ما هو مصير العراق وسط فوضى السلاح وتعدد الجماعات المسلحة؟ وما هي الأسباب التي تدعو للتفاوض؟ وهل الحوار مع الجماعات المسلحة هو عمل غير أخلاقي؟ وهل يزيد من قوة هذه الجماعات بحيث أنه سوف يعزز نفوذها وربما يقوض الديمقراطية ويشجع على ابتزاز الحكومة عبر السلاح من أجل أهدافها؟...
ما هو مصير العراق وسط فوضى السلاح وتعدد الجماعات المسلحة؟ وما هي الأسباب التي تدعو للتفاوض؟ وهل الحوار مع الجماعات المسلحة هو عمل غير أخلاقي؟ وهل يزيد من قوة هذه الجماعات بحيث أنه سوف يعزز نفوذها وربما يقوض الديمقراطية ويشجع على ابتزاز الحكومة عبر السلاح من أجل أهدافها؟ وأين هي استحقاقات الديمقراطية؟ وهل هناك سبيل آخر غير الحوار أو نهاية للصراعات الملطخة بالدماء؟، ومتى يكون الوقت المناسب، لقد مرّت سنوات طويلة ولن نجد إجابات كافية لهذه الأسئلة.
ولو انطلقنا من مبدأ الرفض سنجد أنّ له مبرراته المشروعة، لكن بنفس الوقت لم يخلو من كونه عاطفي، لأنها ردة فعل طبيعية تجاه ما حصل من عنف عام، أو يأتي بسبب أجندة سياسية.
بداية من الخطأ أيضا أن نتهم المفاوضات بأنها تعكس الضعف أو الاستسلام، فهي غالبا ما تكون دليلا على قوة الدولة ومدى ثقتها بنفسها. فالجماعات المسلحة لها منطقها الخاص الذي لا يستطيع أن يفهمه من لم يشتغل بالسياسة والأمن، ويتطلب الحوار عادة وقتا وجهدا حتى تتم معرفة الأسباب التي دفعت لحمل السلاح، وما هو الشيء المطلوب، فمن الصعب جدا تفكيك منطق تلك الجماعات ما لم يتم الحوار معها، فماذا نسمي تلك الحوارات بين ومع الحكومات المتطرفة والعدائية التي تستعمل العنف كأسلوب في معالجة مشكلاتها؟
الحوار القائم على الأخلاقيات المطلقة ضد التفاوض مع الجماعات المسلحة قد لا يصمد في الواقع وغير عملي، فلا يمكن القضاء بشكل تام على الجماعات المسلحة خصوصا إذا كانت متجذرة شعبيا ومؤسساتيا ولها ارتباطات دولية.ج
الواقع السياسي العراقي لا يمكن أن يشق طريقه من خلال القتل أو الأسر لذلك التمرد الكبير الذي ينهش بالمجتمع العراقي. بل يتطلب في بعض الأحيان استعدادا لأنْ تكون هذه الجماعات "جزء من الحل في العراق بدلا من استمرارها جزء من المشكلة."
المهمة أشبه بالسير على حبل أخلاقي رفيع وبنفس الوقت إن التفاوض أو الحوار ليس هو نسيان الماضي بقدر ما هو مسألة درء الاقتتال وتلافي العنف في المستقبل.
الايجابي في ما يجري في العراق، إن الحوار قد يكون فيه فرقا جوهريا عن تلك المفاوضات التي فشلت في دول أخرى، لأنه يمكن أن يجري مع جماعات لها قناعات في ضرورة درء الحرب الداخلية وتواجه ضغوطا بل تضع اعتبارا لجماعات دينية واجتماعية فاعلة تمنعها من خوض تلك الحروب، لكن بالمحصلة نحن أيضا أمام استفزازات كثيرة يمكن ان تشعل فتيل الحرب.
ولو أخذنا التجربة الايرلندية والباسك فقد انتهت بوسائل سلمية مع الجماعات الضعيفة والقوية. على سبيل المثال سنجد أن الجماعات المسلحة وصلت إلى قناعة ومن خلال القوة الناعمة والخشنة بأن أهدافها لن تتحقق بسهولة.
في ايرلندا نجد أن الحكومة توصلت لنقطة كان على (آي آر أيه) أن تتفاوض معها، أما المخاوف التي تترسخ بأن المفاوضات قد تعطي شرعية أكبر لهذه الجماعات فمن الواضح أن التجارب التاريخية لم تتحدث عن ذلك خصوصا عندما تفشل تلك المفاوضات، فالمجتمع الدولي أيضا ينظر الى تلك المفاوضات ومن المؤكد لن يعطي الحق لتلك الجماعات في حال الفشل كما هي تجربة (أتشيه) في عام 2002 عندما فشل المتمردون في استرجاع الشرعية، بمعنى إن الشرعية الوقتية ليست ثمنا باهظا مقابل عملية سلام دائم فالحكومات هي الممثل الشرعي الدائم للشعوب.
أما دوليا فعادة ما تفهم الأنظمة أهمية عملية السلام بل في أحيان كثيرة تقوم بتقديم المساعدة وان إيقاف التهديد يمنح المجتمعات فرصة للنمو الاقتصادي خصوصا عندما لا تحصل الجماعات المسلحة على امتيازات جوهرية وهو الأمر الذي يصب في مصلحة الحكومات.
ومع دخول العراق مرحلة جديدة من الصراع دعت الحاجة إلى عقد عدة مفاوضات تشمل كل من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وإيران والعراق بشكل مباشر وغير مباشر، لكن ما يزيد الأمر تعقيدا الموقف الغامض لفصائل مسلحة، فهي على قدر من الاستقلالية في الداخل العراقي واستحكام قوتها الذاتية من جانب وخوفا من أن تكون عرضة للتهميش أو كورقة مساومة من جانب آخر. لذا تحاول هذه الجماعات إجبار الحكومة العراقية والأمريكية من أجل التفاوض معها بشكل مباشر، حتى وان تطلب الأمر بعيدا عن إيران.
لكن ما زاد من غضب تلك الجماعات احتمالات عديدة منها إصرار طهران على الهدوء خصوصا أثناء المفاوضات التي قد تلعب دورا في إضعاف مركزية أو ائتلاف هذه الفصائل وبالتالي التخلي عنها لاحقاً، ومن المتوقع سيكون هناك المزيد من الهجمات على القواعد العسكرية الأمريكية والدعم اللوجستي لقوات التحالف بهدف توجيه رسالة إلى جميع الأطراف مفادها أن الحوار يجب أن يدخل مع هذه المجموعات بشكل مباشر.
الحكومة العراقية بدورها عاجزة عن فرض سيطرتها الأمنية وكذلك إيران لا تمتلك القوة الكافية لوقف الهجمات، حتى تحصل الفصائل المعنية على ضمانات كافية ونتائج مرضية.
في هذا المقال لست مع أو ضد، بقدر ما هي دعوة لدراسة الحالة العراقية وفق الجغرافية والسياسة والتأريخ والمصالح، فالحالة المثالية لن تحدث بسهولة لبناء ديمقراطية وانتخابات حرة خصوصا مع مرور نحو عقدين من الزمن شابها العنف والفساد والتفكك الاجتماعي وتسيد الطائفية بل دون تقدم ملحوظ في بناء الدولة، أو على الأقل تشكيل حكومة مستقرة، وبالتالي يجب تقدير الحالة.
فإن كانت هذه الفكرة تثير الجدل، لكنها بنفس الوقت تسلط الضوء قليلا على ما يستحق التداول والنقاش بدقة، من أجل تفادي أي حرب داخلية.
اضف تعليق