تواجه إندونيسيا تحديات ومشكلات جديدة، بسبب تنامي الفكر المتشدد في هذه الدولة التي عرفت بتطبيقها للإسلام المعتدل، حيث تكررت في الفترة الأخيرة وكما نقلت بعض المصادر، الهجمات والخطابات التحريضية ضد الأقليات الدينية، هذا بالإضافة لارتفاع في عمليات الاضطهاد والاستقطاب السياسي الذي يظهر القوة المتصاعدة للجماعات المتطرفة. فمثلًا، حُكم على باسوكي أهوك بورناما، حاكم جاكرتا المنتمي للأقلية المسيحية بالمدينة، بالسجن لمدة سنتين بتهمة الكفر والتجديف بالقرآن. وكان السبب خلف هذه القضية هو فيديو بترجمة غير دقيقة لتعليقات له حول استخدام خصومه للقرآن في حملاتهم السياسية، والذي انتشر في وسائل الإعلام الاجتماعية. واستندت محكمة إندونيسية قضت بسجن باسوكي إلى أقوال الخطيب الإسلامي المفوه حبيب رزيق باعتباره حجة في القرآن.
وقد سبق أن دخل هذا الخطيب زعيم جبهة المدافعين عن الإسلام السجن مرتين بتهمة التحريض على العنف وكان حتى عهد قريب شخصية مغمورة في المجتمع الإندونيسي وكان المجتمع يعتبر أنصاره أفرادا في لجان شعبية تستخدم أساليب البلطجة وتميل للتطرف والابتزاز. ويسلط اعتراف المحكمة به كواحد من علماء الدين الاسلامي المبجلين، بل وقرار المحكمة ذاته، الضوء على نفوذ الجماعات الإسلامية المتنامي في إندونيسيا أكبر دول العالم الإسلامي من حيث عدد السكان المسلمين والتي يعترف دستورها بتعدد الأديان وجرى العرف فيها على التسامح الديني.
ويقول منتقدون إن الحكم القضائي أضفى تصديقا شبه قانوني على تفسير متشدد لنصوص قرآنية الأمر الذي قد يشجع على تهميش الأقليات الدينية في إندونيسيا، والتي قد تدخل بازمات ومشاكل كبيرة في المستقبل. فهناك مخاوف متزايدة أن الإسلاميين، بما في ذلك جبهة المدافعين الإسلاميين المتطرفة في تسلط مستمر على الهندوس والمسيحيين والبوذيين وغيرهم من الأقليات في البلاد. بالإضافة للمجموعات المحلية، تعد إندونيسيا من بين الدول الآسيوية التي يستهدفها تنظيم داعش الارهابي من أجل التمدد والانتشار، حيث شنت الأخيرة هجومًا في جاكرتا في يناير ٢٠١٦.
دعوات اممية
وفي هذا الشأن حضت الأمم المتحدة جاكرتا على اطلاق سراح حاكم جاكرتا السابق المسيحي الذي ينفذ حكما بالسجن، وايضا على الغاء قوانين التجديف في أندونيسيا التي تضر بالحريات الدينية في هذا البلد ذي الغالبية المسلمة. وجاءت هذه الدعوة في وقت طلبت عائلة بوسوكي تجاهاجا بورناما وبشكل غير متوقع سحب الطلب الذي قدمه محاموه لاستئناف الحكم الصادر ضده بالسجن عامين بتهمة التجديف.
ودخل بورناما المعروف أيضا باسم "آهوك" السجن هذا الشهر لادانته باهانة القرآن، في قرار صادم أثار مخاوف من تنامي التعصب الديني في أكبر بلد اسلامي في العالم من حيث عدد السكان. وحضت مجموعة من خبراء حقوق الانسان في الأمم المتحدة أندونيسيا على اطلاق سراح الحاكم السابق البالغ 50 عاما، والغاء قوانين التجديف التي يقول بعض المنتقدين انها استخدمت مرارا لاستهداف الأقليات في السنوات الأخيرة.
وقال بيان الخبراء ومن ضمنهم مقررون في مجال الحريات ان "ادانة السيد بورناما وسجنه سيضران بحرية المعتقد والدين والتعبير في أندونيسيا". واضاف البيان "نحض الحكومة على ابطال الحكم الصادر بحق بورناما عند الاستئناف، او تقديم أي شكل من أشكال الرأفة اليه قد يكون متوافرا بموجب القانون الاندونيسي ليتم اطلاق سراحه بشكل فوري".
وقدم محامو بورناما وثائق في وقت سابق لاستئناف الحكم امام محكمة في جاكرتا، لكن قيل لاحقا ان عائلة الحاكم السابق طلبت عدم الاستمرار بالاجراء. وقال المحامي روني تالابيسي "لدى العائلة اعتباراتها الخاصة وقد سحبت الاستئناف"، مضيفا انه لا يمكنه الافصاح عن سبب سحبه. وأثار الحكم على بورناما انتقادات واسعة، وخصوصا ان المدعين العامين كانوا قد طلبوا وضعه تحت المراقبة لعامين، واستأنفوا بدورهم الحكم بعد صدوره. بحسب فرانس برس.
وحوكم بورناما العام الماضي بسبب مزاعم عن اهانته الاسلام خلال الحملة الانتخابية لاعادة انتخابه حاكما لجاكرتا، وبعد ان تسببت هذه المزاعم باحتجاجات في الشارع. وكان اشار الى آية قرآنية أعتبر ان خصومه يستخدمونها لخداع الناس للتصويت ضده. وقد فسر البعض الآية على ان المسلم يجب الا ينتخب غير مسلم. وخسر بورناما الذي كان الأوفر حظا للفوز في الانتخابات امام منافسه المسلم.
ويقول منتقدون إن الحكم القضائي أضفى تصديقا شبه قانوني على تفسير متشدد لنصوص قرآنية الأمر الذي قد يشجع على تهميش الأقليات الدينية في إندونيسيا. غير أن الرئيس جوكو ويدودو الإصلاحي المعتدل وحليف بورناما هون علانية من شأن المخاوف من تزايد التعصب الإسلامي في البلاد فحث الإندونيسيين بعد الحكم على احترام العملية القانونية مشيرا إلى أن بورناما سيستأنف الحكم.
وقال أندرياس هارسونو من منظمة هيومن رايتس ووتش إن القضية ستعزز التفسير الحرفي لما ورد في سورة المائدة عن ولاية المسلمين على المسلمين في كل مناحي الحياة. وأضاف "سيمتد ذلك إلى مكان العمل. سيطالبون برؤساء تنفيذيين من المسلمين وموظفين كبار من المسلمين. والإسلاميون يتحدثون بالفعل عن ذلك".
ذوي الأصول الصينية
الى جانب ذلك رسم زعيم جمعية إسلامية اندونيسية ذات نفوذ كبير كان قد قاد الحملة لسجن حاكم جاكرتا المسيحي خططا لشن حملة جديدة تقوم على أسس عرقية تستهدف التفاوت الاقتصادي والاستثمارات الأجنبية. وفي مقابلة نادرة قال بختيار ناصر إن ثروة الأقلية العرقية الصينية في اندونيسيا تمثل مشكلة ونادى بوضع برنامج عمل إيجابي للإندونيسيين الذي ينتمون لعرق الملايو وذلك في تصريحات قد تغذي التوترات الشديدة في الدولة التي توجد فيها أكبر أغلبية مسلمة في العالم.
وقال ناصر مشيرا إلى الاندونيسييين من أصل صيني في المقابلة التي جرت في مركز إسلامي بجنوب جاكرتا "يبدو أنهم لا يصبحون أكثر عطاء وأكثر إنصافا. وتلك هي أكبر المشاكل". ويشكل الصينيون العرقيون أقل من خمسة في المئة من سكان اندونيسيا لكنهم يسيطرون على شركاتها الكبرى وجانبا كبيرا من ثروتها. وقال ناصر أيضا إن الاستثمار الاجنبي وخاصة من الصين لم يفد الاندونيسيين بصفة عامة.
وتعد اندونيسيا، صاحبة أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، مقصدا رئيسيا للاستثمارات الأجنبية في قطاعي التعدين وتجارة التجزئة. كما تحاول جاكرتا جذب المستثمرين لحملة من أجل استثمار 450 مليار دولار في البنية التحتية لإنعاش النمو الاقتصادي. وقال ناصر رئيس الحركة الوطنية لحماية فتاوى مجلس علماء اندونيسيا "مهمتنا التالية هي السيادة الاقتصادية والتفاوت الاقتصادي. يجب على الدولة أن تضمن عدم بيع اندونيسيا للأجانب وخاصة للصين".
وكانت جماعته نظمت احتجاجات شارك فيها مئات الآلاف في جاكرتا أواخر العام الماضي بسبب تصريح عن آية قرآنية أدلى به حاكم العاصمة باسوكي تجاهاجا بورناما المسيحي من أصل صيني. وقضت محكمة بسجن بورناما عامين بتهمة التجديف الأمر الذي أثار مخاوف من تزايد التشدد الإسلامي بما يهدد التوافق العنصري والديني في البلاد. وكان لناصر (49 عاما) برنامج ديني يعرض ليلا على واحدة من أكبر الشبكات التلفزيونية الاندونيسية. وتم إنهاء عقده تحت ضغط من الحكومة بعد الكشف عن دوره في أول مظاهرة احتجاج مناهضة لبورناما. وأشار خلال المقابلة إلى أهداف أخرى دوافعها دينية مثل قصر تناول الخمور على المناطق السياحية ومكافحة الدعارة وتجريم الزنا واللواط.
وكان الرئيس السابق سوهارتو منع الاندونيسيين من أصل صيني من شغل كثير من المناصب العامة وحرمهم من التعبير عن ثقافتهم وأرغمهم على التخلي عن أسمائهم الصينية. وبسبب التهميش السياسي والاجتماعي اتجه كثيرون منهم إلى الأعمال وأصبحوا أثرياء. وغذت هذه الفجوة في الثروة العرقية مشاعر الاستياء بين فقراء الاندونيسيين وأغلبهم من سكان الملايو الأصليين. وخلال أعمال شغب أدت إلى سقوط سوهارتو عام 1998 كانت الشركات والأنشطة المملوكة للصينيين العرقيين والصينيين مستهدفة وقتل في أحداث العنف حوالي 1000 شخص.
ولم تحدث أعمال عنف على هذا المستوى منذ ذلك الحين لكن التوترات ظلت قائمة. وقد كان الرئيس جوكو ويدودو هدف حملة تشويه في عام انتخابات 2014 زعمت زورا أنه من أصل صيني ومسيحي. وقال المؤرخ بوني تريانا الذي سجل تجارب الاندونيسيين الصينيين إن ناصر يجعل من الصينيين كبش فداء. وأضاف تريانا وهو من أهل اندونيسيا الأصليين "هذا في غاية الخطورة على شعبنا. فهذا لعب بالنار. إنهم ينشرون معلومات سيئة لإقناع الناس بأن دورهم إنقاذ الشعب".
وقال ناصر في المقابلة "لا يمكن إنكار المشاعر العرقية" عندما يتعلق الأمر بالتفاوت مضيفا أنه لابد من معالجة القوة الاقتصادية للاندونيسيين الصينيين. وقال جوهان بودي المتحدث باسم الرئيس ويدودو ردا على تعليقات بختيار في بيان إن التفاوت في الدخل من البنود المهمة على جدول أعمال الحكومة وإن الصينيين الاندونيسيين لا يحصلون على معاملة خاصة". وأضاف "ليس حقيقيا الادعاء بأن الرئيس جوكوي يتيح مجالا أكبر للصينيين العرقيين في اندونيسيا" مشيرا إلى الرئيس باسمه الشائع. بحسب رويترز.
ويقول معهد كريدي سويس للأبحاث في تقريره عن الثروة العالمية لعام 2016 إن واحدا في المئة من الاندونيسيين يمتلك حوالي 49.3 في المئة من الثروة الوطنية بما يجعل اندونيسيا واحدة من أكثر دول العالم تفاوتا في توزيع الثروة. وكان ناصر الذي درس في السعودية شكل جماعته العام الماضي لاستهداف بورناما حاكم العاصمة. ورغم أن ناصر ليست له شهرة وانتشار الداعية حبيب رزيق الذي قاد احتجاجات العام الماضي فإن جماعته لها نفوذ كبير لأنها تجمع تحت مظلتها منظمات إسلامية لها انتشار واسع في البلاد وصلات قوية بالمساجد والمدارس الدينية. وقال ناصر إن حركته دينية وليست سياسية. غير أنه يعتبر على نطاق واسع متحالفا مع زعيم المعارضة برابوو سوبيانتو الذي خسر في الانتخابات عام 2014 أمام ويدودو وربما يرشح نفسه في عام 2019.
تفجير جاكرتا
من جانب اخر ارتفعت حصيلة ضحايا الهجوم الانتحاري المزدوج، الذي استهدف، محطة الحافلات Kampung Melayu شرق العاصمة الإندونيسية جاكرتا، إلى ثلاثة قتلى و10 جرحى. وقال المتحدث باسم الشرطة الوطنية الإندونيسية، سيتيو واسيستو، إن جميع القتلى هم من رجال الشرطة، أما المصابون فخمسة منهم شرطيون والخمسة الآخرون مدنيون. وقال إن رجال الشرطة القتلى كانوا في الخدمة لحظة وقوع التفجيرين مكلفين بحراسة تظاهرة أقيمت في المنطقة التي وقع فيها الهجوم.
وأكد واسيستو أن التفجيرين نفذهما انتحاريان، وليس انتحاري واحد، كما كان يعتقد سابقا. وكشف أن القنبلتين كانتا موضوعتين في طنجرتي ضغط ، موضحا أن هذه الطريقة كان قد استخدمها منفذ الهجوم على مدينة باندونغ في شهر شباط/فبراير الماضي، الذي قتلته الشرطة وقالت إنه كان منتميا لشبكة متطرفة متعاطفة مع تنظيم “داعش”.
ولم تتأكد الشرطة بعد فيما إذا كان التفجيران اليوم عملا إرهابيا أم لا، وهي تعمل على تحديد هوية المهاجمين. وأعلن وزير النقل الإندونيسي، بودي كاريا سومادي، عبر تغريدة على حسابه في تويتر، عن تشديد الإجراءات الأمنية على مرافق النقل العام في البلاد. وأظهرت صور ومقاطع فيديو منشورة على مواقع للتواصل الاجتماعي انتشارا أمنيا كبيرا في المنطقة التي وقع فيها التفجيران.
على صعيد متصل أعلنت أندونيسيا انها ستحل الفرع المحلي لحزب التحرير الإسلامي، فيما يتزايد القلق حيال المتشددين في أكبر بلد مسلم في العالم. ورغم أن معظم سكان أندونيسيا يمارسون شكلا معتدلا من الإسلام، فإن المخاوف تتزايد حيال تأثير المتطرفين، خصوصا بعد الاحتجاجات الكبيرة التي قادها المتشددون ضد حاكم جاكرتا المسيحي من اصل صيني.
ولدى إعلانه خطة حل الحزب في أندونيسيا، قال وزير الأمن ويرانتو إن الحكومة تحتاج إلى اتخاذ خطوات قانونية حاسمة لحل حزب التحرير في أندونيسيا. وأضاف الوزير الذي يحمل اسما واحدا كمعظم الأندونيسيين، إن أنشطة حزب التحرير قد تهدد الأمن والنظام العام وتعرض وحدة أندونيسيا للخطر. وأشار إلى أن السلطات ستتجه إلى المحكمة لحل هذه المجموعة، لكنه شدد على أن القرار لا يعني أن الحكومة ضد جميع التنظيمات الإسلامية. وحزب التحرير الذي ينتشر في بعض بلدان اسيا الوسطى خصوصا محظور بالفعل في دول عدة.
اضف تعليق