ينتظره الجميع على جمر من الشوق واللهفة كأن الهيام يزداد كلما اقترب الموعد ..صوت التهليل والتكبير يعلو في الأرجاء تمهيداً لقدومه المبارك، غمرت القلوب دفعات من الأفراح والابتهاج بهذا الوليد الذي استبشرت العيون برؤية جمال وجهه، جاء ليجرد القلوب من شتاء الجهل، ازدهر مثل أقحوانة فريدة في بستان علم الرضوي والدوحة الهاشمية، قطف الابتسامة بلطف وطبعها على أحزانهم رغم صغر سنه، علّم الجميع هندسة العبارات الجميلة والفقه ثم الكلام الحسن، وكسر حواجز الجهل برشده ووعيه، جاء مصدر النور لينير العالم، والكون ونجومه على نضجه شهود.
كل المجرة تعرف إنه باب المراد ومصدر الجود والعطاء، فقد عمل الامام الرضا على الإشادة بإبنه محمد الجواد عليه السلام والإشارة لفضله ومكانته وأعلن مراراً أنه الامام الذي يأتي بعده وفاحت من ثناياه الطيبة أحاديث كثيرة وبشارات بهذا المولود المبارك وكانت الغاية من ذلك إنشاء الأرضية الجماهيرية لإستقبال امامة الجواد لأنه أصغر الأئمة سنا عندما استلم مهام الإمامة، قال الامام الرضا لأصحابه: قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار وشبيه عيسى بن مريم قدست أم ولدته قد خلقت طاهرة مطهرة *وقال عليه السلام :إن هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه.
الرضا يمهد الأمور لإمامة الجواد
جاء إسماعيل ابن ابراهيم للإمام الرضا وقال له: إن إبني في لسانه ثقل فان ابعث به إليك غداً تمسح على رأسه تدعو له فانه مولاك (خادمك). فقال الرضا: هو مولى ابي جعفر (الجواد) فابعث به غداً له وهكذا كان الامام الرضا يوضح للناس مقام ابنه المبارك ويؤكد لهم انه لا يقل شاُناً عنه.
الجواد موضع امتحان الأمة
يمتحن الله كل أمة بإمتحان معين كي يُميز الشخص اللبيب من الذي يدعي الاسلام واحكام التشيع لقلقة على لسانه، يغيب نبي كموسى ويعبدون الناس العجل ويبعث طفل في المهد كعيسى ويغيب إمام اكثر من ألف سنة عن أمته كي يغربل الجيد من الرديء عن أبي - بصير قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: "الله لتميزن، والله لتمحصن، والله لتغربلن كما يغربل الزؤان من القمح".
عندما رحل الامام الرضا عن هذه الدنيا أطبقت الحيرة على غالبية الشيعة واخذهم الذهول فمن هو الامام الذي سيرجعون إليه؟ على الرغم من انهم سمعوا تكريم الرضا لابنه الجواد ولكن الجواد لا يزال في سن السابعة او الثامنة من عمره، فهو صبي على كل حال في نظر الناس ولم تمر الحالة الشيعية بمثل هذا المنعطف الخطير بل لم تمر الأمة الإسلامية بمثل هذا الامتحان، فكيف ستنصاع رجالات الأمة وأفذاذها وعلماءها الى صبي صغير لاسيما أن مثل هذه الحالة لم تكون مألوفة في الأوساط العربية على الخصوص إن الذي مرت به هذه الأمة كالذي حدث في بني إسرائيل عندما بعث الله تعالى إليهم عيسى بن مريم يكلمهم في المهد، وكان ما بعثه الله تعالى إليهم عيسى بن مريم يكلمهم في المهد وكما بعث اليهم يحيى فأعطاه الحكم والكتاب وهو صبي (وآتيناه الحكم صبياً) فافترق بنو إسرائيل في عيسى فرقة، منهم من آمن به ومنهم من كذبه وكان السبب في مطاردته وبعضهم غالى فيه وهكذا الحال في يحيى والامر نفسه حصل في أمامنا الجواد، فالمسلمون لأول مرة يمرون بهذه الوضعية لأن أغلبهم لم يتصور بأن يكون حجة الله صبياً فاجتمع كبار الشيعة منهم الريان بن الصلت، يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن عيسى بن يحيى وآخرون ودار الكلام حول المأزق الذي يمرون به حتى بكى بعضهم لشدة الحيرة.
فقال يونس: دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي.
فقال الريان بن الصلت: إن كان أمر من الله جل وعلا فإبن يومين مثل ابن مائة سنة إن لم يكن من عند الله فلو عمر الواحد من الناس خمسة آلاف سنه ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعض وهذا مما ينبغي أن ينظر فيه. وكان هذا الجواب حاسما للحيرة وهذه الكلمات أرجعت الصواب إلى العقول والرشد في الاذهان، نعم مادام القرآن الكريم لا يعطي أهمية للعمر فعيسى تكلم وهو في المهد ويحيى استلم الحكم والنبوة في صباه، إذاً لا قيمة للعمر في الحاسبات الإلهية ولا دخل لعدد السنين في شؤون الخالق.
الإمامة هي زعامة ورئاسة إلهية عامة على جميع الناس، وهي أصل من أصول الدين ولا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها؛ إذ لابد أن يكون لكل عصر إمام وهادياً للناس، يخلف النبي صلى الله عليه واله في وظائفه ومسؤولياته، ويتمكن الناس من الرجوع إليه في أمور دينهم ودنياهم، بغية إرشادهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم.
والإمام معصوم واجب الطاعة، والإمامة لا تكون إلا بالنص من الله على لسان النبي أو لسان الإمام الذي قبله، وليست هي بالاختيار والانتخاب من قبل الناس. ولكن ما تزال القواعد الشيعية بحاجة إلى مزيد من اليقين لكي تستقر على هذه العقيدة ومن أجل ذلك قرروا أن يبعثوا وفداً الى المدينة المنورة تلتقي مع ابي جعفر الجواد لتختبره وترى مكانته.
وتحركت المجاميع التي تضم العلماء والفقهاء إلى المدينة والشيء الملفت للنظر هو كثرة الأسئلة التي وجهت الى الامام الجواد في فترة حياته القصيرة وكان الامام الجواد (عليه السلام) يجيب عن المئات من الأسئلة في اليوم الواحد، بعض هذه الأسئلة لأجل رفع الشك عن قلوب الشيعة وبعضها كانت للاستهزاء بشخصه كي يسخروا من إمامنا الجواد لأنه صبي، ولكن لا فرق بين الصبي والشيخ الكبير في المعادلات الربانية حيث يبعث سبحانه من يريد ويختار من يشاء لأجل إمتحان الأمة.
أحاديث عن الامام الجوادعليه السلام
قال الامام الجواد (عليه السلام): الناس إخوان فمن كانت إخوته في غير ذات الله , فهي عداوة*2
وقال (عليه السلام): يوم العدل على الظالم اشد من يوم الجور على المظلوم*3
وقال (عليه السلام): ما هدم الدين مثل البدع، ولا افسد الرجال مثل الطمع، وبالراعي تصلح الرعية، وبالدعاء تصرف البلية*4
وقال (عليه السلام): موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر*5
الرضا يحرض ابنه على الكرم
في رسالة امام الرضا إلى ابنه الجواد (عليهما السلام) عندما كان الرضا (ع) في خراسان بعث إليه برسالة جاء فيها:
يا أبا جعفر بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، فإنّما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيراً، فأسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلاّ من الباب الكبير، وإذا ركبت فاصحب معك ذهباً وفضّة ثمّ لا يسألك أحد إلاّ أعطيته ومن سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين ديناراً ومن سألك من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة وعشرين ديناراً، والكثير إليك، إنّي أريد أن يرفعك الله فانفق ولا تخشى من ذي العرش اقتاراً..)*6
هكذا يحرض الامام الرضا ولده الجواد على الجود والسخاء، وأشرف على تربيته وقد امتثل إمامنا الجواد لهذه الوصايا وعمل بها فصُيغت شخصيته بأفضل صياغة كما أخبرتنا مدوّنات وأحاديث وروايات أهل البيت (ع)، وأتباعهم الأبرار.
اضف تعليق