه السِّيرة العطِرة فقط والتي وصفها أَميرُ المؤمنينَ (ع) بقولهِ {انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدىً، وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدىً، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا، وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا} فما تطابقَ مِنْهُ معها فهو الصَّحيح السَّليم وما تنافرَ مِنْهُ معها وتعارضَ وتقاطعَ يلزم أَن نضرِبَ بهِ عَرض الحائِط ولا نأخُذَ به فهوَ من صِناعةِ الأَنظمةِ الثيوقراطيَّة المُزيَّفة خلقهُ الحُكَّام الظَّالمونَ الذينَ تاجروا بالدِّين لتحقيقِ أَغراضِ سُلطتهِم الجائرة وأَجنداتِ السِّياسية المشبوهة وعلى رأسِ هؤلاء الأَمويُّون الذين غيَّروا وبدَّلوا وحرَّفوا الدِّين على كلِّ المُستويات الفرديَّة منها والاجتماعيَّة! في الأُصولِ والثَّوابت وفي التَّشريعات والتَّفريعات والاجتهادات! ليستمرَّ المُنحرفونَ على نَفْسِ المنْهَجِ إِلى اليوم ليُنتجوا لنا الارهاب باسمِ الدِّين وباسم رَسُولِ الله (ص) وهو الذي كانَ ضحيَّةً للارهابِ والعُنف الذي مارستهُ ضدَّهُ قُريش بمجرَّد أَن دعاهُم للتَّوحيد! بالعقلِ والمنطقِ والحِوارِ العلمي! إِذا بـ [الصَّادق أَلأَمين] [شاعِرٌ مجنون].
اضف تعليق