q

يرى الكثير من الخبراء ان نفوذ تنظيم داعش في أفغانستان أصبح حقيقة لا يمكن إخفائها، خصوصا وان العديد من التقارير والوقائع أشارت الى ان التنظيم قد استفاد كثيرا من الانقسامات والخلافات الأخيرة تعيشها حركة طالبان والتي تفاقمت بشكل كبير بعد إعلان وفاة الزعيم الروحي لحركة الملا "عمر" وهو ما دفع بعدد كبير من عناصر الحركة إلى الانضمام لتنظيم "داعش" الإرهابي الذي يسعى الى بسط نفوذه في المنطقة، التي تعيش اليوم حربا جديدة بين حركة طالبان وتنظيم داعش.

وقد كشف تقرير لجنة "القاعدة وطالبان" التابعة للأمم المتحدة كما تنقل بعض المصادر، أن عدد المنضوين تحت لواء والمبايعين للتنظيم يزداد في عدة ولايات أفغانية. وجاء في التقرير نقلا عن مصادر حكومية أفغانية أن هناك على ما يبدو توسع كبير لتنظيم "داعش"، موضحا أن المجموعات المرتبطة بالتنظيم تنشط في 25 ولاية بأفغانستان من أصل 34. ومعظم المنضمين الجدد هم أفراد تم تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضهم على خلاف مع القيادة المركزية لحركة "طالبان" أو يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن حركة طالبان "التقليدية".

وأشار التقرير أيضا إلى أن بين المنضمين أنصار لتنظيم "القاعدة" و"عدد قليل" من غير الأفغان قدموا مباشرة من العراق وسوريا، ويشكلون حسب حكومة كابل النواة الصلبة لتنظيم "داعش" في هذا البلد. وحسب تقديرات قوات الأمن الأفغانية، فإن حوالي 10% من أعضاء حركة "طالبان" النشطين يؤيدون داعش ، لكنه رقم غير ثابت نظرا لتغير التحالفات على الأرض. وحكومة كابل لطالما نفت في تصريحاتها الرسمية، نفوذ تنظيم "داعش" في أفغانستان، لكن هذه التطمينات لا تتوافق مع التقارير الاستخباراتية التي تؤكد منذ وقت مضى تزايد نفوذ "داعش"، علما بأن مندوب أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة، حذر من ازدياد عدد المسلحين الأجانب في بلاده والذي يصل إلى 7 آلاف.

تزايد نفوذ داعش

وفي هذا الشأن قال شهود ومسؤولون إن مقاتلين موالين لتنظيم داعش سيطروا على مساحات واسعة في أفغانستان للمرة الأولى إذ انتزعوا مناطق في الشرق من حركة طالبان مما يمثل تهديدا جديدا للاستقرار. وقال شهود فروا من القتال في إقليم ننكرهار إن مئات المقاتلين الذين بايعوا داعش طردوا طالبان وأحرقوا حقول الخشخاش التي تساعد في تمويل حملة طالبان للإطاحة بالحكومة الأفغانية.

ونشر مقاتلو داعش أيضا توجيهات قالوا إنها صادرة عن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي لكن لم يتضح إن كان قد اختص بها أفغانستان تحديدا أم أنها تعليمات سابقة ربما خضعت للترجمة. وقال حاجي عبدول جان وهو شيخ قبيلة في منطقة أتشين إن أنصار الدولة الإسلامية "جاءوا في شاحنات بيضاء كثيرة عليها مدافع كبيرة وقاتلوا طالبان. لم تقدر طالبان على المقاومة وفرت." وقال جان الذي شهد القتال قبل أن يفر إلى مدينة جلال اباد عاصمة الإقليم إن بعض السكان رحبوا بالوافدين الجدد.

وأضاف إن مقاتلي التنظيم"على النقيض من طالبان لا يجبرون القرويين على توفير الطعام والسكن لهم بل لديهم الكثير من الأموال في جيوبهم ينفقونها على الغذاء وجذب الشبان إليهم." ومثل هذه الروايات هي أوضح مؤشر حتى الآن على أن المتعاطفين مع داعش يمثلون خطرا متزايدا باستثناء بعض الانشقاقات القليلة بين قيادات متدنية المستوى في طالبان وبعض الهجمات المتفرقة.

وقال شهود إن عشرات المقاتلين الأجانب يرافقون أنصار داعش الذين هم في معظمهم مقاتلون سابقون في طالبان أحبطهم فشل الحركة في العودة إلى السلطة في كابول. ويرتفع علم داعش في بعض المناطق ويخطب مقاتلون أجانب في المساجد عبر مترجمين. ولم تعرف هوية المقاتلين غير الأفغان في التنظيم. ويختبئ مئات المتشددين من مناطق متفرقة من العالم على الحدود الأفغانية الباكستانية.

وقال مسؤولون محليون إن المقاتلين الموالين لداعش انتزعوا من طالبان السيطرة على أراض في ستة أحياء على الأقل من أحياء ننكرهار الأحد والعشرين. وقال أحمد علي هازرات رئيس مجلس الإقليم وحاجي هازرات عضو برلمان ننكرهار إن الأحياء الستة هي كوت وأتشين وديه بالا ونازيان ورودات وتشابرهار. وقال نعمان عطيفي المتحدث باسم الجيش المحلي إن التنظيم المتشدد أصبح له وجود في "سبع أو ثماني" مناطق. وذكروا أن المعارك بين المتشددين المتنافسين تدور في منطقتي خوجياني وباتشير أجام.

وتسيطر الحكومة المركزية على الأغلبية العظمى من أراضي أفغانستان لكن الأحداث في ننكرهار تحمل نذر شؤم للقوات الأمنية التي تحارب لاحتواء تمرد طالبان بعد أن انسحبت معظم قوات حلف شمال الأطلسي قبل ستة أشهر. وأبدى أنصار داعش شراسة إذ ذبحوا العديد من قادة طالبان. ويؤكد نجاح التنظيم في السيطرة على مناطق في العراق وسوريا على الخطر الذي يمثله في أفغانستان.

ويتشكك مسؤولو الحكومة وقوة التدريب التي تقودها الولايات المتحدة في قدرة داعش على اكتساب موطئ قدم كبير في أفغانستان نظرا لعدم ثبوت وجود صلات مباشرة بالشرق الأوسط كما أن طالبان لا تزال هي القوة المهيمنة. لكن أنصار التنظيم المتشدد في ننكرهار يوصفون بأنهم يتمتعون بتنظيم وتمويل جيد. وتحت ظلال جدار طيني في مخيم مؤقت للاجئين في سرخ ديوال خارج مدينة جلال اباد سرد نحو 30 رجلا روايات عن مقاتلي داعش. وتعتبر المناطق التي جاءوا منها من الخطورة بحيث يتعذر على الصحفيين دخولها.

وقال عبد الولي وهو لاجئ من أتشين في العشرينات من العمر إنه استمع عبر مترجمين إلى خطب ألقاها مقاتلون أجانب بالعربية في مساجد محلية. وأضاف "يحدثونهم عن الإسلام وما يجب فعله وما ينبغي اجتنابه." وقال حاجي عبد الحكيم وهو شيخ قبيلة في منطقة كوت إن مقاتلي التنظيم المتشدد وزعوا أيضا منشورات "لتحذير الناس من جرائم كثيرة". وقيل إن خطابا مهربا من منطقة باتشير أجام صادر عن البغدادي.

واعترفت حركة طالبان بفقدان أراض في ننكرهار ولكنها قالت إن منافسيها ليسوا مقاتلين في داعش. وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان "إنهم لصوص وبلطجية... سنطهر قريبا هذه المناطق ونحرر سكان القرى." وحكمت طالبان أفغانستان من منتصف التسعينات وحتى عام 2001 عندما ساعدت حملة قادتها الولايات المتحدة على الإطاحة بها من السلطة.

وذكر شهود أن مقاتلي تنظيم داعش أسسوا في ننكرهار نظاما أكثر صرامة من نظام طالبان التي قال مالك جان -وهو زعيم قبلي فر من سبينجهار التي تأثرت بالقتال أيضا- إنها رغم صرامتها خففت من طريقتها في الحكم لكسب تأييد شعبي. وقال جان إن مقاتلي داعش "حرقوا حقول الخشخاش في قرية شادال ومنعوا المتاجر من بيع السجائر." وتجارة الأفيون وتحصيل رسوم على منتجات الخشخاش من مصادر الدخل الرئيسية لطالبان.

وبدا أن الموالين للتنظيم في ننكرهار لديهم مصادر دخل أخرى. وتحدث عدد من الناس عما بحوزتهم من مال وفير وسمع البعض أنهم يبيعون ذهبا وهو أمر غير معتاد في المنطقة. ولم يتضح من أين يأتي المال. ورغم أنه ليست هناك أدلة تذكر على وجود صلات مباشرة بين التنظيم في الشرق الأوسط والمقاتلين الذين يحاربون تحت لوائه في أفغانستان يشعر مسؤولون في كابول بالقلق من احتمال تدفق المال والأفراد مما سينقل الحرب إلى مستوى جديد.

وقال الكولونيل برايان تريبوس المتحدث باسم قوة المعاونة الأمنية الدولية بقيادة حلف شمال الأطلسي إن قوة المعاونة تعتبر أن التقارير التي تتحدث عن تدفق المزيد من المال إلى أفرع تنظيم داعش "مبالغ فيها". وأضاف أن الحلف "لم ير أي مؤشر" على أن التنظيم طرد تماما طالبان من أجزاء في ننكرهار وقال إن أي مقاتلين أجانب هم على الأرجح جهاديون عالميون موجودون في المنطقة وليسوا وافدين جددا.

وأكدت قوات حكومية في ننكرهار اندلاع اشتباكات بين طالبان وأجنحة تنظيم داعش إلا أن المتحدث العسكري عطيفي قال إنهم لا يستهدفون مقاتلي التنظيم. وقال مالك إسلام رئيس بلدية منطقة أجين أيضا إن القوات الأفغانية لا تواجه مقاتلي داعش الذين قال إنهم "في كل مكان تقريبا في المنطقة" مضيفا أن القوات تستهدف طالبان. وتابع أن مقاتلي داعش "لم يهاجمونا ونحن أيضا لم نشتبك معهم." بحسب رويترز.

ولكن وزير الداخلية نور الحق علومي قال إن الشرطة اشتبكت مع المتشددين. وقال في بيان "نفذنا بضع عمليات تطهير في مناطق في ننكرهار وسنواصل ذلك حتى نحول دون سيطرة أي جماعة إرهابية على أراض." وقال مايكل كوجلمان المختص بشؤون جنوب آسيا في مركز وودرو ويلسون الدولي في واشنطن إنه بالرغم من أن معظم المتشددين الأفغان ما زالوا موالين لطالبان فإن أساليب تنظيم داعش الأكثر وحشية تجد صدى لدى بعض المقاتلين الشبان. وإضافة المال لتلك الأساليب قد تزيد من جاذبية التنظيم. وقال "بالنسبة لبعض المتطرفين ممن يسهل التأثير عليهم قد تكون مظاهر البذخ نقطة جذب مثلها مثل الوحشية."

طالبان وتمدد داعش

الى جانب ذلك حذر متمردو طالبان الافغان زعيم تنظيم داعش من اي محاولة للتمدد في بلادهم، بعد اشتباكات في الشرق بين مقاتليهم واخرين يقولون انهم ينتمون الى داعش. وكتب محمد منصور، مساعد زعيم متمردي طالبان، "يجب خوض الجهاد ضد الاميركيين وحلفائهم تحت راية واحدة"، معلنا ان حركته تتصدر "المقاومة" ضد القوات الغربية وحلفائها في افغانستان.

وهذه الرسالة للملا منصور الذي كان وزيرا اثناء حكم طالبان في كابول (1996-2001)، موجهة مباشرة الى العراقي ابو بكر البغدادي، زعيم داعش. وقال منصور في هذه الرسالة المكتوبة بالدارية (الفارسية الافغانية) والباشتونية، اللغتين الرسميتين في افغانسنان، وبالعربية والاوردية (اللغة المعتمدة في باكستان)، "اذا اتخذتم قرارات عن بعد، فستخسرون تأييد العلماء والمجاهدين والانصار". واضاف ان "الامارة الاسلامية في افغانستان (الاسم الذي تطلقه طالبان على نفسها) ستضطر للتحرك من اجل الدفاع عن هذه المكتسبات"، لكنه لم يكشف طبيعة رد الفعل هذا. بحسب فرانس برس.

وبذلك تعرب طالبان التي اطاحتها البلدان الغربية عن الحكم في 2001، وتخوض منذ ذلك الحين مقاومة مسلحة ضد حكومة كابول وحلفائها الاجانب، عن قلقها على ما يبدو من احتمال تصدير الصراع المسلح لتنظيم داعش الى افغانستان، وترفض مسبقا اي تشتيت للانتفاضة الافغانية. واكد المتطرفون السنة في تنظيم داعش عزمهم مرارا على توسيع "خلافتهم" المعلنة من جانب واحد الى خارج الاراضي التي يبسطون سيطرتهم عليها في العراق وسوريا. وفي المقابل، لا تنوي حركة طالبان القيام بأي خطوة لتوسيع رقعة عملياتها، بل تقصر هجماتها على افغانستان، حيث تركز على اهداف "اجنبية" وعلى الحكومة والجيش والشرطة الافغانية. وغالبا ما تؤدي هذه الهجمات الى سقوط ضحايا بين المدنيين ايضا.

من جانبه أصدر تنظيم داعش تسجيلا صوتيا نسبه لزعيم التنظيم في أفغانستان مما أثار الشكوك حول حقيقة مقتله في هجوم شنته طائرة أمريكية بلا طيار. وأعلنت وكالة المخابرات الأفغانية أن الباكستاني حافظ سعيد قتل في منطقة أتشين في اقليم ننكرهار. وسقطت أتشين في يد تنظيم داعش الشهر الماضي بعد اشتباكات عنيفة مع حركة طالبان. وحول سعيد ولاءه العام الماضي من طالبان إلى داعش في أفغانستان ورفع راية التنظيم معلنا قيام ولاية خراسان في أفغانستان وباكستان.

وتستهدف الطائرات الأمريكية بدون طيار أعضاء داعش مما أسفر عن مقتل ثلاثة من قياديي التنظيم المتشدد في المنطقة ذاتها خلال أسبوع بينهم شهيد الله شهيد وجول زمان. وقال الصوت في التسجيل بلغة البشتو المحلية إن هدف التنظيم المتشدد هو تطبيق الشريعة الإسلامية. وقال "نحن مستعدون للتضحية بقرانا وبيوتنا."

دعوات أوربية

في السياق ذاته دعا الموفد الخاص للاتحاد الاوروبي في افغانستان فرانز-مايكل ملبين، وبحسب الشرق الأوسط إلى وقف تقدم تنظيم "داعش" المتطرف "بسرعة" في هذا البلد وعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت في سوريا. وكتب ملبين في مقال نشرته صحيفة "داي فيلت" الالمانية "تنظيم داعش ما زال لا يمثل تهديدا استراتيجيا (في افغانستان)؛ ولكنه يسهم في تعقيد الوضع السياسي لأنه يؤثر على موقف الحكومة والمتمردين ازاء عملية السلام ولهذا ينبغي وقفه وبسرعة".

وأضاف الدبلوماسي الدنماركي "في سوريا أسأنا تقدير قوة تنظيم داعش" الذي أعلن اقامة "خلافة" على جزء من العراق وسوريا، ولكن "في افغانستان، لا زال بامكاننا أن نقوم بما ينبغي بشكل صحيح" مع تصاعد القلق داخل قوات التحالف والحكومة في كابول من الاهداف التوسعية لتنظيم داعش في افغانستان حيث تحارب الحكومة طالبان منذ 2001". ونفذ التنظيم الذي يزداد نفوذه بشكل خاص على حساب طالبان أول هجوم على الشرطة الافغانية في ننغرهار في شرق البلاد إدى إلى مقتل شرطيين.

وقال ملبين "نحتاج لوضع استراتيجية على الفور لتفادي الكلفة المرتفعة التي سيكون لا مفر منها إذا استمر التنظيم في التوسع والنمو"، مذكرًا بأنّ التنظيم "اجتاح مساحات في ننغرهار وقتل بطريقة وحشية زعماء عشائريين وقاتل إلى جانب طالبان وأسر عائلات بأسرها وفرض قيودا قاسية على النساء". مضيفًا "أنّ الخطر الأكبر هو أنّ يستوعب التنظيم عناصر طالبان الرافضين للخلافات الداخلية للجماعة أو الرافضين لعملية السلام لأنهم يفضلون مواصلة الجهاد الذي يدر عليهم قدرا أكبر من المال".

من جهة أخرى قالت الشرطة الأفغانية أن ما لا يقل عن 100 عنصر من مقاتلي تنظيم "داعش،" قتلوا بعد قيامهم بشن هجوم على نقطة أمنية في منطقة نانغارهار. وبين حسين مشريقيوال المتحدث باسم الشرطة الأفغانية أن تبادلا كثيفا لإطلاق النار وقع بين قوات الأمن وعناصر التنظيم الذين هاجموا النقطة الأمنية. وقال حاكم إقليم أشين حاجي غالب، إنها المرة الأولى التي يشن فيها مقاتلو "داعش" هجمات منسقة على الشرطة في ولاية ننغرهار، وأكد هذه المعطيات كذلك الناطق باسم حاكم الولاية أحمد ضياء عبد الزاي.

وتعد ننغرهار من الولايات الأكثر اضطرابا في أفغانستان، حيث يتمركز متمردو "طالبان" فيها بشكل كبير، وينافسهم مسلحو "داعش" في السيطرة على الأرض. كما يثير تنامي نفوذ "داعش" قلق الإدارة الأمريكية، في وقت قررت فيه واشنطن سحب أغلب قواتها من أفغانستان البالغ عددهم 9000 بحلول نهاية عام 2016، وكان مسؤول كبير في وزارة الخارجية أكد أن الإدارة تراقب عن كثب تقدم التنظيم على الأرض في البلاد.

اضف تعليق