معركة تحرير منبج من قبضة تنظيم داعش الارهابي، الذي خسر في الفترة الاخيرة معارك مهمة وارضي واسعة في سوريا والعراق، تعد وبسحب بعض الخبراء تطور كبير يمكن ان يسهم بتغير الكثير من التوقعات فخسارة منبج التي سيطر عليها تنظيم داعش منذ أوائل عام 2014، تمثل ضربة قوية للتنظيم نظرا لأهميتها الاستراتيجية حيث كانت تعمل كطريق لنقل المقاتلين الأجانب والإمدادات على الحدود التركية. وسيكون صعباً على التنظيم تعويض هذه الخسارة، من الناحية الاستراتيجية، إلا في حالة انقلاب كبير في موازين القوى لمصلحته، يصعب تصور حصوله في ظل المعطيات الحالية.
وحققت قوات سورية الديموقراطية بدعم أميركي، كما نقلت بعض المصادر، انتصاراً كبيراً على تنظيم داعش في مدينة منبج، يوازي في حجمه وأثره على مستقبل التنظيم الإرهابي في سورية، الخسارة التي تعرض لها في العام الماضي في تل أبيض وكوباني (عين العرب)، على يد المقاتلين الأكراد، وبدعم كذلك من سلاح الجو الأميركي. هذا التقدم المهم اثار ايضا قلق ومخاوف بعض القوى والحكومات، ومنها الحكومة التركية التي تخشى من استفحال خطر القوات الكردية في سوريا، فانتصار قوات سورية الديموقراطية في منبج، يعني أنها أصبحت رقماً صعباً في أي ترتيب مقبل للوضع في سورية. كما أصبحت رقماً صعباً بالنسبة الى رجب طيب أردوغان والحرب التي يخوضها مع الأكراد، في بلاده وخارجها.
كما ان هذه المعركة تعزز مكانة الأكراد الذين يسيطرون على نحو 400 كيلومتر على طول الحدود السورية التركية. وظلت واشنطن لفترة طويلة مفتقدة لوكلاء لها على الأرض لكنها وجدت ضالتها للمرة الأولى في قوات سوريا الديمقراطية. كما أثارت مكاسب قوات سوريا الديمقراطية قلق فصائل المعارضة التي تقاتل ضد الرئيس بشار الأسد والتي قالت إنها ستواجه أي محاولة لتقسيم سوريا بالقوة.
وفيما يخص تطورات هذا الملف قالت الحكومة السورية إن هناك قوات خاصة ألمانية تعمل إلى جانب قوات فرنسية وأمريكية في شمال البلاد. وذكرت وسائل إعلام رسمية سورية أن الحكومة تدين بشدة وجود قوات ألمانية وفرنسية في مدينتي منبج وعين العرب التي تعرف أيضا باسم كوباني. ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء عن وزارة الخارجية قولها إن سوريا تعتبر الأمر "عدوانا صريحا وغير مبرر على سيادتها واستقلالها."
ونفت وزارة الدفاع الألمانية وجود قوات خاصة ألمانية في شمال سوريا قائلة إن مثل هذه المزاعم المتكررة الصادرة عن الحكومة السورية خاطئة ولم تكن صحيحة قط. وقال متحدث باسم الوزارة "لا توجد قوات خاصة ألمانية في سوريا. إنه اتهام خاطئ." وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات خاصة فرنسية تبني قاعدة لها قرب كوباني. وذكر وزير الدفاع الفرنسي أن هناك قوات خاصة تعمل في سوريا لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية على التقدم باتجاه منبج.
وأضاف المرصد أن مستشارين عسكريين من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وقوات خاصة فرنسية وأمريكية تساعد قوات سوريا الديمقراطية في قتالها لتنظيم داعش لكنها تلعب حتى الآن دورا داعما ولم تقاتل على الخطوط الأمامية. وقال متحدث باسم مجلس منبج العسكري المتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية إنه لا توجد قوات ألمانية تعمل إلى جانبهم على الأرض.
من جانب اخر قال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر إن تنظيم داعش استخدم مدينة منبج في شمال سوريا قاعدة لتدبير مؤامرات ضد أوروبا وتركيا والولايات المتحدة مما جعل من الضروري شن هجوم بدعم أمريكي ضد التنظيم. وقال إن المدينة كانت معبرا لتدفق المقاتلين الأجانب مما يجعلها "ضرورية ومهمة في القتال ضد تنظيم داعش في سوريا." وقال كارتر "نعلم بوجود تآمر خارجي من مدينة منبج...ضد أوروبا وتركيا وكل أصدقائنا وحلفائنا والولايات المتحدة أيضا." ولم يوضح الوزير الأمريكي المؤامرات التي يقصدها. وقال مسؤولون أمريكيون إن عددا محدودا من قوات العمليات الخاصة الأمريكية سيدعمون الهجوم ميدانيا كمستشارين بعيدا عن الخطوط الأمامية. وأجاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما نشر نحو 300 فرد من العمليات الخاصة على الأرض في مواقع سورية سرية لمحاربة المتشددين بالتنسيق مع القوات المحلية.
مدينة ملغمة
من جانب اخر تجول فاطمة بنظراتها الهلعة على جيرانها تسألهم عن زوجها وتردد باكية "خذوني اليه"، فقبل وقت قصير وقف زوجها فرحا امام منزلهما في منبج السورية، لكنه لم يكد يفتح الباب حتى انفجر لغم من مخلفات تنظيم داعش. ويطغى الخوف على فرحة المدنيين بالعودة الى منبج في شمال البلاد، مدينتهم التي خرج آخر الجهاديين منها قبل ايام فقط، فقد وضع هؤلاء قبل طردهم كميات كبيرة من الالغام في كل مكان، في المنازل، في الشوارع وحتى في المستشفيات المغلقة.
بعد وقت قصير من دخول منبج، دوى صوت انفجار وتصاعد الدخان في سماء وسط المدينة، ليتبين لاحقا انه ناجم عن لغم في منزل محمد وفاطمة نالو. وبدت علامات الصدمة واضحة على وجه المرأة الاربعينية وهي تجول بين الجيران تسألهم عن حال زوجها محمد، تمسح دموعها باطراف شالها الاسود، وتقول لمن حولها الله يوفقكم خذوني الى زوجي، ليأخذني أحد اليه.
وتروي فاطمة "توسل الناس زوجي الا يفتح الباب وان يصبر قليلا، الا انه كان مستعجلا ليتأكد من انه لم يتم نهب المنزل"، وما هي الا دقائق حتى انفجر في وجهه لغم كان تنظيم داعش وضعه عند الباب. واصيب محمد في وجهه وقدميه، ونقله جيرانه الى احدى المستشفيات في مدينة كوباني (عين العرب)، كون كافة مشافي منبج مغلقة.
ومثل محمد وفاطمة بدا العديد من سكان منبج متلهفين لتفقد منازلهم، لكنهم لم يجدوا سوى الدمار والالغام. وانتشرت على جدران المدينة كتابات باللون الاحمر "انتبه الغام"، واخرى "منبج محررة". ويلخص حسن الحسين، شاب في العشرينات من عمره، حال المدينة قائلا "كل ما تفتح باب ينفجر لغم، يمشي طفل في الشارع وينفجر لغم، عائلة تعود الى منزلها تجده ملغما". ويضيف "ابن عمي قتل البارحة جراء التفخيخ، البلد كلها مفخخة. فخخوا البلد وذهبوا". واطلق حسين نداء للمعنيين "ازيلوا التفخيخ والألغام" اذ يكفي "عدم وجود خبز ومياه وطحين كما ان كل المشافي مغلقة".
وبعد معارك استمرت اكثر من شهرين بمساندة ضربات جوية اميركية، تمكنت قوات سوريا الديموقراطية من السيطرة على منبج قبل ان تطرد منها آخر الجهاديين، ما شكل هزيمة كبرى للتنظيم المتطرف. وعلى مدخل مدينة منبج اقام مقاتلو "قوات سوريا الديموقراطية" الحواجز للتدقيق في هويات العائدين الى منازلهم. يجلس اطفال على متن شاحنة كبيرة بين الماشية، وآخرون يرفعون شارات النصر بين حاجياتهم من مرتبات وحقائب واكياس.
وفي كل مكان في المدينة، في الشوارع وامام ما تبقى من منازل وابنية ومحلات، يعمل السكان على ازالة ما خلفه القصف والمعارك من حطام في مدينة باتت مدمرة. وفي احد احياء وسط المدينة، تدخل نجوى (41 عاما) ومعها ابنتها الى منزلها. تقف في غرفة جدرانها سوداء اللون امتلأت بالحطام والحجارة، وتقول "هذه غرفتي أتى عناصر داعش واحرقوا كل شيء". وتنظر نجوى الى الجدران المحطمة حولها دون ان تتجرأ على الدخول الى الغرفة المجاورة خوفا من الالغام، وتضيف "لم نر الخير منذ دخولهم الى مناطقنا، ثلاث سنوات تبدو وكأنها ثلاثين سنة".
وبالقرب من والدتها، تروي اماني (سبع سنوات) "لم يسمحوا لنا بدخول المدرسة (...) كانوا يضربون من يذهب منا الى المدرسة ويتهمونا باننا كفار". "لم يسمحوا لنا بمشاهدة التلفزيون"، تضيف اماني قبل ان تغرق بالبكاء وتختبئ خلف والدتها. وعلى جدران احدى المدارس في وسط المدينة، رسمت صورة لامرأة وطفلة منقبتين والى جانبها كتب "نقابك سر جمالك" مع لائحة بالعقوبات في حال تمت مخالفة القوانين. بحسب فرانس برس.
وفي حي الالوين القريب، يتفقد محمد العبدالله ركام منزله المدمر تماما، ويقول بحسرة "راح كل شقاء عمرنا في ثوان". ويضيف هذا المدرس المتقاعد في الـ53 من العمر "ارسلنا اولادنا الى المدرسة لاسبوع فقط، لم يتعلموا سوى الآيات القرآنية ولاحقا كيفية استخدام السلاح والقتل". ورغم الخوف من الالغام والحزن على ما يحيط بهم من دمار، بدأ سكان منبج يخرجون من تحت عباءة تنظيم داعش، فخلعت النساء النقاب عن وجوههن، وحلق الرجال لحاهم. ويفرض التنظيم المتطرف في مناطق سيطرته احكاما وقوانين صارمة بينها منع الرجال من حلق لحاهم واجبار النساء على الاتشاح بالسواد تحت طائلة عقوبات قاسية. وترتدي آية (11 عاما)، ملابسة ملونة فاتحة اللون، وتقول مبتسمة "كانوا يضربونا بالخيزرانة اذا لم نحجب عيوننا (...) عادت لنا حريتنا وكل شخص قادر ان يرتدي ما يريد، وانا فرحة بملابسي". وقال شرفان درويش المتحدث باسم المجلس العسكري في منبج المتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية إن الآلاف شرعوا في العودة إلى المدينة وإن المحال بدأت في فتح أبوابها لتعود الحياة إلى طبيعتها. وأظهرت مواقع إخبارية موالية لقوات سوريا الديمقراطية عائلات مبتهجة كانت محاصرة أثناء القتال. وعزا درويش سرعة عودة الحياة للمدينة إلى الحملة البرية والجوية التي قال إنها نجحت في عزل عدد من المناطق التي بقي فيها آلاف المدنيين رغم اشتعال القتال.
ومازالت قوات سوريا الديمقراطية التي أزالت نحو 13 ألف لغم حتى الآن تداهم عددا من الأحياء بحثا عن خلايا نائمة من المتشددين يشتبه بأنها ما زالت ناشطة. وقال ساكن سابق في المدينة إنه تلقى إفادات من أفراد بعائلته بأن وحدات حماية الشعب الكردية القوية ضمن قوات سوريا الديمقراطية احتجزت عشرات الشبان قبل فحصهم لمخاوف من انتماء بعضهم للخلايا النائمة.
صراع بين حلفاء
على صعيد متصل تشهد مواجهة بين جماعات سورية مسلحة تدعمها الولايات المتحدة لكنها تعادي بعضها بعضا تصاعدا الأمر الذي يعقد الحرب على تنظيم داعش في سوريا. وتقول جماعات سورية معارضة تنضوي تحت لواء الجيش السوري الحر إنها دخلت صراعا متناميا ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تساعد الولايات المتحدة في حملتها على داعش في سوريا. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان ووحدات حماية الشعب إن إحدى الجماعات العديدة المنضمة للجيش السوري الحر في منطقة حلب أطلقت صاروخا موجها من طراز تاو على موقع تابع للوحدات في أول هجوم من نوعه.
وللجانبين أولويات مختلفة في الحرب إذ تحارب المعارضة السورية لإقصاء الرئيس بشار الأسد بينما تحاول وحدات حماية الشعب في الأساس اقتطاع مناطق سيطرة في شمال البلاد. كما يتهم كل جانب الآخر بالتآمر مع أعدائه في حرب أخذت بعدا عرقيا ووقفت فيها جماعات تنتمي للأغلبية العربية في مواجهة جماعة برزت عام 2011 بهدف معلن هو الدفاع عن الأقلية الكردية. وقال رئيس المكتب السياسي للجبهة الشامية التي تعد من أكبر فصائل الجيش السوري الحر في منطقة حلب "يوجد فاصل يزداد عمقا بيننا. وإذا لم يوجد حل سياسي بين الثوار والأكراد فالأمور تتجه للتصعيد."
وقال ريدور خليل المتحدث باسم وحدات حماية الشعب إن مجموعته لا تهدف لبدء معركة مع جماعات الجيش السوري الحر. لكنه أضاف "إذا كانوا يريدون الحرب فسيخسرون بكل تأكيد." وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على بداية الحرب لا تلوح في الأفق أي بادرة لنهاية الصراع الذي خلق أسوأ أزمة للاجئين في العالم وساعد في سطوع نجم تنظيم داعش واستدرج دولا أجنبية لدخوله وسقط فيه مئات الآلاف من القتلى. والآن كشف الصراع المتصاعد بين الطرفين اللذين يحظيان بدعم الولايات المتحدة عن صدع يمثل تحديا للحملة على داعش في وقت بدأت فيه الحملة تتغلغل في مناطق ذات أغلبية عربية شرقي حلب بدعم من وحدات حماية الشعب بدءا بمدينة منبج.
وفي حين كانت وحدات حماية الشعب قوة فعالة في مواجهة التنظيم تقول المعارضة السورية إنها لا يمكن أن تعمل على تحقيق الاستقرار في المناطق العربية التي يتم الاستيلاء عليها من الجهاديين. وتشبه المعارضة وحدات حماية الشعب بالفصائل الشيعية التي تقاتل داعش في العراق. وتشير الشواهد إلى أن الولايات المتحدة تدرك هذه الحساسيات تمام الإدراك. وقال مسؤول أمريكي إنه تم ضم عدد أكبر من العرب إلى تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تشكل في أكتوبر تشرين الأول الماضي لمحاربة داعش ويعتمد اعتمادا كبيرا على قوة نيران وحدات حماية الشعب. وقال المسؤول "نحن نبذل جهدا كبيرا لتنويع القوة."
وكان كثير من المقاتلين في هجوم منبج من السكان النازحين عن المدينة التي ستسلم السيطرة عليها لقوة محلية بعد سقوطها. وقال المسؤول الأمريكي "من الواضح أن الارتياب كبير في النوايا وفيما يتعلق بحق السيطرة ومشاركة كل الأطراف. هذا موضوع في غاية الحساسية لنا." ويتركز التنافس بين وحدات حماية الشعب والجيش السوري الحر في الركن الشمالي الغربي من سوريا حيث تشتبك الأطراف الرئيسية بطريقة أو بأخرى ومن بينها روسيا التي حولت ضرباتها الجوية الأمور لصالح الأسد حليفها في الشرق الأوسط.
ويمثل الجيش السوري الحر جزءا من المعارضة للأسد الذي تحاربه أيضا جماعات تربطها صلات بتنظيم القاعدة. وتحصل عدة جماعات على مساعدات عسكرية من خلال برنامج تدعمه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.ايه). ووحدات حماية الشعب من أقوى الفصائل المسلحة في سوريا وتعتبر عماد قوات سوريا الديمقراطية التي تدعم الولايات المتحدة حملتها في منبج بغارات جوية وبقوات أمريكية خاصة. ومحافظة حلب لها أهمية خاصة لدى المعارضة لأسباب من بينها موقعها على الحدود التركية. وتكافح المعارضة للإبقاء على الطرق المؤدية إلى القطاع الذي تسيطر عليه المعارضة من مدينة حلب مفتوحة وفي الوقت نفسه تقاتل داعش إلى الشمال.
من ناحية أخرى تسيطر وحدات حماية الشعب على منطقة عفرين القريبة التي تقدمت منها إلى مناطق المعارضة شمالي حلب في وقت سابق من العام الجاري. واعتبرت المعارضة ذلك هجوما تم تنسيقه مع روسيا والحكومة السورية. وتنفي وحدات حماية الشعب ذلك. كما تسيطر وحدات حماية الشعب على جانب كبير من شمال شرق سوريا حيث يعمل حلفاؤها السياسيون لتدعيم حكم ذاتي في المنطقة في نظام يقولون إنه سيمنح كل الجماعات حقوقها. وترى المعارضة المناهضة للأسد أن هذا الحكم الذاتي جزء من مشروع انفصالي. ومع ما يحصل عليه تحالف قوات سوريا الديمقراطية من دعم يرى محللون أن وحدات حماية الشعب قد تريد التقدم من منبج إلى عفرين بهدف سحق معارضي الجيش السوري الحر قرب حلب خلال تلك العملية.
غير أن المسؤول الأمريكي قال إن التقدم غربا من منبج باتجاه حلب ليس جزءا من خطة قوات سوريا الديمقراطية. وربما يشير ذلك إلى حساسية أمريكية فيما يتعلق بمخاوف تركيا التي تعارض زيادة نفوذ وحدات حماية الشعب في سوريا. وقال نواه بونسي المحلل بمجموعة الأزمات الدولية إنه سيكون من الأفضل للجميع أن تتوصل تركيا والمعارضة ووحدات حماية الشعب إلى اتفاق فيما يخص تقسيم المهام المطلوبة لإخراج داعش من منطقة شمال حلب والطرف الذي سيسيطر على المنطقة بعد ذلك.
ومع ذلك فإن تركيا ترتاب ارتيابا شديدا في وحدات حماية الشعب الكردية بسبب صلاتها بحزب العمال الكردستاني الذي يشن حركة تمرد في جنوب شرق تركيا منذ نحو 30 عاما. وتحذر المعارضة من البعد العرقي للصراع الذي يغذيه نزوح العرب بسبب ما تشنه وحدات حماية الشعب من هجمات. ونفى مسؤولون أكراد على الدوام اتهامات بحدوث تطهير عرقي في مناطق مثل تل رفعت التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب في فبراير شباط الماضي. بحسب رويترز.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن من عاد من العرب إليها عدد قليل. غير أن المرصد يعزو ذلك إلى الخوف لا إلى سياسة من جانب وحدات حماية الشعب لمنعهم من العودة. وقال صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري إن تنويع القوات في منبج أظهر أنه لا توجد مشكلة عربية كردية. لكن زكريا ملاحفجي المسؤول بإحدى جماعات الجيش السوري الحر في حلب قال إنه حذر المسؤولين الأمريكيين من أنهم سذج إذا اعتقدوا أن وحدات حماية الشعب ستتنازل عن السيطرة على ما يتم الاستيلاء عليه من مناطق. وأضاف "الناس ... تشعر أنه يوجد تنسيق كبير بين النظام ووحدات حماية الشعب. وهذا سيولد حساسيات وتلك المناطق لم تستقر".
الاتحاد الفيدرالي
الى جانب ذلك وفي الوقت الذي يحرز فيه تحالف مجموعة من الفصائل التي تدعمها الولايات المتحدة تقدما في مواجهة تنظيم داعش في شمال سوريا يحقق حلفاؤه السياسيون تقدما في مسعاهم لإقامة نظام حكم فيدرالي جديد يأملون أن يترسخ في المناطق التي سيطروا عليها مؤخرا. وقالت مسؤولة كردية إن الاتحاد الفيدرالي الذي يتمتع بالحكم الذاتي وتعتزم الأحزاب الكردية السورية وحلفاؤها إقامته يتبلور بسرعة وإن من المنتظر استكمال إعداد دستور له خلال ثلاثة أشهر وربما أقل من ذلك على أن يعقب ذلك انتخابات على وجه السرعة.
ورغم أن الجماعات الكردية تصر على أن هذا المسعى ليس انفصاليا فإنه سيعيد رسم الخريطة في وقت تعجز فيه دبلوماسية الأمم المتحدة عن تحقيق أي تقدم صوب إنهاء الحرب التي أدت إلى تفكك سوريا لمجموعة من المناطق كل منها تدار على حدة. ومن المرجح أن يزيد ذلك من حدة المخاوف لدى تركيا عضو حلف شمال الأطلسي من تنامي النفوذ الكردي في شمال سوريا الذي يطلق عليه الأكراد اسم روج آفا الذي دخل الآن القاموس السياسي للشرق الأوسط.
واكتسبت الخطة أهمية أكبر منذ حقق تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تأتي فصائل وحدات حماية الشعب الكردية على رأس المشاركين فيه تقدما جديدا سريعا باتجاه الغرب.ويتيح ذلك إمكانية ضم مناطق جديدة إلى الاتحاد الفيدرالي الذي كشف النقاب عنه في مارس آذار. وفي وقت قريب تم بحث فكرة انضمام المناطق التي وقعت تحت السيطرة في الآونة الأخيرة للاتحاد الفيدرالي الديمقراطي بروج آفا وشمال سوريا مع أعضاء مجلس محلي تشكل لإدارة مدينة منبج.
وقالت هدية يوسف الرئيسة المشاركة لمجلس يشرف على هذا المشروع "أعطيناهم فكرة عن الخطة التي نعمل عليها وأعربنا لهم عن رغبتنا في أن تكون منبج جزءا من منطقة الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي بعد تحريرها." وقالت "كانت وجهة النظر متفائلة بهذه المسألة. أعجبتهم الخطة." لكنها أضافت أنه في ضوء الطبيعة المؤقتة للمجلس فمن الضروري أن يتخذ مجلس له صفة الدوام أي قرار.
وتحدث مسؤول بمجلس مدينة منبج طالبا عدم نشر اسمه فقال إنهم يتوقعون طرح النظام الفيدرالي عليهم لكنهم ليسوا مخولين للبت في هذا الأمر. وأضاف المسؤول الذي يعمل بالمكتب الإعلامي للمجلس إن البت في مثل هذه المسائل يرجع إلى المجلس الموسع الذي سيتم تشكيله فيما بعد. وينتشر الأكراد في تركيا وسوريا وإيران والعراق حيث تمثل حكومة إقليم كردستان أقرب شيء لحلم الأكراد بأن تكون لهم دولتهم الخاصة. وتستفيد خطة الاتحاد الفيدرالي لشمال سوريا من ثلاثة مناطق تتمتع بالحكم الذاتي اقتطعتها وحدات حماية الشعب منذ سقوط سوريا في براثن الصراع عام 2011 في انتفاضة كان الهدف منها الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
ويقول ساسة أكراد مشاركون في مساعي إقامة الاتحاد الفيدرالي إنه سيصون حقوق كل الجماعات العرقية الأمر الذي يسمح للتجمعات السكانية بأن تحكم نفسها وتمثل نموذجا لتسوية الحرب السورية في نهاية الأمر. لكن المشروع واجه معارضة واسعة من أطراف مختلفة منها الولايات المتحدة والحكومة السورية وكذلك المعارضة السورية. وقالت هدية يوسف إن اجتماعات عقدت في الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا لشرح الخطة ولإشاعة الطمأنينة بأن الهدف ليس إقامة دولة مستقلة.
وأرسلت خطابات مباشرة أيضا إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا الذي لم يضم حزب الاتحاد الديمقراطي أكبر الأحزاب الكردية السورية إلى محادثات السلام التي دشنت في وقت سابق هذا العام تمشيا مع رغبة تركيا. وقالت هدية يوسف "نتوقع قبول هذا المشروع ونعمل على كسب الدعم الدولي والإقليمي والداخلي." وخلال مكالمة هاتفية من سوريا قالت إن الدستور الذي سيعرف باسم "العقد الاجتماعي" أوشك على الاكتمال. بحسب رويترز.
وأي منطقة تود الانضمام للنظام الاتحادي سيتعين عليها الموافقة على هذا العقد التي يتضمن حقوقا مساوية للنساء ويضمن قيادة مشتركة لكل الجهات الإدارية وشكلا من الاقتصاد الاشتراكي. ومن بين القضايا العالقة تصميم علم جديد ليرفع إلى جانب العلم السوري وتحديد موقع المجلس التشريعي الذي سيعرف باسم مؤتمر الشعوب وترسيم الحدود الإدارية للمناطق في النظام الجديد. وقالت "خلال ثلاثة شهور من المفروض أن نكون انتهينا من كل التحضيرات والصياغات للعقد الاجتماعي." وبمجرد الموافقة عليه من قبل المجلس المؤلف من 151 عضوا والذي تشارك هدية يوسف في رئاسته سيبدأ الإعداد لانتخابات بعدها بثلاثة أشهر. وقالت إنهم لم يقرروا بعد أي الانتخابات ستجرى أولا.. انتخابات مؤتمر الشعوب أم المجالس الإقليمية. وقالت "العملية كلها سوف تستغرق ستة أشهر وربما أقل".
اضف تعليق