|
|||||
|
|||||
إطلالة على سامراء التاريخية |
|||||
تنشر النبأ مقالة كتبها كاظم الدجيلي المدير المسوؤل لمجلة (لغة العرب) لصاحبها الأب انستاس الكرملي في الجزء الرابع الصادر بشوال 1329 الموافق تشرين الأول 1911 والمقالة جزء من وصف لمدينة سامراء وآثارها نقتطع منها ما كتبه في رحلته عن الضريحين المقدسين لذا سنتصرف بالمقالة. ماذا يرى اليوم في سامراء اذا اتيت سامراء واطلقت فيها طائر نظرك لا يكاد يقف على عامر قديم العهد بل تراه يحوم على اطلال وانقاض وتلال صغار وكبار، واذ لا يجد له مقرا يعود اليك وقد وهنت قواه، ولكل تل من هذه التلال اسم معروف عند اهل المدينة ولما كانت هذه الانقاض مبثوثة شمالا وجنوبا شرقا وغربا صعب عليك حفظها وان لم تدونها في رقعة تكون بيدك. وهل يدهشك وجود هذه الاطلال الدوارس وانت تعلم انها كانت في سابق العهد متنزها للمناذرة ومباءة لبني العباس ومعهد انس ينتابه كبار الدول المجاورة وكيف تعجب وانت تدري انه كان في سامراء من القصور الشوامخ ما لا يصل الينا الا بعض اسمائه كالشاه والعروس والقصر المختار والوحيد والجعفري المحدث والغريب والشيدان والبرج والصبح والمليح وقصر بستان الابتاخية والتل وجوسق والمسجد الجامع وبروكوان (ويروى بلكوارا وهو الاصح) والقلائد والفرد والماحوزة والبهو واللؤلؤة وغيرها. واعلم قبل ذلك ان سامراء هي اليوم قائمقامية ومن ملحقاتها قرية الدور وهي تبعد عنها غربا مسافة اربع ساعات ونصف وتكريت وهي فوق الدور مسافة 3 ساعات وبلد وهي في شرقي سامراء وتبعد عنها مسافة 7 ساعات والدجيل (مصغرة) ويقال لها ايضا سميكة (مصغرة) وتبعد عن بلد 3 ساعات ونصف. ويحيط اليوم بسامراء سور (1) عظيم له اربعة ابواب كبار تكاد تكون متجهة نحو الجهات الاربع المعروفة، ولكل باب من هذه الابواب اسم يعرف به وقوم من اقوامها يخرجون منه ويدخلون فالباب الذي عن يمينك يعرف (بالناصرية) وبعضهم يسميه (الحاوي) وهو باب (البو بدري والعشاعشة) ويبلغ رجال البو بدري من 150 الى 200 رجل ورئيسهم (جاسم المحمد فائز)، وعدد العشاعشة ما يقرب من 40 بطلا، ومن رؤسائهم (السيد حسون الياسين). والباب الذي عن شمالك اسمه الباب (المطلوش) والمطلوش بلسانهم المردوم. وكان مسدودا بالاجر ثم فتح عند ورود بعض شاهات العجم سامراء، وهذا الباب خاص باعراب (البوعبد الرحمن) ومقدارهم 30 رجلا ورئيسهم (خلف الحسين). والباب الذي يكون وراءك يعرف بباب القاطون (بالنون وهو تصحيف القاطول باللام) وهو خاص (بالبونيسان والبو عباس) وعدد اولئك يتردد بين المائتين والثلاثمائة رجل، وهؤلاء بين الستمائة والثمانمائة ورئيس البو نيسان (الحاج فتح الله) ورئيس البو عباس (السيد حمدي). والباب الذي تراه امامك يعرف بباب بغداد وهو باب (البو باز والبو عظيم) تصغير عظم وعدد صناديد العشيرة الاولى 700 رجل ورجال العشيرة الثانية 20 رجل ورئيس الاولى (السيد جاسم العلي الاكبر) ومقدم الزمرة الثانية (علي الخلف)- وكل هؤلاء الاقوام يدعون السيادة وانهم حسينية النسب- وفيهم من يقطن البادية الا انهم غير بعيدين عن الحاضرة وهم (البو دراج والبو عيسى) وغيرهم. ويبلغون ستة الاف رجل ومنهم من استوطن جانبي بغداد وعددهم زهاء الف رجل ورؤساء جميع اهل سامراء من تبلد منهم ومن تبدى هم (البو صالح الشيخ) ولهم الكليدارية اي بيدهم مفاتيح حضرة الامامين علي بن محمد الجواد وابنه الحسن العسكري وراثة ابا عن جد والذي منهم اليوم في المنصب (السيد حسن بن السيد علي)، وهو رجل جليل فاضل لا يضاهيه رجل من اهل بلدته. واما الغرباء الذين فيها فلا يقلون عن الفي رجل، منهم دوريون (اي من قرية الدور المذكورة) في صدر هذه المقالة ومن بقى منهم اعجام من بلاد ايران، وقد توطنوها حبا وشغفا بالائمة المدفونين فيها وتبركا بمجاورة ضرائحهم. وقد شيد قبل نحو عشرين سنة الميرزا السيد حسن الشيرازي (2) طيب الله ثراه اندية للعلم وخانات للزائرين والغرباء المسافرين، ولو بقى هذا الرجل حيا الى هذا اليوم لاعاد شيئا مذكورا من مجد سامراء في سابق عهدها لكن ابى الله ان يكون كذلك. وفي سامراء اليوم ثلاث مدارس يدرس احدها من انخراط في سلك طلبة العلوم الدينية وعلوم اللغة والاداب على مذاهب اهل السنة ومن مدرسيها حضرة العلامة السيد عباس افندي ال امين الفتوى، وهو اليوم ايضا امين الافتاء في سامراء ومنهم ايضا حضرة السيد عبد الوهاب افندي وهو المدرس الثاني، والمدرسة الثانية مدرسة رسمية خاصة بالحكومة والمترددون اليها مبتدؤ الطلبة ويدرس فيها مبادئ العلوم باللغة التركية، والمدرسة الثالثة مدرسة تحاكي الاولى في الرتبة والتدريس الا ان طلبتها من الشيعة وكلهم من الايرانيين. وهذه المدرسة اكبر من اختيها بناء ومادة في العلوم ومن اساتذتها الكبار حضرة المجتهد الشيخ محمد تقي الشيرازي وحضرة الشيخ محمد ال كبة، وليس لمدرسي هذه المدرسة راتب من قبل الحكومة ولا لطلبتها رزق في السجلات الرسمية غير انه ياتيهم من بلاد ايران حقوق معلومة من خمس وزكاة وما اشبههما فيدرون اخلافها على الطلبة هناك. وفي سامراء حضرة (3) لمرقدي الامامين على الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) وحليمة خاتون اخت الامام علي الهادي (ع) ونرجس خاتون زوجة الامام الحسن العسكري (ع) وام صاحب الزمان (عج). وصاحب الزمان هو محمد المهدي (عج)، ويحيط بتلك الضرائح شباك من الفولاذ يعلوه قبة من الذهب الابريز (4) كبيرة جدا ترى من بعد 12 ساعة وهي تتلألأ في الشمس كانها شمس ثانية وباطن هذه القبة البديعة الحسن مع الرواق الذي فيها مرصوف بقطع الزجاج المقطوعة على رسوم هندسية وقد رصعت في الحيطان ترصيعا تسحر الالباب وتسبي العقول. وهذه القطع الموضوعة على اشكال هندسية تعرف باسم (عاينة) (باسكان الياء وفتح النون، عند اهل العراق واللفظة تركية بمعنى المرآة) وفي الجهة الغربية من الرواق التي عن يسارك اذا دخلت الباب قبور الخلفاء العباسيين المعتصم والمتوكل وغيرهما وقد اندثرت يوم عمر الحضرة المذكورة الحاج مرزا محمد السلماسي، ولذلك لا يعرف لها اليوم اثر يذكر ويطوف بتلك الحضرة صحن يدور عليها من اربعة اركانها واما جدرانه فمبنية كلها بالرخام الى ارتفاع نحو خمسة امتار ومابقى من الجدار الى نحو متر ونصف فمزين بالقاشاني ومكتوب عليه آيات من القرآن. وفي الزاوية الغربية من الصحن عن يمين الحضرة بئر وبجنبه جدار حاجز بين الصحن المذكور وصحن قبة (غيبة الصاحب ابن الامام الحسن العسكري) وهو محمد المهدي وله اسماء والقاب كثيرة منها صاحب الزمان والقائم والحجة والمنتظر وصاحب العصر وخليفة الله في الارض وصاحب الامر وغيرها. ولذلك المحل ايضا حضرة ذات صحن صغير وهو عبارة صفة او طارمة عرضها ما يقرب من سبعة امتار وطولها 15 متر وسمكها مثل عرضها. ثم تدخل رواقا على مثال الصفة او الطارمة المسنمة. ثم تنزل الى سرداب فيه 13 دركة، ثم تمشي مسافة قدرها عرض 5 درجات ثم تنحدر الى 6 دركات فتهوى الى فرجة بين عقدين ثم تسلك في برزخ وتاتي بهوا صغيرا فتجد هناك باب مخدع من خشب الصندل مكتوب حفرا على اطاره مما يلي الارض من يمينك ما هذا نقل نصه بالحرف الواحد: (بسم الله الرحمن الرحيم، قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا، ان الله غفور شكور). ثم تجد كتابة تبتدئ من اسفل الاطار وتصعد اعلاه ثم تنحدر الى اسفله وهذا حرفها: (هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الامام المفترض الطاعة على جميع الانام ابو العباس احمد الناصر لدين الله امير المؤمنين وخليفة رب العالمين، الذي طوى البلاد احسانه وعدله وغمر العباد فضله قرن الله اوامره الشريفة باستمرار النجح والنشر وباظهاره بالتأييد والنصر وجعل لايامه المخلدة حدا لا يكبو جواده ولآرائه الممجدة سعدا لا يخبوا زناده في عز تخضع له الاقدار فتعطيه غواصيها وملك تخشع له الملوك فتملكه نواصيها يتولى المملوك معد بن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو الحياة في أيامه المخلدة ويتمنى انفاق بقية عمره في الدعاء لدولته المؤبدة استجاب الله ادعيته وبلغه في ايامه الشريفة امنيته). وترى على العتبة محفورا ايضا ما هذا اعادة نصه: (من سنة 606 هلالية، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين) وفي عتبة باب المخدع عن يمينك مما يلي الارض ثقب بقدر ما يدخل في الكف ويروى عنه ان الناصر لدين الله هو الذي ثقبه لكي يلقي فيه من يريد ان يوصل عريضة الى صاحب الزمان وهو الى اليوم على حالته الأولى. اما قدر المخدع فطوله متران وعرضه متر وعلوه ثلاثة امتار، وبجنب الباب عن يمينك اذا دخلت نفق عمقه قريب من مترين ونصف وعرضه من فوق قدر ما يسلك فيه الرجل الوسط واقفا ومن تحت قدر متر ونصف وهو مستدير الاطراف، ويروى عن هذا المحل انه كان يتوضأ فيه صاحب الزمان، فجاء من بعده اناس فاخذوا من ترابه قبضة قبضة قصد التبرك فحدث من هذا الاخذ هذا النفق، وقد امر بكبسه اي طمه حضرة الميرزا السيد حسن الشيرازي المذكور آنفا، فردم ولكن بعد وفاته نبشته الخدم ويدعي البعض أن في هذا النفق غاب المهدي. اما علماء الشيعة فلا تعير لهذا الأمر إذنا صاغية ولا تحله محلا. واما جدران تلك الحضرة فداخلها مغشى بالرخام من الأرض إلى علو متر ونصف وما فوقه مغشى بالقاشاني وكذلك ظاهر القبة، واما جدران الحضرة من الخارج فكله مغشى وكذا قل عن جدران البهو مع فرش ساحته. انتهى ما اقتبسناه من وصف الدجيلي لسامراء. وجاء في موسوعة العتبات المقدسة لجعفر الخليلي في سبب تسمية الإمامين (ع): (وكانت سامراء تعرف بالعسكر ايضا، لان المعتصم لما بناها انتقل اليها بعسكره فقيل لها العسكر، ولهذا اطلق على الامام ابي الحسن علي الهادي (ع) بالعسكري، لانه منسوب الى سامراء* وكان الامام علي الهادي (ع) يسكن المدينة ولكن السعادة وشوابه عند المتوكل فاحضره من المدينة واقره بسر من راى واقام بها عشرين سنة وتسعة اشهر وتوفي بها يوم الاثنين لخمس بقين من جمادي الاخرة سنة اربع وخمسين ومائتين للهجرة ودفن في داره. وورث الامامة ولده الحسن الذي عرف بالعسكري ايضا وتوفي في سامراء سنة ستين ومائتين للهجرة، وفيها ولد المهدي الإمام الثاني عشر المنتظر. ومنذ ان استوطن الامام العاشر علي الهادي (ع) مدينة سامراء اضحت هذه المدينة مركزا مهما لمركز الفقه والاجتهاد والفتيا كما اصبحت بلا ريب مقصدا للشيعة الامامية، وبعد وفاة الائمة ودفنهم فيها اخذت شكل المدينة المقدسة الاخرى التي ضمت رفات الائمة الاثني عشر، وانتقل اليها بعض علماء الشيعة الذين اصبحت لهم مزايا ومدارس كما بذل المسلمون عناية فائقة في اقامة المشاهد الفخمة على قبر الامامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) ومن الجدير بالذكر ان الخليفة الناصر لدين الله العباسي احمد بن الحسن امر بصنع باب من خشب الساج- لارضاء الشيعة الامامية- مزخرف باجمل الزخارف الاسلامية وعليه كتابة بديعة تدل على دقة عظيمة في صنعة النجارة ودقة متناهية في الذوق الفني وهذا نص الكتابة: بسم الله الرحمن الرحيم، قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا، ان الله غفور شكور. هذا ما امر بعمله سيدنا ومولانا المفرض الطاعة على جميع الانام ابو العباس احمد الناصر لدين الله امير المؤمنين وخليفة رب العالمين الذي طبق البلاد احسانه وعدله، وغمر العباد بره وفضله قرب الله اوامره الشريفة باستمرار النجح واليسر وناطها بالتاييد والنصر وجعل لايامه المخلدة جدا لايكبوا جواده ولارائه الممجدة سعدا لا يخبو زناده في عز تخضع له الاقدار فتطيعه عواصيها وملك تخشع له الملوك فتملكه نواصيها يتولي الملوك معد بن الحسين الموسوي الذي يرجو الحياة في ايامه المخلدة ويتمنى انفاق بقية عمره في الدعاء لدولته المؤيدة استجاب الله ادعيته وبلغه في ايامه الشريفة امنيته ذلك في ربيع الثاني من سنة ست وستمائة هلالية وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا خاتم النبيين وعلى اله الطاهرين وعترته وسلم تسليما.)** 1- عمره الميرزا زين العابدين السلماسي في حدود سنة 125هـ/ 1834م اما النفقات التي صرفت على تعميره فقد كانت من احد فضلاء الهند، ويروي بعضهم ان معمره هو السيد ابراهيم السيد محمد باقر الموسوي القزويني الحائري صاحب كتاب ضوابط الاصول واحد مشاهير علماء القرن الثالث عشر كانت اليه الرحلة من الاطراف في علم الاصول والفقه وغيرهنا وقد توفي في كربلاء بعد سنة 1260هـ ولكن الرواية الاولى اقوى. 2- هو ابو محمد السيد ميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي مولدا والاصفهاني تحصيلا يلقب بحجة الاسلام ولد سنة 1235هـ وهاجر من اصفهان الى النجف في العراق سنة 1251هـ وقام فيها مدرسا حتى انتهت اليه رئاسة الامامية وهاجر من النجف الى سامراء سنة 1291هـ وتوفي فيها بمرض السل في 22 شعبان سنة 1312هـ هول نقل نعشه بوصية الى النجف على الرؤوس وشيعه خلق كثير يربو على الف نسمة وسنذكر ترجمة احواله فيما بعد ان شاء الله. 3- الحضرة في مصطلح اهل بناء المساجد في العراق: القبة التي تبنى على قبر احد المشاهير لاسيما اهل الدين، وقد كانت هذه الحضرة في ايام حياة الامامين دار سكنى لهما وقد عمر هذه الحضرة مع صحنها احمد خان وحسن خان وحسين خان وهم اخوة من فرقة تعرف بالدتبلية من اهل خوى وسلماس ورومية وكان تعميرها برعاية الحاج ميرزا محمد السلماسي المتوفي في 1219هـ وكان تاريخ وفاته قوله (واغريب) وذلك في حدود سنة 1200هـ في وزارة سليمان باشا وكانت وزارته سنة 1194هـ وتوفي سليمان باشا سنة 1216هـ ودفن في مقبرة الامام الاعظم ومدة وزارته 23 23 سنة. 4- انفق هذا الهب ناصر الدين شاه وكان المباشر لانفاقه الميرزا محمد باقر السلماسي المكور انفا وذلك في سنة 1281هـ و 82 و 83 و 84 و 85هـ. * ابن طولون: الائمة الاثنا عشر ص 108. ** المدخل الى موسوعة العتبات المقدسة، جعفر الخليلي، دار التعارف بغداد، ط1، 1965، ص 143- 144. والنص الأخير فيه إضافة على ما ذكره الدجيلي |
رؤية مقترحة للتعاطي مع نزعة التجاوز لمحات من سيرة الامامين العسكريين (ع) التنوير العراقي بين جدلية الدولة مفهومية التنوير في فكر الامام الشيرازي الأ بعاد الروحية للشعائر الإسلامية محمد علي شمس الدّين وألـفـة المكان الشّعري |
||||
|