مع استمرار تقدم وانتصارات القوات العراقية المشتركة، في معركة تحرير مدينة الموصل من عصابات تنظيم داعش الارهابي، التي تمكّنت من استعادة السيطرة على مناطق ومدن مختلفة خارج مدينة الموصل وداخلها تُقدّر بأكثر من 2300 كيلومتر مربع، منها 22 حياً سكنياً داخل مركز المدينة من أصل 85 حياً هي مجموع أحياء المدينة بساحليها الأيمن والأيسر الذي يفصل بينهما نهر دجلة، أكد بعض الخبراء ان القوات العراقية التي تسعى لإنهاء المعركة قبل نهاية العام الحالي ومع اقتراب المواجهات من الأحياء والمناطق السكنية التي تضم أعداداً كبيرة من المدنيين، ستواجه صعوبات وعقبات عديدة وهو ما قد يتسبب في تأخير عملية التحرير، خصوصا وان تنظيم داعش الارهابي عمد الى استخدام المدنيين كدروع بشرية، هذا بالاضافة الى تكثيف هجماته الانتحارية. وتتضمن خطة استعادة الموصل سقفاً زمنياً محدداً تسعى كل من بغداد وواشنطن لتحقيقه، إذ تشير التقارير العسكرية ومصادر غرفة العمليات المشتركة إلى أن الخطة تضمن استعادة المدينة قبل نهاية العام 2016.
وفيما يخص اخر تطورات هذه المعركة فقد أعلنت قيادة عمليات "قادمون يا نينوى"، تحرير منطقة سهل نينوى جنوب الموصل بالكامل من قبضة تنظيم داعش .وقال قائد عمليات معركة الموصل التي انطلقت في 17 أكتوبر الماضي، الفريق الركن عبد الأمير يارالله في بيان إن "القوات الأمنية تمكنت، من تحرير مناطق سهل نينوى جنوب الموصل بالكامل". وأضاف أن "القوات الأمنية مستمرة بالعمليات حتى تطهير جميع مناطق المحافظة". وشرقاً، أعلنت قيادات ميدانية في جهاز مكافحة الإرهاب بدء العد التنازلي لاستعادة الساحل الأيسر من داعش وذلك بعد إعلان مكافحة الإرهاب عن استعادة اكثر من ٢٠ حياً بالكامل من ذلك الساحل الشرقي.
وذكر اللواء سامي العارضي، وهو قائد المنطقة الأولى والثالثة بمكافحة الإرهاب في تصريحات صحفية ، أن داعش دفع بأكثر من ٢٠٠ سيارة مفخخة منذ انطلاق معركة الموصل شرقاً وحتى الآن. كما شدد على أن حسم معركة الساحل الأيسر من الموصل لاحت في الأفق بعد أن قلت المسافة ما بين القوات العراقية ونهر دجلة. يذكر أن توقف جسور الموصل الخمسة عن الخدمة ساهم بشكل كبير في تراجع أعداد مفخخات داعش، التي يدفع بها التنظيم من الساحل الأيمن للموصل الى الساحل الأيسر. وأشار العارضي إلى أن القوات العراقية لم تواجه مثل تلك الأعداد من المفخخات في كل المعارك التي خاضتها مع داعش في العراق.
من جهة أخرى، أكد الفريق الركن عبد الغني الأسدي، قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب شرق الموصل خلال جولته في الأحياء التى استعادتها القوات في الساحل الأيسر للمدينة، أن تعاون الأهالي ساعد القوات الأمنية في استعادة أغلب الأحياء السكنية. إلى ذلك، أعلن الجيش العراقي مقتل 54 عنصراً من داعش في قصف شنته مقاتلاته على مواقع للتنظيم جنوب الموصل. وقالت خلية الإعلام الحربي في بيان إن غارات الطيران العراقي قتلت أكثر من خمسين عنصرا من داعش ودمرت سيارتين مفخختين في منطقة المصايد ضمن المحور الجنوبي للموصل. وفي سياق متصل، دمرت طائرات التحالف الدولي أربع سيارات مفخخة للتنظيم في أحياء السكر والقاهرة والمصارف والجامعة شرق الموصل.
مقتل 1000 متشدد
من جانب اخر قال قائد كبير إن القوات العراقية الخاصة التي تقاتل لطرد تنظيم داعش من شرق الموصل قتلت نحو 1000 متشدد لكن وتيرة القتال تباطأت إذ تواجه القوات عدوا متحركا يختبئ وسط آلاف المدنيين في المدينة. وبعد ستة أسابيع من شن هجوم كبير لاستعادة الموصل سيطرت القوات العراقية على نحو نصف القطاع الشرقي من المدينة وتتحرك من منطقة إلى منطقة في مواجهة قناصة وانتحاريين وسيارات ملغومة يستخدمها التنظيم المتشدد.
و"الفرقة الذهبية" -وهي وحدة خاصة من القوات العراقية- هي الفرقة العسكرية الوحيدة التي تمكنت من دخول الموصل من جهة الشرق بينما يطوق الجيش العراقي وقوات الشرطة الاتحادية ووحدات البشمركة الكردية المدينة من جهة الشمال والجنوب. ويحاول مقاتلون شيعة استكمال تطويق المدينة من ناحية الغرب. واخترقت وحدة جهاز مكافحة الإرهاب التي تلقت تدريبها على أيدي الأمريكيين دفاعات تنظيم داعش في نهاية أكتوبر تشرين الأول لكن أبطأ من تقدمها تكتيكات المتشددين في التنقل كما أن قلقها من وقوع ضحايا بين المدنيين حال دون استخدام الدبابات والمدرعات الثقيلة.
وقال اللواء عبد الغني الأسدي أحد قادة القوات الخاصة إن القوات عدلت تكتيكاتها وأصبحت لا تطوق أكثر من حي واحد في آن واحد لقطع إمدادات المسلحين وحماية المدنيين. وقال في برطلة على مشارف الموصل إن "التقدم كان سريعا في البداية لأن القوات كانت تعمل في مناطق خالية من السكان." وأضاف "القوات وصلت الآن إلى مناطق مأهولة وبالتالي كيف لنا أن نحمي المدنيين؟ أغلقنا حيا تلو الآخر."
وذكر أن نحو 990 متشددا قتلوا في الاشتباكات في شرق المدينة حتى الآن. ولم يفصح عن حجم الخسائر بين القوات الحكومية الخاصة. وقال "أجرينا تعديلات على الخطط ويرجع ذلك جزئيا إلى طبيعة العدو المتغيرة... داعش ليست متمركزة في مكان واحد ولكنها تنتقل من هنا إلى هناك. "الدبابات لا تعمل هنا والمدفعية ليست فعالة. الطائرات من قوات التحالف والسلاح الجوي مقيدة بسبب المدنيين."
وطلبت الحكومة العراقية من المدنيين في الموصل البقاء في منازلهم أثناء الهجوم في الوقت الذي تقول فيه منظمات الإغاثة الإنسانية إنها غير قادرة على التعامل مع تدفق مئات الآلاف من النازحين من المدينة. ويعتقد أن أكثر من مليون شخص ما زالوا في الموصل أكبر مدينة في شمال العراق. وتعتبر هزيمة تنظيم داعش في الموصل -آخر معقل كبير للتنظيم في العراق- أمرا حاسما بالنسبة لتدمير "الخلافة" التي أعلنها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي من منبر الجامع الكبير في الموصل في يوليو تموز عام 2014.
ولكن القادة قالوا إن المعركة قد تستغرق شهورا. ويجب السيطرة على عشرات الأحياء في الشرق قبل أن تصل القوات المهاجمة إلى نهر دجلة الذي يقسم الموصل إلى شرق وغرب. وأتلفت الضربات الجوية الأمريكية أربعة من خمسة جسور يستخدمها المتشددون. وقال اللواء نجم الجبوري أحد قادة الجيش الكبار إن الجزء الغربي من المدينة قد يكون أكثر خطورة.
وإلى الجنوب تتقدم كتائب الجيش العراقي الآن ببطء صوب القرى التي ما زالت واقعة تحت سيطرة داعش قبل الوصول إلى أطراف المدينة. وإلى الغرب قطعت وحدات الحشد الشعبي وأغلبها من المقاتلين الشيعة المدعومين من إيران الطريق السريع إلى سوريا إلا أنها لم تقترب بعد من المدينة. وقال الأسدي "القوة المتبقية أمامنا صغيرة وغير قادرة على وقف تقدمنا. معنوياتهم منهارة." وأضاف "قتلنا أكثر من 992 مقاتلا على جبهتنا إضافة إلى المصابين... إمداداتهم واتصالاتهم بالعالم الخارجي مقطوعة. يشنون عددا أقل من التفجيرات الانتحارية." بحسب رويترز.
وتقديرات الجيش العراقي الأولية لعدد المقاتلين في الموصل ما بين خمسة وستة آلاف في مواجهة قوة التحالف وقوامها مئة ألف. ولكن الأسدي قال إن تقدير عدد مقاتلي التنظيم الموجودين ربما كان كبيرا جدا. ولم تعلن السلطات العراقية عدد الضحايا المدنيين إلا أن الأمم المتحدة تقول إن جماعات الإغاثة تتعامل مع أعداد متزايدة من المصابين من كل من المدنيين والجيش.
اقتحام تلعفر
على صعيد متصل يجهز العراق قوة خاصة لاقتحام بلدة تلعفر معقل تنظيم داعش غربي الموصل بطريقة تهدف لتفادي وقوع عمليات قتل انتقامية ضد سكان البلدة من السنة. والسيطرة على تلعفر أو عزلها عن مدينة الموصل جزء رئيسي في الهجوم المدعوم من الولايات المتحدة للسيطرة على المدينة آخر معقل حضري رئيسي لا يزال تحت سيطرة التنظيم في العراق إذ أن هذا سيتيح للقوات البرية المشاركة في الهجوم إكمال تطويق الموصل.
وقال هشام الهاشمي المحلل المقيم في بغداد والذي يقدم المشورة للحكومة في شؤون تنظيم داعش إن قوات الجيش والشرطة التي تخطط لاقتحام تلعفر ستضم سنة وتركمانا شيعة فيما يعكس التركيبة الرئيسية لسكان البلدة. وكان السكان الشيعة في تلعفر قد فروا بعدما اجتاح التنظيم المنطقة قبل نحو عامين وأعلن من الموصل قيام "خلافة" امتدت أيضا على أجزاء من سوريا. وبدأ هجوم استعادة الموصل في 17 أكتوبر تشرين الأول بدعم جوي وبري من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وتشن الهجوم على تلعفر حتى الآن قوات الحشد الشعبي وكانت مشاركتها في هجوم الموصل قد أثارت مخاوف من وقوع أعمال قتل طائفي. وقال الهاشمي إن القوة التي ستضم 3500 فرد التي يجري تجهيزها لاقتحام تلعفر ستعمل انطلاقا من قاعدة جوية إلى الجنوب مباشرة من البلدة. وأضاف أن قوات الحشد الشعبي ستبقى خارجها وتفرض عليها حصارا. وتحرص الحكومة العراقية على تبديد المخاوف من وقوع أعمال قتل طائفي في تلعفر بعدما هددت تركيا بالتدخل مشيرة إلى روابط تاريخية بالتركمان في العراق.
وفر آلاف المدنيين من تلعفر مع تقدم قوات الحشد الشعبي صوبها. وقال ساكن من الموصل طلب عدم الكشف عن اسمه نظرا لأن تنظيم داعش يعاقب بالإعدام كل من يتواصل مع العالم الخارجي إن بضع عشرات من الأسر من تلعفر وصلت أيضا إلى المدينة. والموصل محاصرة بالفعل من الشمال والجنوب والشرق بقوات الحكومة العراقية وقوات البشمركة الكردية. واخترقت قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقي التي دربتها الولايات المتحدة دفاعات التنظيم في شرق الموصل في نهاية أكتوبر تشرين الأول. بحسب رويترز.
ويتحصن مقاتلو التنظيم في الموصل بين أكثر من مليون مدني في محاولة لعرقلة الضربات الجوية. ويقاومون القوات المتقدمة بعمليات انتحارية بسيارات ملغومة ونيران القناصة وقذائف المورتر. وقال فاضل البرواري الضابط في جهاز مكافحة الإرهاب "هناك الكثير من المدنيين والنازحين. لا نستطيع استخدام دباباتنا." وأضاف "نحن نأخذ حياً والناس تغادر. لا نستطيع تمييزهم. هم يطلقون الصواريخ ويصيبون المدنيين." وكثف التنظيم حملة تفجيرات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في محاولة لتخفيف الضغط عن الموصل.
سلاح الجو
من جانب اخر يتجه الطيار في الجيش العراقي حسام جاسم بمروحيته يسارا تزامنا مع اطلاق مروحية "مي 35" روسية الصنع تحلق الى جانبه صاروخا على هدف لتنظيم داعش. بعيد ذلك، ظهر وميض انفجار في قرية صحراوية وتصاعدت أعمدة ضخمة من الرمال والغبار في السماء، فرفع جاسم ابهامه في اشارة الى النجاح. وقال لاحقا، عند خروجه من قمرة القيادة في قاعدة القيارة (نحو 50 كلم جنوب الموصل) "لقد كانت شاحنة صغيرة مزودة بمدفع رشاش ثقيل"، مشيرا الى انه "كان هناك نحو عشرة مقاتلين".
وتسيطر على الأجواء المقاتلات الحربية والطائرات من دون طيار والمروحيات التابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش. لكن، في ظل تلك الاسراب، يلعب الطيران العراقي دوره، فيشن غارات بموارده المحدودة جدا لدعم قواته البرية. وينظر الطيار غولان سليم الى عشرات المروحيات- من طراز "مي 28" و"مي 35" الروسية، و"بيل" الأميركية الاستطلاعية المسلحة، و"يوروكوبتر إي سي 635 أس"- المنتشرة في قاعدة القيارة الجوية.
وبحسب وزارة الدفاع العراقية فإن "هناك ما لا يقل عن ستين إلى سبعين طلعة للمروحيات، كل طلعة بمروحيتين". ويقول سليم إنه حلق صباح ذلك اليوم في مهمة للقضاء على مقاتلين جهاديين. ويضيف "لقد اصبنا كل الاهداف. قضينا عليهم". ويشير سليم الى انه اضطر قبل يوم للمراوغة عندما واجه نيران مضادات ارضية. ومع ذلك، وبمعزل عن زعمه اسقاط طائرة أميركية من دون طيار خلال الايام الماضية، لا يزال تنظيم داعش غير قادر على تهديد القوة الجوية بشكل خطير، إلا انه يضع عقبات أخرى.
فما زالت سحب الدخان الاسود العملاقة تتصاعد من آبار النفط التي أشعلها الجهاديون في آب/أغسطس لتغطية انسحابهم من المنطقة التي طردوا منها. ويقول سليم "الامر صعب جدا. في احدى المرات لم اتمكن من الإقلاع. من المهم جدا إخماد الحريق". وتتقيد الحملة الجوية أيضا بالأعداد الكبيرة من المدنيين الذين ما زالوا متواجدين في أحياء داخل الموصل ومحيطها تحت سيطرة تنظيم داعش. وأشارت الأمم المتحدة إلى أن الجهاديين أجبروا آلاف من السكان على التراجع معهم مستخدمين إياهم كدروع بشرية.
ويذكر ان الاجتياح الاميركي دمر القدرات الجوية العراقية العام 2003، وأعيد بناؤها من الصفر منذ ذلك الحين بعدد كبير من الطيارين الذين تلقوا تدريبات في الولايات المتحدة. وفخر القوة الجوية العراقية هي طائرات "أف 16" الاميركية التي قصفت أهدافا للجهاديين في محيط الموصل. إلا أن هذه القوة تفتقر إلى أسلحة دقيقة. لكن طياري الجيش يؤكدون أنهم يبذلون كل ما في وسعهم لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين. وفي أي حال، فانهم يستهدفون حاليا مناطق صحراوية ذات كثافة سكانية متدنية خارج المدينة. ويقول الرائد مثنى حنون إن "ذلك يضع قيودا على عملياتنا".
من ناحية تقسيم العمل، يقول الطيارون انه يمكنهم عادة التعامل مع معظم الأهداف. لكن في حالة الأهداف الكبيرة أو عندما يكون هناك تهديد على الأرض يستدعي قصفا من مسافة بعيدة، فعندها يلجأون إلى التحالف. ويقول حنون "إذا لم نكن نمتلك القدرات للتعامل مع الأمر، فيتم استدعاء التحالف". بالنسبة للقوات البرية، فإن الدعم الذي يقدمه الطيران العراقي يعتبر حيويا في مواجهة عدو تتضمن ترسانته سيارات مفخخة. بحسب فرانس برس.
ويجلس الفريق أول محي الدين جواد في مقصورة داخل المطار تستخدم كمركز تنسيق بين قواته من الشرطة الاتحادية التي تتقدم ببطء جنوب الموصل والدعم الجوي. وأصوات الطيارين الآتية من الجهاز الذي يتم عبره الإبلاغ عن التقدم المحرز في المهمات والأوضاع القائمة تعتبر أساسية. ويقول جواد "نعتمد 50 في المئة على طيران الجيش، و50 في المئة على القوات المتواجدة على الأرض". ويضيف "الرجال على الجبهة لديهم الاسلحة المطلوبة، لكن الأمر سيكون أسرع بمشاركة الطيران".
معركة شخصية
في السياق ذاته أمعن اللواء نجم الجبوري أحد كبار قادة الهجوم على تنظيم داعش في مدينة الموصل العراقية النظر عبر نظارته المكبرة إلى ألسنة اللهب المتصاعدة بعد أن قتل رجاله بالرصاص مفجرا انتحاريا من تنظيم داعش. لقد كان انتصارا صغيرا بالنسبة لرجل تمثل حربه ضد المتشددين حربا شخصية بشكل عميق.
وقال عبر جهاز لاسلكي "أنتم أبطال" وذلك في الوقت الذي قامت فيه القوات العراقية بتطهير قرية أخرى على أمل فتح طريق جديد إلى معقل المتشددين في الموصل. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد طلب في العام الماضي من الجبوري العودة للعراق من الولايات المتحدة للمساعدة في قيادة الحرب ضد تنظيم داعش الذي اجتاح الموصل ومناطق أخرى بشمال العراق في 2014 وأشاع جوا من الإرهاب.
وكان الجبوري يشعر بتفاؤل وهو يسير فوق سطح منزل يُستخدم كمركز قيادة مؤقت. ولكنه يدرك بشكل فعلي ما يمكن لتنظيم داعش أن يفعله. ففي العام الماضي شاهد شريطا مصورا للتنظيم بُث على وسائل التواصل الاجتماعي وعُرض فيه إغراق سجناء كانوا محبوسين داخل قفص من الصلب تم إنزاله ببطء في بحيرة. وقال إن بعض هؤلاء الضحايا كانوا ِأقاربه. وأردف قائلا إن بعض أقاربه ومواطنيه عانوا الكثير من القاعدة وتنظيم داعش. وأضاف أنه قرر العودة إلى هذا المكان وقال إن تنظيم داعش قتل كثيرا من أبناء عشيرته ومن أصدقائه.
وترك الجبوري عائلته ووظيفته في جامعة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة وارتدى زيه العسكري مرة أخرى في بلاده. ويحرص الجبوري على الثأر لمقتل أقاربه والمساعدة في استقرار العراق وهو يحاول تحديد سبل التغلب على التحديات المعقدة لقتال التنظيم في الموصل التي يقطنها نحو مليون نسمة. وقال الجبوري الذي خدم في الجيش العراقي في عهد صدام حسين لعشرات السنين إنه لا يمكن للقوات العراقية نقل أسلحة ثقيلة ودبابات عبر شوارع الموصل الضيقة وإن تنظيم داعش يستخدم المدنيين كدروع بشرية لإبطاء تقدم القوات الحكومية.
وفي الصحراء الواقعة خلف الجبوري تقف شاحنتان عسكريتان يعلوهما مدفعان آليان على استعداد لمهاجمة أي مفجرين انتحاريين في سيارات يحاولون الاقتراب من مركز القيادة المؤقت المحاط بحراس شخصيين. وقال الجبوري إنه يريد استئصال هذا السرطان (تنظيم الدولة) من الجسم وهذه مهمة صعبة جدا داخل الموصل.
ويدرك بشكل فعلي الجبوري الذي ذهب إلى الولايات المتحدة في 2008 الأخطار التي يمثلها مقاتلو تنظيم داعش والعداوات الطائفية التي تزعزع استقرار العراق. وكرئيس لبلدية تلعفر من عام 2005 حتى عام 2008 قام الجبوري بتطهير البلدة من مقاتلي القاعدة وأقام مصالحة بين السنة والشيعة. ويواجه العراق صعوبة في إيجاد صيغة للاستقرار منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين في 2003.
وحتى إذا هُزم تنظيم في الموصل فيتعين على الزعماء العراقيين ضمان ألا تظهر مرة أخرى نفس العداوات العرقية والطائفية التي ساعدت التنظيم على أن يصبح له تواجد واسع النطاق في العراق. وكسب التنظيم في بادئ الأمر دعم السنة لأن هذه الطائفة شعرت بتهميش الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد لها. ودعا الجبوري إلى إنهاء نظام للحكم يوزع المناصب العليا في الدولة على أساس طائفي. وقال إن الأمر لن يكون ورديا فهناك صعوبات كثيرة. وأضاف أن بعض الساسة لن يحبذوا التغيير لأن كثيرين منهم سيفقدون مناصبهم. بحسب رويترز.
وفي الوقت الحالي يركز الجبوري على قتال تنظيم داعش، وقال إن القوات العراقية حددت جدولا زمنيا يستغرق ستة أشهر لحملة الموصل. ولكنه أبدى ثقته في تحقيق النصر بحلول نهاية العام متوقعا انهيار تنظيم داعش. وحتى الآن سيطرت القوات العراقية على نحو 60 في المئة من شرق الموصل وقد يثبت الجزء الغربي من ثاني أكبر مدن العراق أنه أخطر بكثير. وقال الجبوري في الوقت الذي أطلقت فيه قواته قذائف مورتر وصواريخ على مصنع للأسفلت يتمركز فيه متشددون يلفون أنفسهم بأحزمة ناسفة إنه في البداية كانت القوات العراقية تواجه يوميا ما بين 60 و70 سيارة ملغومة. وقال إنها تواجه الآن ما بين سيارتين أو ثلاثة تقريبا.
رايات بيضاء وزغاريد
الى جانب ذلك وفي شوارع حي الشقق الخضراء في شرق الموصل الذي طرد الجهاديون منه ، تخرج النساء من المنازل ويطلقن الزغاريد ترحيبا بالقوات العراقية، فيما يتنقل آخرون حاملين رايات بيضاء مماثلة لتلك المرفوعة فوق البيوت. وفي الحي نفسه، يفتح الحاج السبعيني ابو محمود ابواب متجره الصغير "فتحنا المحل لأن الجيش وصل وانتهينا، استقبلناهم بالزغاريد والورود، ورفعنا لهم الأعلام البيضاء لنؤكد أننا مسالمون".
ويقاطعه المقدم في قوات مكافحة الإرهاب ثائر الكناني بالقول "نحن طلبنا منهم رفع الأعلام البيضاء، ولكن رغم ذلك دخل عليهم الدواعش واستخدموا منازلهم وجوامعهم". ولا يأبه أبو محمود، كما غيره من سكان الحي، بإطلاق النار المتقطع وأصوات الانفجارات التي تهز المنطقة بين حين واخر، مؤكدا "لن ننزح من هنا، الوضع بات آمنا". وفي شارع مجاور، ينظف مواطنون منازلهم ويلوح آخرون للقوات الأمنية المارة قربهم.
ويركض الأطفال خلف السيارات العسكرية، يرفعون شارات النصر فور رؤيتهم جنديا بلباس عسكري أو صحافيا يحمل كاميرا. وبين المارة، امرأة تحمل كيسا بيد، وفي الأخرى راية بيضاء تلوح بها. وداخل أحد المنازل المكتظة، تتجمع النسوة في غرفة واحدة. وتقول ريما العشرينية "البارحة عند الساعة الواحدة ظهرا، تخلصنا منهم وتحررنا. وأخيرا أريد أن أكمل دراستي الجامعية". تقاطعها والدتها أم أحمد حمداني "هذا ليس منزلنا، نحن سبع عائلات في البيت نفسه، بعدما دخل علينا الدواعش البارحة وطردونا من البناية المجاورة التي نسكن فيها". وتتابع "دفنا موتانا في الحدائق، أمس الأول دفنا ثلاثة، وأمس اثنين".
وقرب المنزل، تتصاعد أعمدة دخان أسود تغطي ملامح مجموعة من السكان الذين يتنقلون حاملين حاجياتهم ورايات بيضاء. مع اشتداد المعارك، رفعت أم أكرم جوادية (54 عاما) راية بيضاء فوق منزلها. وتعرب هذه المراة عن خشيتها على أبنائها الأربعة الذين طلبتهم القوات الأمنية للتحقيق، بعدما عانوا لأكثر من عامين من التعذيب على يد تنظيم داعش، حسب قولها. وتضيف "قبل أن يأتي الدواعش، كان ابني منتسبا في الجيش. لم نغادر وكانوا يأتون يوميا تقريبا للتحقيق مع اولادي الأربعة، وبت أخاف عليهم كثيرا"، مضيفة "ان الجيش يحقق معهم، لا أستطيع سوى ان اقلق عليهم".
وترى أم أكرم اثنين من أبناء جيرانها عائدين بعد التحقيق، فتبكي أملا بعودة أبنائها أيضا. وتركض مسرعة مع نساء عائلتها لتفتح أبواب منزلها، وتبدأ بإطلاق الزغاريد أثناء مرور موكب قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبد الغني الأسدي في المنطقة. وتتعالى أصوات الترحيب، فتبدأ النساء بالتهليل "الله ينصركم، الله ينهيهم، يا هلا يا هلا بالعراق". ويقول الأسدي "حقق هؤلاء السكان النصر نفسه الذي حققناه نحن، فقد وفروا لنا المعلومات وساعدونا، كما التزموا بالتعليمات التي اعطيناها لهم". بحسب فرانس برس.
وبعيد السيطرة على حي الشقق الخضراء، بدأت قوات مكافحة الارهاب "تطهير" المنطقة من عناصر تنظيم داعش، وفق ما يقول الملازم ناصر الركابي من "فوج الموصل" التابع لقوات مكافحة الإرهاب. ويضيف "هناك أشخاص يتعاونون معنا من داخل الأحياء المحررة، سنعتمد عليهم اليوم لتحديد من هم الدواعش وما هي الطرقات المفخخة". ويقول أحد السكان، رافضا كشف اسمه، "كل اسماء الدواعش موجودة لدى الجيش، هناك اشخاص متعاونون مع القوى الامنية والشرطة، وأعطوهم كل الاسماء".
اضف تعليق