يبدو أن العلاقات الهندية الباكستانية المتوترة منذ عقود سوف تشهد المزيد من التصعيد، بسبب الخلاف المستمرة حول بعض القضايا المهمة ومنها ازمة كشمير، ويعتبر الصراع الهندي الباكستاني حول كشمير بحسب بعض المصادر، من بين الصراعات الأولى التي شهدتها القارة الآسيوية بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، حيث خاض الطرافان العديد من المواجهات فيما بينهما قصد أن يظفر به أحد الأطراف ويضمه إلى سلطته على حساب الطرف الاخر، الامر الذي ولد ردود فعلية دولية حيث بادرت إلى التدخل في القضية بغية الوصول إلى حل سلمي يمكن من خلاله توصل الطرفان إلى حل مناسب لفض النزاع دون الدخول في المواجهات العسكرية التي يكون من نتائجها زهق أرواح الأبرياء، هذا الصراع اليوم اثار ايضا مخاوف وقلق دولي كبير حيث يخشى الكثير من اندلاع حرب جديد ومختلفة.
وكشمير مقسمة بين الهند وباكستان منذ انتهاء الاستعمار البريطاني عام 1947. ويطالب الطرفان بالمنطقة كاملة وخاضا حربين في هذا السياق. وتنشر الهند 500 ألف جندي في الجزء الذي تسيطر عليه من كشمير حيث تحارب منذ 1989 عددا من الجماعات المسلحة التي تطالب بالاستقلال او الاندماج مع باكستان. وتتهم نيودلهي باكستان بتغذية التمرد الذي أسفر عن مقتل عشرات آلاف المدنيين، وهو ما تنفيه اسلام اباد مؤكدة أن ما تقدمه هو دعم دبلوماسي لحق الكشميريين في تقرير المصير.
مواجهات مستمره
وفي هذا الشأن قال الجيش الهندي إن قواته قتلت ستة مسلحين انفصاليين في تبادل لإطلاق النار بمنطقة كشمير المتنازع عليها فيما صعدت القوات الهندية عملياتها في أحد أكثر أسابيع القتال دموية هذا العام إذ سقط 23 قتيلا. وقال الكولونيل راجيش كاليا المتحدث باسم الجيش الهندي في كشمير إن المسلحين الستة قتلوا في قرية تقع جنوبي سريناجار وفي عملية أطلقها الجيش. وقتل جندي في العملية. وذكر المتحدث أن السلطات نقلت جثث المسلحين وصادرت ذخيرة من موقع العملية.
وقال مسؤول بالشرطة إن سكان المنطقة اشتبكوا مع القوات الهندية ورشقوها بالحجارة بعد العملية ورد الجنود بإطلاق الغاز المسيل للدموع والخرطوش والذخيرة الحية. وقتل شخص وأصيب آخر بجروح بالغة. وتأتي العملية في إطار أحد أكثر الأسابيع دموية في المنطقة هذا العام حيث سقط 16 مسلحا وجنديان قتلى من بين 23 قتيلا. وقتل 411 شخصا منذ بداية العام في كشمير الولاية الهندية الوحيدة التي يغلب على سكانها المسلمون. ومعظم القتلى كانوا مسلحين يعارضون الحكم الهندي. وهذا أكبر عدد للقتلى منذ عام 2008 عندما قتل 505 أشخاص.
ويقول مسؤولون إن القوات الهندية كثفت هجومها ضد مسلحين ينشطون في وادي كشمير وكذلك من يحاولون التسلل عبر الحدود مع باكستان. ورد المسلحون على ذلك باستهداف أفراد من شرطة كشمير وعائلاتهم في الشهور القليلة الماضية. ومن بين القتلى أحد أعضاء جماعة عسكر طيبة الباكستانية وتقول الشرطة إنه أحد أفراد المجموعة التي قتلت صحفيا بارزا أمام مكتبه في يونيو حزيران.
الى جانب ذلك قتل مسلحون مجهولون قياديا في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند في هجوم بولاية جامو وكشمير مما دعا السلطات إلى إعلان حظر التجول في المنطقة. وقالت الشرطة إن أنيل باريهار (53 عاما) سكرتير حزب بهاراتيا جاناتا في الولاية وشقيقه أجيت قتلا بالرصاص في بلدة كيشتوار التي تسكنها أغلبية مسلمة عندما كانا في طريقهما إلى منزلهما بعد إغلاق متجرهما. وقال ضابط كبير إن تحقيق الشرطة يبحث ما إذا كان متشددون دبروا الهجوم أم أنه عمل إجرامي. بحسب رويترز.
وقالت تقارير إعلامية إن سكرتير حزب بهاراتيا جاناتا في جامو وكشمير كان قياديا ذا نفوذ في المنطقة وإنه كان معتدلا ويتمتع بشعبية حتى بين المسلمين. وتسكن الجزء الواقع تحت سيطرة الهند من كشمير أغلبية مسلمة وتطالب به باكستان التي تتهمها الهند بدعم متشددين ينشطون في الولاية وهو ما تنفيه إسلام أباد. وقال راجيندر جوبتا المسؤول الكبير في الشرطة إن هناك حارسين معينين لمرافقة القيادي في حزب بهاراتيا جاناتا لكنهما لم يكونا معه وقت الهجوم.
استهدف متعمد
من جانبه قال زعيم الشطر الباكستاني من كشمير إن القوات الهندية أطلقت النار على طائرته الهليكوبتر قرب الحدود المتنازع عليها في عمل من المرجح أن تؤدي إلى زيادة التوترات بين البلدين. وقال فاروق حيدر خان رئيس وزراء إقليم آزاد كشمير الذي تسيطر عليه باكستان إن طائرته الهليكوبتر المدنية تعرضت لإطلاق نار من الجيش الهندي أثناء تحليقها فوق خط المراقبة الذي يقسم كشمير بين باكستان والهند. وقال مكتب خان في بيان ”الجيش الهندي أطلق النار لإظهار أن باكستان انتهكت مجالها الجوي“ لكنه أضاف ”عندما حدث إطلاق النار كنا داخل مجالنا الجوي“.
وقال اللفتنانت كولونيل ديفيندر أناند المتحدث باسم الجيش الهندي إن طائرة هليكوبتر باكستانية انتهكت المجال الجوي الهندي على طول خط المراقبة في منطقة بونش الواقعة في الشطر الهندي من كشمير. وأضاف أنه جرى التعامل معها ”بأسلحة خفيفة“. وشهدت العلاقات بين الهند وباكستان بعض التحسن على ما يبدو خلال الشهور الماضية إذ تراجع العنف والقصف على جانبي خط المراقبة. ودعا خان للهدوء قائلا ”لا نريد أي هستيريا حرب في هذه المنطقة“.
إلغاء محادثات
على صعيد متصل انتقد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلغاء الهند محادثات كانت ستصبح أول محادثات رفيعة المستوى بين البلدين منذ سنوات ووصف ذلك بأنه رد ”متعجرف“، ونعت من يعارضون التغيير بأنهم ”صغار في مناصب كبرى“. وألغت الهند اجتماعا بين وزيري خارجية البلدين كان من المقرر عقده على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقالت وزارة الخارجية في نيودلهي إن قرارها جاء احتجاجا على مقتل أفراد أمن هنود في كشمير وعلى طابع بريدي باكستاني تقول إنه ”يمجد“ انفصاليا مناهضا للهند قتلته قوات هندية في الإقليم المتنازع عليه العام الماضي.
ووصفت باكستان الأسباب التي ساقتها الهند بأنها ذرائع حتى تتمكن من تجنب إجراء محادثات قبل انتخابات عامة مقررة العام المقبل. وكتب خان على حسابه الرسمي على تويتر ”تملكتني خيبة أمل من رد الهند المتعجرف والسلبي على دعوتي لاستئناف محادثات السلام“. وأضاف ”على أي حال، لقد صادفت طوال حياتي صغارا في مناصب كبرى يفتقرون البصيرة لرؤية الصورة الأكبر“. واستئناف المحادثات متعثر منذ سنوات بسبب قضية كشمير التي يتنازعها البلدان والمقسمة بينهما. وخاض البلدان حربين من الحروب الثلاث التي دارت بينهما منذ استقلالهما عن بريطانيا في عام 1947 بسبب النزاع على الإقليم.
وحمّلت وزارة الخارجية الهندية باكستان مسؤولية إلغاء اللقاء بسبب أعمال عنف وقعت مؤخرا وقالت إنها كشفت وجود "أجندة شريرة" وعن "الوجه الحقيقي" لعمران خان، وأعلنت نيودلهي انها ألغت المحادثات بعد "مقتل عناصر أمن لدينا بوحشية على يد جماعات مقرها باكستان" كما وإطلاق إسلام أباد مؤخرا مجموعة طوابع بريدية "تمجّد الإرهابيين والإرهاب". ولم تحدد الهند عمليات القتل التي أشارت إليها في البيان. عُثر على جثث ثلاثة شرطة خطفوا في الشطر الهندي من كشمير. وأصدرت باكستان مؤخرا مجموعة طوابع بريدية تحمل صورة برهان واني، القيادي المتمرد الذي قتل بيد القوات الهندية في 8 تموز/يوليو 2016. وأثار مقتل واني موجة عنف دامية أسفرت عن مقتل العشرات.
إصلاح العلاقات
في السياق ذاته قال رئيس وزراء باكستان عمران خان إن حكومته والجيش يريدان إصلاح العلاقات مع الهند الخصم اللدود لباكستان، في أحدث مسعى لتحسين العلاقات بين الجارتين المسلحتين نوويا. وأضاف خان، في كلمة خلال افتتاح معبر حدودي جديد مع الهند في إقليم البنجاب ”أنا، رئيس الوزراء، وحزبي السياسي وباقي أحزابنا السياسية وجيشنا وجميع مؤسساتنا متفقون. نريد المضي قدما“. وقال مخاطبا الهند ”إذا اتخذت الهند خطوة واحدة إلى الأمام سنتخذ خطوتين إلى الأمام نحو الصداقة“.
وكان قمر جاويد باجوا قائد الجيش الباكستاني ضمن الشخصيات التي حضرت مراسم افتتاح المعبر. ونقطة العبور الجديدة التي ستفتتح رسميا العام المقبل تبعد نحو 120 كيلومترا عن مدينة لاهور الباكستانية وسيستخدمها الحجاج السيخ القادمون من الهند بدون تأشيرة دخول لزيارة الأماكن المقدسة في باكستان. وهذا الاتفاق يمثل واقعة تعاون نادرة من نوعها بين البلدين اللذين خاضا ثلاثة حروب منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1947.
ودعا خان إلى تحسين التجارة والتعاملات الأخرى عبر الحدود وحث على القضاء على الفقر من خلال التعاون. وهناك العديد من الخلافات بين باكستان المسلمة والهند التي تقطنها أغلبية هندوسية لكن الخلاف الرئيسي يتعلق بمنطقة كشمير في جبال الهيمالايا التي تطالب كل دولة بالسيطرة عليها كاملة لكنها تسيطر على جزء منها فقط. وتتهم الهند باكستان بتدريب وتسليح انفصاليين يقاتلون قوات الأمن الهندية في الجزء الهندي من كشمير. بحسب رويترز.
وتنفي باكستان ذلك وتقول إنها تقدم الدعم السياسي فقط لحملة شعب كشمير ضد ما يعتبرونه معاملة ظالمة من نيودلهي. وقال خان إن البلدين سيستفيدان من تحسن العلاقات. وأضاف ”نحتاج لزعماء على جانبي الحدود يعملون على حل المشكلة وأنا أؤكد لكم أن المشكلة ستحل“. وتابع متسائلا ”هل تتصورون كيف يمكن أن يخدم ذلك مصالح البلدين؟“. لكن الجيش الباكستاني وليس الزعماء المدنيين هو من يضع السياسات تجاه الهند وزعماء الجيش عادة ما يكونون أكثر حذرا.
اضف تعليق