تواجه أوروبا المزيد من التهديدات الإرهابية، في ظل تنامي خطر تنظيم داعش لدول أوروبا بعد تضييق الخناق عليه في سوريا والعراق، ولذلك تبذل الكثير من الجهود لمكافحة خطر هذه التهديدات على أراضيها، فقد تلقت العديد من دول الاتحاد الأوروبي وكما نقلت بعض المصادر، تحذيرات كثيرة من خطر عودة عناصر داعش اليها، وما يمكن أن يشكله الأمر من تهديد للأمن في اوروبا ومخاوف من هجمات إرهابية جديدة، تستهدف المدنيين وبطرق مختلفة ومتنوعة، وذلك في ظل مؤشرات على تدفق متزايد للمقاتلين من مناطق الصراعات وخاصة في سوريا والعراق، إلى دول الاتحاد الأوروبي، بحسب تحذيرات صدرت عن الأمم المتحدة.
رئيس لجنة مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة جان - بول لابورد قال إن أوروبا ستواجه هذا العام تدفقا لمقاتلي تنظيم داعش والذين انهزموا في سوريا والعراق وإذ يعتبرون أكثر خطورة من العائدين السابقين، حيث إن الدول ألأوروبية وضعت تقديرا بأن معدلات تدفق المقاتلين العائدين من مناطق النزاعات ازدادت بنسبة الثلث خلال العام الأخير. ومستويات التهديد أصبحت أكثر من السابق في غرب أوروبا بعد موجة هجمات أسفرت عن مقتل العشرات خلال العامين الأخيرين مما اخرج الشعور بالقلق في عدة دول حيال قدرتها على حماية حدودها.
وحاولت دول اوروبية عدة فرض قيود سفر على العائدين من داعش في مناطق الصراع لمحاولة التخفيف من القلق ولو بالقليل و حدوث اي سلبيات جراء دخولهم الى الدول الأوروبية ولكن على الرغم من تلك القيود، سيبقى لدى الدول الأوروبية عدد من المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين سيتسللون على الأرجح عبر الحدود عادين بذلك الى دولهم الأوروبية ، وبخاصة مع شبكات التهريب.
وقد أظهرت بيانات نشرت بقاعدة بيانات الإرهاب العالمي أن عدد الهجمات الإرهابية التي تسببت في وقوع قتلى في غرب أوروبا زاد في عام 2016 رغم التراجع الإجمالي في عدد الحوادث. وبحسب البيانات المنشورة بلغ عدد الهجمات التي تسببت في وقوع قتلى 30 هجوما في 2016 و23 هجوما في 2015 مقابل هجومين فقط في 2014 وخمسة في 2013. لكن الهجمات الإرهابية صارت أكثر دموية حيث بلغ متوسط قتلى الهجمات الإرهابية 26.5 شخص في عامي 2015 و2016 بينما كان المتوسط أربعة قتلى فقط سنويا على مدى السنوات الثلاث السابقة.
وكان أكثر الهجمات دموية في غرب أوروبا سلسلة هجمات متزامنة في باريس في نوفمبر تشرين الثاني 2015 تسببت في مقتل 130 شخصا وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها. وقال خبراء إن تنظيم داعش, المسؤول عن سبعة من إجمالي عشرة هجمات منذ عام 2012، صار يشجع أتباعه على استخدام السكاكين والمركبات بدلا من الأسلحة النارية والمتفجرات.
وقال ساجان جوهيل مدير قسم الأمن الدولي في مؤسسة آسيا والمحيط الهادي للأبحاث "هذا أمر مختلف تماما عن التهديد الذي شكله تنظيم القاعدة الذي كان مولعا بإيقاع أكبر عدد من القتلى وإسقاط الطائرات". وأضاف "ما يسعى إليه تنظيم داعش هو زيادة عدد الهجمات على أن تكون أقل تكلفة وأبسط".
هجمات في اوروبا
وفي هذا الشأن قال مسؤول كبير في الامم المتحدة انه وسط الهزائم التي يتكبدها تنظيم داعش في سوريا والعراق، فقد أعاد تنظيم صفوفه و"بات يركز اكثر من اي وقت مضى" على تنفيذ اعتداءات خارج مناطق النزاع وخصوصا في اوروبا. وبحسب جيفري فيلتمان مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية فانه "مع الاستمرار في المقاومة خصوصا في الموصل والرقة، اعاد داعش تنظيم هيكليته العسكرية ومنح سلطات اوسع للقيادات المحلية وبات يركز اكثر من اي وقت مضى على التحضير والايحاء بهجمات خارج مناطق النزاع".
واشار الى هجمات نفذت مؤخرا في بلجيكا وفرنسا وبريطانيا والسويد وروسيا وتركيا والمانيا. وتراجع حجم رسائل التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعي في الاشهر ال 16 الاخيرة لكن "التهديد مستمر لان انصاره خارج سوريا والعراق يستقبلون ويعيدون توزيع هذه الدعاية". وشهد عديد مسلحي التنظيم وعائداته ايضا تراجعا في الفترة ذاتها، بحسب فيلتمان الذي كان يتحدث امام مجلس الامن.
لكن لا يزال بامكان التنظيم الاسلامي المتطرف التعويل "على عشرات ملايين الدولارات شهريا" يحصل عليها من مبيعات النفط ونهب اموال وفديات عمليات خطف وبيع قطع اثرية واستغلال موارد منجمية في الاراضي التي يحتلها ومن بينها الفوسفات. كما شهد عديد الاجانب المنضمين للتنظيم تراجعا في الاشهر ال16 الاخيرة لكن "عودة واعادة تمركز مقاتليه العائدين من مناطق النزاع في مناطق اخرى يشكل تهديدا كبيرا للامن العالمي". بحسب فرانس برس.
وقدمت فرنسا مشروع قرار الى مجلس الامن يتيح نشر قوة عسكرية افريقية مكلفة بمحاربة الجهاديين ومهربي المخدرات في منطقة الساحل. وفي آذار/مارس 2017 قبلت مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو التي تشكل مجموعة الخمس في الساحل، تشكيل قوة قوامها خمسة آلاف رجل مكلفة بهذه المهمة. وبحسب دبلوماسيين فان واشنطن بدت مترددة في تمويل هذه القوة اثناء النقاشات الاولى لمشروع القرار.
اعتقالات مستمرة
على صعيد متصل ارتفع عدد المعتقلين في أوروبا للاشتباه في علاقتهم "بتنظيمات إرهابية" بصورة كبيرة، مسجلا زيادة للعام الثالث على التوالي. وبحسب بيانات وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) فقد اعتقلت أجهزة الشرطة الأوروبية 718 من المشتبه في كونهم إسلاميين متطرفين، مسجلة ارتفاعا مقارنة بأعداد المعتقلين عام 2015 وعددهم 687 مشتبه به و 395 في 2014. وتشر البيانات إلى زيادة الاعتقالات وتراجع الهجمات من 17 هجوما في 2015 إلى 13 هجوما عام 2016، منها ستة مرتبطة بما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية. وكان هناك زيادة في الاعتداءات العنيفة من جانب جماعات اليمين الأوروبية.
وذكر تقرير اليوروبول السنوي لعام 2016، عن وضع الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، إحباط 142 هجوما، في ثمانية دول أعضاء بالاتحاد، شملت هجمات قامت بها تنظيمات جهادية وقومية أوروبية وجماعات أخرى. وأضاف أن 142 شخصا لقوا مصرعهم في "هجمات إرهابية" بينما أصيب 379 شخصا بجراح، وسقط غالبية الضحايا جراء هجمات لجهاديين. وقال المفوض الأمني للاتحاد الأوربي جوليان كينغ، إن الأرقام كشفت ضرورة الحاجة إلى تعاون أوثق فى تبادل المعلومات الاستخبارية. وأضاف أن "الإرهابيين لا يحترمون الحدود ولا يعترفون بها".
وحذر التقرير من أن النساء يلعبن دورا متزايدا فى هجمات الإسلاميين المتشددين. وقال إن :" النساء في الدول الغربية يدركن قلة العقبات أمامهن لشن هجمات إرهابية، مقارنة بتلك التي تواجه الرجال، كما أن هجماتهن الناجحة وحتى الفاشلة يمكنها أن تمثل مصدر إلهام لأخريات". وأشار التقرير إلى أن العدد الأكبر من هجمات العام الماضي نفذها "متطرفون عرقيون وانفصاليون متشددون". وقال التقرير إن هجمات المتطرفين اليساريين آخذة في الارتفاع منذ عام 2014، وبلغ عددها 27 هجوما في 2016، منها 16 في إيطاليا.
من جانب اخر أوقفت بلجيكا أربعة أشخاص يشتبه بوجود علاقة مباشرة لهم مع أعضاء من مجموعة "راكبي الدراجات النارية الانتحاريين" البلجيكية، بعد أن عثرت على مخبأ أسلحة في بروكسل. كما تم إيقاف رجل، في شمال فرنسا خلال عملية مشتركة فرنسية بلجيكية لمكافحة الإرهاب، يشتبه بأنه على صلة بالحركة الجهادية البلجيكية.
وقال الناطق باسم النيابة إريك فان در سيبت إن الأشخاص الأربعة "اقتيدوا للاستماع إليهم". وأضاف أنه يشتبه "بوجود علاقة مباشرة لهم مع أعضاء من مجموعة ’راكبي الدراجات النارية الانتحاريين‘" وخصوصا مع شخصين أثار توقيفهما في نهاية 2015 بلبلة في بلجيكا وتسبب بإلغاء احتفالات رأس السنة، خشية وقوع اعتداء.
من جانب آخر، أوقف رجل (42 عاما) في شمال فرنسا، خلال عملية مشتركة فرنسية بلجيكية لمكافحة الإرهاب للاشتباه بتحضيره لـ"عمل عنف"، على ما أفاد مصدر مطلع على الملف. وأوضح المصدر أنه يشتبه بأن الرجل الذي أوقف في ضواحي مدينة ليل، على صلة بمجموعة من راكبي الدراجات النارية البلجيكيين المرتبطين بالأوساط الجهادية، يعرفون بـ"كاميكاز رايدرز". وسيقرر قاضي تحقيق بلجيكي ما إذا كان سيبقي المشتبه بهم الأربعة الذين أوقفوا خلال سلسلة مداهمات في أندرلخت، أحد أحياء بروكسل، قيد الحجز. بحسب فرانس برس.
وأتاحت هذه العمليات للشرطية البلجيكية العثور على "العديد من الأسلحة" في مرآب كما أضاف فان در سيبت. وقال مصدر مقرب من الملف إنه تم ضبط "رشاشي كلاشينكوف بين الأسلحة التي عثر عليها". وأوضحت النيابة الفدرالية في بيان، أن هذا الملف منفصل تماما عن التحقيقات الجارية في بلجيكا حول اعتداءات باريس التي وقعت في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 (130 قتيلا) ودبرت من بلجيكا، وعن الهجمات التي أوقعت 32 قتيلا في مطار ومترو بروكسل في 22 آذار/مارس 2016. وأضافت أنه لا يوجد أي رابط أيضا مع الاعتداء الذي أحبط في محطة بروكسل للقطارات في 21 حزيران/يونيو الماضي، حيث قتل رجل مشبوه أراد تنفيذ اعتداء إثر انفجار حقيبته المفخخة في الطابق السفلي للمحطة.
الإسلاميين المتطرفين
من جانب اخر أعلنت الاستخبارات السويدية أن عدد المتطرفين الإسلاميين في البلاد زاد بقرابة عشرة أضعاف في أقل من عقد. وسبق وأن التحق نحو 300 شخص من السويد بتنظيم داعش، وعاد منهم زهاء 140 شخصا. وأعلن رئيس جهاز الاستخبارات في السويد أن بلاده أصبحت مأوى لنحو ألفي متطرف إسلامي، بزيادة قرابة عشرة أضعاف في أقل من عقد. وأرجع أنديرز ثورنبرغ هذه الزيادة إلى حملات الدعاية المتطورة لتنظيم داعش.
وقال ثورنبرغ إنه بالرغم من أن لدى عدد "قليل من المتطرفين (...) الإرادة والقدرة" على تنفيذ هجمات، إلا أنه لابد من إيجادهم ومتابعتهم عن قرب. وتابع ثورنبرغ في لقائه مع وكالة الأنباء السويدية "تي تي" "من المهم أن يتحمل الجميع المسؤولية في السويد لوقف هذا التوجه ... قبل أن نرى هجوما أو عملا عنيفا". وأصبحت السويد مهددة بعد قيام شخص أوزبكستاني الجنسية أظهر تعاطفا مع جهاديي داعش بدهس مارة بشاحنة مسروقة كان يقودها في جادة تجارية مزدحمة في العاصمة السويدية فقتل أربعة أشخاص وأصاب 15 بجروح.
وتشهد أوروبا سلسلة من الهجمات الإرهابية منذ سنوات بينها اعتداءات واسعة النطاق في باريس وبروكسل وبرلين. وقال ثورنبرغ إن من بين 3000 متطرف في السويد، هناك 2000 لديهم دوافع إسلامية، اما البقية فيتبعون الحركات اليمينية واليسارية المتطرفة. وكانت الاستخبارات السويدية (سابو) قدرت في 2010 أن 200 من الإسلاميين المتطرفين من دعاة استخدام العنف ينشطون في هذا البلد الإسكندنافي. بحسب فرانس برس.
وسبق وأعلن سابو أن نحو 300 شخص من السويد سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام لتنظيم داعش منذ العام 2012 عاد منهم زهاء 140 شخصا ويعتقد بمقتل 50 بالخارج. كما أدين أسامة كريم السويدي الجنسية بتهم القتل حول دوره في هجوم بالقنابل في مترو بروكسل في العام 2016.
تمويل المتشددين
الى جانب ذلك اقترح مسؤولون من الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة لمنع المهربين من تهريب مخطوطات أثرية أو أعمال فنية وقطع أثرية أخرى إلى أوروبا وهي تجارة غير شرعية يقولون إنها تمثل موردا لتمويل المتشددين. وقالت المفوضية الأوروبية إن مهربين يعمل بعضهم مع جماعات متشددة يسرقون آثارا من مناطق المعارك في الشرق الأوسط ويستخدمون ثغرات في نظام الجمارك لبيعها داخل دول الاتحاد.
وقال مفوض الشؤون الاقتصادية بيير موسكوفيتشي للصحفيين "الإرهابيون يعملون في تهريب أعمال فنية من بين أغراض أخرى". وتابع قائلا "لا يمكن أن نقبل قيام الإرهابيين بسرقة مواد ثقافية من سوريا والعراق وبيعها بطريقة غير مشروعة في أوروبا لتمويل هجمات إرهابية ضد مواطنين أوروبيين". بحسب رويترز.
وستطلب القواعد الجديدة من التجار المرور بعملية ترخيص أكثر صرامة لاستيراد قطع أثرية وإدخالها إلى أوروبا. كما تحدد القواعد تعريفا جديدا للسلع الثقافية المحمية ومنحت سلطات الجمارك صلاحيات لضبطها. وتحظر القواعد التنظيمية الأوروبية بالفعل تجارة الآثار من العراق وسوريا اللتين سيطر فيهما تنظيم داعش وجماعات أخرى على أراض ومواقع تاريخية.
اضف تعليق