اضطراب موعد النوم واليقظة يعد مؤشرا لفقدان التزامن بين برنامج الفرد في النوم واليقظة وبين برنامج النوم واليقظة المرغوب فيه من قبل الفرد نفسه ويحصل حينئذ اختلال في الساعة البايولوجية التي اعتاد الجسم ان ينظم من خلالها توقيتات النوم والاستيقاظ، مما يترتب عليه شكوى من الارق...

حينما يجافي النوم أجفاننا في ليالي عديدة نشعر بأن شيئا ما يحدث في داخلنا، هل هي أزمة عابرة استصعب علينا حلها، أم ان كربا ما استفحل في دواخلنا وبات من الصعب علينا عزله او تحييده على الاقل، أم أن هذا اضطراب لشكوى لم نعد نعيها؟ كل تلك وأمور اخرى ربما تداعب لاشعورنا ونحن في غفلة منها لا نعي مداها أو قوة تأثيرها، الا ما شغل بالنا وتفكيرنا وحرمنا من النوم وهو الارق. لذا فإن الارق هو أحد مصادر الشكوى الازلية والاكثر شيوعا بين الناس في القديم وفي حضارتنا المعاصرة.

فأحيانا يؤدي بالبعض منا الى تعكير الوظائف الاجتماعية والحياة العائلية وينعكس ذلك على عطاءاتنا في العمل والانتاجية وربما اختل توازننا، كثرت الشكوى وازدادت نسبة الذين يشكون منه، ليس في فئة عمرية محددة كالمتقدمين بالسن كما الحال الشائع لدى العامة بسبب القلق والخوف من الموت فحسب، بل في فئات عمرية اخرى مازالت في مقتبل العمر او وسطه، حتى بات الارق عرضا لاضطراب آخر وليس مرضا بحد ذاته وربما يكون مقدمة للأمراض النفسية، وبناء على ذلك يمكننا تصنيف هذه الظاهرة الى أنواع استنادا الى ديمومتها:

- الارق العابر: وهو الذي يستمر لعدة أيام، ويعد بحد ذاته رد فعل لفترات من الشده او بعض الازمات او الضغوط النفسية الحادة.

- الارق القصير الامد: وهو الذي يمتد لثلاثة أسابيع، ويرتبط ايضا بنوع الشدة والضغوط النفسية في المواقف الحياتية الاجتماعية العامة التي يمر بها الانسان، او أحيانا أخرى بسبب مشكلات تتعلق بالوضع الاقتصادي الشخصي او مشكلات العمل، او مشكلات أسرية تنتاب الفرد خلال مسيرة الحياة ولا يستطيع حلها.

- الارق الطويل الامد: وهو الذي يستمر لعدة شهور او سنوات، وينجم عن ظروف صحية او نفسية او عن اضطرابات ناجمة أساسا عن بعض الادمانات الكحولية المزمنة.

يرى علماء النفس ان عسر النوم ناجم عن حالات نفسية المنشأ في الاساس ويصاحبها اختلال في كمية أو كيفية او توقيت النوم الممثل في حالات الارق في أغلب الظن، وينعكس ذلك في اضطراب جدول وتوقيتات النوم واليقظة، ويمكننا تعريف الارق:

بأنه حالة من عدم اكتفاء كمي أو كيفي من النوم تستمر لفترة لا بأس بها من الوقت تجعل الانسان في حالة من الوهن والضعف الجسدي مما لا يقوى على اداء أية فعاليات.

ان تكرار الشكوى بين الافراد الذين يعانون صعوبة في السكون الى النوم يليها صعوبة ايضا في الاستمرار بالنوم، وحتى وأن حصل النوم، فبعدها يكون الاستيقاظ المبكر الذي يترك أثارا على حالة الانسان النفسية، ومنها الشعور بالوهن او التعب او الارهاق. ومن الحقائق التي يظهرها الافراد الذين يعانون الارق وخاصة النساء وكبار السن بأنهم يشعرون بالتوتر والقلق والانشغال بالأفكار او حتى النوبات الاكتئابية، ومن أعراضها يشعر بعض الافراد كأن أفكارهم تتسابق وأنهم يجترون أفكارهم وتتعقد الصورة وتتزاحم حتى تبتعد اللحظات التي تقود البعض منهم الى النوم وبالتالي يجافي عيونهم.

عد الارق عرضاً شائعاً لدى الافراد الذين يعانون من بعض الاضطرابات النفسية والعقلية، مثل الاضطرابات الوجدانية والعصبية، واضطرابات الاكل، او في اضطرابات النوم المتمثلة في الكوابيس، ويصاحب لحظات النوم القصيرة او المتقطعة بعض الكوابيس وحتى الاختناق احيانا فضلا عن الرجفان العضلي الليلي.

ان اضطراب موعد النوم واليقظة يعد مؤشرا لفقدان التزامن بين برنامج الفرد في النوم واليقظة وبين برنامج النوم واليقظة المرغوب فيه من قبل الفرد نفسه ويحصل حينئذ اختلال في الساعة البايولوجية التي اعتاد الجسم ان ينظم من خلالها توقيتات النوم والاستيقاظ، مما يترتب عليه شكوى من الارق بشكل عام، لذا تتصف اوقات النوم واليقظة بعدم التنظيم.

ما يسببه الارق في حياة الانسان هو عدم قدرته الى الخلود للنوم فيبقى مستيقظا لمدة تتراوح الى عدة ايام وبهذه الحالة يختل الانتظام في ساعات النوم واليقظة، وقد رصد علماء النفس بعض التأثيرات السلوكية الناجمة عن عدم القدرة على النوم وظهور بعض الاستجابات المتمثلة في ظهور اختلالات واضحة في التركيز مثل الهلوسة، وضعف القدرة على الانتباه وفقدان تسلسل التفكير، فضلا عن أخطاء في الادراك، وهو اضطراب مؤقت يزول بزوال التأثير الفاعل المؤثر بسبب قلة النوم، واذا ما استمر الافراد بأعمالهم، فأنهم يؤدونها ببطء اكثر وظهور اخطاء واضحة في العمل او انتاجية اقل من الوضع الاعتيادي، وبعض الاحيان تؤدي الاخطاء الى حوادث واصابات في العمل خصوصاً اذا كانت الاعمال القاسية والخطرة مثل معامل الحديد والصلب والصهر العالي للمواد الصلبة ومعامل النجارة الكبيرة ذات المكائن الحادة. 

أما التأثيرات البدنية الناجمة فتتمثل بظهور رعشه خفيفة في اليدين، مع صعوبة في تركيز العين (زغلله)، وبروز واضح في تهدل الجفون، وكذلك الحساسية الزائدة للألم، مع هبوط واضح في النشاط العام بمرور الوقت، وقد اثبتت النتائج البحثية والطبية في هذا المجال، ان حرمان الفرد من النوم لمدة خمسة ايام وليال متتالية تجعل من القلب والجهاز التنفسي في حالة خمول ويؤديان وظائفهما بتكاسل تام.

وجد العلماء ان هذه التأثيرات ستزول حتما في المدى البعيد عند عودة الفرد الى وضعه الطبيعي، واستعادة قدرته على التحكم بساعات النوم الاعتيادية التي تتراوح بين8 -10 ساعات يوميا وحسب اختلافات الفئات العمرية وحاجتها الى ساعات النوم، فالتعويض عن النوم المسلوب سيساعد الفرد في استمرار حياته الاعتيادية.

 وخلاصة القول في كل الاحوال السابقة لحالات الارق، فإنه يعد واحدا من المظاهر التي تعتري الانسان في الحضارة الحديثة وهو من نتائج العمل المضني والتفكير المتزايد والطموحات الواسعة التي لاتتناسب مع القدرات المتاحة للعمل مما تؤدي الى الاجهاد البدني والنفسي.

* نشر في شبكة النبأ المعلوماتية – آذار 2005 / صفر المظفر 1426

اضف تعليق