العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت ولاتزال من اهم واخطر المشكلات المتجذرة في هذا المجتمع الذي يعاني اليوم وعلى الرغم من الاجراءات والمطالب الشعبية من تفاقم هذه الظاهرة ضد السود، كان اخرها مذبحة كنيسة تشارلستون التي راح ضحيتها(9) امريكيين من أصل افريقي، على يد رجل أبيض في ساوث كارولينا، وهذه الحوادث الاجرامية المتكررة وكما يقول بعض الخبراء تظهر بوضوح زيف وكذب شعارات الحرية وحقوق الانسان التي ترفعها الادارة الامريكية.

والعنصرية في الولايات المتحدة كما تشير المصادر هي ظاهرة تاريخية معقدة رسخها القانون الامريكي، الذي كان يعطي امتيازات وحقوق للأميركيين البيض لا تمنح للأمريكيين الأصليين والأمريكيين من أصل أفريقي والأمريكيين الآسيويين ومن أمريكا اللاتينية. وتم حظر التمييز العنصري الرسمي إلى حد كبير في منتصف القرن العشرين، وأصبح غير مقبول اجتماعيا ومكروه أخلاقيا كذلك.

ولكن ظلت السياسة العنصرية ظاهرة رئيسية، وتمثلت في عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، واتخذت أشكالاً أكثر حداثة، وغير المباشرة للتعبير. ومازال يتجلى التقسيم الطبقي في فرص العمل، والسكن والتعليم، والقروض، والحكومة. وذكرت شبكة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة (U.S. Human Rights Network):"التمييز يتخلل جميع نواحي الحياة في الولايات المتحدة، ويمتد إلى جميع المجتمعات المحلية".

عمل ارهابي وجريمة عنصرية

وفي هذا الشأن فقد أعلنت وزارة العدل في الولايات المتحدة أنها ستحقق لمعرفة ما إذا كان إطلاق النار الذي أسفر عن تسعة قتلى داخل كنيسة للسود بتشارلستون لا يشكل جريمة دافعها الكراهية فحسب، بناء على وصف سابق، بل أيضا "عملا إرهابيا داخليا". واستخدم القضاء الفدرالي الأمريكي عبارة "عمل إرهابي داخلي" بشأن هذه المجزرة التي وقعت بجنوب شرق الولايات المتحدة.

وأكدت إميلي بيرس مديرة الإعلام في الوزارة إن "هذه الواقعة الصادمة كانت تهدف دون شك إلى زرع الخوف والرعب في هذه المجموعة، والوزارة تنظر إلى هذه الجريمة (آخذة في الاعتبار) كل الاحتمالات الممكنة، بما فيها أن تكون عملا دافعه الكراهية وعملا إرهابيا داخليا". وكانت الوزارة أعلنت فتح تحقيق في "جريمة كراهية" غداة المجزرة. من جانبه، وجه القضاء في ولاية كارولاينا الجنوبية تهمة الاغتيال إلى الشاب الأبيض ديلان روف (21 عاما) الذي يشتبه بأنه قتل بدم بارد تسعة من المصلين داخل كنيسة عمانوئيل التي ترمز إلى مناهضة العبودية.

ومثل الشاب أمام محكمة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من السجن الذي نقل إليه بعد اعتقاله في نهاية عملية بحث استغرقت 14 ساعة. ووقف ديلان روف بهدوء خلال الجلسة وقدم اجابات مقتضبة على أسئلة القاضي مؤكدا اسمه وعنوانه وقال إنه عاطل عن العمل أمام اعضاء اسر العديد من المصلين التسعة الذين يزعم انه قتلهم بالرصاص في كنيسة ايمانويل الأسقفية الميثودية للأفارقة. وقال البعض إنهم سامحوا روف.

وحدد القاضي جيمس جوسنيل الذي ليس لديه سلطة للافراج عن روف في الاتهامات التي يواجهها بقتل تسعة اشخاص عمدا كفالة قدرها مليون دولار لتهمة واحدة خاصة بحيازة سلاح ناري. ومازال روف رهن الاحتجاز. وقالت إيميلي بيرس المتحدثة باسم وزارة العدل الأمريكية إن الوزارة تجري تحقيقا بشأن الهجوم بوصفه جريمة كراهية وعملا محتملا من أعمال الإرهاب. بحسب رويترز.

وقال مسؤولون إن الضحايا هم ست نساء وثلاثة رجال بينهم القس كليمنتا بينكني راعي الكنيسة والعضو الديمقراطي بمجلس شيوخ الولاية. وأحرقت الكنيسة في أوائل القرن التاسع عشر بعد اكتشاف خطط لثورة عبيد وضعها أحد مؤسسي الكنيسة. وأعيد بناء الكنيسة في وقت لاحق. وتراوحت أعمار الضحايا بين 26 و87 عاما.

ووفقا لشبكة (سي.إن.إن.) فان ثلاثة من الذين كانوا موجودين نجوا من الهجوم دون أن يصابوا بأذى بينهم طفل في الخامسة من عمره أفلت من إطلاق النار بالتظاهر بأنه ميت. كما عرضت القناة مقطع فيديو صور من داخل الكنيسة خلال الحلقة الدراسية ويظهر فيما يبدو روف قبل المذبحة. وجاء هذا الهجوم في عام شهد اضطرابات ومظاهرات بشأن العلاقات العرقية وانفاذ القانون والنظام القضائي الجنائي في الولايات المتحدة بعد عدد من حوادث قتل رجال سود عزل على ايدي أفراد من الشرطة في مدن من بينها نيويورك وبالتيمور وفيرجسون وميزوري.

وقال الرئيس الامريكي باراك أوباما "حقيقة ان هذه (الجريمة) وقعت في كنيسة للسود تثير بالطبع تساؤلات بشأن جزء أسود من تاريخنا." وأضاف "نحن لا نملك كل الحقائق لكننا نعرف مرة اخرى ان أبرياء قتلوا لأسباب منها ان شخصا ما يريد الحاق الضرر لا يواجه مشكلة في الحصول على سلاح." وقال كورنيل وليام بروكس رئيس الرابطة الوطنية للنهوض بالشعوب الملونة التي تأسست عام 1909 "ليست هذه مجرد حادث إطلاق رصاص جماعي. ليست مجرد عنف بسلاح ناري إنما جريمة كراهية عنصرية ويجب مواجهتها على هذا الأساس."

وتظهر وثائق محكمة أن روف اعتقل مرتين في مركز تسوق هذا العام إحداهما تتصل بالمخدرات والأخرى بسبب التعدي على ممتلكات الغير. ورفضت والدته إيمي التعقيب عندما تم الاتصال بها. وقالت وزيرة العدل لوريتا لينش ان مكتبها يبحث توجيه الاتهام الى روف بارتكاب جريمة كراهية لها دوافع عنصرية. وتنطوي مثل هذه الجرائم على عقوبات صارمة.

بيان عنصري

الى جانب ذلك يبدو ان ديلان روف المشتبه في تنفيذه مذبحة بكنيسة في تشارلستون كتب بيانا عنصريا وبث سلسلة من الصور الفوتوغرافية ظهر فيها حاملا سلاحا وهو يقف امام متحف عسكري وبيوت عبيد أصحاب مزارع. ونشر موقع الكتروني نص البيان والصور فيما لم يتحقق على الفور ممن أنشأ الموقع الالكتروني أو مدى صدقية الصورة المنشورة. وامتنع متحدث باسم مكتب التحقيقات الاتحادي في كولومبيا بولاية ساوث كارولينا عن التعليق على الموقع او محتواه.

وبدا ان الكثير من المعالم المحلية التي ظهرت في الصور وبثها الموقع قد اختيرت بعناية كي تبرز ماضي تشارلستون الذي كان يتسم بطابع الفصل العنصري كما انها تمس وترا حساسا يتعلق بالسكان السود بالمدينة وذلك من خلال اختيار مواقع بعينها ذات اهمية وحساسية خاصة لتاريخ الامريكيين من اصل افريقي. وكان روف البالغ من العمر 21 عاما قد اعتقل ووجهت اليه اتهامات بقتل تسعة من الامريكيين من أصل افريقي في كنيسة ايمانويل الأسقفية الميثودية للأفارقة بوسط تشارلستون والتي شهدت جريمة القتل.

وتقول السلطات ان روف أمضى ساعة في قراءة الكتاب المقدس مع المصلين في الكنيسة التي يعود بناؤها إلى 200 عام تقريبا ثم فتح النار عليهم. ويبرز النص الذي بثه الموقع وجهة نظر كاتبه القائلة بالتفوق العنصري للبيض ويقول إنه ليس هناك ما يدعوهم الى الشعور بالذنب بشأن معاملة الامريكيين الافارقة. ويطرح كاتب النص "تفسيرا" يبرر القيام ببعض الافعال غير المحددة.

وقال كاتب البيان على الموقع "لم يكن أمامي من خيار.. اخترت تشارلستون لانها المدينة الأشهر تاريخيا في ولايتي وكان بها في وقت ما أعلى نسبة للسود بالنسبة الى البيض في البلاد." ومن بين الصور المنشورة بالموقع سلاح من عيار تقول الشرطة إنه نفس النوع الذي استخدم في تنفيذ مذبحة الكنيسة. ومن بين الصور الأخرى صورة لشاب يشبه روف الى حد كبير وتظهر صورة اخرى الرجل حاملا سلاحا وعلما كما ظهر ايضا في صورة على الشاطئ جاثما وبجانبه رموز بيضاء مكتوبة على الرمال تدلل على التفوق العنصري. بحسب رويترز.

ورد هذا البيان فيما توافد المشيعون إلى تشارلستون من شتى انحاء الولايات المتحدة للمشاركة في تأبين القتلى التسعة من رواد كنيسة السود. ومذبحة تشارلستون هي الأحدث ضمن سلسلة من حوادث القتل الجماعي بالرصاص في الولايات المتحدة. وأحيا الحادث جدلا جماهيريا بين انصار فرض قيود اشد صرامة على حيازة الأسلحة وبين الحصول على الأسلحة النارية دون اي قيود وهو أمر يقولون انه مكفول دستوريا.

من هو ديلان روف

على صعيد متصل لاتزال الولايات المتحدة تحت وقع صدمة جريمة عنصرية غير مسبوقة تورط فيها شاب لا يتجاوز عمره 21 عاما يدعى ديلان روف. بورتريه: وتم توقيف ديلان روف المتورط في الجريمة العنصرية التي كان ضحيتها مصلين في كنيسة "عمانوئيل الأفريقية الأسقفية الميثودية". وأول صورة تداولتها وسائل الإعلام الأمريكية والدولية أظهرت روف مقيدا في قبضة الشرطة ويلبس سترة واقية من الرصاص.

وظهر روف عبوس الوجه بنظرة قاتمة، توحي بشخصية انطوائية لا يبدي أي ندم على ما اقترفت يداه. كانت لديلان روف سوابق مع القضاء الأمريكي مرتين، الأولى في قضية تتعلق بالمخدرات، والثانية في قضية مرتبطة بانتهاك ملكية خاصة. ونقلت صحيفتا "تشارلستون بوست" و"كورييه" الأمريكيتان عن مصادر من مكتب التحقيقات الفدرالي أن المشتبه به يسكن في منطقة كولومبيا، كبرى مدن كارولاينا الجنوبية، التي تبعد ساعتين عن تشارلستون.

حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يعطي فكرة أكثر وضوحا عن توجهات هذا الشخص. يبدو ديلان روف مرتديا قميصا يحمل علم جنوب أفريقيا في زمن التمييز العنصري وعلم روديسيا، التي كان يحكمها نظام عنصري قبل أن تصير اليوم زيمبابوي. وتجدر الإشارة إلى أن النظامين معا يلقيان إعجابا خاصا من قبل الكثير من المجموعات العنصرية في الولايات المتحدة، إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية أفادت أن ديلان روف لم يكن ينتمي لأي من هذه المجموعات.

كما يظهر ديلان في صورة أخرى جالسا على سيارة تحمل ترقيما يحيل إلى أمريكا أيام الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد بين الجزء الشمالي لأمريكا المناهض للعنصرية والجزء الجنوبي المدافع عنها. أحد الناجين من هذه المجزرة يقربنا أكثر من الأفكار التي كان يتبناها ديلان روف، إذ صرح أنه سمعه يصرخ وقت ارتكابه الجريمة قائلا: "أنتم بصدد اغتصاب نسائنا واجتياح بلدنا. يجب أن تموتوا".

وقالت المسؤولة المحلية عن "حركة الدفاع عن السود" دوت سكوت لـ"سي إن إن" إن المشتبه به تعمد عدم قتل أحد الأشخاص داخل الكنيسة ليحكي ما حصل. وصرحت "لقد نجا لأن القاتل قال له "لن أقتلك (...) لأنني أريد أن تقول لهم ماذا حصل". ويحكي بعض زملائه في الثانوية أن روف تفوه مرارا بتصريحات عنصرية، ويؤكدون أنه كان يحمل أفكارا جد متطرفة، وفي بعض الأحيان كان يحكي نكتا عنصرية كذلك، إلا أن زملاءه لم يكونوا يأخذون كل ذلك على محمل الجد.

وكان والده أهداه بندقية في عيد ميلاده، حسب ما أعلن لوسائل إعلام أمريكية عمه الذي وصف روف بـ"الهادئ والانطوائي جدا". ويأتي الحادث وسط توترات عرقية تهز الولايات المتحدة في الوقت الحالي على خلفية ما أصبح يتعرض له الأمريكيون من أصول أفريقية من اعتداءات عنصرية، علما أن البلاد تتوجه بعد خمسة عقود على بدء العمل بقانون الحقوق المدنية الذي يمنع العنصرية وأي نوع من التمييز. وكان مقتل أمريكيين من أصول أفريقية على يد الشرطة خلال الأسابيع الأخيرة أدى إلى تنظيم مظاهرات غاضبة في عدة مدن أمريكية، تخللت بعضها أعمال عنف ومشادات، ما فتح الباب وطنيا أمام جدل كبير، لم ينته بعد، حول العنصرية وممارسات الشرطة.

اضف تعليق