q

الهزائم العسكرية الكبيرة التي تعرض لها تنظيم داعش الإرهابي في الفترة الاخيرة، اسهمت بحسب بعض الخبراء بإضعاف قدرات هذا التنظيم الارهابي الذي اصبح اليوم يعاني من مشكلات وازمات كبيرة، تفاقمت بشكل سريع بعد ان فقد ما يزيد على نصف مساحات الأراضي المهمة التي سيطر عليها في 2014، وهو ما اثر سلبا على قدراته اللوجستية والمالية والعسكرية التي كان يمولها من تهريب النفط الذي يعد مصدرا رئيسيا لتمويل عمليات تنظيم داعش، فهو يدر ملايين الدولارات شهريا من بيعه، حيث اكدت بعض التقارير ان تنظيم داعش الارهابي الذي كان يعد من أغنى التنظيمات الإرهابية في العالم، بعد تمكنه من السيطرة على عدة مناطق نفطية واثرية في العراق وسوريا.

يواجه مأزقًا حقيقيًّا في كيفية تأمين الموارد المالية المطلوبة لدفع رواتب عناصره، وكسب عناصر أخرى، هذا بالإضافة الى شراء الأسلحة والعتاد وتأمين القدرة على تعزيز شبكاته الاستخباراتية التجسسية التي تتيح له الحصول على المعلومات الدقيقة، ليتمكن من تنفيذ عمليات عسكرية نوعية بأقل قدر من الانفاقات والخسائر.

ويرى بعض المراقبين ان تنظيم داعش الذي حصد خسارة فادحة بسوريا والعراق، قام باعتماد اساليب وخطط جديدة وتنفيد عمليات ارهابية في مناطق ودول مختلفة، من اجل رفع معنويات عناصره التي انهارت بشكل كبير.

وفي هذا الشأن قالت شركة (آي.إتش.إس) للأبحاث إن تنظيم داعش فقد أراضي تمثل ربع ما كان يسيطر عليه من أراض للقوات التي تقاتله خلال 18 شهرا مضت في العراق وسوريا ومن المرجح أن يصعد التنظيم من هجماته على المدنيين في الأشهر المقبلة. وقالت الشركة إن الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم المتشدد تقلصت من 90800 كيلومتر مربع في يناير كانون الثاني عام 2015 أي بعد ستة أشهر من إعلانه دولة الخلافة في سوريا والعراق إلى 68300 كيلومتر مربع.

وأضافت أن ذلك دفع التنظيم لتصعيد هجماته على أهداف مدنية في الشرق الأوسط وأوروبا ومن المتوقع أن تزيد هذه الهجمات. وقال كولومب ستارك المحلل البارز بالشركة وكبير المحللين في مرصد الصراع التابع لشركة (آي.إتش.إس) "مع تقلص أرض داعش وبعد أن أصبح من الواضح بشكل متزايد أن مشروع حكمها يتداعى يعيد التنظيم تحديد أولويات التمرد."

وأضاف "ونتيجة لذلك فإننا للأسف نتوقع زيادة في الهجمات التي تستهدف أعدادا كبيرة وأعمال تخريب للبنية التحتية الاقتصادية في العراق وسوريا وخارجهما بما في ذلك في أوروبا." ودفعت استعادة الجيش العراقي مدينة الفلوجة معقل التنظيم والواقعة غربي العاصمة بغداد التنظيم إلى تصعيد تفجيراته على أهداف شيعية. وفقد التنظيم سيطرته على مدينة الرمادي في نهاية العام الماضي وهي معقل آخر مهم للتنظيم الذي سيطر على مساحات كبيرة من أراضي العراق عام 2014. ويستعد الجيش حاليا لاستعادة الموصل أكبر مدينة في شمال العراق.

داعش وإيرادات النفط

من جانب اخر قال مسؤولون إن تنظيم داعش الذي فقد ما يزيد عن نصف مساحات الأراضي التي سيطر عليها في 2014 يعاني من شبه انهيار في إيراداته من النفط المهرب وهو ما دفعه لخفض الأموال التي يدفعها لمقاتليه وفرض ضرائب جديدة وغرامات على من ينتهك القواعد الدينية. وفقد التنظيم سيطرته على مجموعة من الحقول النفطية واضطر لبيع ما تبقى له من إنتاج بخصومات كبيرة لحث سائقي الشاحنات على جمعه ومراوغة الهجمات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة.

وبجانب الضرائب والفدى وتجارة التحف يعد النفط مصدرا رئيسيا لتمويل عمليات التنظيم. فهو يدر ملايين الدولارات شهريا من بيعه لسوريا المجاورة وإيران أو لوحدات تكرير محلية صغيرة.

ورغم ذلك فإن التقدم الذي حققته الحكومة العراقية والقوات الكردية حرم متشددي التنظيم من حقول نفطية كان يسيطر عليها حيث لم يتبق له سوى حقلين يستغلهما جزئيا من خمس حقول عراقية كانت في الماضي تحت سيطرته. وأدى ذلك إلى خفض عمليات التهريب بنحو 90 في المئة على حد قول مسؤولين في الأمن والسلطات المحلية.

واعتاد تنظيم داعش على بيع حمولة 50 شاحنة على الأقل يوميا من النفط من حقلي القيارة والنجمة جنوب معقله القوي في الموصل. وقال عبد الرحمن الوكاع عضو مجلس محافظة نينوى عن الموصل والذي انتقل إلى أربيل بعد سقوط الموصل في قبضة التنظيم إن هذا الخام كان ينقل بشكل رئيسي إلى سوريا لمقايضته بوقود السيارات. وتابع "مع تقدم القوات العراقية وتصعيد الهجمات الجوية فإن التنظيم يستطيع بصعوبة بيع خمس شاحنات صغيرة."

ومن الصعب معرفة حجم الأموال على وجه الدقة التي يحصل عليها تنظيم داعش من بيع النفط. وقال لؤي الخطيب المدير التنفيذي لمعهد العراق للطاقة والذي أجرى بحثا مكثفا عن عمليات تهريب النفط التي يقوم بها تنظيم داعش إن الإيرادات تأرجحت حتى خلال ذروتها في النصف الثاني من 2014 حينما كان التنظيم يحقق "في أفضل أيامه" نحو 700 ألف دولار يوميا من حقول النفط العراقية. وفي مايو أيار قدرت الولايات المتحدة أن إيراداته هبطت بنحو النصف تقريبا إلى 250 مليون دولار سنويا من الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا. ورغم أن المتشددين تكبدوا مزيدا من الخسائر منذ ذلك الحين في العراق إلا أنهم لا يزالوا يسيطرون على عدة حقول نفطية في شرق سوريا حيث لم يحالف المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة النجاح في طردهم.

واستولى تنظيم داعش على حقول نفطية عراقية تبلغ طاقتها الإجمالية نحو 60 ألف برميل يوميا حينما اجتاح مناطق في شمال وغرب البلاد منذ عامين. وحفز ذلك هجمات جوية من تحالف تقوده الولايات المتحدة والذي يستهدف البنية التحتية المالية إضافة إلى المقاتلين والقادة. وفقد التنظيم كميات من الإنتاج لبعض الوقت حينما استولت قوات البشمركة الكردية على حقل عين زالة الواقع في شمال غرب الموصل في أواخر 2014. وقال مسؤولون أمنيون ومستشار بوزارة النفط إن إيرادات داعش هبطت مليون دولار يوميا في شهر أبريل نيسان 2015 بمفرده حينما فقد حقلي عجيل وحمرين بالقرب من مدينة تكريت التي تبعد 150 كيلومترا (95 ميلا) إلى الشمال من بغداد.

وفي الوقت الحاضر تتقدم القوات العراقية صوب الموصل استعدادا لهجوم مخطط له في نهاية العام واقتربت من حقلي القيارة والنجمة على بعد 60 كيلومترا (40 ميلا) إلى الجنوب من المدينة وهو ما خفض عمليات الحقلين بشكل كبير بحسب مسؤولين أمنيين ومحليين. واضطر تنظيم داعش إلى خفض أسعار النفط نظرا للمخاطر التي يتعرض لها المهربون الذين يحاولون جمعه من الهجمات الجوية.

وقال الوكاع "يغري تنظيم داعش التجار المحليين في الموصل بشراء الخام من حقلي القيارة والنجمة من خلال خفض الأسعار من 6000 دولار للشاحنة إلى 2000 دولار فقط." وقال متحدث باسم وزارة النفط إن المتشددين يستخدمون آليات بدائية مثل مضخات ري المياه في استخراج النفط من تلك الحقول. ومعظم حقول النفط العراقية التي تستمد منها الحكومة جميع إيراداتها تقريبا في جنوب البلاد بعيدا عن المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. وكانت مجموعة سونانجول الأنجولية الحكومية للطاقة تدير حقلي القيارة والنجمة حتى انسحبت في 2013 نظرا لارتفاع تكلفة التطوير والمخاوف الأمنية.

وكان حقل القيارة الذي تقدر احتياطياته بنحو 800 مليون برميل ينتج سبعة آلاف برميل يوميا من الخام الثقيل قبل سيطرة داعش عليه وعلى مصفاة قريبة بطاقة 16 ألف برميل يوميا. وتوقفت المصفاة ووحدة أصغر في الكاساك شمال غرب الموصل عن العمل بعد هروب العاملين منهما. واعتاد النجمة وهو حقل ينتج الغاز بشكل رئيسي على إنتاج نحو خمسة آلاف برميل يوميا. واستطاعت القوات العراقية في تقدمها السيطرة على قاعدة القيارة الجوية حيث ستستخدمها في الهجوم على الموصل والذي ربما يبدأ خلال أشهر. وتضمنت المكاسب مناطق قريبة مجاورة لحقلي القيارة والنجمة.

وقال صباح النعمان المتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي الذي قاد التقدم الأخير "دمرنا تقريبا جميع المنشآت وصهاريج التخزين التي يستخدمها تنظيم داعش في تهريب النفط في مناطق قريبة من الموصل. "حصلنا على جميع الإحداثيات من وزارة النفط وتستهدف الهجمات الجوية شاحنات تهريب الخام" مقدرا أن الهجمات ساهمت في خفض التهريب بنسبة 95 في المئة.

وقال مثنى الجبارة وهو مسؤول أمني كبير في محافظة صلاح الدين حيث يوجد حقلا عجيل وحمرين نقلا عن مصادر في مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش إن فقدان الإيرادات النفطية دفع المتشددين إلى خفض الأجور بمقدار الثلث. وأضاف أنهم فرضوا أيضا مزيدا من الضرائب على المزارعين وأصحاب الشاحنات والتجار وزادوا الغرامات على انتهاكات بسيطة لمحظورات دينية مثل التدخين وحلاقة اللحى. بحسب رويترز.

وقال أبو عبد الله وهو صاحب شاحنة من الموصل إن معظم التجار توقفوا عن شراء النفط الخام من تنظيم داعش بعدما دمرت الهجمات الجوية مئات الشاحنات على مدى الستة أشهر السابقة أو نحو ذلك. وقال أبو عبد الله في مكالمة عبر الإنترنت "قتل 100 سائق على الأقل وهم يحاولون تهريب الخام إلى سوريا. يرفض السائقون الذهاب نظرا لأن طريق التهريب بين الموصل وسوريا أصبح مصيدة للموت." وركز التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة استهدافه لشاحنات الصهاريج في العام السابق بعدما كان يحجم في السابق عن شن مثل تلك الهجمات خشية قتل السائقين والذين لا ينتمون بالضرورة للمتشددين. وقال أبو عبد الله إن السائقين حاولوا مراوغة الهجمات الجوية بكتابة "مياه شرب" على الصهاريج لكنهم لم ينجحوا.

مقتل وزير الحرب

في السياق ذاته قالت وكالة أنباء موالية لتنظيم داعش إن أبو عمر الشيشاني الذي وصفته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بأنه "وزير الحرب" في التنظيم قتل في قتال بمدينة الشرقاط العراقية جنوبي الموصل. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قالت في مارس آذار إن الشيشاني قتل على الأرجح في ضربة جوية أمريكية في سوريا لكن هذه هي المرة الأولى التي يؤكد فيها التنظيم مقتله. ولم يتسن التحقق من صحة بيان وكالة أعماق للأنباء التي تستخدمها داعش بانتظام لنشر بياناتها والتي كانت قد نفت مقتل الشيشاني بعد إعلان البنتاجون في مارس آذار.

وتبادل أنصار التنظيم عبارات الثناء والتعازي في مقتل الشيشاني على مواقع التواصل الاجتماعي ونشروا صورا للمقاتل ذي اللحية الطويلة وتعهدوا بشن هجوم جديد تكريما له. وقال مسؤولون في البنتاجون إنهم على دراية بتقرير لكن ليس بوسعهم تأكيده أو نفيه. وقال هشام الهاشمي وهو خبير أمني يقيم في بغداد ويقدم المشورة للحكومة العراقية إن مصدرا بالشرقاط أكد مقتل الشيشاني هناك مع عدد من المقاتلين.

لكن رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يقع مقره في بريطانيا قال إن الشيشاني جرح في مارس آذار وتوفي بعدها بوقت قصير في ريف الرقة. وقال عبد الرحمن إنه حصل على تأكيد من طبيب ذهب لرؤيته. وأبلغ أن تنظيم داعش أرجأ على الأرجح إعلان وفاته حتى إعداد خليفته. وأدرج الشيشاني- الذي يعرف أيضا بعمر الشيشاني- على قائمة أبرز المتشددين المطلوبين لدى الولايات المتحدة التي عرضت ما يصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يقدم معلومات للمساعدة في إبعاده عن ساحة المعارك.

ولد الشيشاني في جورجيا عام 1986 التي كانت وقتها ضمن الاتحاد السوفيتي وعرف عنه أنه مستشار عسكري مقرب من أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم الذي قال أتباعه إنه كان يعتمد بشدة على الشيشاني. وشارك الرجل في العمليات العسكرية ضمن صفوف المتمردين في الشيشان ثم انضم لجيش جورجيا في 2006 ليشارك في القتال ضد القوات الروسية ولكن تم الاستغناء عنه بعد ذلك بعامين لأسباب صحية وفقا لما قاله مسؤولون أمريكيون. بحسب رويترز.

وألقي القبض على الشيشاني في 2010 لحيازته أسلحة وقضى أكثر من عام في السجن قبل أن يغادر جورجيا في 2012 متجها لاسطنبول ومنها إلى سوريا. وقرر الشيشاني الانضمام للتنظيم في العام التالي وبايع البغدادي. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الشيشاني عرف بأنه القائد العسكري للدولة الإسلامية في فيديو وزعه التنظيم في 2014.

هجمات ارهابية

على صعيد متصل اقر مدير عام وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) جون برينان بان تنظيم داعش يحتفظ بقدراته على "شن هجمات ارهابية" في العالم رغم جهود التحالف الدولي ضد الجهاديين. وقال برينان امام لجنة في مجلس الشيوخ الاميركي "للاسف ورغم كل التقدم الذي احرزناه ضد تنظيم داعش في ميدان المعركة وفي المجال المالي، لم تؤد جهودنا الى الحد من قدراته على شن هجمات ارهابية في العالم". بحسب فرانس برس.

واضاف "مع تزايد الضغط" على التنظيم ميدانيا في العراق وسوريا "نعتقد انه سيكثف حملته العالمية" لكي يبقى اقوى منظمة ارهابية. وتابع "نعتقد ان تنظيم داعش يقوم بتدريب" منفذين محتملين لاعتداءات "ويحاول نشرهم لشن هجمات جديدة". وعلى الارض "هناك عدة مؤشرات مهمة تصب في الاتجاه الصحيح" مشيرا الى خسارة التنظيم لاراض في العراق وسوريا. وتابع ان "عددا متزايدا من مقاتلي داعش لم يعد لديه اوهام، وان التنظيم يواجه صعوبات اكثر في استقدام مقاتلين جدد الى صفوفه". وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ايضا ان الجهاديين خسروا ايضا موارد مالية رغم انهم لا يزالون قادرين على الحصول عليها.

من جانب اخر قال مدير المخابرات العسكرية الأمريكية في وقت سابق فنسنت ستيوارت ، إن تنظيم داعش سيزيد من وتيرة هجماته "العابرة للحدود وقدرته الفتاكة"، مشيرا إلى إحداث التنظيم لعدد من "الفروع الناشئة" بمجموعة من الدول بينها تونس. وربط ستيوارت، تحذيره، بتأسيس التنظيم المتشدد "فروعا ناشئة" في مالي وتونس والصومال وبنغلادش وإندونيسيا. وأكد المسؤول الأمريكي "ولن يفاجئني لو وسعوا نطاق" عملياتهم من شبه جزيرة سيناء المصرية إلى مناطق أعمق داخل مصر. وأضاف ستيوارت "في العام الماضي ظلت داعش متحصنة في ساحات المعارك في العراق وسوريا وتمددت على المستوى العالمي إلى ليبيا وسيناء وأفغانستان ونيجيريا والجزائر والسعودية واليمن والقوقاز"، ومضى قائلا "ستزيد داعش على الأرجح من وتيرة هجماتها العابرة للحدود وقدرتها الفتاكة".

اضف تعليق