بالرغم من أن بداية أزمة الأمة الإسلامية بدأت مع انتشار لقب (أمير المؤمنين) الذي أصبح سمة بارزة للخلفاء السياسيين الذين تولوا قيادة الأمة ابتداء من ولادة الدولة الأموية ووصولا إلى نهاية القسم الأول من عصر الدولة العباسية، إلا أن الأزمة الكبرى، وتجمع المصائب كلها، رافق إطلاق هذا اللقب المهيب على الأعاجم الذين قدر لهم أن يقودوا الأمة في النصف الثاني من عصر الدولة العباسية، حيث توالت المصائب بعد أن أصبح الحاكم المملوكي، ثم الحاكم التركي، ثم الحاكم الفارسي أمراء للمؤمنين وقادة للأمة.
والظاهر أن عداء المتطرفين الإسلاميين الراديكاليين من أمراء المؤمنين لا يقتصر على تهييج العالم ضد الإسلام من خلال الأعمال الوحشية التي يقومون بها فحسب، وإنما أراهم، أدركوا بفطرتهم أن تولي الأعاجم (إمرة المؤمنين) هو الذي سيذكي نار الفتنة الداخلية بين المسلمين أنفسهم. ومن هنا بالذات تولى بعض أشد الأعاجم تعصبا أعلى المراكز القيادية في تنظيم داعش الإرهابي، مثل النافق "ترخان باتيراشفيلي، الملقب (أبو عمر الشيشاني) وخليفته غول مراد الطاجيكي.
غول مراد حليموف عسكري كبير برتبة عقيد من جمهورية طاجيكستان التي كانت من جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق، كان مسئولا كبيرا في جهاز مكافحة الإرهاب في بلاده، وقائدا للقوات الخاصة في شرطتها، وكان مشرفا على تدريبات الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية وبرنامج مكافحة الإرهاب، كما اشترك في كثير من الدورات الأمنية الرفيعة منها خمسة تدريبات خضع لها داخل الولايات المتحدة، فضلا عن تدريبات ودورات في طاجيكستان، وروسيا، ودولا كثيرة أخرى. أما البرامج التدريبية التي خضع لها فتتضمن الاستجابة للكوارث، والإدارة التكتيكية لأحداث خاصة، والقيادة التكتيكية، بجانب تدريبات أخرى متصلة.
كان غول؛ وهو من مواليد عام 1075 قد انشق عن الجيش الطاجيكي منذ عام 2015، والتحق مع عشرات من أتباعه ومؤيديه بتنظيم بداعش الإرهابي في سوريا، موظفا خبرته وكفاءته لدعم الإرهاب. ثم التحق بالمجرم أبي بكر البغدادي في الموصل، وأصبح القائد العسكري الأول لداعش.
واليوم بعد أن أصبحت القوات العراقية قاب قوسين أو أدنى من تحرير الجانب الأيمن من الموصل وأصبح القضاء على الإرهاب في هذه المدينة الحيوية المهمة قريبا، شعر المجرم البغدادي بالخطر يحيق به، ولذا اصطحب معه عشرات القادة الكبار من عتاة المجرمين العراقيين والعرب، ودخل الأراضي السورية التي يتواجد فيها التنظيم مخلفا غول مراد مسؤولا على المدينة.
إن المؤشرات كلها تؤكد أن تنظيم داعش الإرهابي لا يتورع عن التضحية بمثل هذه النماذج القبيحة كلما شعر بضيق الطوق حول رقبته، ولقد اكتشفت القوات العراقية مئات الحالات التي ضحى فيها التنظيم بالأجانب الذين يلتحقون بصفوفه لأسباب كثيرة منها:
أن كثيرا من هؤلاء هم أصلا من المصابين بأمراض وعقد نفسية، أوصلتهم إلى مرحلة اليأس من الحياة.
أن هناك جوائز قيمة لمن يرشد السلطات إليهم، ومنهم غول نفسه الذي عرضت السلطات الأميركية في عام 2016 مكافأة مالية قدرها ثلاثة ملايين دولار في إطار برنامج "مكافآت من أجل العدالة" لمن يرشد إلى مكان تواجده.
أن هؤلاء وأغلبهم من جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق، يشكلون خطرا حقيقيا على هذه الجمهوريات وهي تفضل القضاء عليهم في أرض غريبة، قبل انتظار عودتهم للمشاركة في الحرب في بلدانهم.
أن بعضهم الآخر مخدوعون بتفاهات الحديث عن الجنة وحور العين أكثر من العرب.
أنهم لا يجيدون اللغة العربية ليعرفوا ما يدور من حديث بين جماعتهم العرب.
أن جوازات سفرهم صودرت من قبل قيادة التنظيم لكي لا يفكروا بالهرب، ولا يملكون وسيلة سفر أخرى.
أن التنظيم يحذرهم دائما من خلال الإشاعات التي يطلقها أن دولهم عرفت بأمرهم، واكتشفت هوياتهم، وهي تنتظر عودتهم لتعتقلهم وتزجهم في السجون، ولاسيما وأن وكالات الأنباء تناقلت خبر اتهام الحكومة الطاجيكية لغول بجرائم عديدة من بينها الخيانة العظمى والمشاركة في عمليات عسكرية في الخارج.
لهذه الأسباب ولأسباب أخرى، اندفع هؤلاء الذين أطلق عليهم التنظيم الإرهابي اسم (المهاجرين) تشبيها لهم بالمسلمين الأوائل الذين فروا بحياتهم من مكة وباقي مدن الجزيرة إلى يثرب ليلتحقوا بالنبي(ص) ويلوذوا بحمايته، اندفعوا نحو الموت لأنهم لا يملكون خيارا آخر بعد أن تقطعت بهم السبل، ولذا فضل غول مراد أن يتولى قيادة التنظيم الإرهابي في الموصل ليكون كبش الفداء بعد أن يوقع بالقوات العراقية المهاجمة خسائر كبيرة حسب اعتقاده، لكي يعطيه الله عددا إضافيا من حور العين، وهو لا يدري أن المفاجأة التي أعدتها له قواتنا البطلة ليست في الحسبان.
اضف تعليق