التطورات الأخيرة في نيجيريا التي تعيش حالة من عدم الاستقرار الامني بسبب عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية واتساع دائرة العنف والتطرف وتفشي الفساد، الامر الذي اسهم بتفاقم المشكلات في هذا البلد الافريقي المهم الذي يسكنه وبحسب بعض المصادر اكثر من 140 مليون نسمة يدينون بالإسلام والمسيحية بالتساوي، هذه التطورات التي اتت على خلفية تزايد الهجمات والاعتداءات ضد الاقلية الشيعية وكما يرى بعض المراقبين اصبحت محط اهتمام متزايد، خصوصا وان العديد من التقارير تشير الى تورط الحكومة النيجيرية بانتهاكات وجرائم كبيرة بحق المدنيين يضاف اليها الاستهداف المستمر من قبل حركة بوكو حرام المتطرفة.
حيث ادانت الكثير من المنظمات الحقوقية والانسانية المجزرة الوحشية التي قام به الجيش النيجيري ضد المسلمين الشيعة في البلاد في12 ديسمبر 2015 التي أدت إلى مقتل وجرح واعتقال المئات من الابرياء، ودعت في الوقت ذاته على اجراء تحقيق دولي خاص في هذه الجريمة والكشف عن ملابساتها، خصوصا وان القوات الحكومية النيجيرية قد ارتكبت في العام مجزة بحق الشيعة في مسيرة خاصة، أسفرت عن مقتل العشرات من المشاركين. ويرى بعض الخبراء ان هذه الاعتداءات هي دليل واضح على اجرام الحكومة وهو ما قد يسهم بتوسيع دائرة العنف، مؤكدين في الوقت ذاته على وجود مخططات خارجية ومشروع كبير لمحاربة وقمع الشيعة في العالم. ولا توجد احصائية رسمية حول عدد الشيعة في نيجيريا، ولكن يقدر عدد الذين شاركوا في مسيرة وعزاء عاشوراء العام الماضي بنحو 4 ملايين شخص، كما أن الذين شاركوا في احتفالية مولد النبوي الشريف في العام الماضي نحو 10 ملايين شخص.
وقد شهدت مدينة كانو شمالي نيجيريا تظاهرة حاشدة احتجاجا على الاعتداءات الوحشية والمجزرة التي ارتكبها الجيش النيجيري وراح ضحيتها المئات في مدينة زاريا. وندد المتظاهرون بالوحشية والاستخدام المفرط للقوة من قبل الجيش. كما شهدت العاصمة البريطانية لندن وقفة احتجاجية أمام السفارة النيجيرية تنديداً باعتداءات الجيشِ النيجيري على المدنيين في مدينة زاريا.
مجزرة وانتقادات
في هذا الشأن لم تعلن السلطات النيجيرية اي حصيلة رسمية للقتلى الذين سقطوا في الاشتباكات بين قواتها وانصار "حركة نيجيريا الاسلامية" الشيعية في مدينة زاريا، الا ان دلائل تشير الى مقتل ما قد يصل الى 600 شخص. ويعد هذا عددا كبيرا حتى في هذه المنطقة التي قتل فيها 17 الف شخص في التمرد الذي تنفذه جماعة بوكو حرام الاسلامية منذ العام 2009.
وقالت الحركة الاسلامية الشيعية ان أكثر من 700 من اتباعها ما زالوا في عداد المفقودين بعد أكثر من شهر على المعارك العنيفة مع الجيش في معقلها في زاريا في شمال البلاد. وأعلن المتحدث باسم الحركة الإسلامية في نيجيريا ابراهيم موسى في بيان أنه "وفقا لقائمتنا، هناك نحو 730 شخصا، من الرجال والنساء، ما زالوا في عداد المفقودين منذ 12 كانون الأول/ديسمبر 2015". وأضاف "هؤلاء المفقودون إما قتلوا بيد الجيش أو اعتقلوا سرا".
واكد مصدر طبي في المستشفى التعليمي التابعة لجامعة احمدو بيلو والتي نقل اليها معظم الضحايا، مقتل عدد كبير من الاشخاص. وصرح المصدر طالبا عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول للحديث عن هذه المسالة أحصيت ما يصل الى 400 جثة في المشرحة، وتوقفت بعد ذلك عن العد".
وقال مراسل محلي قام بتغطية احداث العنف "كانت هناك اكثر من 300 جثة ملقاة في الشارع القريب من منزل (زعيم الحركة الشيخ ابراهيم) الزكزكي ". واضاف "عندما استدعينا المدير الطبي للمستشفى التعليمي، قال لنا ان 300 جثة وصلت الى المستشفى قبل ان ينتهي من عمله، وربما ارتفع هذا العدد بعد ان غادر المستشفى". وقال المسؤولان ان الجنود اخذوا جميع الجثث يوم الاثنين 14 كانون الاول/ديسمبر.
وتعتقد منظمة "هيومان رايتس ووتش" ان "300 شخص على الاقل" قتلوا في زاريا، فيما تقدر منظمة العفو الدولية هذا العدد ب"المئات". ودعت المنظمتان الى اجراء تحقيقات كاملة. الا ان القيادة العليا للجيش النيجيري التي تواجه باستمرار اتهامات بارتكاب انتهاكات حقوقية ضد المدنيين في النزاع مع بوكو حرام، وصفت تلك المزاعم بان "لا اساس لها". وقالت لوسي فريمان من "منظمة العفو الدولية" ان "تجاوز الجنود للقانون بكل الاشكال" ليس امرا مستغربا. وتابعت ان "ذلك جزء من نمط مشاكل الاستخدام المفرط للقوة وانتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها الجيش النيجيري".
وقالت الباحثة موسي سيغون المتخصصة في في شؤون نيجيريا في المنظمة ذاتها ان رد فعل القوات يثير مزيدا من القلق نظرا لان الرئيس محمدو بخاري، وهو ضابط سابق، تعهد باصلاح الجيش. وقالت "ان مستوى هذه الانتهاكات التي قد يكون الجيش قام بها مروع". واضافت "لا يوجد تحرك واضح من جهة الحكومة لمعالجة هذا الوضع سريعا وطمأنة النيجيريين الى ان بخاري هو قائد ديموقراطي كما يزعم، وان هذه ليست دكتاتورية عسكرية".
واندلع العنف في 12 كانون الاول/ديسمبر عندما نصب الشيعة حاجزا مؤقتا على طريق خلال مرور موكب ديني ما ادى الى اغلاق الطريق امام موكب قائد الجيش النيجري. واتهم الجيش النيجيري الحركة ب"محاولة مقصودة لاغتيال" قائد الجيش توكور بوراتاي، وهو ما نفته الحركة لاحقا.ونشر صورا لحشد يلقي الحجارة على الموكب العسكري.
وعلى اثر ذلك، دمر الجيش منزل زعيم الحركة الشيعية الشيخ الزكزكي في حي غيليسو في زاريا اضافة الى الحسينية التابعة للحركة. وقتل نائب الزكزكي وثلاثة من انجاله، بحسب المتحدث باسم الحركة، اضافة الى مسؤول الامن في الحركة. واصيب الزكزكي بعيارات نارية عدة قبل ان يتم اعتقاله. وذكر مراسل اخر ان فتيانا تجولوا بين جثث القتلى تحت نظر الجنود وسرقوا الاموال والهواتف النقالة وغيرها من المقتنيات الثمينة التي كانت في جيوب القتلى. واختبأ السكان داخل منازلهم اثناء الاشتباكات التي استمرت طوال الليل.
وصرح احد سكان غيليسو "كان الجنود يطلقون النار، وكان الشيعة يلقون عليهم الحجارة والقنابل الحارقة". واضاف "اشك في ان ايا من الشيعة تمكن من الفرار". وانسحب الجنود بعد اكثر من اسبوعين من الاشتباكات، الا انه يعتقد ان رجال الامن بملابس مدنية لا زالوا منتشرين في المنطقة. ولا يزال الناس يخشون الحديث علنا عن تلك الاشتباكات. ودارت اشتباكات في السابق بين حركة الزكزكي والسلطات النيجيرية بسبب مساعي الحركة الى اقامة دولة اسلامية من خلال القيام بثورة على غرار الثورة الاسلامية في ايران. وسجن الزكزكي مرات عدة بتهم التحريض والتخريب. بحسب فرانس برس.
الا انه يخشى من ان تؤدي هذه المواجهات الى دفع الحركة الشيعية الى شن حملة اكثر عنفا تشابه تمرد حركة بوكو حرام الاسلامية. وقالت فريمان من منظمة العفو الدولية "اعتقد ان ما شاهدناه مرارا في نيجيريا هو ان العمل خارج اطار القانون لا يساعد في (حل) الوضع بل يجعله اسوأ". وقال صحافي محلي آخر ان الجنود اخبروه خلال زيارة قائد الجيش بوراتاي انهم سيعتقلون الزكزكي "حيا ام ميتا". وقال انه مع احتدام العنف خلال الليل اتصل بالمتحدث باسم الحركة الاسلامية لاطلاعه على المستجدات، فطلب منه هذا الاخير الاتصال به لاحقا عندما يصل الى منزل الزكزكي. واضاف "عندما اتصلت بهاتفه النقال في وقت لاحق، اجابني صوت غريب وقال لي لقد قتلنا صاحب الهاتف، فادركت على الفور ان المتحدث هو احد الجنود".
هجوم غير مبرر
على صعيد متصل قالت منظمة هيومان رايتس ووتش ان مئات المسلمين الشيعة قتلوا برصاص الجنود النيجيريين ودفنوا في مقابر جماعية في هجوم "غير مبرر". وذكرت المنظمة الحقوقية من مقرها في نيويورك في بيان ان الجنود النيجيريين قتلوا "300 على الاقل" من عناصر "الحركة الاسلامية النيجيرية" في وقت سابق من كانون الاول/ديسمبر عندما اطلقوا النار "دون اي استفزاز".
وذكر شهود عيان ان الجنود تخلصوا من مئات الجثث برميها في مقابر جماعية، ما يجعل من الصعب معرفة حصيلة محددة لعدد القتلى، بحسب المنظمة. وقال دانيال بيكيلي مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في افريقيا "من شبه المستحيل ان نفهم كيف يمكن ان يبرر قيام عدد من الشباب الغاضبين باغلاق طريق الى قتل مئات الاشخاص". واضاف "ان اقل ما يمكن ان يوصف به ذلك هو انه رد فعل مفرط ووحشي، واكثر ما يمكن ان يقال انه هجوم مدبر على الاقلية الشيعية".
الا ان الجيش النيجري رفض تهم المنظمة. وصرح ساني عثمان المتحدث باسم الجيش النيجري "الاتهامات ليست صحيحة (..) وبالتالي فان توجيه اية اتهامات او اصدار اية تعليقات غير مؤكدة هو امر افتراضي وخارج عن السياق". واضاف انه "تم رفع الحادث بين الجيش النيجيري والحركة الاسلامية النيجيرية الى الجهات المختصة للتحقيق في الامر". وشكلت الحكومة النيجيرية لجنة قضائية للتحقيق في عملية القتل. بحسب فرانس برس.
واتهم الجيش النيجيري الحركة ب"المحاولة المقصودة لاغتيال" قائد الجيش توكور بوراتاي، ونشر صورا لحشد يلقي الحجارة على الموكب العسكري. وتاتي هذه الاتهامات وسط مخاوف من ان تثير الاشتباكات العنيفة بين الشيعة والجيش النيجيري تهديدا اسلاميا جديدا في البلد الذي لا يزال يقاتل مسلحي جماعة بوكو حرام المسلحة المتشددة.
ونفى قائد الجيش النيجيري الجنرال يوسف توكور بوراتاي ارتكاب تجاوزات خلال الهجوم د. وقال الجنرال بوراتاي ان ضباطه وجنوده "اتبعوا قواعد الاشتباك وادوا المهمة تبعا لتعليمات قادتهم" خلال الادلاء بمعلومات للجنة الوطنية لحقوق الانسان التي تحقق في هجوم بدأ في 12 كانون الاول/ديسمبر على مقر الحركة الشيعية في زاريا، في شمال نيجيريا. وقال للجنة الوطنية لحقوق الانسان ان الجنود "يحترمون حقوق الانسان" وانهم اقسموا على حماية الحياة البشرية معتبرا انه من غير العادل انتقاد الجيش الذي انما يقوم بعمله في تنفيذ القانون وارساء النظام.
من جانبها احتجت ايران رسميا لدى نيجيريا على هجوم شنه الجيش ضد شيعة في زاريا (شمال) كما افادت وكالة الانباء الايرانية الرسمية. واستدعت طهران القائم بالاعمال النيجيري الى مقر الخارجية الايرانية التي طالبت السلطات النيجيرية "بشكل جاد بتحديد ابعاد الحادث ومعالجة الجرحى وتعويض الخسائر والاضرار في اسرع وقت ممكن" كما اوردت الوكالة.
من جانب اخر افادت الوكالة ان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف اتصل بنظيره النيجيري جيفري اونياما لكي يطلب منه ان تتحرك حكومته "فورا وبشكل جدي لتجنب العنف" ضد الشيعة في نيجيريا. وتجمع العشرات امام سفارة نيجيريا في طهران للاحتجاج على "مجزرة بحق الشيعة" فيما نظمت تظاهرة اخرى ضمت مئات الطلاب في احدى جامعات العاصمة كما افادت السلطات. ويعد شمال نيجيريا غالبية مسلمة سنية. ويشكل الشيعة فيه اقلية صغيرة وغالبا ما يتعرضون لهجمات من جماعة بوكو حرام الاسلامية.
تفجير انتحاري
على صعيد متصل استهدف تفجير انتحاري موكبا للمسلمين الشيعة قرب مدينة كانو شمال نيجيريا، وأوقع 21 قتيلا على الأقل حسب منظمي الموكب. ووقع الهجوم في قرية داكاسوي التي تبعد نحو 20 كلم جنوب كانو خلال موكب لاتباع حركة نيجيريا الإسلامية الشيعية. وقال محمد توري الذي كان يقود الآلاف من كانو إلى زاريا في ولاية كادونا المجاورة للصحافيين من موقع التفجير "تعرض موكبنا لهجوم انتحاري (..) فقدنا 21 شخصا، وأصيب العديد بجروح".
وتابع "نحن لسنا متفاجئين من تعرضنا لهجوم، لأن هذا هو الوضع في جميع أنحاء البلاد". وأكد أن ذلك "لن يوقفنا عن ممارسة شعائرنا الدينية. وحتى لو قتلنا جميعا في تفجير، فإن آخر شخص يبقى سيؤدي هذا الواجب". وصرح مراسل فراس برس في داكاسوي أن الطريق تلطخ بالدماء، لكن المشاركين في الموكب تابعوا مسيرهم. وكان معظمهم يرتدون ملابس سوداء ويحملون رايات وصور للأمام الحسين حفيد النبي محمد، وكان يحيط بهم حراس الأمن.
وأوضح أحد المنظمين طالبا التحفظ على هويته، أن الانتحاري اقتحم الحشد قبل أن يتم رصده، وفجر نفسه. وتابع "كان يرتدي ملابس سوداء مثل الجميع. واعتقل مساعده واعترف بأن جماعة بوكو حرام أرسلتهما". وأشار إلى أنهم "من الشباب الذين اختطفتهم بوكو حرام في مدينة موبي في ولاية بورنو العام الماضي واقتيدوا إلى غابة سامبيسا حيث خضعوا للتدريب العسكري". وقال "تم إرسالهم إلى كانو قبل 11 يوما بهدف تنفيذ هذا الهجوم" مضيفا أن الانتحاري فجر نفسه بعد أن أدرك أن مساعده اعتقل.
اضف تعليق