عاش بنو أمية في صراع مستمر منذ بدء محمد (ص) دعوته للإسلام في تغيير مجتمع بدوي جاهلي متعصب إلى مجتمع يسمو إلى الإنسانية، لكن قوة الدفعات ضد التجديد في المجتمع السائد آنذاك كانت أقوى لدى بني أمية بالأخص لأنهم يعتقدون أنهم أسياد قريش، وأسياد العرب، فظلت لغة التكبر...
محوت الموت من خارطة الوجود بكلماتك يا حسين، لن أبايع، مثلي لا يبايع، البيعة كلمة، لن أقولها، أنه الحسين (عليه السلام) أستشهد ومعه أهل بيته، لن أعلن موت دين جدي ببيعتك يا أبن الدعي، أستشهد بعد غدر أهل الشجاعة له، موطأ قدم الخلافة الراشدية في الكوفة، سقط الحسين جسدًا، وارتفع فكرًا هز الوجود الإسلامي في مطلع العقد السادس الهجري، منحى جديد في الاسلام المحمدي مقابل الإسلام الاموي، مات الحسين (عليه السلام) وأعيد فكر من الاصالة كاد طغاة الوراثة أن يعلنوا موته.
نتساءل ويتساءل معنا العقلاء من عرف الدعوة الإسلامية، هل أن الدين الإسلامي هو دين محمد؟ أم دين غيره ممن رفضوه وشتموا محمد ودعوته في مكة، انهم قتلوا الحسين باسم من شتم محمد، وحارب محمد، وحارب دعوته، هل تستقيم الدعوة بقتل حسين؟ لا يمكن أن تقوم أو تستمر، وإن نمت وكبرت ولم تنضج ولكن إنهارت فكان الرفض عبر التاريخ ثأرًا من آل بيت النبي، بمقتل الإمام الحسين حفيد النبي، ولن تكون الدمعة إلا لغة رفض لواقعة كربلاء ومأساة الطف، إذن للدمعة لغة حزن، ولو بعد قرون وتستمر اللغة بكل عام معلنة بلسان عربي وأعجمي.
اتفق الكل أن يُعبر بذكرى مقتل فكر دين محمد، مقتل ابن فاطمة بنت النبي محمد، وابن رابع "الخلفاء الراشدين" كما دون لنا التاريخ تسلسل الخلفاء بعد محمد (صلى الله عليه وآله) بلغة خاصة، واللغة هي مفتاح التواصل بين البشر، الدمع لغة، والآهات لغة، والكلام لغة، والحزن لغة، النوح لغة، وحركة الأجساد في حضرة الذكرى الحسينية هي الأخرى لغة أيضًا.. ما أصعب أن تتحول اللغة للتعبير عن مأساة في واقعة الطف في كربلاء.. انه الحسين صاحب الكلمة، لن أقولها، ولم اقولها بلغة من لسان عربي هاشمي، لسان حفيد النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فاللغة كلمة، ودمعة، وحركة جسد، ونياح، وآهات عبر التاريخ تشعل في الذي قتل الحسين عودة طبيعية لعدائية لسلالة الحسين من بعده.. وهي عودة المكبوت.
قُتل الحسين (عليه السلام) ولن يقول من بايع محمد وبايع آل بيته، أية معجزة تأتي بمقتل حسينًا، وأي دعاءٍ ملهوف بالمغفرة، وهل للبكاء لغة، أم هل للطم لغة، أم هل للحزن لغة؟ نعم ان للدمعة لغة، وللحزن لغة، وللطم لغة، لغة رفض مهما جار الطغاة، وفسد الساسة من الشيعة في إدارة دولة أموية باسم الحسين.
واقعة الطف تعود ذكراها كل عام بمقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وعيٌ لكل العصور ضد الطغاة، في كل مكان وزمان، كما زمجر الصوت من أعالي السماء ضد يزيد، قُلت ما أردت قوله يا حسين، أنك لن تبيع القضية، ولن تقول أبايع ابن الزانية، وإن جب الإسلام ما سبقه، لكن ظلت في دواخلهم كل معاني الجاهلية، وإشعار الآخرين بالدونية، وتقليل شأن بني هاشم بيت النبوة من الرسالة والنبوة، فهان عليهم أن تكون النبوة والسيادة في بيت محمد، فقتل الحسين كأنه كبش فداء لما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) وعنفوان علي (عليه السلام) وكبرياء فاطمة (عليه السلام) أن يعود أكبر مقاتل في الفتوحات الإسلامية" وهو الحسين" ليعيد الوعي الجمعي لأمة غرر بهم طغيان أبا سفيان وساسة بني أمية، فكان الحسين (عليه السلام) يأمل أن يعيد الوعي الجمعي لدى هذه الأمة، أمة محمد (صلى الله عليه وآله) لا أمة بني أمية، أمة الفتوحات ونشر الأصالة في الدين الإسلامي، لا الدين المزيف بتعاليم أل سفيان ومعاوية.. وهل نسى من آمن بمحمد وبرسالته والخلفاء من بعده وأخرهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأن يرفض سليل أمية " معاوية" وشيطانها الأكبر ولاية علي بن أبي طالب؟. أية دعوة على الحسين (عليه السلام) أن يقول كلمة بلغة يعلنها بمبايعة دعي وخارج عن الإسلام في الخفاء والعلن، أقصد يزيد.
عرف سابقًا في تاريخ الأمم والحضارات فكرة توريث الروح، وتقوم على فكرة عند الأخذ بالرأي القائل إنه في قديم الأزمان كانت الملوك عند الأعراق الهمجية والبربرية أن لا تنقرض العائلة المالكة يكون تنصيب رجل لديه بُعد نظر نحو المستقبل وإدارة الدولة، ولكن لم نجد ذلك في توريث يزيد للدولة التي أسسها معاوية ضد "الدولة الراشدية" عنوة وبالأخص خلال تولي علي بن أبي طالب (عليه السلام) الخلافة.
الإمام الحسين (عليه السلام) مطلق في الوجود فكرًا ونسبُا وتاريخًا، أليس هو حفيد محمد (صلى الله عليه وآله) النبي الرسول وخاتم الأنبياء، آمن به الأولون بصدق، وأمن به نفرٌ من الرجال بعد فتح مكة غصبًا وعنوة، فردوا هذا الإيمان المزيف بمقتل إبن بنته وعزيزه، وأقرب أحفاده له محبة ومودة، ابن فاطمة (عليه السلام)، قتله من دخل الإسلام لا حبًا بالإسلام، ولا إيمانًا بالإسلام، بل مرغمًا، وكأنها صاعقة من آلهة قريش التي يعبدونها ويبيعونها كوهم مقدس للتجارة والسمسرة ومحطة للاستراحة لتجار الجزيرة من شمالها إلى جنوبها لليمن السعيد آنذاك، قتلوا الحسين نكاية بإجبارهم دخول الإسلام، ونكاية بمحمد لأنه النبي المختار على كل تلك الاقوام والملل والنحل، رغم الحضارات التي بها أباطرة وملوك وتجار وأسياد.
الإمام الحسين (عليه السلام) كبش الفداء لدين محمد (صلى الله عليه وآله) عودة المكبوت عند بني أمية:
عُرف في الحضارات القديمة منذ الأزل بأن كبش الفداء يكون نحر حيوانًا لقضية مقدسة تعارفت عليها المجتمعات والشعوب والاقوام، ولكن لم يألف في التاريخ أن ينحر قائد من قادة المسلمين وابن بنت النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أمام أهله ضحية لا ندري هي ضحية آلهية لبني أمية، أم قربان عَدوهُ لمن رفض دعوة محمد منذ بداياتها وحتى فتح مكة، ونعيد ونقول إن الإسلام يَجُبُ ما قبله.. والله أعلم !! وهل له أن يقدم بنت فاطمة بنت النبي محمد قربانًا لألهة بني أمية، وهو في الحقيقة تعبير رمزي عميق لما يدور في النفس الإنسانية وما عُلق في اللاشعور – اللاوعي الجمعي لدى بني أمية، فقتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن فاطمة بنت محمد نبي الإسلام، هو عودة المكبوت في لاشعور – لاوعي بني أمية الجمعي، وفي فكر حاكم بني أمية الجديد يزيد بن معاوية.
واللاشعور – اللاوعي هو ما كبت في داخل النفس ربما كبتًا عميقًا، لو أنه كبتًا ثانويًا لاستعاد المكبوت عافيته بعد نضال مع النفس وجهاد ضد نزواته في المتعة والسلطة والمال وكل ما يؤذي معتقده، أو يسبب له إيلامًا في نفسه، وربما يشكل صراع غير منتهي.
عاش بنو أمية في صراع مستمر منذ بدء محمد (صلى الله عليه وآله) دعوته للإسلام في تغيير مجتمع بدوي جاهلي متعصب إلى مجتمع يسمو إلى الإنسانية، لكن قوة الدفعات ضد التجديد في المجتمع السائد آنذاك كانت أقوى لدى بني أمية بالأخص لأنهم يعتقدون أنهم أسياد قريش، وأسياد العرب، فظلت لغة التكبر والعنفوان هي السائدة لديهم، لغة السيد أو الأخ الكبير على جميع القبائل في الجزيرة العربية، ولأن الحسين هو روح النبي محمد وفكره الأصيل وسليله، فخافت بني أمية من روحه التي قد تسبب لهم انتقامًا شديدًا لا طاقة لهم بها، فمارسوا ضد سليل النبوة نسبًا وخلقًا وتاريخًا، وهم "بنو آمية" الذين لا ينتسبون للإسلام إلا مظهرًا فقط، فكيف يعود سليل من أحدث لهم كبتًا مزمنًا في لاشعورهم – لاوعيهم الجمعي مرة أخرى.
عندما نصب يزيد خليفة بعد معاوية نصب في موقع العبادة "أمير المؤمنين"، أسقطت عنه كل مخاوف "فوبيا – رهاب مرضي" بني أمية التي عاشوها خلال عقود حياة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وإنتشار دعوته وأصبح المسلمين كثرة كاثرة لا قلة منزوية، وبدلًا من أن يصبح هو الرمز لهذه الامة ظلت دواخله تصرخ "لاشعوره" يئن من بني هاشم آل بيت النبوة، فأعلن الحسين نفسه رمزًا لدين محمد جده ابن بنته فاطمة، فكيف يكون الرمز المزيف "يزيد " الذي يحتمي به المتملقين ومن آمن برسالة محمد اسقاطًا لفرض في تغيير دينهم من الوثنية ومشاركة في بنية المجتمع، وبنفس الوقت أعطاه التنصيب قدرة وسلطة مطلقة يستطيع أن يفعل بلا حوار ما يريد مثل القتل "الحسين بن علي بن أبي طالب مثالًا"، التنكيل بأوائل من آمن بدعوة محمد (صلى الله عليه وآله) وحفظة القرآن، التعذيب حتى الموت "عبد الله بن الزبير إنموذجًا"، لو تأملنا في كل تلك من جوانبها النفسية المعمقة لوجدنا أن مركب الخوف من أصالة الدعوة الإسلامية ورمزها الجديد "الحسين بن علي بن أبي طالب" هو الأساس في كل ما حدث، فهو صراع قبل وفاق، أعني قبل الإيمان بدعوة محمد للإسلام، وصراع بعد وفاق، بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وهو صراع جمعي عند بني أمية ومن جاء بعدهم للحكم باسم محمد، ورهاب "فوبيا" مزمن من آل بيت النبوة وسلالة محمد (صلى الله عليه وآله) .
اضف تعليق