أصبح التطرف اليوم في ظل انتشار الحركات الإرهابية بمختلف أنواعها وتوجهاتها، من أهم واخطر المشكلات التي تهدد الأمن واستقرار العالمي بشكل عام، خصوصا بعد ان سعت بعض التنظيمات الدينية المتطرفة الى توسيع نشاطها الإرهابي، من خلال استغلال الشعارات الدينية المزيفة والعمل على ترويجها بهدف جذب وإقناع اكبر عدد من الأنصار، يضاف الى ذلك الاستفادة من بعض الأحداث والأزمات والتوترات المهمة، التي أعطت تلك التنظيمات قوة اكبر كما يقول بعض الخبراء، الذين أكدوا أيضا على ان التنظيمات المتطرفة سعت أيضا الى اعتماد الحرب التكنولوجية الحديثة لترويج أفكارها المبنية على العنف والتعصب وهو ما قد يسهم بتعقيد الأمور.
والتطرف بحسب بعض المصادر، هو مصطلح يُستخدم للدلالة على كل ما يناقض الاعتدال، زيادة أو نقصاناً. ونظراً لنسبية حد الاعتدال، وتباينه من مجتمع لآخر وفقاً لقيم وثقافة وعادات كل منها، فقد تعددت مفاهيم التطرف إلى حد جعل من الصعوبة بمكان تحديد أطرها. ومع ذلك حاول بعض الباحثين التوصل إلى تعريفات لمفهوم التطرف منها انه، الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبني قيم ومعايير مخالفة لها. اوهو اتخاذ الفرد (أو الجماعة)، موقفاً متشدداً إزاء فكر (أو أيديولوجيا أو قضية) قائم، أو يحاول أن يجد له مكان، في بيئة هذا الفرد أو الجماعة. وقد يكون التطرف إيجابياً يتمثل بالقبول التام لهذا الفكر (الأيديولوجيا، القضية)، أو سلبياً يتمثل بالرفض التام له، ويقع حد الاعتدال في منتصف المسافة بين القبول والرفض.
وفي كلا الحالتين يعتبر اللجوء إلى العنف (بشكل فردي أو جماعي) من قبل الجهة المتطرفة بهدف فرض قيمها ومعاييرها، أو بهدف إحداث تغيير في قيم ومعايير المجتمع الذي تنتمي إليه وفرض الرأي بالقوة، هو أحد أشكال الإرهاب، والإرهاب المنظم. ويبدوا أن القول بأن التطرف هو أحد أوسع الأبواب التي تؤدي إلى الإرهاب يحتمل الكثير من الواقعية خاصة بعد أن ثبت أن 95% من حالات الإرهاب، والإرهاب المنظم، التي اجتاحت العالم العربي خلال الخمسين عاماً الماضية كانت نتاجاً للتطرف.
التطرف الديني
في هذا الشأن اظهر استطلاع للرأي أجراه معهد زغبي في واشنطن، ان غالبية الشبان العرب ترفض التطرف الديني، ويعتبرون ان المنظمات الجهادية كتنظيم داعش وتنظيم القاعدة، تشوه صورة الاسلام. وأجرى المعهد الاستطلاع في وقت سابق، على عينة من خمسة آلاف و374 شابا عربيا بين 14 و35 من العمر. وشمل الاستطلاع المغرب، مصر، السعودية، الامارات، الكويت، الاردن، البحرين، والاراضي الفلسطينية.
ورأى اكثر من 80 بالمئة من الذين تم استطلاعهم في المغرب والامارات ومصر، ان اعمال التنظيمات المتطرفة تمثل "تحريفا كاملا لتعاليم الاسلام". وبلغت النسبة 45% في الكويت، 57% في السعودية، و61% في الاردن. في المقابل، رأى اخرون ان هذه الاعمال لا تمثل تحريفا للدين. وبلغت نسبة هؤلاء 15 بالمئة في الاراضي الفلسطينية، و13 بالمئة في الاردن، وعشرة بالمئة في السعودية.
كما اعتبر اخرون شملهم الاستطلاع ان التنظيمات الجهادية "تطرح احيانا قضايا نتفق معها". وبلغت نسبة هؤلاء في الكويت 39 بالمئة، 28 بالمئة في السعودية، 21 بالمئة في البحرين، و17 بالمئة في الاراضي الفلسطينية. وردا على سؤال عن الاسباب التي تدفع أفرادا من الجيل الشباب للانضمام الى التنظيمات المتطرفة، حمّل بعض هؤلاء المسؤولية لـ "الحكومات الفاسدة والقمعية وغير التمثيلية". وبلغت نسبة هؤلاء 69 بالمئة في الامارات، 50 بالمئة في المغرب، 38 بالمئة في مصر، 37 بالمئة في الاردن، و36 بالمئة في السعودية.
واعتبر آخرون ان مسؤولية انضمام الشبان للتنظيمات تقع على عاتق "الاحتلال الاجنبي للاراضي العربية"، وهم 46 بالمئة في الاراضي الفلسطينية، و33 بالمئة في البحرين، و30 بالمئة في السعودية. واعرب معظم الذين شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم بان الدين يؤدي دورا مهما في مستقبل بلادهم، لا سيما في الكويت (93 بالمئة)، مصر (90 بالمئة)، الامارات (89 بالمئة)، السعودية (88 بالمئة)، الاراضي الفلسطينية (86 بالمئة)، المغرب (77 بالمئة)، الاردن (75 بالمئة)، البحرين (63 بالمئة). بحسب فرانس برس.
وقدمت نتائج الاستطلاع الذي اجراه معهد زغبي لصالح "مؤسسة طابة" التي تتخذ من ابو ظبي مقرا لها، في العاصمة الاماراتية. وقال رئيس المعهد جيمس زغبي انه بالنسبة الى الشبان العرب "ليس الدين هو ما يجدر اصلاحه (...) بل الخطاب" الديني. وبحسب احصاءات المؤسسة، يشكل الشبان العرب ما دون الرابعة والثلاثين من العمر، ما نسبته 53 بالمئة من مجمل عدد السكان. ويأتي الاستطلاع في وقت يتنامى نفوذ التنظيمات الجهادية التي باتت تسيطر على مناطق في دول عربية عدة لا سيما سوريا والعراق وليبيا واليمن، مستفيدة من الاوضاع التي تلت اندلاع احتجاجات شعبية ضد الانظمة الحاكمة في العام 2011، وقد تحول بعضها لنزاعات دامية.
السعودية
الى جانب ذلك يبدو المركز الجديد للابحاث حول الفكر الوهابي الذي سيتم افتتاحه قرب الرياض ترسيخا لمنهج اسلامي يعتبر غير متسامح او قابل للتغير ولا يتمتع باي ليونة. والمركز المبني من الحجر الجيري وتضيئ معظمه جسور زجاجية مغلقة، جزء من مشاريع ضخمة للتطوير برعاية الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. والمركز تكريم للشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية في القرن الثامن عشر والذي شارك في تأسيس الدولة السعودية.
ويشكل المركز دلالة واضحة على ان ارثه الفكري لا يزال محوريا في السعودية رغم عقيدته الصارمة والاتهامات بأنه يغذي تطرف السنة في جميع انحاء العالم، بما في ذلك تنظيم داعش. وفي المركز مقاه واشجار نخيل تزينها اضواء. ويقع المشروع في الدرعية، مسقط رأس آل سعود السلالة الحاكمة، ويشمل منطقة الطريف التي ادرجتها منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) على لائحة التراث العالمي.
وقال عبد الله الركبان مدير اللجنة العليا لتطوير الدرعية ان للمركز "قيمة تاريخية كبيرة جدا بالنسبة للحكومة وبالنسبة لنا". ويملك سلمان بن عبد العزيز اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، قصرا يطل على المنازل الطينية لأجداده التي تخضع حاليا لإعادة تأهيل. وفي الدرعية تأسست الشراكة بين عبد الوهاب وزعيم محلي آنذاك هو الامام محمد بن سعود، ما اسفر عن وضع الاسس التي قامت عليها مملكة اليوم واعتمادها على تعاليم رجل دين خطها قبل 270 عاما.
وفي العام 2000 ولدت فكرة المشروع الذي سيتم الانتهاء منه بحلول اواخر العام المقبل. وقد بدا المشروع بتجديد منطقة الطريف، واستعادة مجتمعها القديم كواحة كما ان بناء مساحات خضراء امر مهم في قلب شبه الجزيرة العربية. وسيكون هناك خمسة متاحف صغيرة تصور كيف كانت الحياة ابان الدولة السعودية الاولى التي استمرت بين العامين 1744 و 1818 عندما اطاحها تحالف تركي مصري.
واضاف الركبان بينما كان يداعب سبحة صلاة زرقاء اللون في مكتبه "نحاول الحفاظ على بيئة الدرعية من حيث الطبيعة والالوان والهندسة المعمارية الاصلية". ورغم ان الطريف في صلب المشروع البالغة قيمته 750 مليون ريال (200 مليون دولار)، فان مركز الابحاث المجاور يجسد تكريم الشيخ محمد عبد بن الوهاب كمشارك مؤسس للدولة وكشف "الحقيقة حول تراثه الفكري"، بحسب الركبان.
وفي المركز مكتبة تتضمن كتبا ووثائق حول تعاليمه، ستكون متاحة للبحوث فضلا عن الوسائط المتعددة في "قاعة تذكارية" توضح الحركة الدينية التي استوحاها. وفي وسط المجمع، تجسيد حديث للمكان الذي كان يصلي فيه الشيخ. واضاف الركبان ان "وسائل الاعلام تحاول القول لا، لقد حاول ان يقتل، ويخوض الحروب اعتقد ان هذا ليس صحيح". ودعا عبد الوهاب الى "التوحيد" ما يعني منع التبرك بأضرحة الاولياء والكائنات الحية، وتنفيذ الشريعة بشكل صارم.
واعتبر عبد الوهاب ان مذهبه يشكل عودة الى الاسلام كما مارسه الجيل الاول من المسلمين. وقد منح الاتفاق مع ال سعود الشرعية الدينية للحكام من الاسرة المالكة التي تطبق في المقابل نسخة صارمة للشريعة حددها الشيخ. وما تزال الشراكة مستمرة حتى يومنا هذا، مع احكام الاسرة المالكة قبضتها على الحياة السياسية في حين يواصل رجال الدين المتزمتين الوعظ حول سلوكيات صارمة تجعل من السعودية اكثر البلدان تشددا في العالم.
ويحظر على النساء قيادة السيارات وليس هناك اختلاط بين الجنسين، كما ان دور السينما والكحول ممنوعة، في حين يتهم الوعظ المتشدد المرتبط بالفكر الوهابي بالهام المتطرفين من أسامة بن لادن الى تنظيم داعش. لكن عرفان العلوي المدير المشارك لمؤسسة "ابحاث التراث الاسلامي" ومقرها مكة المكرمة، يرى ان تكريم عبد الوهاب والحفاظ على الدرعية هو "نفاق" في الوقت الذي "تجري فيه ازالة التراث الاسلامي" في اماكن اخرى في المملكة. واضاف متسائلا "اذا كنت تريد تكريم رجل دين متطرف فلماذا لا تكرم النبي؟".
وتابع علوي وهو مؤيد بارز للتعددية في الاسلام، انه تماشيا مع تعاليم عبد الوهاب ضد الاوثان، فان السلطات لم تبذل اي جهد للحفاظ على المواقع المرتبطة بالنبي محمد في مكة المكرمة والمدينة المنورة. واكد اختفاء عدد من هذه المواقع التراثية خلال عملية التوسيع في الحرمين المكي والنبوي. وعلوي بين القائلين ان الوهابية تشكل مصدر الهام لتنظيم داعش. وقال في هذا الصدد "هناك اولا الفكر الوهابي ومن ثم ما تفرع عنه من افكار اصبحت اكثر تشددا".
الا ان استاذ العلوم السياسية في جامعة باريس ستيفان لاكروا يقول ان "السعودية ليست داعش" مشددا على ان عبد الوهاب ترك السياسة للسياسيين. واضاف ان "السلطة السياسية تضع عددا من القيود على السلطة الدينية تؤدي نوعا ما الى الحد من التطرف" مشيرا الى ان بعض الشبان "لا يشعرون بانهم وهابيون على الاطلاق" في ظل التغييرات والتأثيرات الحديثة في المجتمع. وفي نيسان/ابريل، افتتح الملك سلمان جزءا من المشروع يتضمن حدائق ومطاعم في البجيري التي تطل على انقاض الطريف. وفي احدى الليالي، جلست نساء على المقاعد في حين كانت الاسر تدفع عربات الاطفال عبر الساحة المركزية. بحسب فرانس برس.
وقال طارق المعيصب (24 عاما) الذي بدا وظيفة في احد المصارف قبل شهر انه وزميله عبد الله الخيال (23 عاما) يريدان استكشاف أنقاض الطريف لمعرفة "كيف عاش أجدادنا" على النقيض من "نمط الحياة الغربية" الخاصة بهما. واثناء مغادرة مقهى في الهواء الطلق، اتجه لالتقاط صور لمسجد عبد الوهاب قائلا "لقد مارس تأثير هائلا على هذا البلد".
المغرب
أصدر ملك المغرب محمد السادس السبت تعليمات للحكومة تنص على "ضرورة" مراجعة مناهج وبرامج تدريس التربية الدينية، في مختلف مستويات التعليم المغربي، بغرض تكريس التسامح والاعتدال، وذلك عقب دعوات حذرت من "الثقافة الدينية التكفيرية"، حسب بيان رسمي. وجاءت التعليمات الجديدة، حسب بيان صادر عن القصر الملكي، عقب اجتماع وزاري ترأسه الملك في مدينة العيون كبرى محافظات الصحراء الغربية، حيث قدمت أمامه "الرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030".
وأصدر الملك تعليماته لكل من وزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، "بضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق". وأوضح البيان أن المراجعة ستتم "في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية".
وأضاف المصدر نفسه أن الملك "شدد على أن ترتكز هذه البرامج والمناهج التعليمية على القيم الأصيلة للشعب المغربي، وعلى عاداته وتقاليده العريقة، القائمة على التشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد مكوناتها، وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر". وجاءت تعليمات الملك بعد عدد من الدعوات القديمة والجديدة التي حذرت من أن طريقة تدريس التربية الدينية في المدارس المغربية قد تؤدي إلى "نزوعات متطرفة" و"تشجع على الإرهاب" في بلد لديه أكثر من 1500 مقاتل في صفوف تنظيم داعش، وفكك أكثر من 150 خلية منذ سنة 2002. بحسب فرانس برس.
وكانت آخر هذه الدعوات رسالة صادرة عن جمعية "بيت الحكمة" التي تضم عددا من المثقفين والنشطاء، دعت فيها إلى ضرورة إنشاء "المعهد الوطني لتاريخ الديانات"، وتشجيع البحث الأكاديمي والعلمي المرتبط بالأديان المقارنة. كما دعت الجمعية إلى "تنقيح مقررات التربية الإسلامية من كل المواد والمضامين التي من شأنها تغذية التأويلات والقراءات الخاطئة للدين الإسلامي أو للديانات الأخرى وإعادة الاعتبار لدرس الفلسفة والعلوم الإنسانية وإيلائه العناية اللازمة بالانتصار لقيم التنوير، والعقلانية". وعبرت الجمعية عن تخوفها من اتساع المساحات التي أصبح يحتلها "الفكر الإرهابي، والثقافة الدينية التكفيرية أمام الفشل الذي تعلنه المنظومات التربوية والتعليمية، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، والثقافية، والإعلامية".
باكستان
في السياق ذاته اقدم صبي باكستاني (15 عاما) على قطع يده اعتقادا منه انه كافر، بحسب ما صرحت الشرطة وقال قائد الشرطة المحلية نوشير احمد ان امام احد المساجد قال امام المصلين ان من يحبون النبي محمد يواظبون على تأدية الصلاة، وبعد ذلك سال الحضور من منهم توقف عن اداء الصلاة. ورفع الصبي محمد انور يده خطأ لأنه لم يسمع السؤال بالشكل الصحيح. وسارع الحضور الى اتهامه بالكفر، ولذلك توجه الى المنزل وقطع اليد التي رفعها ووضعها على طبق وقدمها للامام، بحسب ما افاد قائد الجيش.
ووقع الحادث في قرية في منطقة هوجرة شاه مقيم على بعد نحو 125 كلم جنوب لاهور، عاصمة البنجاب قبل ايام بحسب قائد الشرطة. واضاف انه شاهد تسجيل فيديو ظهر فيه اهالي القرية وهم يحيون الصبي في الشارع بعد ان اعرب والداه عن اعتزازهم به. واشار الى انه لم يتم تقديم اية شكوى ولذلك فلن يتم فتح تحقيق بشانها. يعتبر الكفر مسالة حساسة جدا في باكستان البالغ عدد سكانها نحو 200 مليون نسمة.
من جانب اخر وحين ارتكب مسلحو حركة طالبان باكستان مجزرة راح ضحيتها 150 شخصا معظمهم من الاطفال في بيشاور آخر العام الماضي، شعر الرسامان مصطفى حسنين وغوهار أفتاب ان ساعة انطلاقهما في مواجهة العنف والتشدد قد حانت. وسبق ان عمل الرسامان في مشروع مشترك كان الهدف منه التوعية حول الفساد الذي تنهش الاقتصاد الضعيف لهذا البلد البالغ عدد سكانه 200 مليون نسمة. ثم اتت مجزرة بيشاور، اكثر الهجمات دموية في تاريخ البلاد، فشكلت صدمة لهما ودافعا للانطلاق في مشروع جديد للقصص المصورة.
وبدأ الرسامان البحث عن الوسائل التي يمكن ان تحصن المجتمع بوجه التشدد الاعمى، وليس الاكتفاء بالتحركات التضامنية مع الضحايا وعائلاتهم والتي تكتفي بذرف الدموع والتعبير عن المشاعر، دون ان يكون لها اي اثر في مواجهة العنف. وكان مصطفى حسنين، الذي درس فنون الرسم والتصميم المعلوماتي في بريطانيا، اسس في العام 2013 شركة خاصة باسم "كرييتيف فروتييرز" (حدود خلاقة)، ويعمل فيها اليوم نحو عشرين شخصا، من كتاب وفنانين وتقنيين، ومقرها في مدينة لاهور، العاصمة الثقافية شرق باكستان.
ويقول مصطفى "ان اعتداء بيشاور كان لحظة تحول، التقيت غوهار وقلت له: علينا ان نفعل شيئا في مواجهة ما يجري". وكانت النتيجة كتابا من القصص المصورة بعنوان "الحراس"، وهو يروي قصة مجموعة من الاصدقاء في الجامعة، يقلقهم ابتعاد صديق لهم عنهم، وانتسابه الى جماعة دينية متشددة تعلن ان اهدافها اجتماعية، ولكن يشتبه في ان لها اهدافا اخرى قاتمة.
وبدأ الرسامان بتوزيع 15 الف نسخة من كتاب القصص المصورة هذا الواقع في ثلاثة اجزاء مجانا على المكتبات في ولاية البنجاب، وسيكون متوفرا ايضا على تطبيق لاجهزة الهاتف الذكي. ويقول غوهار ان انزلاق بعض الشباب في ما يعتبرونه حربا على اعداء الاسلام ليس امرا يسمع عنه في الاعلام فحسب، بل انه هو نفسه كاد ان ينزلق في هذا الامر في صغره.
فحين كان في الثالثة عشرة من عمره، وقع تحت تأثير استاذ في المدرسة، كاد يقنعه بترك الدراسة والذهاب لقتال القوات الهندية في كشمير، المتنازع عليها بين البلدين منذ العام 1947. لكن عائلته تدخلت في اللحظات الاخيرة وانقذته من هذا التوجه. واتاحت له تلك التجربة التي لم تكتمل، معرفة دقيقة بالوسائل المعتدة لاقناع الشباب بأفكار متشددة او عنيفة. ويقول "يدفعون الشاب الى التخلي عن الايمان الذي يعرفونه، والى اعتناق شكل جديد من الدين يتهم البعض بانهم اعداء للاسلام ويصورهم على انهم شياطين، ويعظم فكرة الشهادة في عقول الشباب". بحسب فرانس برس.
وكتبت القصص المصورة باللغة الانكليزية وترجمها الى لغة الاوردو كاتب السيناريو ذائع الصيت اسلام امجد. ويأمل أفتاب ان ينخرط المزيد من الكتاب والفنانين في هذا التوجه، رغم التهديدات التي قد تطالهم من الاسلاميين المتشددين، وان يظهروا "الروح المسالمة" للاسلام التي اكتشفها اول مرة بعد ان انتزع من يد استاذه المتشدد. ويقول "يجب ان نظهر انه من الممكن ان يكون المرء مؤمنا وغير عنيف، علينا ان نواجه هؤلاء المتشددين الذين غيروا وجه ديننا".
فرنسا
من جانب اخر يثير الفيلم الوثائقي "سلفيون"، الذي يتحدث عن الإسلام المتشدد والتنظيمات الجهادية، جدلا كبيرا في فرنسا بسبب تضمنه مشاهد من عمليات إرهابية، ما أدى إلى توصية السلطات بمنعه عن الأشخاص دون 18 عاما. ففي وقت سابق، أوصت لجنة تصنيف الأعمال بالمركز السينمائي الفرنسي منع الفيلم الوثائقي "سلفيون" عن الأشخاص دون 18 عاما في قاعات السينما. والسبب أن هذا الفيلم، من إخراج الصحافي الموريتاني لمين ولد سالم والفرنسي فرانسوا مارغولين، يتضمن خطابات متشددة لزعماء ومنظري تنظيمات جهادية في عدة بلدان بينها تونس وموريتانيا وسوريا والعراق.
وقالت اللجنة إن الفيلم "يشيد بالإرهاب" وإنه "يمس بكرامة البشر"، لتضمنه مشاهد عنيفة ملتقطة من عمليات إرهابية بينها اغتيال الشرطي الفرنسي أحمد مرابط خلال الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة في 7 كانون الثاني/يناير 2015. ويعرب من تحدث إليهم المخرجان في هذا الفيلم الوثائقي الذي يستمر 70 دقيقة، والذي كان من المقرر أن يصل إلى دور العرض السينمائية في 27 كانون الثاني/يناير، عن موقفهم من مفاهيم "الإرهاب" و"الجهاد" و"التشدد" بحرية تامة وبشكل مباشر، أي دون أي تعليق. كما أنهم يتحدثون ويبررون محاكم الشريعة المطبقة في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه التنظيمات. بحسب فرانس برس.
وقال فرانسوا مارغولين إن الفيلم "سيموت قطعا" في حال تم منعه عن الأشخاص دون 18 عاما. وأضاف "أردنا إظهار الخطاب السلفي دون تحريف، أي من خلال إعطاء الكلمة لأصحابه ومؤيديه، فالفكر السلفي حقيقة وليس مجرد عمل عصبة من ذئاب منعزلة". وبانتظار القرار النهائي بشأن عرض هذا الفيلم الوثائقي في قاعات السينما، يستمر الجدل في فرنسا بين مؤيد ومعارض، فيما يأمل المخرجان إتاحة الفرصة للجميع لمشاهدة الفيلم والتعليق عليه كما يشاؤون.
اضف تعليق