شكل صعود تنظيم داعش السريع في سوريا، (عام 2013)، والعراق، (عام 2014)، صدمة لدى الكثير من الخبراء والمتابعين، والدول الكبرى التي تحارب هذه الارهاب العالمي، سيما بعد ان خلط التنظيم كل الاوراق المتوقعة لصعود التنظيمات المتطرفة الاكثر شهرة وتوسعا، في كلا البلدين، وقد كانت هذه "الصدمة"، احد عناصر قوة "داعش"، التنظيم المغمور الذي استطاع خلال اشهر قليلة، ان يتحول الى اهم التنظيمات الارهابية على مستوى العالم، متفوقا بذلك على التنظيم الام (القاعدة)، فضلا عن اقتطاعه لمساحات كبيرة من الاراضي السورية والعراقية، (بما يفوق مساحة بريطانيا)، وضمها الى "الخلافة الاسلامية"، التي اعلن عنها في وقت لاحق.
التناقضات التي مرت بها نشأت التنظيم، كانت سببا في صعوده السريع، ولعل الجزء الاكبر من الخطأ يقع على عاتق "المجتمع الدولي"، الذي وفر البيئة المناسبة لمجمل تلك التناقضات، والتي كان اهمها:
- الازمة السورية والعجز عن ايجاد الحل المناسب لها، حتى بعد مرور خمس سنوات من عمرها، اذ ما زال المجتمع الدولي يعاني الخمول من اي تحركات جادة قد تفضي الى حلول واقعية، ما سهل البيئة الخصبة للتنظيم في ايجاد ارض "الجهاد" او "الخلافة"، والعمل منها للتمدد نحو الشرق والغرب.
- غياب اي استراتيجية عسكرية واضحة يمكن اعتمادها امام تمدد مسلحي التنظيم في العراق وسوريا، اضافة الى كسب المزيد من الموالين في ليبيا واليمن ومصر والخليج...الخ، ولم تكن هناك رؤية موحدة للمجتمع الدولي حيال ذلك، ومما زاد الامور تعقيدا، ما جاء به الرئيس الامريكي "اوباما" من افكار اوجدت "التحالف الدولي"، الذي تعرض بدوره للكثير من الانتقادات والتجريح.
- اهمال الوضع الامني المرتبك في العراق، وربط هذه القضية بالخلافات السياسية والضغوط التي مورست من اجلها، مع علم الجميع ان القوات الامنية والجيش العراقي وقدرته التسليحية والدفاعية، كانت ضعيفة للغاية... هذا الامر سهل كثير بسط تنظيم داعش سيطرته على مدينة الموصل والرمادي وغيرها من مدن العراق، بعد حزيران من عام 2014.
- الخلافات الكبيرة التي فرقت الحلفاء فيما بينهم بخصوص تفاصيل ومصالح ابعدت وجهات النظر، وحولت سوريا والعراق الى ساحة للمشاحنات والحروب بالوكالة، بدلا من تقديم المساعدات القصوى لتلك البلدان والتوحد لمنع تمدد عدوى داعش الى ابعد من نقطة انطلاقها، وهذا ما حدث فعلا، بعد ان وصل خطرها الى اوربا والولايات المتحدة الامريكية.
مثال بسيط
من الامثلة البسيطة، التي يمكن ذكرها في سياق تناقضات "المجتمع الدولي"، ما جرى من تغير في الموقف التركي تجاه محاربة تنظيم داعش، وكيف تحولت حكومة "حزب العدالة والتنمية" الى اشد اعداء التنظيم بين ليلة وضحها...
هذا الموقف وتغيره، طبعا يخضع لتقييم المصلحة والصراعات الثانوية مع النظام السوري والجماعات الكردية المتمردة ضد تركيا، فضلا عن الخلافات التي كرست صراعا خفيا بين تركيا والولايات المتحدة الامريكية بشأن سوريا والعراق.
يمكن ان يقاس هذا المثال على غيرها من الدول الخليجية والشرق اوسطية، التي انتهجت سبل مختلفة لكنها اعطت ذات النتيجة... وهي غلبة المصالح الضيقة التي ولدت المزيد من التناقضات ليستفيد منها تنظيم داعش.
اضف تعليق