تواصل قوات سوريا الديمقراطية مدعمة بالقوات الخاصة الأمريكية، عملياتها العسكرية في مدينة الرقة، اهم واكبر معقل لتنظيم داعش الارهابي، حيث دخلت معركة الرقة وبحسب بعض المصادر اسبوعها الاخير، وسيطرت قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية على نحو تسعين في المئة من المدينة التي شكلت معقلا للتنظيم المتطرف في سوريا، وحاصرت ما تبقى من جهادييه في جيب قرب وسطها.
وصرحت قائدة حملة "غضب الفرات" روجدا فيلات في وقت سابق ان عناصرها يتقدمون إلى مناطق سيطرة تنظيم داعش على جبهتين في شمال المدينة وشرقها. وأضافت "في غضون ايام يمكننا ان نتخذ القرار ببدء الحملة النهائية". وتعيق كثافة الألغام المزروعة من قبل تنظيم داعش، قوات سوريا الديمقراطية من إنهاء عمليات التمشيط بشكل سريع، كما أن الدمار الواسع الذي طال أكثر من 80 % من مدينة الرقة، يعيق عملية وصول القوات إلى كامل أزقة وشوارع المدينة، والتي أدت لتأجيل الإعلان عن السيطرة على كامل المدينة، لحين الانتهاء من عمليات التمشيط في المدينة، والسيطرة على البقعة الضيقة التي قد يتواجد فيها عناصر متوارون من التنظيم.
ومع استمرار ضربات التحالف الدولي بين الحين والآخر، لأحياء لا تزال خارجة عن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والتي قد يتسلل إليها عناصر من داعش إن وجدوا، تزايدت حصيلة الخسائر البشرية في مدينة الرقة نتيجة القصف المستمر والقتال المتواصل، ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل مزيد من المدنيين في مدينة الرقة، وصل عددهم إلى اكثر من 1117 بينهم ناشط في المرصد السوري لحقوق الإنسان، كما تسببت المعارك بإصابة مئات المواطنين بجراح متفاوتة الخطورة. وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه منتصف آذار/مارس 2011 بمقتل أكثر من 330 الف شخص وبدمار كبير في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
هجمات مباغتة
وفي هذا الشأن ورغم انكفاء مقاتليه الى آخر جيب في مدينة الرقة التي كانت تعد أبرز معاقله في سوريا، ما زال تنظيم داعش قادراً على التسلل وشن هجمات مباغتة ودموية ضد قوات سوريا الديموقراطية في أحياء ظنت أنها باتت آمنة. وخسر التنظيم سيطرته على أكثر من تسعين في المئة من مدينة الرقة، منذ بدء قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية في حزيران/يونيو هجوما للسيطرة على المدينة بدعم من التحالف الدولي بقيادة اميركية.
ورغم تراجعهم الى المربع الاخير في وسط المدينة، تمكن العشرات من مقاتلي التنظيم قبل أيام من التسلل متنكرين بثياب عسكرية الى حي المشلب، أول حي تمكنت قوات سوريا الديموقراطية من السيطرة عليه على الاطراف الشرقية للمدينة. وفتحوا نيرانهم على مركز اعلامي تابع لهذه القوات في الحي. ويقول المسؤول عن هذا المركز الاعلامي هفال كاني "لبسوا ثياب وحدات حماية الشعب الكردي وجاؤوا على متن ست سيارات من جهة الشرق".
وأسفرت ساعات من المعارك بين الطرفين عن مصرع مقاتلين على الاقل من قوات سوريا الديموقراطية التي كانت تظن ان الحي يشكل قاعدة خلفية آمنة لعناصرها. واثر الهجوم، قطعت هذه القوات الطريق المؤدي الى شرق الرقة لايام بالبراميل المعدنية والعوائق الرملية، رغم انه شكل خلال الاسابيع القليلة الماضية ممراً للمدنيين الهاربين. واتخذ مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية وضعية التأهب القصوى على الحواجز الكثيفة التي اقاموها، واخضعوا السيارات والدراجات النارية لعملية تفتيش دقيقة.
وحاول عناصر التنظيم المتطرف التسلل لمرتين الى غرب المدينة من دون ان يتمكنوا من ذلك. وتوجهت أكثر من عشر عربات تابعة لقوات سوريا الديموقراطية من الضاحية الغربية الى وسط المدينة لتعزيز نقاطها الامنية الموجودة هناك. ويقول مسؤولون في قوات سوريا الديموقراطية ان مقاتلين من التنظيم حاولوا التسلل الى خارج المدينة بين المدنيين الفارين من المعارك. ويؤكد مدير المركز الاعلامي لقوات سوريا الديموقراطية مصطفى بالي ان "هناك أكثر من محاولة من داعش لفك الطوق عن المحاصرين في الداخل، بينها ضرب الخطوط الخلفية لقواتنا".
واستخدم التنظيم في هجومه على حي المشلب وفق بالي، ثلاثين مقاتلا على الاقل تسللوا من منطقة تقع على بعد كيلومترات عدة شرق حدود الرقة. ويقول "هذا دليل على أن التسلل كان كبيراً على منطقة يفترض ان تكون آمنة نوعاً ما"، وذلك يؤشر الى استمرار وجود "خلايا نائمة" تابعة للتنظيم. ومنذ اعلانه "الخلافة الاسلامية" صيف العام 2014 على مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق، باتت مدينة الرقة تعد أبرز معاقله في سوريا. وفرض على السكان قيوداً مشددة تطال مختلف جوانب حياتهم كما شهدت ساحات المدينة عمليات اعدام وحشية وانتهاكات جسيمة نفذها بحق كل من خالف احكامه.
وعلى رغم ان معظم احياء مدينة الرقة باتت اليوم تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية المدعومة اميركياً الا ان مقاتليها يوضحون انهم لم يتمكنوا من تمشيط منازلها الواحد تلو الاخر. ويخشى بعضهم اعتماد التنظيم على شبكات ضخمة من الانفاق لتنقلهم بين الاحياء بشكل سري. ويروي أحد المقاتلين في غرب المدينة "كيف تعرضنا قبل يومين لهجوم من تحت الارض بعد خروج عدد من عناصر داعش اشتبكنا معهم". ويشير الى مدخل نفق مغلق حالياً داخل مبنى يقع على بعد مئات الامتار غرب مشفى الرقة الوطني، حيث يعتقد ان المئات من مقاتلي التنظيم محاصرون هناك مع المدنيين. ويقول "يدخلون النفق من هناك لكن نهايته (مخرجه) ليست واضحة".
ويقول مقاتلون من قوات سوريا الديموقراطية وممثلون عن التحالف الدولي بقيادة اميركية الداعم لهجومهم في الرقة، ان عناصر التنظيم يحاولون الاختلاط بين المدنيين النازحين للفرار بشكل سري من المدينة قبل شن هجمات جديدة. وأعلن التحالف الدولي الاسبوع الماضي أنه ألقى القبض على العديد من مقاتلي التنظيم بينهم قيادي محلي، خلال محاولتهم الفرار من المدينة الى جانب السكان. ويوضح قيادي كبير في التحالف الدولي موجود في شمال سوريا ان "محاولة التسلل بين المدنيين النازحين ومن ثم الخروج والتخفي مسألة نشعر بالقلق ازائها".
وتظهر الهجمات الاخيرة المباغتة للتنظيم انه رغم كل خسائره، ما زال يشكل تهديداً يحاول الحاق الأذى بقوات سوريا الديموقراطية. ويقول القيادي الاميركي "انه (التنظيم) أشبه بملاكم يتلقى ضربات متتالية على الحبال، لكنه ما زال قادراً على تسديد لكمات بين الحين والاخر، بالتالي لا يزال خطيراً". بحسب فرانس برس.
وفي حاوي الهوى، احدى الضواحي الغربية للرقة التي سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية منذ أشهر عدة، يخشى المقاتل جمال محمود أن يجد نفسه ورفاقه الهدف المقبل للتنظيم بعد ورود انباء حول الهجوم على المشلب. ويقول "في أي لحظة يمكن ان يحصل هجوم" من الجهاديين. ويتابع "في الجبهة، تعرف أن العدو سيأتيك من الأمام لكن في مدينة محررة ومع وجود أنفاق، يمكن أن ياتيك من أي مكان".
دمار شامل
من جانب اخر فربما تكون الأسوار القديمة المبنية بالطوب اللبن حول المدينة القديمة المهجورة بالرقة هي البناء الوحيد الذي لا يزال سليما. في داخل المدينة القديمة تهدمت المتاجر والمنازل وتساقطت الكتل الخرسانية على جانبي الطرق الضيقة. ومتلأت المساجد والمآذن بآثار طلقات المدافع الرشاشة بسبب القتال بين الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة وتنظيم داعش في المعقل السابق للتنظيم المتشدد بسوريا بينما سوت الضربات الجوية المنازل بالأرض. لم يبق على حاله ولو مبنى واحد.
وقال محمد الحاوي وهو مقاتل عربي من الرقة في منزل قريب يستخدمه تحالف قوات سوريا الديمقراطية ”كنا نسمع ذات يوم صوت برج الساعة من خارج الأسوار. دمر الآن. أصبح صامتا“. وتمت السيطرة على الرقة بالكامل تقريبا بعد حملة استمرت شهورا دعمها غطاء جوي وقوات خاصة من الولايات المتحدة بعد أن حكمها التنظيم لثلاث سنوات وخطط فيها لهجمات في الخارج. لكن إخراج المتشددين سبب دمارا يقول مسؤولون إن إصلاحه سيستغرق سنوات ويتكلف ملايين الدولارات.
ويواجه مجلس الرقة المدني الذي أنشئ حديثا مهمة ضخمة لإعادة إعمار وإدارة الرقة. ويقول المجلس إن المساعدات من دول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لا تكفي. ويقول دبلوماسيون إن غموض المستقبل السياسي للرقة من بين الأسباب وراء تردد دول التحالف وذلك لأنها تقع تحت نفوذ قوات يقودها الأكراد ترفضها تركيا المجاورة كما أن الرئيس بشار الأسد ما زال يسعى لاستعادتها. لكنهم يحذرون من أن عدم التمكن من إعادة الخدمات سريعا للمدينة، التي كان يسكنها أكثر من 200 ألف نسمة ذات يوم نزح معظمهم الآن، يهدد باندلاع اضطرابات.
وقال إبراهيم حسن الذي يشرف على إعادة الإعمار لحساب مجلس الرقة في مقره بمدينة عين عيسى القريبة ”البنية التحتية مدمرة تماما. شبكات المياه والكهرباء والجسور. لا توجد خدمة واحدة تعمل“. وانهار جسر رئيسي يقود إلى شرق الرقة بعد ضربة للتحالف. من ورائه تلوح خزانات المياه، التي لحقت بها أضرار، وأطلال أحياء سكنية. ويقدر عمر علوش العضو البارز في مجلس الرقة المدني أن نصف المدينة دمر تماما. وقال ”هناك أيضا جثث تحت الأنقاض لمدنيين وإرهابيين. يجب دفنها لتفادي انتشار الأمراض“.
وقالت منظمة العفو الدولية إن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة وتشمل تنفيذ ضربات جوية قتلت مئات المدنيين المحاصرين في الرقة. وقال سكان إن مدنيين قتلوا لكن من الصعب تحديد عدد من لقوا حتفهم. ويقول التحالف إنه يبذل كل ما في وسعه لتجنب الخسائر بين المدنيين. لكن المدينة مكتظة بالمباني وكان المتشددون يطلقون النار من منازل مما أدى لتكرار استهدافها بالضربات الجوية.
وقال مسؤولون بالمجلس إن مع استمرار المعارك في منطقة صغيرة محاصرة بوسط المدينة وفي وجود عدد لا حصر له من الألغام التي زرعها المتشددون في المناطق التي انسحبوا منها فإن إعادة الإعمار لم تبدأ بعد. وقال حسن ”التركيز على مساعدات الطوارئ مثل الغذاء والمياه وإزالة الألغام“. ويريد المجلس إعادة الخدمات في أقرب وقت ممكن لكن قدراته محدودة ويعمل به متطوعون. في مقر المجلس لا تحوي مكاتب عدة إدارات سوى مكتب وحيد في غرفة مشتركة. وقال حسن ”تحسن الدعم من المجتمع الدولي ونشعر أننا أقل عزلة لكنه متواضع“.
وقال المجلس إن الولايات المتحدة قدمت عدة جرافات ومركبات أخرى للمجلس مؤخرا لإزالة الأنقاض من جملة 56 من المقرر أن تحصل عليها المدينة. وقال علوش ”حتى 700 لن تكفي“. وكان المتطوعون بمجلس الرقة قد أبلغوا التحالف بأن إعادة الكهرباء والمياه وإصلاح الطرق والمدارس يحتاج 5.3 مليار ليرة سورية (نحو عشرة ملايين دولار). وسرت مخاوف من أن يؤدي التأخير لإشعال الاضطرابات من جديد. وقال دبلوماسي غربي بالمنطقة ”الجماعات التي سيطرت على الرقة في 2013 لم تدرها جيدا“ في إشارة إلى مقاتلي المعارضة السورية الذين انتزعوا السيطرة على المدينة من قبضة القوات الحكومية السورية في مرحلة سابقة من الحرب الممتدة منذ ست سنوات قبل أن تأتي داعش. وأضاف ”هذا من الأسباب التي سمحت بسيطرة داعش. إذا حدثت فجوة في المساعدات الإنسانية ولم يوجد كيان محلي فعال للإدارة فإن خطر تفجر العنف مستقبلا يزيد“.
وقال المجلس إن دول التحالف مترددة في تقديم مساعدات لمجلس الرقة الذي يتكون من مهندسين ومدرسين وأطباء من أبناء المدينة. وقال حسن ”عانينا من البيروقراطية في عملية اتخاذ القرار فيما يتعلق بالمساعدات الأجنبية“. وقال الدبلوماسي إن بعض دول التحالف تخشى أن تتضرر العلاقات مع تركيا عضو حلف شمال الأطلسي بسبب دعم مجلس حاكم يعتبر متحالفا مع فصيل كردي. وتقود وحدات حماية الشعب الكردية السورية قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر حاليا على معظم الرقة، وتعتبرها تركيا التي تحارب حركة تمرد كردية على أراضيها عدوا. وترفض أنقرة دور وحدات حماية الشعب في استعادة الرقة.
ويقول مسؤولون بالمجلس إن الرقة ستدار بمعزل عن إدارة لشمال شرق سوريا يهيمن عليها الأكراد لكن من المتوقع أن ترتبط بصلات وثيقة بها. وسيحدد نطاق هذه العلاقات مسؤولون منتخبون بمجرد أن يتسنى إجراء انتخابات. وقال دبلوماسي آخر في المنطقة إن الإحجام عن تقديم مساعدات للمجلس يرجع إلى المخاوف مما إذا كان يمثل التركيبة العرقية للرقة التي يغلب على سكانها العرب وتوقع اندلاع توتر إذا تم تهميش عرب المدينة. وينتمي عدد من الأعضاء البارزين بالمجلس للأقلية الكردية. بحسب رويترز.
كما أن الغموض يحيط بما إذا كانت الرقة ستظل متحالفة مع الأجزاء التي يديرها الأكراد في شمال سوريا أم سيستردها الأسد مستقبلا. وتعهد الأسد باستعادة كامل أراضي سوريا. وفي الوقت الحالي وبعد إغلاق حدود تركيا مع المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية فإن المساعدات تصل إلى الرقة من خلال طريق أطول عبر منطقة كردستان العراق. ويقول مجلس الرقة إنه ربما يكون مضطرا للاعتماد على نفسه. وقالت ليلى مصطفى الرئيس المشارك لمجلس الرقة وهي مهندسة مدنية ”نحن في انتظار مساعدة لإصلاح الجسر الشرقي... إذا لم تأت قريبا فسنبدأ بأنفسنا باستخدام أي وسائل متاحة لنا“.
معاناة النازحين
في السياق ذاته وبعدما تركت كل شيء خلفها، وجدت مئات العائلات الفارة من مدينة الرقة السورية، في المنازل المتصدعة والمدمرة جزئياً داخل مدينة الطبقة الملاذ الوحيد رغم افتقادها للخدمات الاساسية من مياه وكهرباء وتهديد خطر الألغام. ودفعت المعارك التي تدور منذ ثلاثة اشهر بين قوات سوريا الديموقراطية وتنظيم داعش داخل مدينة الرقة، معقله في سوريا، عشرات الالاف من المدنيين الى الفرار. ووصل الالاف منهم الى مدينة الطبقة الواقعة على بعد اكثر من خمسين كيلومترا غرب الرقة.
وينهمك أنور الخلف (45 عاماً)، في رفع الركام من داخل غرف وحمام شقة في مدينة الطبقة، التي تشهد ابنيتها وشوارعها على ضراوة معارك انتهت في ايار/مايو بعد تمكن قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن من طرد مقاتلي التنظيم المتطرف منها. ويقول الرجل الذي كان عاملاً حراً وهو أب لخمسة اطفال "لولا الحاجة لما كنا هنا ولا قمنا بتنظيف هذا المكان، لكن لا مكان اخر لدينا".
ونزح أنور مع عائلته قبل اربعة اشهر من مدينة الرقة مع اقتراب المعارك منها اثر تقدم قوات سوريا الديموقراطية على حساب الجهاديين. وأمضى هذه الفترة متنقلاً بين المخيمات والنوم في العراء قبل تمكنه من الوصول الى الطبقة. ورغم وجود عشرات المخيمات المخصصة لايواء الهاربين من مدينة الرقة في مناطق عدة في شمال وشمال شرق سوريا، لكن منظمات دولية تصف ظروف العيش فيها بـ"الفظيعة". وفي العديد منها، لا يحظى الوافدون الجدد بخيم او فرش للنوم، كما أن الحصول على المياه والمواد الغذائية ليس متاحاً دائماً.
ويطل انور من نافذة الشقة على ابنية مدمرة جزئية او تصدعت طوابقها في المدينة الواقعة على ضفاف الفرات. ويقول والغبار يغطي وجهه "اذا اتى صاحب المنزل، لا اعرف ماذا سأفعل. سنكون مجبورين على أن نخرج أنا وأولادي الى الشارع". وتؤوي المدينة وفق ما يوضح احد المسؤولين المحليين هادي الظاهر "١١٦٠ عائلة نازحة" يقول انها "لم تتلق اي نوع من انواع الدعم باستثناء عدد قليل جداً منها مع غياب للمنظمات الاغاثية". ويتحدث عن افتقاد "مقومات الحياة الأساسية من مياه وطعام وفرش نوم وعناية طبية في وقت لا نجد تجاوباً من المنظمات". ويخشى المسؤولون المحليون من تفاقم الوضع سوءاً مع ازدياد عدد الوافدين بشكل يومي من مناطق القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية في الرقة وكذلك في مدينة دير الزور (شرق).
في احد الشوارع، تعمل نساء على نقل اوعية محملة بالمياه من اطراف الحي في وقت يبحث أطفال بين الركام عن قطع حديدية يلهون بها. ويتأرجح احدهم على حبل معلق قرب شجرة. ومن على نوافذ ابنية متصدعة جزئياً، تطل نساء وفتيات يراقبن حركة المارة في الشارع وبالقرب منهن مبنى سوي بالارض. ونتيجة الدمار الجزئي اللاحق بالابنية التي يقطنها النازحون، كادت سيدة تبلغ من العمر 75 عاماً ان تفقد حياتها.
ويروي ابنها الاربعيني فرج النازح من الرقة وقربه بقع دماء على الارض "نزلت على الدرج من الطابق الثاني لتذهب الى المرحاض فوقعت هنا". ويشير بيده الى صفيحة حديدية وضعت مكان حائط الدرج الذي تهدم ويقول "لولا هذه القطعة من التوتياء لكانت سقطت على الارض. هذه دمائها المنتشرة وهي الان في حالة يرثى لها". ويسير فرج بين الانقاض مرتدياً صندلاً بلاستيكياً. واليأس واضح عليه "والله متعبون للغاية، جئنا الى هنا باعتبار ان المياه متوفرة، جئنا وندمنا على ذلك، لان كل شيء هنا خراب". ويخشى فرج من أنه "في أي لحظة سينهار علينا السقف ولدي اطفال صغار".
ورغم وضع الشقة التعيس، اضطر فرج الى الى دفع بدل ايجار لمالك المنزل الذي يقطن في مكان قرب. ويقول بانفعال "لا نملك شيئاً ويريد منا صاحب المنزل ٢٥ الف ليرة (50 دولار اميركي) كبدل ايجار لهذه الخرابة". ويضيف "الناس تنام في الشوارع وتتصارع على هذه الخرابات". على غرار فرج، تدفع هبة مبلغ مئة دولار شهرياً بدل ايجار شقة لم تسلم من المعارك، تقيم فيها مع زوجها طريح الفراش جراء جلطات دم شديدة اصيب بها جعلته يعاني من صعوبة في التنفس وفقدان للوعي في معظم الاحيان.
ونزحت السيدة الخمسينية من مدينة الرقة قبل شهرين ونصف الشهر بعد نفاذ الطعام والمياه وخلو المستشفى الحكومي حيث كان يعالج زوجها من الاطباء. وتوضح "هربنا من الرقة عبر النهر وحملنا زوجي على السرير النقال. اخرجناه بصعوبة تحت القصف". وينام زوجها الضعيف البنية على سرير من دون أن يقوى على الحركة. ويتنفس من خلال قناع وانابيب موصولة بأجهزة تساعده على التنفس.
وتتابع الزوجة بحزن "الحياة هنا صعبة للغاية ولا مكان آخر نذهب اليه... أوضاعنا تعيسة جداً ولا أحد يساعدنا لمعالجة زوجي" الذي "تحتاج أجهزته الى الكهرباء بشكل دائم لكننا نشغلها عن طريق البطارية". ورغم ذلك تقول "لست خائفة من سقوط المنزل علينا لان الوضع هنا يبقى افضل مما عشناه في الرقة". بحسب فرانس برس.
والى جانب النقص في الغذاء والخدمات الطبية والاساسية، يخشى النازحون من مخلفات المعارك من رصاص وقطع من صواريخ مرمية في كل زاوية وحتى داخل المنازل. ومن نافذة منزل اخترق الرصاص جدرانه، تقول امرأة مسنة "الحياة صعبة في هذا الحي، ووراء كل نافذة قصة مؤلمة".
اضف تعليق