ما تزال باكستان وعلى الرغم من تعرضها للعديد من الهجمات الارهابية واعلان انضمامها للحرب على الإرهاب من خلال القيام بعمليات عسكرية داخل اراضيها ضد التنظيمات المتشددة ، تواجه المزيد من الاتهامات بخوص دعم بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة لاستخدامها كورقة ضغط مهمة ضد خصومها في المنطقة، التي تعيش حالة من عدم الاستقرار والصراع المستمر منذ عقود، وقد وجهت بعض الدول العظمى في وقت سابق تحذيرات إلى باكستان دعاتها فيها إلى عدم تصدير الارهاب، بعد أن كشفت وثائق عسكرية مسرّبة أنها تدعم الجماعات الارهابية في افغانستان و الهند ودول اخرى.
وحذر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ا من أن باكستان قد تفقد وضعها كحليف إستراتيجي لواشنطن ما لم تغير سياستها إزاء حركة طالبان الأفغانية. وردا على سؤال صحافي حول ما إذا كانت واشنطن مستعدة لخفض مساعدتها، وفرض عقوبات، وحتى التوقف عن اعتبار باكستان "حليفا أساسيا غير عضو في الحلف الأطلسي"، قال تيلرسون "كل هذه الأمور مطروحة على الطاولة في حال رفضوا تغيير تصرفاتهم أو تعديل مقاربتهم إزاء العديد من المنظمات الإرهابية التي تجد ملجأ لها في باكستان".
وتابع تيلرسون "لدينا بعض وسائل الضغط، أكان في إطار المساعدات أو بالنسبة إلى وضعهم كشريك غير عضو في الحلف الأطلسي، كل ذلك يمكن أن يعاد البحث فيه". وباكستان هي واحدة من 16 دولة تستفيد من هذا الوضع المميز الذي يتيح إقامة تعاون عسكري وثيق مع الولايات المتحدة. في المقابل عبرت إسلام آباد عن "خيبة أملها" جراء تصريحات لترامب اعتبر فيها أن باكستان شكلت "ملاذا للإرهابيين" الذين يزعزعون أمن أفغانستان.
وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان "ليس هناك بلد في العالم عانى من آفة الإرهاب كما عانت باكستان، وغالبا عبر أعمال منظمة تتجاوز حدودنا. لذا فمن المخيب للآمال أن تتجاهل التصريحات الأمريكية التضحيات الجسام للأمة الباكستانية". وكان ترامب قد قال إن باكستان "ستخسر كثيرا إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين" يزعزعون أمن أفغانستان المجاورة، مشددا على أن هذا الوضع يجب أن يتغير "فورا".
تحرك سريع
وفي هذا الشأن قال دبلوماسية أمريكية بارزة لشؤون جنوب آسيا إن الولايات المتحدة تريد من باكستان التحرك سريعا من أجل إظهار حسن نواياها في دعم جهود مكافحة المتشددين الذين ينشطون في أفغانستان وفي حث طالبان على الجلوس على مائدة المفاوضات. وقالت أليس ويلز القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا، بعد أن رافقت وزير الخارجية ريكس تيلرسون في جولة بالمنطقة شملت باكستان، إن واشنطن تتطلع لرؤية خطوات عملية من باكستان ”على مدى الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة“.
وأضافت ”الوزير شدد على أهمية تحرك باكستان بسرعة لإيضاح حسن النية والجهود الخاصة باستخدام نفوذها لتهيئة الظروف التي تأتي بطالبان إلى مائدة المفاوضات“. وقالت ويلز إن علاقة باكستان ”طويلة الأمد“ بجماعات متشددة تهدد استقرارها وإن قيادات طالبان وشبكة حقاني الموالية لها ما زالت لديها القدرة على التخطيط وتنظيم صفوفها والاستقرار مع أسرها في باكستان. وأضافت أن واشنطن تريد من باكستان إظهار ذات الالتزام الذي أظهرته في مكافحتها للجماعات المتشددة في الداخل مع الجماعات التي تهدد أفغانستان أو الهند. وقالت ”الأمر يرجع إليهم إن كانوا يريدون العمل معنا... وإذا لم يريدوا... فسنعدل (سياستنا) وفقا لذلك“ لكنها لم تفصح عن إجراءات بعينها قد تتخذها الولايات المتحدة.
من جانب اخر وصف وزير خارجية باكستان تصريحات أدلى بها مسؤولون ومشرعون أمريكيون كبار شككت في عزم إسلام أباد على محاربة التشدد بأنها ”مزاعم فارغة“ وذلك أثناء زيارته لواشنطن. وبينما يوجه مسؤولون أمريكيون منذ فترة طويلة انتقادات للدور الذي تلعبه باكستان في أفغانستان تحدث مسؤولون كبار بشكل أكثر وضوحا في الأيام الأخيرة عن دعم إسلام أباد المزعوم لجماعات متشددة. بحسب رويترز.
وقال وزير خارجية باكستان خواجة آصف ”إذا كنتم تريدون منا ملاحقتهم فسنقوم بذلك وإذا كنتم تريدون منا اتخاذ تحرك ضدهم.. أي تحرك تقترحونه فسنقوم بذلك ... لكن هذه المزاعم الفارغة غير مقبولة“. وفي أغسطس آب حدد ترامب استراتيجية جديدة للحرب في أفغانستان وانتقد باكستان لدعمها المزعوم لمتشددين أفغان. وقال آصف ”لا نقول إننا قديسون. ربما في الماضي ارتكبنا بعض الأخطاء. لكن منذ السنوات الثلاثة أو الأربعة الماضية نستهدف هؤلاء الإرهابيين بكل إخلاص وتركيز“. وأضاف أنه أصبح لباكستان تأثير أقل على حركة طالبان عن السنوات السابقة الأمر الذي قد يؤثر على أي جهود لإجراء محادثات سلام بهدف إنهاء الحرب في أفغانستان.
نتائج عكسية
الى جانب ذلك قال رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي إن إقدام الولايات المتحدة على فرض عقوبات على مسؤولين باكستانيين أو تقليص المساعدات العسكرية سيأتي بنتائج عكسية محذرا من أن الإجراء سيضر بالحرب التي يشنها البلدان ضد التشدد. وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان منذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إستراتيجية جديدة بشأن أفغانستان وندد بباكستان المسلحة نوويا ووصفها بأنها حليف متلون يوفر ملاذا آمنا ”لعملاء الفوضى“ وذلك بإيواء طالبان الأفغانية ومتشددين آخرين.
وبدأت الولايات المتحدة بالفعل في رهن تقديم أي مساعدات لباكستان في المستقبل بالتقدم الذي تحذره إسلام آباد في مواجهة متشددي شبكة حقاني التي تزعم واشنطن أنهم يتمركزون في باكستان وساعدوا طالبان في تنفيذ هجمات فتاكة داخل أفغانستان. ونفت باكستان أنها توفر ملاجئ للمتشددين كما انتابها الغضب من مزاعم بأنها لم تفعل ما يكفي لمواجهة التشدد ونوهت إلى أنها تحملت وطأة العنف فيما يطلق عليها الحرب على الإرهاب وفقدت أكثر من 60 ألف شخص منذ عام 2001.
وعباسي وزير سابق للنفط يبلغ من العمر 58 عاما وقد عين في المنصب الشهر الماضي بعدما أطاحت المحكمة العليا برئيس الوزراء السابق نواز شريف بشأن مصادر دخل لم يعلن عنها. وقال عباسي إن أي عقوبات تستهدف واشنطن بها الجيش الباكستاني أو مسؤولي المخابرات لن تفيد الجهود الأمريكية في مكافحة الإرهاب. وقال في مقابلة في إسلام آباد”نحن نخوض الحرب ضد الإرهاب وأي شيء يقلل من شأن جهدنا لن يضر سوى الجهود الأمريكية“.
ويقول مسؤولون أمريكيون في أحاديث خاصة إن العقوبات ستستهدف مسؤولين باكستانيين لهم صلات بجماعات متطرفة وهي (العقوبات) جزء من مجموعة من خيارات قيد البحث منها تقليص جديد في المساعدات للضغط على باكستان لتغيير سلوكها. وقدمت واشنطن مساعدات مدنية وعسكرية لباكستان بأقل من مليار دولار في العام الماضي منخفضة عن ذروتها عند 3.5 مليار في عام 2011 وحذر عباسي من أن واشنطن لن تحقق أهدافها في مكافحة الإرهاب عبر حرمان باكستان من الأموال.
وقال “إذا أثر خفض المساعدات العسكرية على جهودنا في الحرب ضد الإرهاب فمن المستفيد؟ وتابع يقول ”ما يجب فعله هنا هو جهد مشترك“. وقال عباسي إن أحد التأثيرات السلبية العملية من تقليل المساعدات العسكرية ووقف الكونجرس صفقة مقاتلات إف-16 مدعمة لباكستان سيكون دفع إسلام آباد إلى شراء أسلحة من الصين وروسيا. وقال الوزير الباكستاني ”سنضطر للنظر في خيارات أخرى للحفاظ على قواتنا الدفاعية الوطنية“.
ويرى البعض أن الموقف المتشدد لإدارة ترامب يقرب إسلام آباد أكثر من الصين التي تعهدت بتقديم نحو 60 مليار دولار في مشروعات بنية تحتية لطرق وسكك حديدية ومحطات كهرباء في باكستان في إطار المشروع الصيني الطموح ”الحزام والطريق“ لربط آسيا بأوروبا وأفريقيا. وقال عباسي ”لدينا علاقة اقتصادية كبيرة مع (الصين) ولدينا علاقة عسكرية كبيرة منذ الستينيات ولذا فإن هذا بالتأكيد أحد خياراتنا“.
وقال عباسي إن من غير المنصف لوم باكستان على كل الاضطرابات في أفغانستان مضيفا أنه ينبغي لواشنطن إظهار المزيد من التقدير لخسائر باكستان من التشدد ودورها في استضافة 3.5 مليون لاجئ أفغاني. وأضاف أن مسلحين يتمركزون في أفغانستان شنوا أيضا هجمات عبر الحدود على مدنيين وعلى الجيش في باكستان مما دفع إسلام آباد للبدء في استثمار ”عدة مليارات من الدولارات“ لإقامة سياج على الحدود المتنازع عليها والتي تمتد لمسافة 2500 كيلومتر. وقال الوزير ”ننوي إقامة سياج على امتداد الحدود كلها للتحكم في الموقف“.بحسب رويترز.
وقال عباسي الذي ألمح إلى أن نواز شريف لا يزال يتمتع بالنفوذ بوصفه مرارا بأنه ”رئيس وزراء الشعب“ إن شريف الذي شغل المنصب ثلاثة مرات لا يزال يحظى بشعبية كبيرة رغم قرار المحكمة العليا عزله من المنصب في 28 يوليو تموز. وقال عباسي الذي سجن مع شريف بعد الانقلاب العسكري عام 1999”السياسة لا تتحدد في المحاكم. من الناحية السياسية نواز شريف اليوم أقوى مما كان في 28 يوليو“.
إخلاء سبيل متهم
على صعيد متصل قال ممثل للادعاء إن محكمة باكستانية قضت برفع الإقامة الجبرية عن قيادي إسلامي تتهمه الولايات المتحدة والهند بأنه العقل المدبر لهجمات مومباي التي راح ضحيتها 166 شخصا عام 2008. وصدر قرار بوضع حافظ سعيد رهن الإقامة الجبرية في المنزل في يناير كانون الثاني بعد سنوات عاشها حرا في باكستان الأمر الذي يعد أحد النقاط الساخنة في علاقة إسلام أباد المتوترة مع الولايات المتحدة. كما أثار تنقله بحرية غضب الهند عدو باكستان اللدود. وقال ممثل الادعاء ستار ساهيل إن حكومة إقليم البنجاب الباكستاني كانت قد طلبت تمديد قرار التحفظ على سعيد 60 يوما لكن المحكمة رفضت الطلب. وأضاف ”انقضت فترة احتجازه السابقة لمدة 30 يوما مما يعني إخلاء سبيله غدا“.
ونفى سعيد مرارا أي دور له في هجمات مومباي التي وقعت عندما هاجم عشرة مسلحين أهدافا في مدينة مومباي الهندية ومن بينها فندقان فاخران ومركز يهودي ومحطة قطارات في فوضى استمرت عدة أيام. وجعل هذا العنف الهند وباكستان الجارتين المسلحتين نوويا على شفا الحرب. وأعلنت الولايات المتحدة عن مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار نظير معلومات تؤدي إلى اعتقال سعيد رئيس جماعة الدعوة وإدانته.
ويقول أعضاء جماعة الدعوة إنها جمعية خيرية لكن الولايات المتحدة تقول إنها واجهة لجماعة عسكر طيبة المتشددة التي تتخذ من باكستان مقرا لها. وقال إيه. كيه دوجار محامي سعيد لرويترز “طلب مجلس إعادة النظر التابع لمحكمة لاهور العليا من حكومة البنجاب تقديم دليل ضد حافظ سعيد يستوجب استمرار احتجازه لكن الحكومة لم تفعل. ”واليوم برأت المحكمة ساحة سعيد لذا يجب إخلاء سبيله“. بحسب رويترز.
ولم يرد متحدث باسم وزارة الخارجية الهندية على طلب تعقيب. واتهمت الهند باكستان برعاية الهجمات من خلال جماعة عسكر طيبة التي أسسها سعيد في التسعينات . لكن باكستان نفت أي ضلوع لها في الهجوم ووضعت عسكر طيبة ضمن قائمة للتنظيمات المحظورة في 2002.
القائمة السوداء
من جهة اخرى أشارت الصين إلى أنها ستتدخل مجددا لمنع تصويت الأمم المتحدة لصالح طلب الهند إدراج زعيم جماعة متشددة مقرها باكستان على القائمة السوداء للمنظمة، مرجعة ذلك لعدم وجود إجماع على تأييد الخطوة. وتحاول الهند بدعم من الولايات المتحدة وضع مولانا مسعود أظهر على قائمة الأمم المتحدة السوداء للجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، متهمة جماعته بالمسؤولية عن سلسلة هجمات في الهند بينها هجوم على البرلمان في 2002 وآخر على قاعدة جوية العام الماضي.
لكن الصين العضو الدائم في مجلس الأمن أوقفت مرارا مسعى الهند. وقالت هوا تشون ينغ المتحدثة باسم الخارجية الصينية إن اتخاذ مثل هذه القرارات يجب أن يكون بناء على دليل قوي وأن يكون مدعوما بالكامل من أعضاء لجنة الأمم المتحدة المكلفة بتنفيذ القرارات المرتبطة بالعقوبات المفروضة على جماعات وأفراد متشددين. وأضافت هوا في إفادة صحفية يومية ”اقترحت الصين إعاقة إجرائية(للطلب) تهدف إلى منح أعضاء اللجنة مزيدا من الوقت لمناقشته ومنح الأطراف المعنية الوقت لمزيد من التشاور“.
وتابعت ”لكن للأسف لم تتوصل اللجنة بعد إلى إجماع“. وتحول الجدل بشأن مسعود أظهر الذي تعتبره الهند عدوا منذ وقت طويل إلى قضية شائكة في العلاقات بين الصين والهند التي تخشى أن تكون بكين مستهينة بمخاوفها المتعلقة بالإرهاب. كما عمق قلق الهند من تمسك الصين بالوقوف بجانب باكستان، صديقتها في كل الأحوال والعدو اللدود للهند، أيا كانت قوة الدليل الذي تقدمه نيودلهي ضد إسلام اباد. بحسب رويترز.
وتنفي باكستان تقديم دعم مادي لمتشددين يحاربون الحكم الهندي في إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين وينفذون هجمات في مناطق أخرى. وقالت باكستان إنها استجوبت أظهر وزملاء له في جماعة جيش محمد بعد الهجوم الذي وقع في يناير كانون الثاني 2016 على قاعدة باتانكوت الجوية لكنها لم تعثر على دليل يربطهم به. وقالت هوا إن هناك قواعد واضحة لإدراج شخص أو جماعة على القائمة كإرهابيين وإن الصين تعتقد دوما أن على لجنة الأمم المتحدة المعنية العمل وفقا لمبادئ الموضوعية والعدالة والاحترافية فيما يتعلق بهذه المسألة. ووضع مجلس الأمن الدولي جماعة جيش محمد على قائمته السوداء لكنه لم يضع زعيمها المتشدد الإسلامي أظهر.
اضف تعليق