حرائق العنف في الشرق الأدنى متواصلة على نحو يومي، تزداد توسعا، وفي كل يوم تُضاف رقعة جديدة لها، حرائق مصنوعة بعقول المتطرفين، تزداد انتشار في منطقة الشرق الأدنى، أو الشرق القريب، وهو مصطلح يستخدمه علماء الآثار والجغرافيون والتاريخيون، ويستخدم بدرجة أقل من قبل الصحافة، ليشير إلى منطقة الأناضول (تركيا الحالية)، والهلال الخصيب الذي يقسم بدوره إلى بلاد الشام وتقسم إلى الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين وإسرائيل، وبلاد ما بين النهرين وهي العراق وشرق سوريا حالياً، ومصر.
ثمة سؤال يُطرح بشكل يومي على المعنيين، من صنع هذه الحرائق اليومية التي تأكل الشرق الأدنى؟؟ الجواب موجات التطرف وسياسة التسلط والجشع. سؤال آخر يتولّد عن الأول: ومن صنع التطرف، ومن ينتهج سياسة الاستحواذ والتسلط وفرض الهيمنة على الآخرين، في محاولات فاشلة لاستعادة الأمجاد الميتة؟.
الجواب هناك قادة لا يفكرون سوى بأنفسهم ومصالحهم وعروشهم، ولا تعنيهم حقوق الشعوب والدول الأخرى، بل لا تعنيهم حقوق شعوبهم عندما يتعلق الأمر بالسلطة، مثل هؤلاء القادة يتواجدون في بعض دول الشرق، وهؤلاء ديدنهم المصالح الشخصية، وليحترق العالم كله بعدهم، حتى ينطبق عليهم البيت الشعري القائل: (اذا متُّ ظمآنا فلا نزل القطرُ)، هكذا هي درجة أنانيتهم، فلا يهمهم سوى أنفسهم في عالم السياسة.
في الشرق الأدنى، هناك مشكلة تتفاقم على نحو مضطرد من دون أن يعير لها القادة السياسيون اي اهتمام، فشبكة المصالح المتداخلة أعمت بصائر وأبصار هؤلاء القادة، وباتت سياسة الجشع والاستحواذ سائدة في منطقة الشرق الادنى، فحكومات دول هذه المنطقة باتت أما تابعة أو متبوعة، وقلما تجد نظاما سياسيا أو دولة في المنطقة لم تتورط بشبكة علاقات سياسية اقتصادية قائمة على المصلحة غير السويّة، وحماية السلطة بغض النظر عن الأساليب المستخدمة لانجاز هذا الهدف، فالمهم هنا ليس اعتماد المواثيق الدولية ولا حقوق الانسان، ولا مراعاة الجانب الانساني في العلاقات المتبادلة بين الدول.
وانما المهم كيف تصنع جدارا وسورا آخر يحمي العرش من السقوط، والأنكى من ذلك، نزعة التوسع التي تسيدت حكام دول المنطقة، ورغبة بعض حكامها باستعادة أمجادهم التليدة، وكأنهم يحاولون استنهاض الأموات من قبورهم!، متناسين أن المجد يكمن في مرضاة الله اولا، وتطبيق المنهج الانساني في التعامل مع الآخرين.
تمويل الجماعات المتطرفة
الأنظمة السياسية في دول الشرق الأدنى، تبدو منشغلة بالتحالفات الثنائية او الثلاثية فما فوق، وقد ابتدع هؤلاء سياسات الردع، او التدخل في ضرب دول اخرى لها سيادتها، بحجة منع وصول الاضطرابات إليها، فعلى سبيل المثال كان القادرة الاتراك يكررون في تصريحاتهم حول تدخلاتهم في شؤون الدول ومنها العراق، بأنها تسعى للقضاء على الجماعات المتطرفة، ولكنها في الحقيقة لم تبذل جهدا كافيا في هذا المجال، الأمر الذي أعاد العنف الى أراضيها، فضربتها سلسلة من التفجيرات متواصلة، وكل اعداء الدولة التركية يتبنون هذه التفجيرات، كما حدث أمس الثلاثاء من تفجيرات انتحارية في مطار اتاتورك بمدينة استطنبول.
وقبل ذلك تعرضت تركيا الى سلسلة من التفجيرات المماثلة، والسبب كما هو واضح، حالة ارتداد العنف الى الداخل التركي، يحدث السيناريو نفسه في دول اخرى من الشرق الادني كما هو الحال في السعودية، فهذه الدولة المدججة بترسانة من الاسلحة المختلفة، تصل الى آلاف المليارات من الدولارات، تنتهج سياسة قريبة من سياسة تركيا، فهي غير معنية بنشر السلام في المنطقة الاقليمية بقدر اهتمامها بالمحافظة على مصالحها، ليس مصالح المملكة او الدولة، وانما مصالح النظام السياسي وحماية العرش، ولهذا لم يظهر النظام السياسي بوادر حقيقية لمكافحة التطرف، بل يذهب مراقبون الى أن كثيرا من الاضطرابات في دول المنطقة كان للسعودية يد فيها، من حيث التوجيه والتخطيط والتمويل بحسب مصادر مختلفة.
بالنتيجة انتعش التطرف، وتزايدت موجات التعصب، وانتعش عمل الجماعات التكفيرية، لاسيما الفكر الوهابي الذي انتج بعض التنظيمات الارهابية المتطرفة كالقاعدة وداعش وسواها من المنظمات المتشددة مثل بوكو حرام او حركة الشباب في الصومال، ان هذا الانتعاش الحاصل في موجات التطرف والارهاب ما هو إلا نتيجة طبيعية، لسياسات انظمة قوية تسيطر على شؤون دول وشعوب الشرق الادنى، حتى مصر البعيدة نسبيا لم تسلم من موجة الارهاب، كما حدث ذلك في جزيرة سيناء، وشرم الشيخ السياحية التي تأثرت كثيرا بوقف الرحلات السياحية لها بعد اسقاط الطائرات المدنية بعبوات ناسفة وعمليات ارهابية تحمل بصمات الجماعات المتطرفة.
كثيرون يتساءلون، لماذا تتم صناعة العنف في هذه المنطقة، الجواب ورد في بعض ما ذكرناه سابقا، فالأنظمة التي لا تتعامل وفق المواثيق الدولية والانسانية، وتجعل من حماية سلطتها الهدف الأسمى، هي التي تتسبب في توليد جماعات متطرفة، تنتعش افكارها التكفيرية، ويتولد عنها ارهابيون مستعدون لنشر الخراب ليس في الشرق الادنى وحه، بل بلغ الامر حدود الدول التي غضّت الطرف عن نشاطات الجماعات الارهابية، فاحترقت بالنيران التي أسهمت في صناعتها بصورة غير مباشرة.
هل يمكن صنع الاستقرار في المنطقة؟
يتكرر ثل هذا السؤال في الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي يتم عقدها بخصوص مكافحة الحرائق الارهابية التي تجتاح دول العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا وسواها من دول المنطقة، فما حدث من تفجيرات انتحارية في مطار اسطنبول لا يمكن فصلها عن سياسة غض الطرف عن الارهاب وجماعات التعصب والتطرف والتخريب، كانت الدول القوية او التي تشعر بأنها انظمة قوية في الشرق الادنى، تعتقد أنها في منأى عن موجات وحرائق الارهاب، ولكن عندما باتت النار على أعتاب ابوابها، ثم اقتحم عمقها في الداخل، اصبح الامر ذا خطورة لا يمكن الصمت ازاءها.
ولهذا ظهرت تصريحات من قادة سياسيين تمثل ردود فعل عن هذه التفجيرات، ولكنها لا تضع الاصبع على الجرح، فما فائدة التصريحات اذا لم تتخذ هذه الانظمة السياسية خطوات اجرائية حازمة لوقف جماعات الارهاب والتكفير عند حدها، ثم لماذا التدخل في شؤون دول اخرى كانت مستقرة ولم يقربها الخراب ولا حرائق الارهاب، وبعد هذا كله، ما هي السياسة العملية التي اتخذتها دول المنطقة لمحاصرة مجاميع الارهاب، ومحاصرة افكارهم والقضاء عليها، وقطع سبل التمويل التي تصل إليها.
ان صناعة شرق أدنى مستقر، وخلق اجواء مستقرة في هذه الدول، حتى الدول القوية منها، تحتاج الى جملة من الخطوات الفعلية للحد من موجات التطرف، ووقف الارهابيين عند حدودهم وتجفيف مصادر تنمية افكارهم ومناهجهم ونشرها بين الشباب حيث صناعة التطرف تزدهر في دول هذه المنطقة من دون اتخاذ الاجراءات اللازمة لمكافحتها.
عندما يكون هناك منهج عمل واضح، وخريطة طريق يمشي عليها القادة السياسيون في المنطقة، تقودهم الى وأد التعصب والتكفير وارباب العنف، عند ذاك سوف تظهر نتائج مغايرة على السطح في منطقة الشرق الادنى، وسوف تكون تركيا في منأى عن التفجيرات وتكون السعودية اكثر امنا، وتعود سوريا الى سابق عهدها، ويستقر العراق ويرتاح من موجات الارهاب وتستقر مصر وليبيا والمنطقة كلها، يتم هذا بالتخطيط والعمل وتوافق السياسات واعطاء تنازلات كبيرة لصالح بناء شرق ادنى مستقر خال من حرائق الارهاب.
اضف تعليق