الهجمات الدموية الأخيرة التي شهدتها أفغانستان وأسفرت عن مقتل العشرات، اثارت العديد من الاسئلة والتحليلات دلالاتها الأمنية على مستوى التحول الجاري في الجماعات الارهابية، ومدى تأثيرها المستقبلي كما نقلت بعض المصادر، خصوصا وان البعض وان الهجمات الارهابية الاخيرة في افغانستان وغيرها من الدول تأتي في وقت مهم وحساس حيث تزداد الضغوط على تنظيم داعش ايضا تأتي في وقت تسعى فيه العديد من الجهات الى ايجاد طريق جديد لإجراء مباحثات سلام مع حركة طالبان، يضاف الى ذلك ان أفغانستان كانت ولا تزال ملعب لصراع بين امريكا وروسيا، حيث يرى بعض المراقبين ان هناك علامات استفها كبيرة بخصوص هجمات كابل التي قد تكون بداية لعودة الحرب الباردة التي بدأت مؤشراتها بطريقة جديدة.
خصوصا امريكا التي القت قبل فترة اكبر قنبلة على داعش في افغانستان، ترى وجود تحالف بين طالبان مع روسيا التي تنظر الى الحركة كرادع لتنظيم داعش في المنطقة، من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان هجمات كابل ايضا قد تكون بداية جديدة لعودة التواجد الامريكي بشكل مكثف في هذا البلد، في سبيل منع الروس من ايجاد قنوات ومبررات للتدخل كقوة مسيطرة كما حدث في سوريا، خصوصا وان ما حدث قد يكون سببا في اشعال حرب خطيرة في المنطقة، التي تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب الاتهامات المتبادلة والصراع المستمر بين افغانستان وباكستان.
وحتى الآن لم تتضح الجهة المسؤولة التي نفذت الهجومين، إلا أن الاستخبارات الأفغانية وكما نقلت بعض المصادر، اتهمت الاستخبارات الباكستانية بالتورط في تنفيذ تفجير السيارة المفخخة وسط العاصمة كابل بالتنسيق مع "شبكة حقاني". وهو أسوأ اعتداء تشهده البلاد منذ 2001 وهي لا تزال تحت وطأة الصدمة فيما يتصاعد غضب السكان إزاء فشل الحكومة الأفغانية في حمايتهم. وشهدت كابول في الاشهر ال 12 الاخيرة 15 اعتداء كبيرا وباتت في الفصل الاول من 2017 المكان الاشد خطرا على المدنيين في افغانستان.
حداد وغضب
وفي هذا الشأن ساد الحداد أنحاء العاصمة الأفغانية على ضحايا انفجار قوي أودى بحياة العشرات وأوقع مئات المصابين وسط تزايد الغضب العام من فشل الحكومة في منع هجوم دام آخر في قلب العاصمة. وانفجرت قنبلة مخبأة في شاحنة صهريج لنقل مياه الصرف الصحي في شارع مزدحم بالسيارات والمارة الذين كانوا في طريقهم لمدارسهم أو أعمالهم في ساعة الذروة الصباحية مما أوقع مئات القتلى والجرحى وأطلق سحابة كثيفة من الدخان الأسود في سماء المدينة.
ومن حيث الحجم، كان الانفجار واحدا من أسوأ الهجمات منذ الحملة التي قادتها الولايات المتحدة للإطاحة بحركة طالبان عام 2011. لكن من حيث النوعية، كان مجرد هجوم في سلسلة هجمات تقتل آلاف المدنيين منذ سنوات. وفي خطاب تلفزيوني دعا الرئيس أشرف عبد الغني إلى الوحدة الوطنية في مواجهة الهجوم الذي ألقت الإدارة الوطنية للأمن مسؤوليته على شبكة حقاني التابعة لطالبان. لكن عبد الغني يواجه غضبا شعبيا متزايدا.
وقال غلام سخي وهو صانع أحذية يقع متجره قرب موقع التفجير "ماذا يحدث لهذا البلد يا إلهي؟... يخرج الناس من بيوتهم لشراء رغيف خبز لأطفالهم وفي المساء يعودون جثثا إلى عائلاتهم". ووقع الانفجار قرب السفارة الألمانية عند أحد مداخل ما يعرف بالمنطقة الخضراء في كابول حيث انتشرت على مر السنين الحوائط الأسمنتية الواقية من الانفجارات وكذلك نقاط التفتيش في أنحاء الحي الدبلوماسي مع تصاعد حدة التمرد في البلاد.
ورغم أن حراس أمن أفغانا منعوا الشاحنة التي كانت تحمل المتفجرات من دخول المنطقة، لا يزال من غير الواضح كيف عبرت هذه الكمية الكبيرة من المتفجرات سلسلة نقاط التفتيش حول كابول. وأحدث التفجير حفرة كبيرة وحطم نوافذ منازل على بعد أكثر من كيلومتر. ولحقت أضرار بعدة سفارات وأصيب عدد من الأجانب لكن غالبية الضحايا كانوا من الأفغان كما هو الحال عادة في مثل هذه الهجمات. بحسب رويترز.
وقال عناية الله محمدي وهو صاحب متجر "الآلاف من أبناء شعبنا في حداد الآن... نطالب زعماءنا بتوفير الأمن في البلاد وإن لم يستطعوا فعليهم الاستقالة". وقال مراد علي نائب وزير الداخلية يوم الخميس إن 80 شخصا قتلوا وأصيب 463 آخرون في الهجوم. إلا أن عدد الضحايا الحقيقي قد لا يعرف على الإطلاق. وتقول الشرطة إن عدة حراس منعوا فيما يبدو الشاحنة من دخول المنطقة الخضراء اختفوا. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم حتى الآن لكن الإدارة الوطنية للأمن قالت إنه من تنفيذ شبكة حقاني المرتبطة بحركة طالبان بمساعدة من المخابرات الباكستانية. ونفت طالبان أي دور لها في التفجير. لكن في الشوارع كان البقاء هو الشغل الشاغل. وقال نجيب الله جان وهو صاحب متجر آخر يقع على مقربة من مكان الهجوم "عندما أغادر بيتي كل صباح لا أعرف إن كنت سأعود أم لا".
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف الحي الدبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابول، اتهمت أجهزة المخابرات الأفغانية شكبة حقاني المجموعة المسلحة الحليفة لطالبان والتي نفذت العديد من الهجمات ضد القوات المحلية والأجنبية في أفغانستان بالوقوف وراء الهجوم. وقالت الإدارة الوطنية للأمن، جهاز المخابرات الرئيسي في أفغانستان، إن التفجير الانتحاري الذي استهدف الحي الدبلوماسي من تنفيذ شبكة حقاني المرتبطة بحركة طالبان بمساعدة من باكستان.
الوضع الأمني سيتدهور
الى جانب ذلك قال مدير المخابرات الوطنية الأمريكية إن الوضع الأمني في أفغانستان سيواصل التدهور حتى إذا حدثت زيادة متواضعة في الدعم العسكري الأمريكي وذلك في وقت تبحث فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب إرسال المزيد من القوات إلى البلد المضطرب. وأشارت تقديرات عسكرية أمريكية في وقت سابق من العام الحالي إلى أن وحدات الجيش الأفغاني تنسحب وفي بعض الحالات يتم إجبارها على التخلي عن قواعد متناثرة أو ريفية وإن بوسع الحكومة أن تزعم سيطرتها أو تأثيرها على 57 بالمئة فقط من البلاد.
وقال دان كوتس مدير المخابرات الوطنية في جلسة بمجلس الشيوخ "تقييم مجتمع المخابرات هو أنه في شبه المؤكد أن الوضع السياسي والأمني في أفغانستان سيتدهور حتى 2018 برغم زيادة متواضعة في المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة وشركائها". وكان القائد الأمريكي في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون قال في فبراير شباط إنه يحتاج بضعة آلاف من القوات الدولية الإضافية لكسر الجمود في الصراع مع طالبان. بحسب رويترز.
وفي نفس الجلسة قال مدير المخابرات العسكرية إن الوضع سيتدهور ما لم يعمل المدربون الأمريكيون مع الجنود الأفغان في مناطق أقرب إلى خط الجبهة وما لم يتم زيادة عددهم وتعزيز عمليات جمع المعلومات والاستطلاع. ولم يتم حتى الآن تقديم خيارات رسميا إلى ترامب. وقال كوتس إن أفغانستان ستواجه صعوبة في خفض اعتمادها على المجتمع الدولي "إلى أن تتمكن من احتواء التمرد أو تتوصل إلى اتفاق سلام مع طالبان".
امريكا والحرب
على صعيد متصل كان الاعتداء الذي أتى في ظرف تدهور أمني ووضع مهتز في افغانستان، موضع ادانة كبيرة في العالم باسره. وندد الرئيس الاميركي ب "الطبيعة الوحشية للارهابيين الذين هم اعداء كافة الشعوب المتحضرة". كما "اشاد بقوات الامن الافغانية لجهودها الثابتة في الدفاع عن الشعب الافغاني في مواجهة اعدائه الذين يحاولون حرمانه من الامن والازدهار الذي يحتاجه كثيرا"، بحسب البيت الابيض.
وتفكر الولايات المتحدة المنخرطة في افغانستان في اطول نزاع في تاريخها، حاليا في ارسال عسكريين اضافيين. وهي تنشر حاليا 8400 عسكري في افغانستان الى جانب خمسة آلاف ينتمون الى دول اخرى في الحلف الاطلسي تتمثل مهمتهم الاساسية في تدريب الجنود الافغان وتقديم المشورة لهم. وقالت منظمة العفو الدولية ان الاعتداء يظهر ان "النزاع في افغانستان لا يخفت بل يتفاقم بشكل خطر وبطريقة يفترض ان تلفت اهتمام المجتمع الدولي".
وقال وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل إن بعض موظفي السفارة أصيبوا وقتل واحد على الأقل من حراس الأمن. وأضاف "مثل هذه الهجمات لا تجعلنا نحيد عن عزمنا على مواصلة دعم الحكومة الأفغانية لتحقيق الاستقرار في البلاد". وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن من بين القتلى 11 أمريكيا يعملون متعاقدين في أفغانستان وأضافت أن أيا من الإصابات لا تعتبر مهددة للحياة. بحسب رويترز.
وقال بيان صادر عن بعثة الدعم الحازم بقيادة حلف شمال الأطلسي في كابول إن قوات الأمن الأفغانية منعت السيارة من دخول المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم العديد من السفارات ومقر البعثة مما يشير إلى أن السيارة الملغومة ربما لم تصل إلى هدفها المحدد. وقالت فرنسا والصين وتركيا إن سفاراتها تضررت لكن ليس هناك ما يشير إلى إصابة أحد من دبلوماسييها. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن أحد سائقيها وهو أفغاني قتل أثناء نقله صحفيين لعملهم. وأصيب أربعة صحفيين بجروح وتلقوا العلاج في مستشفى. ومن المنتظر أن يتخذ الرئيس الأمريكي قرارا قريبا بشأن توصية بإرسال قوات إضافية يتراوح قوامها بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف جندي لتعزيز قوة تدريب صغيرة تابعة لحلف شمال الأطلسي وبعثة مكافحة الإرهاب الأمريكية. ويبلغ قوام القوتين معا حاليا قرابة 15 ألف جندي.
اضف تعليق