ان ملف انهاء التواجد الامريكي في العراق، ربما يكون من أصعب الملفات فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بمصالح بعض القوى السياسية في العراق مع الولايات المتحدة الامريكية، اضافة الى ذلك ان هذا الملف سيؤثر بشكل سلبي على علاقة التوازن والنفوذ العسكري بين امريكا وايران في المنطقة بشكل عام...
عادت قضية انهاء التواجد العسكري الأمريكي في العراق إلى الواجهة بشكل كبير في الفترة الاخيرة، خصوصاً بعد ان سعت الادارة الامريكية وفي ظل تصاعد حدة التوتر والخلاف بينها وبين طهران، والتي ازدادت بشكل كبير بعد تولي الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الى استهدف بعض قيادات ومقرات الحشد الشعبي وهو ما دفع البرلمان العراقي التي تبني قرار يدعو الحكومة إلى وضع جدول زمني لمغادرة القوات الأجنبية من البلاد في إشارة إلى القوات الامريكية، التي انسحبت فعلاً خلال الفترة الماضية من عدد من القواعد العسكرية مع إعادة تموضع قواتها في مواقع اخرى ونصب منظومة باتريوت في قاعدتي عين الأسد وحرير بمحافظة أربيل وهو ما اثار شكوك بعض القوى السياسية. ويأتي هذا الانسحاب وكما نقلت بعض المصادر، بالتزامن مع تصاعد وتيرة الاستهدافات المتكررة للقواعد الأمريكية في مختلف المحافظات، إضافة إلى استهداف المنطقة الخضراء في بغداد التي تضم السفارة الأمريكية.
ويرى بعض المراقبين ان ملف انهاء التواجد الامريكي في العراق، ربما يكون من اصعب الملفات فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بمصالح بعض القوى السياسية في العراق مع الولايات المتحدة الامريكية، اضافة الى ذلك ان هذا الملف سيؤثر بشكل سلبي على علاقة التوازن والنفوذ العسكري بين امريكا وايران في المنطقة بشكل عام، هذا الملف ايضاً قد يدفع الحكومة العراقية الجديدة الى اتخاذ خطط واجراءات مهمة والعمل على فتح حوار جديد بين جميع الاطراف و القوى السياسية خصوصاً الأطراف الرافضة للتواجد الاميركي في البلاد لاجل تقريب وجهات النظر، يضاف الى ذلك العمل على انهاء صراع والتوتر بين الولايات المتحدة وإيران بما يخدم مصالح العراق.
ويشوب العداء العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ أن أطاحت الثورة الإسلامية بشاه إيران المدعوم من الولايات المتحدة في عام 1979. وفي حين كانت هناك انفراجة بالاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015، تدهورت العلاقات بقرار ترامب التخلي عن هذا الاتفاق متعدد الأطراف وإعادة فرض العقوبات الأمريكية التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل. وتفاقم التوتر بعدما استهدفت غارة أمريكية بطائرة مسيرة في الثالث من يناير كانون الثاني قائد فيلق القدس ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي. وفي وقت سابق قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الولايات المتحدة اقترحت إجراء ”حوار استراتيجي“ مع العراق في يونيو حزيران، في محاولة لتحسين العلاقات الثنائية المتوترة. وكلف الرئيس العراق رئيس المخابرات مصطفى الكاظمي برئاسة الوزراء، ليصبح ثالث شخص يتم اختياره ليقود العراق في عشرة أسابيع في الوقت الذي يجد فيه العراق صعوبة في تشكيل حكومة جديدة بعد انهيار الحكومة السابقة تحت وطأة الاحتجاجات التي استمرت لشهور.
تحذيرات وجوائز
وفي هذا الشأن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إيران أو وكلاءها يخططون لهجوم خاطف على أهداف أمريكية في العراق وحذر من أنهم سيدفعون ”ثمنا باهظا للغاية“ لكنه لم يتطرق لتفاصيل. وكتب ترامب على تويتر ”استنادا إلى قناعة ومعلومات، تخطط إيران أو وكلاؤها لهجوم خاطف على القوات الأمريكية أو الأصول الأمريكية في العراق. وإذا حدث هذا فإن إيران ستدفع ثمنا باهظا للغاية“.
وقال مسؤول أمريكي طالبا عدم نشر اسمه إن معلومات المخابرات الأمريكية عن هجوم محتمل تدعمه إيران في العراق تشير إلى أنه سيكون هجوما يمكن نفيه وليس على غرار الهجوم الصاروخي الذي شنته طهران في العراق في الثامن من يناير كانون الثاني. وأضاف المسؤول أن المخابرات الأمريكية تتتبع خيوطا منذ فترة بشأن هجوم محتمل تشنه إيران أو قوى تدعمها طهران. ولم يكشف المسؤول المعلومات الخاصة بتوقيت الهجوم أو أهدافه على وجه الدقة. ويقول فيليب سميث، وهو خبير يتتبع الفصائل الشيعية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنه يعتقد أن تحذير ترامب كان مدفوعا بظهور عصبة الثائرين، وهي جماعة قال إنها تشكلت لتتيح المجال لكتائب حزب الله لإنكار هجمات على أهداف أمريكية. بحسب رويترز.
كما انخرطت واشنطن وطهران في حرب كلامية حول العقوبات الأمريكية، التي تهدف إلى إجبار الجمهورية الإسلامية على كبح برامجها النووية والصاروخية، فضلاً عن استخدامها للوكلاء في الصراعات في العراق ولبنان واليمن. وشددت واشنطن مرارا عقوباتها التي تهدف إلى خنق صادرات طهران النفطية مع انتشار تفشي فيروس كورونا في إيران وهي من بين أكثر الدول تضررا بسبب المرض في الشرق الأوسط.
الى جانب ذلك عرضت الولايات المتحدة ما يصل إلى عشرة ملايين دولار مقابل معلومات عن الشيخ محمد الكوثراني أحد كبار القادة العسكريين بجماعة حزب الله في العراق والذي كان مساعدا للجنرال قاسم سليماني القائد في الحرس الثوري الإيراني. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في إعلان هذه الجائزة إن الكوثراني ”تولى مسؤولية بعض التنسيق السياسي للجماعات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران“ والتي كان ينظمها سابقا سليماني.
وقالت الوزارة إنها تعرض هذا المبلغ مقابل الحصول على معلومات بشأن أنشطة وشبكات ومساعدي الكوثراني في إطار جهود لتعطيل ”الآليات المالية“ لحزب الله الذي مقره لبنان. ووصفت الولايات المتحدة الكوثراني في 2013 بأنه إرهابي عالمي واتهمته بتمويل جماعات مسلحة في العراق والمساعدة في نقل مقاتلين عراقيين إلى سوريا للانضمام إلى معركة الرئيس بشار الأسد ضد مقاتلي المعارضة.
تصرفات استفزازية
على صعيد متصل قالت وكالات أنباء إيرانية إن مساعدا عسكريا بارزا للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي حذر الولايات المتحدة من تبعات ”التصرفات الاستفزازية“ في العراق. ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن الجنرال يحيى رحيم صفوي قوله ”ننصح الساسة والعسكريين الأمريكيين بتحمل مسؤولية تبعات تصرفاتهم الاستفزازية (في العراق)“. وأضاف ”أي تصرف أمريكي سيعد فشلا استراتيجيا أكبر في سجل الرئيس الحالي“.
وكانت العلاقات بين البلدين - المتوترة أصلا منذ انسحاب واشنطن من الإتفاق النووي سداسي الأطراف مع إيران في عام 2018 وفرض إدارة ترامب عقوبات مشددة على طهران قد تدهورت بشكل خطير منذ اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس الإيراني في مطار بغداد في شهر يناير كانون الثاني الماضي. وردا على تهديد ترامب ايضاً، غرّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قائلا إن إيران ليس لها وكلاء ولكن لها اصدقاء.
وجاء في تغريدة المسؤول الإيراني "لا تنخدعوا من جانب دعاة الحروب مرة أخرى. يا ترامب، لإيران اصدقاء. لا يمكن لأحد أن يكون له ملايين الوكلاء." "فخلافا للولايات المتحدة، التي تكذب وتغش وتغتال خلسة، فإن إيران لا تفعل أكثر من الدفاع عن نفسها". وكتب "إيران لا تشن الحروب ولكنها تلقّن اولئك الذين يشنون الحروب دروسا". ويذكر أن للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نحو 7500 عنصر في العراق يقوم معظمهم بتدريب القوات العراقية على محاربة الجماعات الجهادية، ولكن بدأت دول التحالف بخفض أعداد قواتها العسكرية بشكل كبير.
وقرر التحالف سحب الكثير من عناصره من العراق كإجراء احترازي لتفادي تفشي وباء كورونا. وكانت إيران قد انتقدت العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عليها، خصوصا فيما يتعلق بحظر تصدير المواد والمعدات الطبية إلى إيران. واتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني واشنطن "بإضاعة فرصة تاريخية" لرفع العقوبات. وقال "هذه مسألة إنسانية، ولم يكن لأحد أن يلومهم لو تراجعوا".
من جانبه قلّل اول سفير إيراني في العراق بعد 2003 وبحسب بعض المصادر، من جدّية الولايات المتحدة في اجراء محادثات استراتيجية مع العراق، معتبرا ان ذلك يتعارض مع الطبيعة العدوانية لواشنطن. وشدّد السفير حسن كاظمي قمي على ان أمريكا فشلت في ابرام اتفاقية تضمن هيمنتها العسكرية والأمنية والسياسية على العراق، مشيرا الى ان واشنطن تريد إيصال حكومة تمنع تنفيذ قرار البرلمان العراقي القاضي بإخراج قواتها من العراق.
تكليف ومطالب
كُلِّف مصطفى الكاظمي، بتشكيل الحكومة التي ستحل محل تلك التي سقطت، العام الماضي، بعد اعتذار عدنان الزرفي، ومن قبله محمد توفيق علاوي عن تشكيلها، في خضم أشهر من الاحتجاجات. وفي أول خطابٍ متلفزٍ له، بعد تسميته رئيساً للحكومة، قال الكاظمي إن الأسلحة يجب أن تكون في أيدي الحكومة فحسب، مشيراً إلى أن الأهداف الأساسية لحكومته تتمثل في محاربة الفساد وإعادة النازحين إلى ديارهم. وبعد ساعاتٍ من تسمية الكاظمي، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، إن الكاظمي "أثبت في وظائفه السابقة أنّه وطني وشخص كفؤ"، معرباً عن أمله في أن يتمكن سريعاً من تشكيل حكومة "قوية ومستقلّة".
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر سياسي رفيع القول إن تسمية الكاظمي "تأتي مكسباً للعراق، خصوصاً في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، ولضمان تجديد استثناء بغداد من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران". وقال سياسي مقرب من الكاظمي إن للكاظمي شخصيةً لا تعادي أحداً، وهو صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأمريكيين، وأخرى عادت إلى مجاريها، مؤخراً، مع الإيرانيين.
ولا يعتبر الكاظمي شخصية جديدة على طاولة السياسة العراقية؛ فقد كان اسمه مطروحاً منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وحتى قبل ذلك كبديل للعبادي، عام 2018. لكن عوامل عدة حالت حينها دون نيله التوافق، لاسيما وأن بعض الأطراف الشيعية تصفه بأنه "رجل الولايات المتحدة" في العراق. ووجه فصيل عراقي مسلح مقرب من إيران اتهامات للكاظمي بتورطه في عملية اغتيال الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، التي نفذتها واشنطن في بغداد.
الى جانب ذلك أعتبر النائب عن تحالف الفتح ثامر ذيبان، وبحسب بعض المصادر، وجود القوات العسكرية الأمريكية شكلا من أشكال احتلال الأراضي العراقية، داعيا الحكومة إلى إعلام مجلس النواب عن عديد القوات الأمريكية وطبيعة ومهامها وعملها. وقال ذيبان إن “تواجد أي قوات أجنبية يكون بموافقة الحكومة كون العراق بلد ذات سيادة”، معتبرا أن “عدم امتثال الولايات المتحدة الأمريكية لقرار مجلس النواب باخراج جنودها من الأراضي العراقية يعد شكلا من أشكال احتلال الأراضي العراقية”.
وأشار ذيبان إلى أن “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نصب نفسه حاميا على العراق وشعبه وهذا الأمر مرفوض من قبلنا”. وكان النائب عن تحالف الفتح حامد الموسوي أكد في تصريح، ان واشنطن سعت لاستدراج الحشد الشعبي نحو المواجهة المباشرة لاشعال فتيل الحرب معه، لافتا الى ان تلك المساعي فشلت لكن ينبغي ادامة ذلك وعدم الانجرار وراء المخططات الاميركية.
كما طالب عضو مجلس النواب، فاضل الفتلاوي، رئيس الوزراء المكلف، مصطفى الكاظمي بان يضع تداعيات التواجد الامريكي في البلاد من أولى مهامه. وقال الفتلاوي، انه "على الكاظمي مراعات دعم الشعب والكتل السياسية له ويضع تداعيات التواجد الامريكي من أولى مهمامه"، مبينا ان "الشعب العراقي ينظر إلى أمريكا بأنها محتلة للبلاد، بالتالي على الكاظمي ان يحقق طموحاتهم في طرد القوات الأمريكية من العراق".
واضاف ان "واشنطن مارست دورا سلبيا في العراق فيما يخص الأمن والاقتصاد، مما أثر على الوضع العام للبلاد"، مشيرا إلى ان "أمريكا تماطل بشأن خروجها من العراق ولن تستكمل ذلك لغاية الان". وبين ان "القوات الأمريكية الموجودة الان غير مسموح بها، خصوصا أن البرلمان صوت على قرار إخراجها من البلاد باسرع وقت ممكن"، لافتا إلى ان "من الواجب الوطني ان يرفض رئيس الوزراء اي تواجد أجنبي في البلاد"
من جانب اخر شدد عضو مجلس النواب، حسن فدعم، على ضرورة اخراج القوات الأجنبية من العراق، مشيرا الى ان دور القوات الامريكية في الحرب ضد الإرهاب كان ضعيف جدا. وقال ان "بقاء القوات الامريكية في العراق يعني بقاء داعش وولادة الإرهاب، بالتالي خروجهم بات امرا لابد منه"، مبينا ان "الشعب العراقي بجميع اطيافه ابدى رفضه القاطع للوجود الأمريكي في البلاد".
اضف تعليق