طالما تواصلت الحياة في ربوع المعمورة فإن الصراع قائم بين من يشغلها لاسيما الانسان، وحين استجد المشهد السياسي في العراق بعد عام 2003 وتنوع الحراك وبرز صراع الارادات محليا واقليميا ودوليا، لم تكن أكثر التوقعات تشاؤما تصل الى المشهد الراهن في العراق فيما يخص الصراع وادواته كماَ ونوعاً...
صراع الإرادات قانون أزلي خُلق مع حضور الكائنات على كوكبنا، والصراع بين الاضداد هو المحرّض الأقوى لديمومة الحراك والعمل والبناء والتهديم وما شابه، إذن لولا صراع الارادات لسكن الانسان واطمأن للنمط المعيشي القائم وتخلى عن طموحاته في الكشف والتحقق وصناعة الجديد.
وطالما تواصلت الحياة في ربوع المعمورة فإن الصراع قائم بين من يشغلها لاسيما الانسان، وحين استجد المشهد السياسي في العراق بعد عام 2003 وتنوع الحراك وبرز صراع الارادات محليا واقليميا ودوليا، لم تكن أكثر التوقعات تشاؤما تصل الى المشهد الراهن في العراق فيما يخص الصراع وادواته كماَ ونوعاً.
بل من المستحيل على الراصد أن يتوقع هذا النوع المستجد من الصراع، ليصل الامر الى تفجير البنايات والعمارات السكنية التي تأوي أناسا مدنيين أبرياء وعزّل ولا علاقة لهم بالصراع بصورة مباشرة، كما حدث قبل ايام حين هزت سبعة انفجارات ضخمة ومهولة سبع بنايات سكنية لا تشكل هدفا عسكريا او حكوميا او اقتصاديا مهما.
هنا لابد أننا دخلنا في طور صناعة او انتاج الرعب والعنف، وهي صناعة تتفاقم في الساحة العراقية، إذ أن جميع ادوات الصراع على مدى السنوات الماضية كانت تدور بين السياسات الاقليمية والدولية والمحلية بنحو لا يشوبه الغموض حيث الاهداف واضحة وأطراف الصراع معروفين ومؤشرين، أما ما حدث في التظاهرات الأخيرة فهي خطوة جديدة تشير الى اعتناق استراتيجية جديدة يمكن أن نطلق عليها تسمية (صناعة الرعب) الامر الذي يدل على أن المستهدّف هو المواطن الأعزل وبالتالي زرع الرعب على نحو متعاظم بين الجميع لتحقيق أهداف مخطط لها سلفا.
وفي بحثنا عن هذه الاهداف الخفية او الاسباب التي تدفع أصحابها لصناعة الرعب المستحدثة، سنصل الى مسببات عدة منها:
- المحاولات المستميتة لمصادرة النهج الديمقراطي والتعددية والتشارك في إدارة البلاد والعمل على تنمية الحس الفردي على الجماعي.
- الوصول الى درجة قبول المواطن بمقايضة الأمن مقابل الحرية وهو الهدف الاخطر لاستراتيجية صناعة الرعب. بمعنى أكثر وضوحا، إذا أردت الأمن عليك أن تتنازل عن حريتك لصالح السياسي.
- إحباط التطلع المشروع لبسطاء الناس في تحقيق نمط حياتي متقارب مع ذوي النفوذ من السياسيين وغيرهم.
- تحقيق الاهداف الاقليمية والدولية على الساحة العراقية بسهولة ويسر تحت هاجس الرعب والخوف ثم الخضوع القدري التام لما يحدث.
واذا صحَت هذه الاستنتاجات المأخوذة من مراقبة الواقع وملاحظة الصراع السياسي بأصنافه المتعددة، فإننا لابد أن نعتمد الفعل المضاد، بمعنى إذا كانت صناعة الرعب تفصح عن اهدافها بوضوح لا يقبل اللبس، فإننا لابد أن نلجأ الى المضادات القادرة على التعامل مع هذه المستجدات الخطيرة، لأننا نفهم تمام الفهم بأن الانظمة التقليدية المأزومة التي تحيط بالعراق وتقع في مداره الاقليمي لابد أن تفعل كل ما في وسعها لتحويل حياة العراقيين الى كوابيس مرعبة والهدف لا يحتاج الى تذكير مجددا، إنهم يعتبرون أنفسهم مهددين بالتجربة العراقية، وبالتالي فهم لا يدّخرون جهدا للاطاحة بها، من خلال التخطيط والتنفيذ الدقيق كما حدث في الاعمال الاجرامية الاخيرة التي بدأت بزرع الرعب في نفوس العزل والابرياء عامة، لذا مطلوب ممن يهمهم الامر وهم العراقيين بطبيعة الحال أن يستخدموا المضادات اللازمة التي تحد او تكبح جماح صناعة الرعب الجديدة من خلال:
- الدفاع عن الحريات الجديدة بكل الامكانات الأهلية المتاحة، كالتظاهر والاستنكار وعدم الركون الى القدرية والخنوع.
- رفض الاحتلال وتحميله المسؤولية القانونية والاخلاقية عمّا يحدث تحت أنظار الدولة المحتلة نفسها.
- الخروج بعيدا عن الإطار الفئوي والتعامل مع صناعة الرعب الجديدة بروح وطنية وثابة تضع مصلحة الآخرين قبل الذات.
- رصد شبكات الفساد من لدن الجميع، ووضع الكوابح اللازمة لها، وتشريع ما يلزم من القوانين الفورية الشديدة لاستئصالها.
- التعاضد الاعلامي المبرمج لفضح صناعة الرعب والقائمين عليها من دون خوف أو تردد.
وبهذه الخطوات وغيرها يمكننا الوصول الى نتائج تدريجية تصب في صالح الشعب وتقوّم التجربة العراقية وتسندها، وأخيرا بإمكان العمل الجماعي المبرمج أن يفضح صناعة الرعب الجديدة وأن يجعل منها صناعة كاسدة بدلا من أن تشكل هاجسا يقض مضاجع الابرياء ناهيك عن أدوارها الأخرى التي سبق ذكرها.
اضف تعليق