يرى بعض الخبراء ان هناك تطورات جديدة ربما قد تطرأ على الساحة الأفغانية بعد الإعلان الرسمي عن وفاة ملا عمر الزعيم الروحي لجماعة طالبان الأفغانية المتشددة، التي لاتزال تواصل هجماتها القتالية ضد القوات العسكرية والمؤسسات الحكومية في العديد من المناطق أفغانستان، في سبيل توسيع نفوذها او الحصول على تنازلات ومكاسب جديدة قد تفيد الحركة، فرحيل ملا عمر بعد قيادة الحركة لمدة 20 عامًا وكما يقول بعض المراقبين، ربما قد يزيد الخلافات داخل حركة طالبان بشأن خلافته، خصوصا وان الحركة تعاني من انقسام بين قادتها الكبار فيما يتعلق ببعض الأمور والقرارات أهمها الصراع كبير على السلطة داخل طالبان و محادثات السلام مع كابول لإنهاء الحرب الدائرة منذ 13 عاما، وهو ما أكده احد القادة حين قال "نحن اليوم في مفترق طرق وسيستغرق الأمر وقتا لحل هذه المسألة (المتعلقة بالقيادة)." وأضاف أن هناك مجموعة داخل الحركة تريد تنصيب أحد أبناء عمر قائدا للحركة فيما تفضل مجموعة أخرى أن يتولى القائد السياسي أختر محمد منصور المسؤولية وهو من المعسكر المؤيد لمحادثات السلام.
وأصدرت حركة طالبان أفغانستان بيانا أكدت فيه وفاة زعيمها الملا محمد عمر "بسبب المرض". وأوضحت طالبان أن قيادتها وعائلة الملا عمر تعلنان وفاة مؤسس وزعيم (طالبان) نتيجة المرض". ولم يشر البيان إلى تاريخ وفاة الملا عمر لكنه قال إن "صحته تدهورت في الأسبوعين الأخيرين"، مما يعني أن وفاته لا تعود إلى نيسان/أبريل 2013 كما ذكرت السلطات الأفغانية التي قالت إنه توفي في مستشفى في كراتشي، بل إلى وقت أقرب. وتابع النص إن الملا محمد عمر الذي لم يظهر علنا منذ 2001 "بقي في البلاد (أفغانستان) في السنوات الـ 14 الأخيرة (...) ولم يمض أي يوم في باكستان أو أي بلد آخر".
وأصدرت حركة طالبان الأفغانية ايضا لقطات نادرة من أحد اجتماعاتها، تظهر فيها المئات من أعضاء طالبان وهم يعلنون عن ولائهم للزعيم الجديد الملا أخطر منصور. ورفضت عائلة زعيم حركة طالبان المتوفى، الملا عمر، إعلان البيعة لخليفته، مطالبة علماء الدين بالتوسط لحل الخلاف المتزايد داخل صفوف الحركة بشأن انتقال السلطة.
ويتوقع بعض الخبراء ان حركة طالبان في طريقها للتفكك والانهيار، هو ما قد يساعد في بروز تنظيمات وحركات أخرى أهماها تنظيم داعش، خصوصا مع وجود القيادات الموالية لهذا الفكر و بعض المعارضين للزعيم الجديد ممن سيسعون الى الانتقام، وهو ما قد يسهم بخلق حرب جديدة داخل أفغانستان وباقي الدول المجاورة يضاف الى ذلك انها ستسهم بانهيار عملية السلام التي يعول عليه الكثير.
حرب واستهداف
وفيما يخص اخر الأخبار والتطورات المتعلقة بحركة طالبان فقد اعلنت وزارة الدفاع الافغانية ان زعيما افغانيا اعلن موالاته لتنظيم داعش قتل في غارة جوية نفذتها القوات الافغانية في جنوب البلاد. وحافظ وحيد كان خليفة وابن اخ الملا عبد الرؤوف خادم الذي قتل ايضا في غارة لقوات الحلف الاطلسي في مطلع شباط/فبراير، بحسب الوزارة. واوضحت الوزارة في بيان انه "قتل في غارة جوية للقوات الافغانية في منطقة سانجين بولاية هلمند مع تسعة من رجاله، بينما اصيب ستة اخرون بجروح".
وصرح زامن علي قائد قوات ولاية هلمند مؤكدا الوفاة "كان حافظ وحيد يتزعم مجموعة تابعة لتنظيم داعش في هلمند منذ مقتل عبد الرؤوف خادم". واشار علي الى غارة للقوات الاميركية الا ان الحلف الاطلسي نفى اي غارات على هلمند. واكد متحدث باسم الجيش في هلمند يدعى رسول زازاي مقتل حافظ وحيد، مشيرا الى انه كان ناشطا في عدة احياء من سانجين المضطربة في الولاية التي تشهد نشاطا مكثفا لحركة طالبان.
وكان عبد الرؤوف خدام اعلن ولاءه للتنظيم مما اثار مخاوف من تزايد عدد الموالين للتنظيم في افغانستان. الا ان التنظيم لم يؤكد ان لديه اتباعا في افغانستان او في هذه المنطقة من البلد. وكان قرابة عشرة قياديين سابقين من حركتي طالبان افغانستان وباكستان اعلنوا في الاشهر الماضية ولاءهم لتنظيم داعش وزعيمها ابو بكر البغدادي. وبدات القوات الافغانية التي باتت منذ انسحاب غالبية قوات الحلف الاطلسي من البلاد في اواخر كانون الاول/ديسمبر في خط المواجهة مع طالبان، حملة واسعة النطاق ضد معاقل المتمردين في الجنوب، لا تزال جارية حتى الان.
الى جانب ذلك أعلن الجيش الباكستاني مقتل 2793 متمردا من طالبان منذ بدء عملية عسكرية واسعة النطاق قرب الحدود الافغانية قبل عام، في حين أسفرت غارات جوية عن مقتل عشرين آخرين ضمن هذا الإطار. وقال المتحدث باسم الجيش الميجور جنرال عاصم باجوا في تغريدة إن الحملة التي انطلقت قبل عام أدت "حتى الآن إلى مقتل 2763 إرهابيا وتدمير 837 مخبأ". وتابع أن "218 إرهابيا متشددا" على الأقل قتلوا فيما سقط 347 ضابطا وجنديا في المواجهات. وأضاف أن العملية العسكرية انتقلت الآن إلى ما تبقى من جيوب المتمردين قرب الحدود مع أفغانستان.
إلى ذلك، قال الجيش في بيان "قتل عشرون إرهابيا على الأقل في غارات جوية" في منطقة وزيرستان القبلية، إلا أنه لم يحدد هويات القتلى أو إلى أي مجموعة ينتمون. ولم تعلن أي جماعة تعرضها لغارات في المنطقة حيث تنتشر طالبان والجهاديين الأجانب المرتبطين بتنظيم القاعدة. ولا يسمح للصحافيين بالدخول إلى منطقة النزاع وبالتالي لا يمكن التحقق من حصيلة الضحايا وهوياتهم. بحسب فرانس برس.
وبدأ الجيش عملية واسعة ضد طالبان ومعاقل أخرى للمتمردين في منطقة شمال وزيرستان في حزيران/يونيو 2014. ويحارب الجيش الباكستاني متمردين إسلاميين منذ أكثر من عقد بعد التدخل العسكري بقيادة أمريكية في أفغانستان في نهاية 2001. وأعلنت السلطات مذاك بأنها ستصعد عملياتها بتنفيذ غارات جوية واستخدام المدفعية وقذائف الهاون لاستعادة الأراضي في المناطق الحدودية ومناطق أخرى في البلاد.
محادثات سلام
في السياق ذاته يعقد ممثلون عن حركة طالبان الأفغانية لقاء مع مسؤولين أمريكيين في قطر قريبا لإجراء محادثات سلام محتملة حول أفغانستان كما قالت مصادر من الحركة لوكالة الأنباء الفرنسية. وحصلت عدة محاولات لإجراء حوار بين طالبان وواشنطن، الحليف الرئيسي لحكومة كابول، في السنوات الماضية بهدف إنهاء النزاع الدموي المستمر منذ أكثر من 13 عاما في أفغانستان، لكن بدون تحقيق نتيجة.
وفتحت حركة طالبان مكتبا في قطر في حزيران/يونيو 2013 كخطوة أولى نحو التوصل إلى اتفاق سلام محتمل لكنها أغلقته بعد شهر بعدما أثار استياء الرئيس الأفغاني آنذاك حميد كرزاي. وما عزز آمال فتح حوار انتخاب الرئيس أشرف غني الذي تعهد بجعل محادثات السلام أولوية له وكذلك مؤشرات إيجابية من باكستان التي تمارس نفوذا على حركة طالبان.
وقال مسؤول كبير في طالبان من مقره في باكستان إن "خمسة أعضاء سابقين من المجلس الأعلى لطالبان الأفغانية برئاسة طيب آغا سيجرون محادثات مع الولايات المتحدة". وأكد مسؤول كبير في مجلس شورى كويتا هذا النبأ قائلا إن رحيل كرزاي من الرئاسة ساهم في تمهيد الطريق أمام إجراء المحادثات. وقال لوكالة الأنباء الفرنسية "هذه المرة ستتحدث طالبان إلى الأمريكيين مباشرة في قطر، وهذا ما كان يخيف كرزاي، لم يكن يريد أن تتمثل الحكومة الأفغانية بالأمريكيين".
وفي مطلق الأحوال فإن بدء محادثات سلام لا يعني بالضرورة أن يترافق مع إعلان طالبان وقفا لإطلاق النار فيما أظهر تقرير للأمم المتحدة أن أفغانستان تواجه وضعا أمنيا صعبا. فقد أعلنت الأمم المتحدة أن النزاع الأفغاني لا يزال يوقع عددا متزايدا من الضحايا المدنيين حيث سجلت هذه الحصيلة ارتفاعا كبيرا في العام 2014 بلغت نسبته 22% وخصوصا بسبب تكثف المعارك على الأرض. وأنهت قوة حلف شمال الأطلسي مهمتها القتالية في البلاد في نهاية 2014 لكن قوة قوامها 12500 جندي أجنبي بقيت في أفغانستان لتدريب ودعم القوات الأمنية الأفغانية البالغ عديدها 350 ألف جندي وشرطي. ويأتي الإعلان بعد يومين على محادثات أجراها قائد الجيش الباكستاني راحيل شريف في كابول مع غني. بحسب فرانس برس.
وتحسنت العلاقات بين أفغانستان وباكستان إلى حد كبير منذ تولي أشرف غني السلطة. وقال متحدث باسم السفارة الأمريكية في إسلام أباد أن "حكومات الولايات المتحدة وأفغانستان وباكستان تحدثت جميعها عن مصلحتنا المشتركة في أن تكون أفغانستان آمنة ومستقرة بما يشمل التقدم نحو عملية مصالحة بقيادة الأفغان" وأضاف "نبقى ملتزمين بإحراز تقدم إضافي نحو هذا الهدف".
من جانب اخر تنصل المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان الافغانية مما تردد من أنباء عن إجراء محادثات سلام مع حكومة كابول وهو ما يلقي بظلال من الشك على الجهود الرامية للتفاوض لإنهاء الحرب المستمرة منذ 14 عاما. وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان "سمعنا من وسائل الإعلام أن الجولة الثانية من المحادثات بين الإمارة الإسلامية وإدارة كابول ستبدأ قريبا في باكستان أو الصين." وأضاف في بيان "أحالت الإمارة الإسلامية التفويض برمته لمكتبها السياسي وهو لا يعلم شيئا عن هذه العملية."
وكان مسؤولون أفغان وباكستانيون قد قالوا إن جولة ثانية من الاجتماعات ستعقد بين ممثلي طالبان وحكومة كابول. وكانت مفاوضات تمهيدية قد جرت بين الجانبين في باكستان قبل وقت قصير. ويجيء بيان طالبان بعد يوم واحد من تصريحات للحكومة الأفغانية قالت فيها إن الملا عمر زعيم حركة طلبان توفي منذ عامين في باكستان.
ومن المرجح أن يعمق نبأ رحيل الملا عمر الصراع على الزعامة داخل الحركة المتشددة المنقسمة بشدة مما سيلقي بظلاله على فرص عملية السلام المتعثرة بالفعل. وفيما يمثل تذكرة بالخطر الذي يشكله المقاتلون من خلال تصعيد حملتهم للإطاحة بالحكومة المدعومة من الغرب سيطرت حركة طالبان على منطقة بإقليم هلمند الجنوبي تسعى القوات الأجنبية جاهدة لتأمينها منذ سنوات.
وسيطرت طالبان على جيوب في أنحاء أفغانستان منذ سحب حلف شمال الأطلسي معظم قواته في نهاية عام 2014 تاركا مهمة إخماد العنف على كاهل قوات الجيش والشرطة الأفغانية. ويلقى آلاف مصرعهم في الصراع كل عام. ويسعى الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني لمواصلة عملية السلام مدعوما من باكستان والصين لكن زعامة طالبان منقسمة حول ما إن كانت ستشارك في عملية السلام.
وبعد جولة المحادثات المبدئية صدر بيان يحمل اسم الملا عمر ويقر فيما يبدو المفاوضات على أساس أنها تتفق مع الشريعة الإسلامية. وتعارض الآراء إزاء عملية السلام مرتبط بقوة بصراع على السلطة يتعلق بالزعيم الجديد للحركة الإسلامية المتشددة التي أسسها الملا عمر. وقال قائد بارز في طالبان الأفغانية في باكستان إن زعامة الحركة "في مفترق طرق" وإن حسم مسألة الخلافة قد يستغرق وقتا. بحسب رويترز.
وأضاف أن فصيلا داخل طالبان يريد أن يتولى يعقوب ابن الملا عمر الزعامة في حين يحبذ فريق آخر أن يتولاها الزعيم السياسي أختر محمد منصور الذي كان ضمن من أيدوا محادثات السلام. وعلى ساحة المعارك قال مسؤولون في هلمند إن طالبان انتزعت السيطرة على منطقة ناو زاد بعد قتال على مدى يومين. وقال عبيد الله عبيد كبير المتحدثين باسم شرطة الإقليم "قواتنا الأمنية مازالت الآن على مشارف المنطقة وتقاتل طالبان." ورفض عبيد التعليق على الخسائر في الأرواح لكن سكانا قالوا إن جثث أفراد من قوات الأمن الحكومية ومقاتلين من طالبان متناثرة في الشوارع. وأكدت طالبان السيطرة على وسط الإقليم وقالت إنها صادرت أسلحة وذخائر.
من جهة اخرى رفض البيت الابيض اعتبار حركة طالبان الافغانية تنظيما "ارهابيا" بخلاف تنظيم القاعدة، مثيرا بذلك غضب الجمهوريين الذين اتهموا الرئيس باراك اوباما بأنه فقد الاحساس بالواقع. وردا على سؤال عن ظروف عملية التبادل التي تمت بين الولايات المتحدة وحركة طالبان واطلقت بموجبها الحركة الافغانية المتمردة سراح الجندي الاميركي بو بيرغدال، تحاشى المتحدث باسم الرئاسة الاميركية جوش ارنست وصف الطالبان ب"الارهابيين".
وقال ارنست ان الطالبان "لديهم تكتيكات تقترب من الارهاب، انهم يشنون هجمات ارهابية في محاولة لفرض افكارهم"، مذكرا بأن واشنطن لم تتفاوض مع الحركة مباشرة بل ان المفاوضات تمت عبر الحكومة القطرية وأفضت في أيار/مايو الى اطلاق سراح الجندي الاميركي مقابل خمسة من قيادات الحركة كانوا معتقلين في غوانتانامو. وأضاف "المهم هو التفريق بين طالبان والقاعدة"، مؤكدا في الوقت نفسه ان "حركة طالبان منظمة خطرة جدا".
ولكن محاولة البيت الابيض التفريق بين طالبان والقاعدة لم ترق للمعارضة الجمهورية التي تلقفتها واستخدمتها في الدعاية ضد الرئيس. وقال المحافظ تشارلز كروثامر ان الطالبان "يقطعون رؤوسا، يهاجمون حافلات، يرسلون سيارات مفخخة الى اسواق تجارية، ولكنهم ليسوا ارهابيين. صدقا، لا يمكننا ان نسخر من هذه الحكومة".
واعتبر جمهوريون آخرون ان اعلان البيت الابيض سياسي اكثر مما هو واقعي، مذكرين بعملية تبادل الاسرى التي تمت بين الادارة الاميركية والحركة الافغانية واثارت يومها عاصفة سياسية في الكونغرس. وكانت وزارة الخزانة الاميركية فرصت مؤخرا عقوبات على حوالى الفي عنصر ومسؤول في حركة طالبان، اضافة الى بعض مموليهم وداعميهم.
زعيم طالبان رجل غامض
الى جانب ذلك فالملا عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية .. واحد من أكثر الرجال المطلوبين في العالم على مدى أكثر من عقد وكان أيضا من بين أكثرهم قدرة على الإفلات من الاعتقال. ولا توجد صور واضحة للرجل طويل القامة ذي العين الواحدة ولم يقابله من الأجانب سوى نفر قليل. وحتى حين حكمت جماعته المتشددة أفغانستان لم يعرف عنه أحد سوى القليل. وأطيح بعمر وحكومة طالبان في أواخر عام 2001 بفضل القصف الجوي الأمريكي أساسا بعدما رفض تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عقب هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001.
وقال أتباع له إنه قام في وقت لاحق بتنسيق مقاومة طالبان للحكومة في كابول وللقوات التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان. لكن تناثرت الشائعات عن وفاته في أوساط المتشددين ودوائر المخابرات الإقليمية في السنوات القليلة الماضي وحتى إن كان حيا خلال تلك الفترة فإن دوره القيادي المباشر في طالبان بدا محدودا.
واليوم بات مقاتلو طالبان في موضع الهجوم في مواجهة قوات الأمن الأفغانية التي تبذل جهودا مضنية لفرض سيطرتها بعد انسحاب معظم قوات حلف شمال الأطلسي في العام الماضي. واستولت طالبان على عدد من المناطق واجتاحت عشرات القرى في المناطق الشمالية بينما يقتل آلاف المدنيين والجنود وقوات الشرطة كل عام جراء أعمال العنف. ومع ذلك فإن الحركة منقسمة بشدة وتواجه خطرا خارجيا جديدا يتمثل في الفصائل المنشقة التي تدين بالولاء لتنظيم داعش وتهاجم طالبان نفسها.
مني الملا عمر بانتكاسة مؤثرة عندما ألقي القبض على الملا عبد الغني برادار الرجل الثاني بحركة طالبان في مدينة كراتشي الباكستانية في أوائل عام 2010 في عملية مشتركة بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات الباكستانية. وقال مسؤولون أمريكيون إن برادار أدلى بمعلومات مفيدة حول عمليات الحركة في أفغانستان. وكان برادار وهو أحد المقربين من عمر القائد الميداني الرئيسي المسؤول عن قيادة الحملة ضد الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي والذي يخطط لتنفيذ تفجيرات انتحارية وهجمات رئيسية أخرى.
وفي سلسلة من التصريحات التي كان يطلقها عمر منذ عام 2008 سعى الرجل للتحدث بلهجة غلبت عليها لغة التصالح وطلب من المقاتلين الكف عن قطع رؤوس المتهمين بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وكان يصر على أن حكومة طالبان لا يمكن أن تكون تهديدا عالميا. وقال عمر في أحد البيانات المنسوبة له "نريد علاقات مشروعة مع دول العالم ونحن لا نشكل تهديدا لأحد."
وكانت إستراتيجية طالبان تستهدف إضعاف رغبة القادة والمواطنين في الغرب في الإبقاء على قواتهم في أفغانستان فضلا عن معاناتهم من استمرار سقوط الضحايا. ودعا الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي للسلام مع طالبان حين كان يتولى السلطة وجعل خليفته الرئيس الحالي أشرف عبد الغني المفاوضات مع المتمردين أولوية.
ولد الملا عمر عام 1959 أو1960 في قرية صغيرة بالقرب من قندهار لعائلة من الفلاحين الفقراء وفقد والده عندما كان صغيرا وتحمل مسؤولية إعالة أسرته. وحينما كبر وطالت لحيته أصبح الملا أو رجل الدين الأبرز في قريته وفتح مدرسة دينية تابعة له قبل أن ينضم للمجاهدين الذين كانوا يقاتلون الحكومة المدعومة من السوفيت من عام 1989 إلى عام 1992. وأصيب الملا عمر أربع مرات وفقد عينه اليمنى عندما أصيب بشظية في وجهه. ولا يوجد سوى عدد قليل من الصور الغامضة لعمر فقد حظرت طالبان التصوير والتلفزيون والموسيقى "ووسائل الترفيه".
ووصف أحد الأجانب القليلين الذين قابلوه الهيئة المتواضعة التي كان عليها. وظهر عمر حافي القدمين ويرتدي ثيابا قصيرة تصل إلى أسفل ركبتيه. وبدأ نجم الملا عمر في الصعود مع تزايد الإحباط من الحروب بين فصائل المجاهدين الذين هزموا الروس قبل أن يقاتلوا بعضهم البعض منذ عام 1992. وتتردد رواية على ألسنة الناس تقول إن الملا عمر جمع في عام 1994 حوالي 30 من طالبان (أي الطلبة الذين يدرسون علوم الدين) بعدما سمع عن تعرض فتاتين مراهقتين للاغتصاب على يد أحد قادة المجاهدين.
وباستخدام 16 بندقية هاجمت المجموعة قاعدة وحررت الفتاتين ووفقا لهذه القصة شنقوا هذا القائد على فوهة دبابة. وقال عمر لصحفي باكستاني "كنا نقاتل مسلمين مضوا في الطريق الخطأ. كيف كان لنا أن نلوذ بالصمت بينما كنا ترى جرائم ترتكب ضد النساء والفقراء؟". ومع تزايد شهرة حركته عثر عمر على مجندين متعطشين للانضمام له في المدارس الدينية على طول الحدود الباكستانية.
وقال أحمد راشد مؤلف كتاب (طالبان) الذي حقق مبيعات ضخمة "بدأ كرجل دين بسيط من البشتون بدون أي رؤية للعالم أو رؤية لدولة أفغانية مستقبلية." وأضاف "بدأ وهو غير راغب في سلطة الدولة ولكنه كان يريد فقط أن يخلص أفغانستان من أمراء الحرب ... وقد وضع رؤيته للعالم بمساعدة أسامة بن لادن". في نوفمبر 1994 استولت حركة طالبان على قندهار ثاني كبرى مدن أفغانستان وأصبح واضحا أن حملته حظيت بدعم باكستان.
وفي أوائل عام 1995 اجتاح المقاتلون الشبان الشمال وبحلول نهاية العام باتت مدينة هرات بغرب البلاد في أيديهم. وأستغرق الأمر عاما آخر للاستيلاء على كابول وحتى يتحقق ذلك لجأ عمر إلى إشارة مدهشة. فقد حصل على عباءة مقدسة يقال إنها كانت عباءة النبي محمد من ضريح في قندهار حيث كانت متروكة في الظلام لمدة 60 عاما. وظهر الرجل على سطح مبنى وهو يرتدي العباءة وسط تهليل الملالي المبتهجين الذين تجمعوا في الأسفل.
وكانت النتيجة الاتفاق على إعلان الجهاد ضد الرئيس برهان الدين رباني. وسقطت كابول في يد طالبان يوم 26 سبتمبر أيلول عام 1996. وبعد خمس سنوات وتحت وطأة قصف القنابل الأمريكية تركت طالبان كابول تحت جنح الظلام في الساعات الأولى من صباح يوم 13 نوفمبر تشرين الثاني عام 2001 مما أشعل البهجة بين الرجال والنساء من المواطنين الذين تحرروا من القيود التي فرضت عليهم مثل إطالة اللحية أو ارتداء البرقع. بحسب رويترز.
وكان الملا عمر يحث جنوده على القتال حتى آخر نقطة دم في الأيام الأخيرة من حكم طالبان التي اتسمت بالتشدد الديني وتحريم تعليم وعمل المرأة وتنفيذ عمليات الإعدام العلنية وبتر الأطراف. لكن كلماته ذهبت أدراج الرياح مع ضراوة القصف الأمريكي الذي كسر إرادة مقاتلي طالبان في إتباع تعليمات أميرهم و"أمير المؤمنين" الملا عمر. وخلال الفترة التي أمضاها في السلطة نادرا ما غادر الملا عمر مقره في ضواحي قندهار. ووفقا لما هو مسجل لم يقابل الملا عمر من غير المسلمين سوى الممثل الخاص للأمم المتحدة لأفغانستان في أكتوبر 1998 والسفير الصيني لدى باكستان.
اضف تعليق