تفجيرات مقديشيو الأخيرة التي أسفرت عن سقوط المئات من القتلى والجرحى جراء انفجار شاحنة ملغمة أمام أحد الفنادق المكتظة بالسكان بوسط العاصمة الصومالية، اثارت حالة من الخوف والقلق حيث يرى بعض المراقبين، ان موجة أعمال الحالية وفي ظل ما تشهده الصومال من عدم استقرار سياسي وأمني يمكن ان تكون سببا في سقوط البلاد مجددًا في مستنقع الحرب الأهلية، بعد فترة من الاستقرار النسبي بفعل العملية السياسية الانتقالية المدعومة بشكل كبير من القوى الخارجية، كما انها قد تعطي التنظيمات الإرهابية الاخرى فرصة لبناء تحالفات جديدة في سبيل تعزيز قوتها في هذا البلد وباقي المنطقة.
هذا الحادث الذي وصفه الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، بأنه "مأساة وطنية"، جاء بعد أقل من يومين من زيارة رئيس قيادة القوات الأمريكية الإفريقية إلى العاصمة الصومالية، وبعد استقالة وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة لأسباب لم يكشف عنها حتى الآن. ووفقًا للتقارير الدولية المعنية بمؤشرات ومخاطر الإرهاب فإن الصومال تعد من الدول الأعلى تأثرًا بالإرهاب، حيث تنشط حركة شباب المجاهدين ذراع تنظيم القاعدة في البلاد. وتتبوأ الصومال مراتب متدنية للغاية في المؤشرات الدولية المعنية بالأمن والاستقرار الأمني حول العالم.
يرى بعض المحللين ان هذا التفجير تقف وراءه الجهات المتصارعة على النفوذ في الصومال ومنها دول الشرق الأوسط والخليج الامارات وتركيا وكالعادة صناع الحروب والأزمات يلجاءون الى الإرهاب والعنف لبسط النفوذ والغنائم المعنوية.
وقد صنف مؤشر الإرهاب العالمي، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام للعام 2016؛ الصومال ضمن فئة "الدول الأعلى تأثرًا بالإرهاب"، حيث احتلت المرتبة الـ7 عالميًا من بين 160 دولة على مستوى العالم شملها التقرير. في حين أدرج مؤشر السلام العالمي، الصادر عن ذات المؤسسة، الصومال في "فئة الدول المنخفضة جدًا على صعيد الاستقرار والسلام الداخلي" للعام 2016، حيث احتلت المرتبة الـ159 عالميًا من إجمالي 163 دولة شملها التقرير.
وتعاني البلاد من صراع مسلح مستمر في وسط الصومال وجنوبه بين قوات الحكومة الصومالية الاتحادية وقوات حفظ السلام في الصومال التابعة للاتحاد الإفريقي من جانب، وجماعة "حركة الشباب المجاهدين" المسلحة من جانب آخر، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية فإن أكثر من 50 ألف مدني قتلوا أو جرحوا أو نزحوا عن ديارهم نتيجة للصراع المسلح والعنف الدائر في البلاد خلال العام 2016/2017. كما تعاني الصومال من ظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة، وقد أعلنت اليونيسيف في يونيو 2016، أنها تعتقد بوجود ما قد يصل إلى 5 آلاف جندي طفل في الصومال، معظمهم تم تجنيده من قبل "حركة الشباب" والميليشيات القبلية المسلحة المنتشرة على امتداد رقعة البلاد الجغرافية.
وإلى جانب التهديدات الإرهابية تعاني البلاد من موجات جفاف ومجاعة تلقي بظلالها الأمنية على الوضع المضطرب في الصومال، كان آخرها ما شهده مطلع العام 2017 من مجاعة شديدة أدت إلى مصرع العشرات جوعًا ومعاناة أكثر من 3 ملايين شخص بالصومال من أزمة نقص الغذاء. وفي مارس 2017، أعلنت الأمم المتحدة الصومال واحدة من أربع دول على وشك مواجهة مخاطر مجاعة حادة إلى جانب نيجيريا وجنوب السودان واليمن. يأتي ذلك ايضا في سياق عام من انتشار الفساد بالبلاد، حيث تصدرت الصومال دول العالم وفقًا لتقارير منظمة الشفافية الدولية الخاصة بقياس درجة الفساد خلال الفترة 2007-2016، مع اتهامات موثقة للمسؤولين وأصحاب المناصب العامة في الصومال باستغلال مواقعهم كوسيلة لتحقيق الثروات والمكاسب غير المشروعة.
ارتفاع عدد القتلى
وفي هذا الشأن قال مسؤول إن أكثر من 300 شخص لقوا حتفهم في تفجيرين متزامنين في العاصمة الصومالية مقديشو في الوقت الذي تدفق فيه سكان محليون على المستشفيات للبحث عن أقارب وأصدقاء بعد أعنف هجوم يشهده الصومال منذ عقد. ولم تعلن بعد أي جهة مسؤوليتها عن التفجيرين اللذين هزا تقاطعين مزدحمين في قلب المدينة. وقال عبد القادر عبد الرحمن مدير خدمة الإسعاف بالعاصمة الصومالية مقديشو إنه تم التأكد من سقوط أكثر من 300 قتيل مضيفا أن عدد القتلى قد يرتفع لأنه ما زال هناك بعض المفقودين.
وكان ادن نور وهو طبيب في مستشفى المدينة بمقديشو قال إنه سجل 258 حالة وفاة في حين قال أحمد علي وهو ممرض في مستشفى عثمان إن المستشفى استقبل خمس جثث. وقال نور”دفنت الحكومة أمس 160 جثة بعد أن تعذر التعرف عليها. ودفن أقارب بقية الجثث. ونُقل إلى هنا أكثر من مئة مصاب“. وأضاف نور أن عربات الإسعاف نقلت إلى المطار ثمانية مصابين بجروح بالغة في طريقهم إلى تركيا للعلاج.
وأنزل عمال صناديق أدوية ومعدات طبية أخرى من طائرة عسكرية تركية متوقفة على مدرج إقلاع وهبوط الطائرات في الوقت الذي تولت فيه فرق طبية تركية علاج مصابين تم نقلهم من المستشفيات. ومع تدفق الصوماليين لزيارة ذويهم المصابين أو تسلم الجثث لم يعد هناك موطئ قدم في أروقة مستشفى المدينة. وقالت حليمة نور”آخر مرة تحدثت مع شقيقي كان قبل دقائق من الانفجار“. وأضافت ”أخشى أن يكون بين الذين تعذر التعرف على جثثهم وجرى دفنهم أمس. ليس لدي أمل في أن أراه حيا أو ميتا. ولكن لا يمكنني العودة للمنزل“. بحسب رويترز.
والهجوم الاخير هو الأسوأ من حيث الخسائر البشرية منذ بدأت حركة الشباب الإسلامية المتشددة تمردا في عام 2007. ولم تعلن حركة الشباب أو أي جماعة أخرى مسؤوليتها. لكن حركة الشباب المتحالفة مع تنظيم القاعدة كثيرا ما تشن هجمات في العاصمة وفي مناطق أخرى بالبلاد. وتشن حركة الشباب تمردا ضد الحكومة الصومالية المدعومة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في محاولة لفرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية.
صراع العشائر
من جانب اخر أدت غارة شاركت فيها قوات أمريكية في الصومال إلى شقاق بين الحكومة غير المستقرة التي تدعمها الولايات المتحدة وعشيرة ذات نفوذ تقول إن مزارعين أبرياء قتلوا وذلك بعد أشهر من موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تصعيد العمليات هناك. واعترفت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا بمشاركة جنود أمريكيين في عملية برية دعما للقوات الصومالية في قرية بريري وتقول إنها تحقق في تقارير سقوط قتلى من المدنيين.
ولم ترد القيادة على أسئلة أخرى بشأن هذه الواقعة التي تمثل ثاني مهمة في الصومال هذا العام تعترف القيادة بمشاركة قوات برية أمريكية فيها. وقُتل أحد أفراد القوات الخاصة بالبحرية الأمريكية في هجوم في مايو أيار. ووقع هجوم في منطقة كان مقاتلو حركة الشباب الإسلامية المتشددة يحتلونها لكن القوات الحكومية تمكنت من استردادها في وقت سابق. وقال سكان من عشيرة هبر جدير ذات النفوذ والمنتشرة عبر جنوب وسط الصومال إن بعض القرويين كان بحوزتهم أسلحة ولكن لحماية أنفسهم فقط من عشيرة منافسة.
وأضافوا أن هؤلاء القرويين لم تكن لهم صلة بالمتشددين الذين تم طردهم قبل أن تشن القوات الحكومية والأمريكية هجومها. وقال مختار معلم عبدي (47 عاما) الذي قُتل ابن شقيقه البالغ من العمر 13 عاما في الهجوم على بعد نحو 50 كيلومترا من العاصمة “سمعنا بعد صلاة الفجر إطلاق نار. تسلقت جدارا مصنوعا من ألواح حديدية وخرج الصبي عبر البوابة الصغيرة. ”قالوا لي إن الصبي أصيب بالرصاص أثناء محاولته الاحتماء تحت أشجار الموز“.
وعبدي واحد ضمن عشرة من أقارب الضحايا إلى جانب ثلاثة أشخاص شاهدوا الهجوم نفسه. وتعطي تصريحاتهم أكثر الروايات العلنية تفصيلا للهجوم الذي وقع. ولم يستطع الأقارب والشهود الجزم بما إذا كان الجنود الأمريكيون الذين كانوا موجودين أثناء الهجوم قاموا بإطلاق النار أو ما إذا كانت كل عمليات إطلاق النار قام بها الصوماليون الذين كان الأمريكيون برفقتهم. ووصفت الرواية المبدئية للحكومة الصومالية الأشخاص الذين قُتلوا بأنهم مقاتلون إسلاميون على الرغم من إصدارها في غضون ساعات بيانا آخر اعترفت فيه بتقارير عن مقتل مدنيين.
والصومال في حالة حرب أهلية منذ عام 1991 . ويتولى حكم الصومال حاليا حكومة تحظى بتأييد دولي وتدعمها قوات حفظ سلام أفريقية وتقاتل حركة الشباب التابعة للقاعدة والتي هاجمت مدنيين في دول مجاورة. والصومال واحد من بين ست دول تضم أفغانستان واليمن والعراق وسوريا وليبيا حيث تعترف واشنطن بشن عمليات عسكرية ضد متشددين. وفي مارس آذار منح ترامب الجيش الأمريكي في الصومال سلطة أكبر لشن هجمات وغارات تشمل عدم انتظار مهاجمة المتشددين حلفاء الولايات المتحدة.
وجرت عمليات موسعة بعد ذلك مع إعلان القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا عن شن ثماني غارات جوية أمريكية من مايو أيار حتى أغسطس آب هذا العام مقارنة مع 13 غارة خلال العام 2016 كله. وفيما يتعلق بالهجوم الذي وقع قال خبير غربي محنك في الوضع الأمني في الصومال إن من المرجح على ما يبدو أن القوات الأمريكية ”استدرجت إلى الصراعات بين العشائر المحلية “ من قبل من زودها بمعلومات المخابرات. وقال ”السؤال الحقيقي هو.. ما مصدر معلومات المخابرات تلك ولماذا صدقوها؟“
واعترف المسؤولون الأمريكيون بأن عملية تطوير المخابرات اللازمة لملاحقة حركة الشباب تستغرق وقتا أطول من العراق أو سوريا على سبيل المثال حيث يكرس الجيش الأمريكي موارد أكبر بكثير. وتعد الأوضاع القبلية المتشابكة في الصومال سببا في التعقيد. وقال محمد حسن أمين إنه نجا هو وزوجته الحامل لأنهما ركضا إلى الخارج وتمكنا من الاختباء في بستان للموز عندما بدأ إطلاق النار المميت. واعتقدا في بادئ الأمر أنه هجوم من العشيرة المنافسة وتنفسا الصعداء لدى رؤية العربات المدرعة التي اعتقدا أن وجودها يعني أن قوة حفظ السلام الأفريقية والقوات الحكومية جاءت من أجل سلامتهم.
وقال أمين ”قال صديقي إنه يبدو أن قوة حفظ السلام والقوات الصومالية جاءت لإنقاذنا“ مضيفا أن القوات الصومالية اكتشفت مكانهم وحاصرتهم تحت تهديد السلاح. وكان هناك نحو 12 جنديا أبيض. وأضاف ”طلب منا الرجال البيض أن نرقد على الأرض. وسأل مترجم يساعد أحدهم قائلا ’منذ متى أصبحتم مع المتشددين؟’ قلنا لم تربطنا في أي وقت صلات بحركة الشباب“.
وقال إنه في تلك اللحظة تعّرف عليهم الجنود الصوماليون الذين سبق وان التقوا بالمزارعين وطلبوا من زملائهم الإفراج عنهم. وطُلب منهم المساعدة في نقل القتلى والمصابين. وقال ناجون إن صبيين اثنين يبلغان من العمر 13 عاما وثالثا يبلغ من العمر 15 عاما كانوا ضمن القتلى. وقال عبدي محمد (50 عاما) قريب أحد الصبيين اللذين يبلغ عمرهما 13 عاما إن الصبي كان يتيما ويعمل راعيا للغنم. وأضاف عبدي قريب الصبي الآخر أن الصبي أصيب فقط لكنه ظل ينزف حتى الموت. وقال محمد عثمان أدن إبن شقيق مالك المزرعة إن الصبي الثالث كان عمره 15 عاما. بحسب رويترز.
وقال أحد وجهاء العشيرة إن سن الصبية أصغر من ذلك. وقال الشهود الثلاثة إن الجنود لم يتعرضوا لإطلاق النار من أحد. وقال صاحب المزرعة أحمد حسن شيخ محمد إن الرجال كانوا قد عقدوا أربع اجتماعات مع الجنود وقوات حفظ السلام قبل الغارة. وكانت الحكومة تريد من القرويين أن يتخلوا عن أسلحتهم لكنهم كانوا ممتنعين بسبب العداء المستمر منذ فترة طويلة مع عشيرة منافسة. وقال محمد إن القوات الحكومية التي طردت مقاتلي حركة الشباب من المنطقة في وقت سابق هذا الشهر قالت للقرويين إنه لم يعد لهم احتياج لحمل السلاح. ووضع القرويون ثمانية بنادق في مخزن لكنهم أبقوا على بندقية في يد حارس وهذا الحارس لم يطلق النار عندما اقترب الجنود.
حركة الشباب الصومالية
الى جانب ذلك وقع انقسام كبير في صفوف حركة التمرد في الصومال بعد أن أكد مسؤولون حكوميون أنهم أرسلوا قوات لدحر مسلحين إسلاميين يسعون لاعتقال أحد قادتهم. وعرضت الولايات المتحدة مكافأة قيمتها خمسة ملايين دولار للقبض على مختار روبو أبو منصور المعروف باسم (روبو) الذي كان في وقت ما المتحدث باسم حركة الشباب الإسلامية المتشددة ونائب زعيمها. وتسعى الحركة إلى الإطاحة بحكومة الصومال المدعومة من الغرب.
وأصبح ولاء روبو للحركة المتشددة موضع شكوك في عام 2013 لكنه ظل يدين لها بالولاء ظاهريا. وفي وقت سابق هذا الشهر رفعت الولايات المتحدة في هدوء اسمه من قائمتها لرعاة الإرهاب بعد خمس سنوات من إدراجه. وقال العقيد أدن أحمد وهو ضابط بالجيش الوطني من مدينة هودور في جنوب غرب البلاد قرب معقل روبو "هناك مفاوضات جرت وتجري بين مختار روبو والحكومة الاتحادية الصومالية لكن لا يوجد حتى الآن أي ضمان بأنه سينشق".
ومن شأن انقسام في حركة الشباب أن يصيبها بمزيد من الضعف بعد سنوات خسرت فيها أراضي بشكل مطرد. وانسحبت الحركة من العاصمة مقديشو في 2011 وفقدت السيطرة منذ ذلك الحين على أغلب المدن الكبرى في جنوب ووسط الصومال. وقال أحمد "نحن على علم بأن مقاتلين من حركة الشباب يخططون لمهاجمة وأسر روبو لكن هذا لن يكون سهلا لأن لديه مقاتلين مدربين ومسلحين جيدا يدينون له بالولاء الكامل... بالأمس أعددنا حوالي 300 من جنود الجيش معهم عربات عسكرية للدفاع عن روبو". بحسب رويترز.
وأضاف قائلا "أولئك الجنود موجودون الآن على مشارف البلدة. لأسباب كثيرة لا يمكننا إرسالهم مباشرة. الشباب قد تنصب لهم كمينا وروبو نفسه قد ينصب كمينا لقواتنا. لن نقدم تعزيزات لروبو إلا بعد أن نتأكد من اندلاع قتال بين الشباب وروبو". وقال سكان إن روبو يتحصن مع حوالي 400 مقاتل في قرية على بعد نحو 18 كيلومترا من هودور عاصمة منطقة باكول في جنوب الصومال. وقال زعيم قبلي محلي يدعى محمد نور "نعرف أن الشباب قررت تجريد روبو من السلاح بعد أن سمعوا أنه رفع من القائمة الأمريكية للمطلوبين". وأبلغ محمد عبدي محافظ باكول أن مقاتلي الشباب يتقدمون باتجاه روبو. وقال "أعددنا الكثير من الجنود لدعم روبو في حال بدأوا (مقاتلو الشباب) بقتاله. عدو عدوك هو صديقك".
اضف تعليق