مع تواصل انتصارات وتقدم القوات العراقية المشتركة في معركة تحرير مدينة الموصل، من سيطرة تنظيم داعش الارهابي الذي تعرض لخسائر كبيرة وفقد العديد من أنصاره وقادته، يرى بعض الخبراء ان هذه المعركة التي دخلت مرحلة الحسم تقريبا، تزداد تعقيداً خصوصا وانها تدور اليوم في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، يضاف الى ذلك ان التنيم المتشدد قد سعى الى استخدام اساليب وحشية وانتقامية ضد المدنيين العزل منها القتل والتجويع واستخدامهم كدروع بشرية بهدف اعاقة تقدم القوات العراقية. التي اعلنت في وقت سابق استعادة السيطرة على اكثر من 70% من مساحة الجانب الغربي لمدينة الموصل.
وفيما يخص اخر مستجدات هذا الملف فقد حققت القوات العراقية تقدما مهما واستعادت واحدا من اكبر احياء الجانب الغربي من مدينة الموصل، في اطار معركة استعادة المدينة التي انطلقت منذ اكثر من ستة اشهر، حسبما اكد مصدر امني بارز. وبدأت القوات العراقية في 19 شباط/فبراير، عملية لاستعادة الجانب الغربي من مدينة الموصل، ثاني مدن واخر اكبر معاقل الجهاديين في البلاد، ونقل بيان عن الفريق عبد الوهاب الساعدي احد قادة قوات مكافحة الارهاب في الموصل بانه " استطاع ابطال جهاز مكافحة الارهاب، الرتل الغربي، تطهير حي التنك بالكامل وهو من اكبر الاحياء في الساحل الغربي (غربي الموصل) وكان يعتبر معقلا رئيسيا للمجاميع الارهابية ". واكد الساعدي "الان، حي التنك بالكامل تحت سيطرة جهاز مكافحة الارهاب ". ويعد التنك احد الاحياء الكبيرة في الجانب الغربي من الموصل.
واشار الساعدي الى وقوع اشتباكات عنيفة على مدى اكثر من اسبوع، تمكنت خلالها القوات العراقية من قتل عشرات الارهابيين وتدمير اكثر من عشرين عجلة مفخخة. ويرجح تواجد بضع مئات من الجهاديين في الجانب الغربي من الموصل، فيما لا يزال هناك مئات الالاف من المدنيين محاصرين في هذا الجانب من المدينة. ويعد الجانب الغربي، اصغر مساحة لكنه اكثر اكتظاظا من الجانب الاخر للموصل، بسبب احيائه المكتظة وشوارع الضيقة التي لا تسمح بمرور العربات العسكرية ما يرجح ان تكون معارك استعادته اكثر خطورة وصعوبة. وتضطلع قوات مكافحة الارهاب والشرطة الاتحادية والرد السريع دورا رئيسيا في عملية استعادة الموصل.
مدينة الحضر
الى جانب ذلك أعلنت قوات الحشد الشعبي العراقية انطلاق عمليات استعادة السيطرة على بلدة الحضر الاثرية من سيطرة تنظيم داعش جنوب مدينة الموصل. وأفاد بيان صادر عن قوات الحشد التي تساند القوات العراقية ان العملية انطلقت من ثلاثة محاور رئيسية لتحرير قضاء الحضر والمناطق المحيطة به من سيطرة عصابات داعش". وباشرت القوات فتح السواتر الترابية واقتحمت عددا من القرى الواقعة شمال الحضر ورفعت عشرات العبوات الناسفة التي نصبها الجهاديون كمائن.
وقال ابو مهدي المهندس أحد ابرز قيادات الحشد الشعبي في فيديو مقتضب وجه خلاله نداء الى الالوية المشاركة، "تبدأ عملياتنا محمد رسول الله تقدموا وتوكلوا على الله". واستعادت القوات تلا اثريا يطلق عليه "تل هيلايم الاثري" كما استقبلوا عشرات الاسر التي فرت من مناطق القتال في محيط قضاء الحضر.
واستعاد الحشد الشعبي عشرات القرى الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية لمحافظة نينوى وبلغ أطراف قضاء تلعفر الواقع شرق الموصل. واستولى التنظيم في 2014 على مساحات شاسعة في العراق وسوريا وأعلن اقامة دولة الخلافة فيها، لكنه خسر معظمها لاحقا. وأطلقت القوات العراقية عملية عسكرية واسعة في 17 تشرين الاول/أكتوبر استعادت خلالها الجانب الشرقي لمدينة الموصل قبل التوجه الى الجانب الغربي للمدينة وهو أصغر مساحة لكنه مكتظ اكثر بالسكان. بحسب فرانس برس.
وبعد اعلان اقامة دولة "الخلافة" صيف 2014 ، قام الجهاديون بتدمير عدد كبير من المواقع الاثرية في كلا البلدين. ويزعم التنظيم ان تدمير الاثار فريضة دينية لانها اوثان. لكن هذه الادعاءات لم تمنعه من المتاجرة بقطع اثرية في السوق السوداء. وفي أحد أشرطة الفيديو التي نشروها، استخدموا جرافات ومعاول ومتفجرات لتدمير موقع نمرود درة الحضارة الاشورية التي تأسست في القرن 13 قبل الميلاد.
خطط جديدة
من جهة اخرى قال الفريق الركن عبد الغني الأسدي قائد جهاز مكافحة الإرهاب العراقي إن القوات العراقية تلجأ إلى خطط الحصار والتطويق لدفع عناصر تنظيم داعش المتشدد للخروج من الموصل القديمة وتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين المحاصرين داخل الحي التاريخي في الموصل. وسمع دوي انفجار سيارتين ملغومتين على مقربة من مقر قيادة الأسدي أثناء حديثه. وشوهدت أعمدة دخان كثيفة متصاعدة فيما سمع دوي نيران أسلحة ثقيلة من مناطق تحت سيطرة المتشددين.
وقال الأسدي إن معظم المنازل في الموصل القديمة عتيقة جدا والشوارع والأزقة هناك ضيقة للغاية. وأضاف أن الوحدات التابعة له لا تشتبك مع داعش في المواقع التي يحتجز فيها المتشددون مدنيين ويتخذونهم دروعا بشرية. وقال "حتى نجنب أهلنا وعوائلنا إيقاع خسائر بهم اتُخذ هذا الأسلوب" مضيفا أن ذلك لا يعني عدم شن "عملية دقيقة... ومحسوبة حتى نحرر أهلنا من الأسر الذي فرضه عليهم هؤلاء الأوباش".
وحاصرت قوات الحكومة المتشددين في شمال غرب الموصل الذي يتضمن الموصل القديمة وبه مسجد النوري الذي أعلن منه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي إقامة دولة "الخلافة" على مناطق في العراق وسوريا. ويتصدى تنظيم داعش للهجوم عليه بنصب شراك مفخخة وشن هجمات انتحارية بسيارات ملغومة كما تلجأ لنيران القناصة وقذائف المورتر وأحيانا بإطلاق غاز سام. بحسب رويترز.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو نصف مليون شخص محاصرون داخل مناطق في الموصل ما زالت تحت سيطرة داعش في ظل نقص مستمر للغذاء والمياه. ومن بين المحاصرين 400 ألف في الموصل القديمة وحدها. وقالت ليز جراند منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق لرويترز الأسبوع الماضي إن القتال في الموصل القديمة ربما يؤدي "لكارثة إنسانية ربما هي الأسوأ" خلال الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات لطرد داعش من العراق. وقال ضابط بجهاز مكافحة الإرهاب إن نحو 500 متشدد قتلوا خلال اسبوع. وقال الأسدي إن مقاتل "داعش في سياقته وفِي أسلوبه لا يترك نفسه للأسر. هو جاء لكي يموت والقسم الأكبر منهم الآن ذهبوا إلى جهنم وبئس المصير".
معاناة الاهالي
الى جانب ذلك تدفقت أعداد كبيرة من العربات المحملة بأطفال وملابس بينما اكتظ الطريق الرئيسي الذي يربط بين بغداد والموصل بالنازحين إذ فر مئات العراقيين من القتال العنيف أو شقوا طريقهم عائدين إلى مناطق تمت استعادتها من قبضة تنظيم داعش. ولم تعبأ الأسر بدوي قذائف المورتر والمدفعية والرشاشات حيث كانت القوات العراقية تقاتل عناصر داعش على بعد نحو كيلومترين. وسار البعض عدة كيلومترات إلى نقطة تفتيش تابعة للحكومة حيث أرسل الرجال في شاحنات عسكرية ليخضعوا لفحص أمني للتأكد من عدم خروج أي خلايا نائمة للمتشددين خارج المدينة. أما النساء والأطفال فركبوا حافلات وأرسلوا إلى مخيمات تستضيف مئات الآلاف بعضهم نزحوا منذ بدء الحملة العسكرية في أكتوبر تشرين الأول.
وقال يونس أحمد الذي كان يفر من منطقة الثورة مع أسرته وقد كوموا ملابسهم على عربة يد "رحلنا بسبب الظلام والجوع والموت. أصبنا وأصيب أولادنا." وجلست مجموعة من الشبان على مسافة أبعد داخل المدينة في الشارع بينما أعاد لهم الجنود بطاقات هويتهم التي كانوا أخذوها للتحري عنهم قبل السماح لهم بالمغادرة. وتحولت معظم المنازل إلى أنقاض بسبب تفجيرات داعش. وقال حسام صالح الذي يعيش حاليا بين الأنقاض لأنه ليس لديه مكان يفر إليه "نسفت داعش منزلي بمادة تي.إن.تي للاحتماء من الضربات الجوية."
وسار آخرون عائدين إلى المدينة على أمل أن يعودوا إلى منازلهم بعد أن استعادت قوات الأمن المدعومة من الولايات المتحدة أحياءهم من أيدي التنظيم. وقال مصعب محمد الذي كان يسير عائدا إلى الموصل مع أسرته "غادرنا بسبب الضربات الجوية لكننا عدنا الآن. نريد من الحكومة إعادة الخدمات مثل الكهرباء والمياه والسماح لنا بقيادة السيارات بدلا من استخدام عربات اليد."
ولا يزال مئات الآلاف من المدنيين محاصرين في غرب الموصل حيث تحرز القوات العراقية تقدما بطيئا في مواجهة داعش في منطقة هي أشبه بمتاهة من الشوارع الضيقة. وتقول مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إن حتى 20 أبريل نيسان بلغ عدد النازحين من الموصل 503 آلاف عاد منهم 91 ألفا. وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن عدد النازحين حتى 23 أبريل نيسان بلغ 334518. بحسب رويترز.
وظهرت بوادر على عودة بطيئة للتجارة إذ وقف رجل لبيع السجائر فيما كانت هناك أسرة تبيع الحلوى والمياه على الطريق بين الموصل وبغداد وعبر السكان عن حرصهم على إعادة إعمار أحيائهم. وقال عمر خالد الذي عاد إلى المدينة وكان يحمل طفله "لا نريد شيئا من الحكومة. نريد السماح لنا بمساعدة أنفسنا وحسب. إذا حصلنا على خطابات تسمح لنا بالذهاب إلى مناطق أخرى فسنحصل على المياه وننقلها إلى هنا."
جرائم داعش
في السياق ذاته تعرض 15 شخصا في المدينة القديمة وسط الموصل للتصفية الجسدية بعد أن رحب سكان هذه المنطقة بعناصر من التنظيم تنكروا بزي الشرطة الاتحادية، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. وأوضحت قيادة العمليات المشتركة في بيان "ارتكبت عصابات داعش جريمة بشعة في إحدى مناطق الموصل القديمة بعد أن ارتدى عدد من الإرهابيين زي الشرطة الاتحادية، فعبر المواطنون عن فرحتهم برؤيتهم واستقبلوهم بالهتافات والترحيب".
وقال المتحدث باسم القيادة العميد يحيى الزبيدي إن عناصر داعش مستمرون باستهداف المدنيين، متحدثا عن قيامهم بقتل عدد من الأشخاص بينهم أطفال لم يحدد عددهم. وأشار المتحدث إلى أن المنطقة التي تمت فيها العملية ما زالت تحت سيطرة التنظيم المتشدد. بدوره، قال عضو مجلس محافظة نينوى حسام الدين العبار إن "داعش يلجأ إلى أساليب مختلفة لعقاب الأهالي إذ ارتدى عدد من عناصره ملابس الشرطة الاتحادية لإيهام المواطنين بأنهم قوات أمنية عراقية محررة".
وأضاف "رحب الأهالي بهم على هذا الأساس، عندها قاموا باعتقال عدد منهم وأعدموا عددا آخر يقدر بـ 15 مواطنا من أهالي هذه المناطق". وأوضح الزبيدي أن أن القوات الأمنية فتحت ممرات آمنة لتمكين المدنيين من الخروج من المدينة القديمة: ويوجد في المنطقة جامع النوري الكبير الذي أعلن منه زعيم داعش أبو بكر البغدادي "الخلافة" عام 2014. وتضطلع قوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والرد السريع بدور رئيسي في عملية استعادة الموصل التي بدأت بدعم من التحالف الدولي في 17 تشرين الأول/اكتوبر.
اضف تعليق