الصداقة وقبول الآخر والآلفة والثقة مع الآخرين هو مفتاح مهارة اللاعنف، وبه نتعامل مع تغيير شديد وجوهري للصورة الذهنية التي نكونها عن الآخرين حتى تتسم بالليونة والمرونة عن طريق المهارات والتقنيات الشخصية، واول تلك المهارات هي انه يجب ان تعرف نفسك جيداً قبل ان تستطيع...
الصداقة وقبول الآخر والآلفة والثقة مع الآخرين هو مفتاح مهارة اللاعنف، وبه نتعامل مع تغيير شديد وجوهري للصورة الذهنية التي نكونها عن الآخرين حتى تتسم بالليونة والمرونة عن طريق المهارات والتقنيات الشخصية، واول تلك المهارات هي انه يجب ان تعرف نفسك جيداً قبل ان تستطيع ان ترى الآخرين بمنظار الموضوعية، وعندما نقول ان تعرف نفسك، انما نعني ان تسيطر عليها ويكون لديك الانضباط الذاتي الداخلي.
ويقول علماء النفس ان احترام النفس الصادق والحقيقي ينبع من السيادة على النفس ومن الاعتماد الحقيقي على الذات ثم ان الاعتماد على الذات حقيقة صادقة في قبول الآخر دون النظر الى انتمائه الفكري او السياسي او الديني او المذهبي او الطائفي، وازاء ذلك يقول علماء النفس من الحماقة محاولة تطوير مهارات العلاقات الانسانية وتقبل الآخرين ولم تتكون بعد لدينا النية والعزم الصادق في تقبلهم.
ان تعلم الاساليب والمهارات في تقبل الآخرين تنبع من ذواتنا، وفي ذواتنا نصنع تغييراً في رؤية الآخر، لذا فإن المكان الذي نبدأ فيه بناء أية علاقة ناجحة وصادقة هو من داخل انفسنا اولا، ومن داخل دائرة نفوذنا وتأثيرنا وشخصيتنا الذاتية ومن ثم بعد ذلك تتكون لدينا القدرة على السيطرة وخلق التواصل في تقبل الآخر المخالف لنا، اي لدينا القدرة في خلق المبادرة مع الآخر..
اننا نتحاور مع انفسنا دائماً حول موضوعات عديدة في حياتنا الواقعية ونحكم عليها بالسلب او بالإيجاب دون ان نعلن قراراتنا للآخرين وهو ما يعرف بجدلية الصراع الداخلي والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، هذه الافكار التي نقمعه احيانا او نلغي وجودها احياناً آخرى حتى عن مخيلتنا، تجعلنا اكثر استقراراً وتعطينا بعض الراحة النفسية لا سيما ان قمة الصحة النفسية هو القدرة على تأجيل الإشباعات ولو بعد حين واتخاذ القرارات الملائمة بعد تدقيق، فمهارة اللاعنف تتحقق مع زيادة في التعلم والنمو في الذات وهي خاصية نفسية يتسم بها الكائن البشري دون غيره.
ان البعض منا ممن يتمتع بالصحة النفسية العالية يعد التعلم الذاتي داخل النفس افضل مكان له في اكتساب الخبرات الجديدة من خلال طرد الافكار السلبية وهي مهارة من مهارات اللاعنف رغم ما بها من ألم واحباط ويقول علماء النفس اعظم العقبات التي تأتي من خلال تعلم مهارة جديدة هي من داخل الذات وخصوصا تعلم مهارة التوافق مع الذات ثم مهارة التوافق مع البيئة الخارجية المتمثلة في الالفة والصداقة وتقبل الآخر، نحن على وعي وادراك بهذا الالم، لأنه ألم مبرح وقاسي وتساندنا المعرفة السيكولوجية في تأكيدها على ان القدرة على التغلب على الالم هو بقبول الالم ذاته اسوة بقبول السعي وراء اللذة والتغلب على الالم.
ان من اساسيات دراسة علم النفس الاجتماعي هي معرفة الروابط والعلاقات الاجتماعية بين الناس، لذا فإن القاعدة الذهبية في معرفة الناس تقوم على اساس ان الناس بحاجة الى الناس، والبشر يقدم كل منهم للآخر اعظم مسرات الحياة وافراحها وكذلك اتراحها العميقة وربما يكون هذا احد الاسباب في ملاحظة كل منا للآخر ومحاولة فهمه والالتقاء معه والتقارب نحوه حتى غدت الحياة بكل مصاعبها رحلة عابرة يتكيف كل منا معها حسب طريقته في ادراكها لكي يحقق ما يمكن تحقيقه بأقل الخسائر النفسية والجهود المبذولة.
اثبتت الدراسات النفسية الاجتماعية ان المساندة الاجتماعية تسهل بالفعل عملية الشفاء من المرض والضغوط النفسية، ويبدو على الافراد الموجودين في مواقف ضاغطة ردود فعل اقل حدة بدنياً حينما يكونون في صحبة الآخرين من الناس كما عبرت عن ذلك عالمة النفس (ليندا دافيدوف)، هذه النتيجة العلمية تتفق مع مهارة اللاعنف عبر استخدام مهارة الألفة مع الآخرين حتى ان الاعتقاد السائد يتحقق من خلال الرؤية التالية وهي ان البشر بإمكانهم ان يؤدوا حاجات انسانية اضافية آخرى عند طلب العون والمساعدة ولا يظهر ذلك الا في مواقف المقارنة الاجتماعية "النخوة والمساندة".
ومن الدراسات العلمية التي قام بها علماء النفس السلوكيون هي دراسة ادراك الشخص بقولهم أن حياتنا تعتمد بدرجة كبيرة على حياة الآخرين من حيث الالتقاء الانساني فإننا كبشر نميل الى كوننا مشاهدين للناس وبنفس الوقت مشاركين معهم في تفاعلهم الاجتماعي، نؤثر فيهم ويؤثرون فينا حتى انهم وضعوا ما اطلقوا عليه الانطباع الاول في العلاقة الانسانية المتبادلة بين رجل ورجل او امرأة وامراة او رجل وامرأة او طفل وطفل وهكذا، وتوصلوا الى ان الانطباع الاول يثبت في الذاكرة ويؤثر على ادراكنا وهي حقيقة علمية لا جدال فيها رغم ان التحيز المتعلق بالمنطق والجمال الجسمي وطريقة التحدث وتأثير الملبس وقوة الشخصية عوامل تؤثر في هذا الانطباع وتترك اثاراً واضحة في الذاكرة، سلبية كانت ام ايجابية، فالبعض تؤثر انفعالاته ومكوناته الذاتية الداخلية في تقييم اللقاء الاول، والبعض الآخر يضع الحواجز والضبابية في الرؤية بشكل قصدي ويكون اكثر تحيز الى ذاته بينما آخر يتجنب الحواجز وتكون الرؤية واضحة وناصعة لديه وهو اميل الى الموضوعية منه الى الذاتية.
وهكذا فإن ادراكاتنا للناس قابلة للتحيز وانه ليس من المستبعد والغريب ان نجد الناس يفشلون كثيراً في رؤية بعضهم لبعض وجها لوجه وبدون قيود مصطنعة ويتقابلون بدون رتوش مصطنعة اذا ما توفر عامل مهم جداً واساس هو الاعجاب فيما بينهم واذا ما التقت السمات المرغوبة لدى بعضهم البعض فإنه يتحقق هذا التواصل والصداقة.
هذه الآلية في التعامل البشري يحكمها التعقل الانساني المتمثل في قمة ادائه في ابداء روح المسالمة والآلفة وقبول الآخر بمدخله الانساني في اللاعنف وهي مهارة بحد ذاتها يفتقدها الافراد الذين تزداد لديهم الذاتية العالية والنرجسية ويكون التمركز حول الذات احدى سماتهم المميزة مع انفسهم اولا ومع الآخرين ثانياً، لذا فلا الاعجاب ولا الانجذاب نحو الآخرين يزيد من درجة التقارب والالفة ولا يمكنهم ان يؤصلوا روح المسالمة في نفوسهم، فهم يعيشون حلقة مفرغة في الذات تنعكس بوضوح على العلاقة بالآخرين ويكون نقيضه التام في سلوك ممن يمتلكون روح المسالمة ومهارة تقبل الآخر وهو سلوك الاسوياء، اصحاء النفس.
اضف تعليق