قضية انفجار مرفأ بيروت، الذي أسفر عن مقتل 200 مدني، وإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين بجراح وتدمير أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية، ماتزال محط اهتمام واسع داخل وخارج لبنان، خصوصاً مع اتساع رقعة الاتهامات واستمرار التحقيقات القضائية التي لم تحدد حتى الان مسؤولية من يقف وراء هذه الجريمة والمتسببين فيها...
قضية انفجار مرفأ بيروت، الذي أسفر عن مقتل 200 مدني، وإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين بجراح وتدمير أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية، ماتزال محط اهتمام واسع داخل وخارج لبنان، خصوصاً مع اتساع رقعة الاتهامات واستمرار التحقيقات القضائية التي لم تحدد حتى الان مسؤولية من يقف وراء هذه الجريمة والمتسببين فيها. ويرى بعض المراقبين ان التحقيقات الداخلية التي يجريها المحقق العدلي القاضي فادي صوّان، وعلى الرغم من تحركات ومطالب ذوي الضحايا، ستصل الى طريق مسدود بسبب الاتهامات والخلافات السياسية، هو ما قد يقطع الطريق امام القضاء ومحاولة الكشف عن المتسببين بهذه الجريمة، ولا تستبعد مصادر مواكبة لمسار القضية أن «يبلغ هذا الملف نفس المصير الذي انتهت إليه جرائم الاغتيالات والتفجيرات التي شهدها لبنان إبان الحرب الأهلية وبعدها».
وبحسب بعض المصادر فان هناك موانع داخلية وخارجية تعرقل مهمّة المحقق العدلي. وأوضحت أن الموانع الداخلية «تتمثّل في طلب نقل الملف من القاضي فادي صوّان إلى عهدة قاضٍ آخر، لمجرّد أن تجرّأ صوّان وادعى على بعض السياسيين وعلى رأسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب وعدد من الوزراء السابقين واستدعاهم للتحقيق».
ولا تقف العرقلة عند العوامل الداخلية، بل ثمة موانع خارجية تحول دون استكمال جمع المعلومات الخاصة بانفجار المرفأ، الاسباب التي تحول دون صدور تقرير الخبراء الفرنسيين الذين عملوا في مرفأ بيروت مدة ثلاثة أسابيع. وشددت المصادر على أن «التقرير الفرنسي يبقى الحلقة الأهم في تحديد أسباب الانفجار، وما إذا وقع نتيجة حريق أو أعمال تلحيم، أم أنه نتيجة استهداف خارجي، أي بصاروخ أو بواسطة عمل أمني ناجم عن وضع قنبلة أو عبوة أدت إلى الانفجار الهائل»، مشيرة إلى أن «الخبراء الفرنسيين كانوا تعهدوا بتزويد المحقق العدلي بتقريرهم في مهلة شهرين بعد انتهاء عملهم أواخر شهر أغسطس (آب)، فلماذا لم يصدروا تقريرهم رغم مرور أشهر على انتهاء مهمتهم، ورغم عدة مراسلات وجهها القاضي صوّان إلى الجانب الفرنسي بهذا الشأن».
تحذيرات وفساد
وفي هذا الشأن جاء التحذير الأول من تحذيرات كثيرة عن وجود شحنة خطرة في مرفأ بيروت في فبراير شباط 2014 وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من وصولها. وأطلق هذا التحذير العقيد جوزف سكاف الذي وصفته أسرته بأنه مسؤول جمارك دؤوب في عمله. فقد أخطر سكاف، الذي كان رئيسا لشعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال، سلطات الجمارك بأن شحنة نترات الأمونيوم "شديدة الخطورة وتشكل خطرا على السلامة العامة".
وفي الرسالة المكتوبة بخط اليد، طالب سكاف بضرورة "إبعاد هذه الباخرة عن الرصيف رقم 11 إلى كاسر الموج وإذا أمكن وضعها تحت الرقابة من قبل تلك الأجهزة المتواجدة في المرفأ". ويتذكر إيلي شقيق سكاف أن العقيد قال عن الشحنة في 2014 "ما راح نخليهن يفرغوها". وقال ميشال نجل سكاف إن تصميم والده على إبعاد السفينة روسوس عن المرفأ يتفق مع شخصيته إذ أنه لم يكن يسمح لمثل هذه الأمور بأن تمر وكان يتصدى لكل ما يراه من أخطاء.
وكانت رسالة سكاف المؤرخة بتاريخ 21 فبراير شباط 2014 الحلقة الأولى في سلسلة من التحذيرات التي أطلقها مسؤولون في المرفأ والجمارك والأمن من شحنة نترات الأمونيوم الموجودة على متن السفينة روسوس. ولم يأخذ أحد بهذه التحذيرات. وانتقل سكاف بعد بضعة أشهر إلى موقع جديد تولى فيه منصب رئيس شعبة الجمارك في المطار. وعقب ذلك تم نقل شحنة السفينة روسوس في أواخر 2014 إلى مخزن في المرفأ. وفي الرابع من أغسطس آب الماضي انفجرت الشحنة فدمرت أحياء بكاملها مما أسفر عن سقوط قرابة 200 قتيل.
وتعتقد أسرة سكاف أن وفاته في 2017 كانت جريمة قتل ربما تكون لها صلة بعمله كضابط جمارك يحارب الجريمة وتهريب المخدرات أو لاشتغاله في أواخر حياته بالسياسة. وتوصل تقرير طبي رسمي صادر في 2017 إلى أن سكاف توفي نتيجة سقوطه. وفي 2018، خلص تقرير ثان بناء على طلب أسرته إلى أنه تعرض لاعتداء. وتقول أسرة العقيد سكاف إنه كان يتعامل مع قضايا حساسة خلال فترة عمله في الجمارك بما في ذلك قضايا المخدرات.
وقال المصدر المطلع على القضية إن بعض زملائه كانوا يحذرونه أحيانا ويطالبونه بتوخي الحذر بسبب طبيعة عمله. وفي الساعات الأولى من صباح أحد أيام شهر مارس آذار 2017 تم العثور على سيارة سكاف متوقفة وأنوارها مضاءة قرب مسكنه. وكان رأسه مضرج بالدماء وجثته ترقد على أسفل حافة حائط مكشوف ارتفاعه نحو 1.8 متر.
وكان سكاف قد تقاعد قبل ذلك بفترة قصيرة ورشح نفسه في انتخابات مجلس النواب عن بلدته في جنوب لبنان. وكان عمره 57 عاما. وقال إيلي شقيق سكاف إن الطبيب الشرعي الأول الذي فحص الجثة أبلغه بأن العلامات الموجودة عليها تشير إلى أنه تعرض لاعتداء. وتوصل تقريران طبيان إلى أن سكاف أصيب بكسر في الجمجمة وإصابات أخرى منها تورم في العين وكسر في أحد الضلوع وكدمات. كان التقرير الأول هو تقرير اللجنة الطبية الرسمية في 2017. وقد خلص إلى أنه سقط مما أدى إلى نزيف في الدماغ تسبب في وفاته. ولم يذكر التقرير شيئا عن تعرضه لاعتداء.
ولم يقتنع إيلي فكلف خبيرا في الطب الشرعي بدراسة ملف القضية. وخلص الطبيب في التقرير الثاني الصادر في 2018 إلى أن إصابات سكاف تشير إلى تعرضه "لعمل عدائي مباغت وسريع نجم عنه سقوطه عن حافة حائط مكشوف". وقال التقرير إن سكاف تلقى "لكمة قوية على عينه اليسرى" و "رفسة محكمة جد قوية طاولت أسفل عظمة فص صدره". وعين إيلي محاميا طلب من السلطات اللبنانية إعادة النظر في القضية.
وقال ميشال نجل العقيد سكاف على وسائل التواصل الاجتماعي في أعقاب انفجار مرفأ بيروت "نُفذت جريمة في آذار (مارس) 2017. والدي لم ينزلق ولم يسقط. (العقيد) تعرض لاعتداء وحشي وقُتل أمام منزله. القضية لم تقفل والعائلة تنتظر تحقيقا جديا منذ ثلاث سنوات. ملف قضيته على مكتب يتراكم عليه التراب. نحن نريد تحقيقا حقيقيا جديا ونريد العدالة والحقيقة للعقيد جوزف سكاف".
ويعد المرفأ من أنشط الموانيء في شرق البحر المتوسط إذ تشير التقديرات إلى أن حجم حركة التجارة عبره في ذروة نشاطه كان يبلغ 15 مليار دولار سنويا. غير أن تسعة مصادر مطلعة تشارك في عمليات الشحن والتخليص والإدارة قالت إنه يعاني من تفشي الفساد والإهمال والطائفية. ودعمت وثائق استيراد روايات هذه المصادر التسعة. ويعكس حال المرفأ وضع البلد بصفة عامة إذ يتم توزيع الوظائف وفقا لعوامل طائفية بين الطوائف المسلمة والمسيحية. بحسب رويترز.
ويسود هذا الترتيب في لبنان منذ حوالي 30 عاما ويعزو كثيرون إليه السبب في انزلاق البلاد إلى حالة الانهيار المالي. وكما قال أحد كبار الوزراء "مستوى الفساد في كل طبقات الدولة يفوق الخيال. فكم هو حجم الفساد المماثل لفساد المرفأ الذي يختفي تحت عباءات الساسة؟ وقال إنه تلقى تهديدات تحذره "من التحقيق في الفساد". لكنه لم يذكر تفاصيل. وفي أعقاب الحرب الأهلية التي دارت من 1975 إلى 1990 تشكلت لجنة انتقالية تمثل الجماعات السياسية الرئيسية للطوائف لإدارة مرفأ بيروت بصفة مؤقتة. ولا تزال هذه اللجنة قائمة حتى الآن.
تحقيقات خارجية
في السياق ذاته دعا نائبان بريطانيان كبيران إلى إجراء تحقيق بشأن شركة مسجلة في بريطانيا ربما تكون مرتبطة بالانفجار المدمر الذي وقع العام الماضي في بيروت بعد أن وجدت مصادر أن الشركة لم تكشف عن أصحابها. وشركة سافارو ليمتد، مسجلة في عنوان بلندن وهي ملزمة مثل جميع الشركات البريطانية بإدراج اسم من يملكها في سجل الشركات البريطانية، المعروف باسم كومبانيز هاوس.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني لرويترز قالت المرأة المدرجة على أنها مالكة سافارو والمديرة الوحيدة في كومبانيز هاوس مارينا بسيلو، إنها كانت تعمل كوكيل نيابة عن مالك آخر مستفيد لم تكشف عن هويته. وقالت "الشخص الذي كان ولا يزال دائما المالك المستفيد النهائي للشركة كان دوما هو نفس الشخص. وكما تعرفون لا يمكننا الكشف عن اسمه". ولم تذكر سبب عدم قدرتها على الكشف عن هويته. وتحدد قواعد حوكمة الشركات العالمية "المالك المستفيد النهائي" بأنه الشخص الذي يحصل على فوائد المعاملات التي تقوم بها أي شركة ويمتلك عادة ما لا يقل عن 25 في المئة من رأس مالها.
ووصفت مارجريت هودج، النائبة والوزيرة السابقة في الحكومة البريطانية والتي رأست لجنة الشؤون العامة بالبرلمان في الفترة من 2010 إلى 2015 ، الإخفاق الواضح في إدراج المستفيد النهائي من سافارو في كومبانيز هاوس بأنه أمر "شائن". وقالت "يجب على سلطات المملكة المتحدة التحقيق في هذا الأمر في ضوء تقديم معلومات غير دقيقة. علينا مواجهة وكلاء الشركة حيث يبدو أنهم ربما تصرفوا بشكل غير لائق."
وقال جون مان، عضو مجلس اللوردات البريطاني الذي حقق في استخدام الشركات المسجلة في بريطانيا في نشاط غير قانوني إن هذه القضية تظهر ضرورة فرض تطبيق أقوى لقواعد تسجيل الشركات البريطانية. وقال: "إنه لأمر مروع ومضر للغاية بسمعة المملكة المتحدة أنه يمكن بسهولة استغلال كومبانيز هاوس ونظامنا الوطني لتسجيل الشركات".
وقالت بسيلو، التي تقدم تسجيلات الشركات للعملاء من خلال شركتها القبرصية الخاصة، انترستيتوس، إن شركتها "تلتزم بصرامة بالتشريعات والتقارير إلى هيئات التنظيم المعنية". كما نفت أن تكون سافارو مرتبطة بانفجار لبنان، قائلة إنها تعتقد أنها لم تقم بأي نشاط تجاري. وقالت "على حد علمنا فإن الشركة محل التساؤل، ظلت منذ تسجيلها بلا أي نشاط تجاري أو أي نشاط آخر أو الاحتفاظ بأي حسابات بنكية لأن المشروع الذي تأسست من أجله لم يتحقق مطلقا". ولم تذكر معلومات أخرى عن الغرض المستهدف من الشركة.
وجد تحقيق في انفجار بيروت الذي أودى بحياة 200 شخص أن الشحنة الضخمة من سماد نترات الأمونيوم التي انفجرت في لبنان كانت محتجزة في بيروت بينما كانت في طريقها إلى موزامبيق. وحدد المشتري وهي شركة (إف. ئي .إم) الموزامبيقية الشركة التي اشترى منها الشحنة على أنها سافارو. وقال مصدر لبناني إن عقد بيع السماد حدد شركة سافارو ليمتد وذكر عنوانها بلندن والذي تم تسجيله بعد ذلك لدى السلطات البريطانية. وقال بن كاودوك ، الذي يحقق في الفساد الدولي في منظمة الشفافية الدولية في لندن، إن تتبع أصل الشحنة قد يعتمد في النهاية على كشف هوية من يقف وراء سافارو بالضبط.
النشرة الحمراء
على صعيد متصل عمّم الانتربول النشرة الحمراء بحقّ كل من مالك السفينة التي نقلت مئات الأطنان من نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وقبطانها والتاجر الذي اشترى حمولتها التي كانت سببا في الانفجار المروع في الرابع من آب/اغسطس، وفق ما أفاد مصدر قضائي لبناني. وأكدت الوكالة الوطنية للإعلام إصدار المنظمة الدولية النشرة الحمراء للأشخاص المذكورين، بناء على طلب القضاء اللبناني. وتحقّق السلطات اللبنانية في الانفجار الذي وقع في بيروت وعزته إلى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم لسنوات في أحد عنابر المرفأ من دون إجراءات وقاية، ما تسبب بمقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، وتدمير أجزاء واسعة من العاصمة.
وكانت ال2750 طنا من نيترات الأمونيوم صودرت من سفينة "روسوس" التي وصلت إلى مرفأ بيروت في تشرين الأول/نوفمبر 2013 بعدما انطلقت من جورجيا وكانت في طريقها إلى موزمبيق. وقال المصدر القضائي إن المحامي العام التمييزي غسان خوري تبلّغ من الانتربول الدولي الرد على طلبه حول مذكرات التوقيف التي أصدرها المحقق العدلي اللبناني بحقّ مالك سفينة "روسوس" إيغور غريشوسكين وقبطانها بوريس يوري بروكوشيف والتاجر البرتغالي الجنسية جورج موريرا "الذي اشترى نيترات الأمونيوم".
وبناء عليه، وفق المصدر، عمّم الانتربول "النشرة الحمراء على كلّ الدول الأعضاء". وتُعد النشرة الحمراء طلباً إلى أجهزة إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم لتحديد مكان المجرم واعتقاله مؤقتاً في انتظار تسليمه أو اتخاذ إجراء قانوني مماثل. وقبل أشهر، أفاد تحقيق أجرته مجموعة من الصحافيين ونشره موقع "أو سي سي أر بي" الاستقصائي أن المالك الحقيقي لسفينة "روسوس" ليس غريشوسكين وإنما صاحب أسطول بحري قبرصي يتخفى وراء شركات وهمية يُدعي خرالامبوس مانولي. ويبدو أنه أجّر السفينة عبر شركة مسجّلة في بنما لغريشوسكين الذي هجر السفينة في نهاية المطاف مع طاقمها وحمولتها الخطرة.
وكانت حمولة السفينة متوجهة إلى شركة "فابريكا دي إكسبلوسيفوس" في موزمبيق التي تملكها عائلة رجل أعمال برتغالي راحل 95 في المئة من الأسهم فيها، وفق تحقيق الصحافيين. وفي 2018، غرقت السفينة قبالة مرفأ بيروت. وأدى الانفجار إلى تأجيج غضب الشارع الناقم على الطبقة السياسية بكاملها والذي يتهمها بالفساد والإهمال، وبات يحملها أيضاً مسؤولية الكارثة. ورفض لبنان إجراء تحقيق دولي في الانفجار، إلا أن فريق محققين فرنسيين ومن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي شارك فيه. بحسب فرانس برس.
وتبيّن بعد الانفجار أن الأجهزة الأمنية ومسؤولين سابقين وحاليين من الجمارك وإدارة المرفأ والحكومة كانوا على علم بمخاطر تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ. وادعى المحقق العدلي على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة" وجرح مئات الأشخاص. وأعلن المحقق العدلي فادي صوان تعليق التحقيقات بعدما طلب وزيران سابقان ادعى عليهما نقل الدعوى إلى قاض آخر.
اضف تعليق