q

لا تزال باكستان ومنذ عقود طويلة تعيش حالة حرب وصراع مستمر، مع الجماعات المسلحة والمتشددة، التي توجه وبحسب بعض المصادر ضرباتها نحو المؤسسات والمكونات على غرار الجيش والحكومة ورجال السياسة والطوائف الدينية، إلى جانب استهدافها الأقليات والمجموعات العِرقية والمدنيين، ويكتسب الصراع أبعادًا مختلفة في بلد ذي أغلبية سكانية مسلمة، كما يضم أيضًا نحو 4% من السكان غير المسلمين، ويُشكِّل أتباع المذهب السني أغلبية السكان، إلى جانب أقلية من الشيعة بمختلف مذاهبهم، فضلًا عن أتباع طائفة الأحمدي غير المعترف بها.

وشهدت باكستان في مطلع خمسينات القرن الماضي بروز ظاهرة الصراعات الطائفية التي انتهت إلى اندلاع أعمال شغب واسعة النطاق، وكانت الأسباب التي تقف خلف تلك الأعمال تتمثَّل في التوترات الدينية، والمشاحنات السياسية بين الزعماء الدينيين المؤثِّرين المنتمين إلى جماعات دينية أخرى، وانعدام الرضا عن الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن الهجرة، وما حمله معهم المهاجرون الجدد من ثقافات دينية مختلفة.

وفي الأعوام الأخيرة، وسَّعت الجماعات المتشددة قائمة أهدافها لتشمل الطوائف الدينية الصغيرة وأتباع الأقليات المحدودة من أمثال الإسماعيليين والسِّيخ. وبحسب بعض التقارير فان الجماعات المتشددة مسؤولة بشكل مباشر عن العنف الدائر في باكستان. ففي عام 2015، كان على رأس قائمة أبرز الجماعات المشاركة في العنف: "تحريك طالبان باكستان" والمجموعات والفصائل المنشقة عنها، مثل: جماعة "المجاهدين الأحرار" و"جند الله"، إلى جانب بعض الجماعات المحلية الأخرى التي تدِّعي ارتباطها بتنظيم داعش في سوريا وبجماعة "عسكر جنجوي".

وفي هذا الشأن قال مسؤولون بالشرطة الباكستانية إن مفجرين انتحاريين هاجموا مجمع محكمة في باكستان فقتلوا خمسة أشخاص وأصابوا 20 في أحدث واقعة ضمن موجة عنف لإسلاميين. وقال إعجاز خان قائد الشرطة في مقاطعة تشارسادا بشمال غرب باكستان إن المهاجمين الثلاثة جميعا كانوا يحملون قنابل يدوية وبنادق كلاشنيكوف.

وفجر مهاجم نفسه خارج المحكمة في حين قتل آخران برصاص الشرطة قبل أن يتمكنا من دخول المبنى. وأضاف خان "الإرهابيون أتوا وأرادوا قتل أكبر عدد ممكن من الناس داخل المجمع القضائي. خمسة أشخاص قتلوا في الهجوم." ويتردد مئات من المتقاضين على المبنى كل يوم إلى جانب المحامين والقضاة. وأعلن متحدث باسم جماعة الأحرار وهي فصيل تابع لطالبان الباكستانية المسؤولية عن الهجوم في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني إلى وسائل الإعلام.

وكانت هذه الجماعة بثت شريطا مصورا في وقت سابق تعلن فيه حملة جديدة من الهجمات ضد الحكومة بما في ذلك على القضاء والشرطة والجيش. وشهدت باكستان سلسلة من التفجيرات في مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص وتقويض إحساس وليد بأن أسوأ أعمال العنف التي يقوم بها المتشددون في البلاد قد انتهى.

من جانب اخر قتلت قوات الأمن عشرات الأشخاص ممن يشتبه بأنهم متشددون بعد يوم من إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن هجوم انتحاري قتل أكثر من 80 شخصا عند مزار صوفي في أحدث هجوم دموي في البلاد. والتفجير الانتحاري الذي استهدف مزار لال شهباز قلندر في إقليم السند بجنوب البلاد هو الأكثر دموية في باكستان خلال عامين وأسفر عن مقتل 83 شخصا على الأقل وسلط الضوء على التهديد الذي تشكله الجماعات المتشددة مثل طالبان الباكستانية والدولة الإسلامية.

وكانت الحملة الأمنية سريعة في شتى أنحاء البلاد. وقال الجيش في إفادة عن العمليات "قتل أكثر من 100 إرهابي منذ الليلة الماضية وأعتقل عدد كبير." ومع مواجهة السلطات انتقادات غاضبة بسبب فشلها في إحكام الإجراءات الأمنية قبل أن يفجر الانتحاري نفسه حذر محللون من أن موجة العنف تشير إلى تصعيد كبير في محاولات المتشددين الإسلاميين زعزعة استقرار المنطقة.

وقال امتياز جول رئيس مركز الأبحاث والدراسات الأمنية في إسلام أباد "هذا إعلان حرب ضد دولة باكستان". والتفجيرات التي شهدتها البلاد على مدى خمسة أيام ضربت كل الأقاليم الباكستانية الأربعة ومدينتين كبيرتين وقتلت ما يقرب من 100 شخص مما قضى على مفهوم أن أسوأ عنف شهدته البلاد بسبب المتشددين قد انتهى. وكانت سلسلة من العمليات العسكرية ضد جماعات متشددة في باكستان قد عززت الآمال بتشتيت قادة تلك الجماعات. وقال جول "لكن هذا أدى إلى إحساس بالرضا عن النفس بين قيادات الجيش والقيادات المدنية بأنهم دمروهم بالكامل أو قصموا ظهورهم."

لكن أحداث الأيام الماضية قضت على هذا الانطباع. وفي مزار لال شهباز قلندر ما تزال الأرضية الرخامية البيضاء ملطخة بالدماء يوم الجمعة فيما تكدست الأحذية والنعال في الساحة إذ تعود الكثير منها للضحايا. وفي الخارج هتف محتجون بشعارات مناهضة للشرطة التي قالوا إنها تقاعست عن حماية المزار رغم طلبهم ورغم تهديدات أمنية. بحسب رويترز.

وتسبب الهجوم على المزار الصوفي في تصعيد التوتر مع أفغانستان بعد أن قال مسؤولون باكستانيون إن بعض قادة المتشددين اختبأوا عبر الحدود. وهذا الاتهام مماثل لما تتهم به كابول إسلام أباد. وقال الجيش إن المعابر الحدودية أغلقت وتم استدعاء دبلوماسيين أفغان لمقرات قيادة الجيش في إسلام أباد وتسليمهم قائمة بها 76 "إرهابيا" تطالب باكستان باعتقالهم وتسليمهم. وأدان الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني يوم الجمعة الهجوم على المزار الصوفي في باكستان عبر تويتر ووصف الدولة الإسلامية بأنها "عدو مشترك لأفغانستان وباكستان".

مقتل 10 متشددين

من جانب اخر قالت الشرطة الباكستانية إن عشرة متشددين من جماعة الأحرار، وهي فصيل لحركة طالبان الباكستانية، قتلوا في تبادل لإطلاق النار بمدينة لاهور شرق البلاد ومن بينهم مشتبه به رئيسي في انفجار أسفر عن مقتل 13 شخصا في فبراير شباط. ووقع الاشتباك بعد أيام قليلة من هجوم انتحاري أعلنت طالبان الباكستانية مسؤوليتها عنه استهدف فريقا للتعداد السكاني تابعا للجيش وقُتل فيه ستة أشخاص وأصيب 18 في لاهور ثاني أكبر مدن البلاد.

وقُتل العشرات منذ بداية العام في سلسلة من الهجمات التي حطمت آمال إنهاء العنف وكثفت من الضغوط على حكومة رئيس الوزراء نواز شريف لتحسين الأمن. وقالت الشرطة إنها كانت تصطحب خمسة متشددين لاستعادة أسلحة ومتفجرات في منطقة على ضواحي لاهور في وقت مبكر عندما تعرضت لهجوم من مجموعة مؤلفة من نحو تسعة متشددين حرروا المحتجزين. وطلبت الشرطة تعزيزات وطوقت المنطقة وطلبت من المتشددين الاستسلام.

وقال المتحدث باسم إدارة مكافحة الإرهاب في إقليم البنجاب في بيان "تلا ذلك تبادل لإطلاق النار. وعندما توقف إطلاق النار عثرنا على عشرة متشددين مقتولين بطلقات من شركائهم الفارين." وأضاف البيان أن من بين القتلى شخصا كان له دور في شن هجوم انتحاري بقنبلة في فبراير شباط بالمدينة. واعتقل الرجل بعد فترة قصيرة من الانفجار إذ رصدته كاميرات أمنية وهو يسير مع الانتحاري.

وأعلنت جماعة الأحرار مسؤوليتها عن هجوم فبراير شباط الذي خلف 13 قتيلا وكذلك مسؤوليتها عن تفجير في المدينة يوم عيد القيامة العام الماضي قتل فيه أكثر من 70 شخصا في متنزه عام. وفي واقعة منفصلة أعلنت جماعة إسلامية محظورة أخرى وهي عسكر جنجوي مسؤوليتها عن قتل عضو في الطائفة الأحمدية في لاهور وهو ثاني عضو من تلك الأقلية. وأطلق مسلح يستقل دراجة نارية النار على أشفق أحمد وهو طبيب بيطري متقاعد أثناء تنقله بالسيارة بعد أقل من أسبوعين من مقتل عضو بارز في الطائفة في نانكانه قرب لاهور. بحسب رويترز.

والمنتمون للطائفة الأحمدية يعتبرون أنفسهم مسلمين لكن ليس مسموح لهم وصف أنفسهم بالمسلمين بموجب قوانين مكافحة الإلحاد الباكستانية. وتم استهدافهم مرارا بهجمات من متشددين. وقتلت قوات الأمن الباكستانية في فبراير شباط نحو مئة متشدد بعد تفجير لمزار صوفي في فبراير شباط تسبب في مقتل أكثر من 80 شخصا في إقليم السند الجنوبي. وصعدت سلسلة الهجمات من التوتر مع أفغانستان المجاورة التي يتهمها بعض المسؤولين الباكستانيين بإيواء متشددي طالبان الباكستانية. وبدورها تتهم الحكومة الأفغانية إسلام اباد بمساعدة طالبان الأفغانية وهو اتهام تنفيه باكستان.

جدار على الحدود

على صعيد متصل بدأ الجيش الباكستاني وكما نقلت بعض المصادر، في بناء جدار فاصل على الحدود مع أفغانستان في منطقة تسكنها العشائر في الشمال – الغربي للبلاد. هذه المنطقة غير المستقرة تحدها أفغانستان، وبحسب المسؤولين في إسلام آباد من فهذه المنطقة يتوغل منها مسلحو "طالبان" باكستان إلى البلاد. وقال قائد القوات البرية الباكستانية قمر باجوا، يرابط المسلحون في البلد المجاور ومنه يشنون هجماتهم داخل باكستان. يبلغ طول الحدود بين البلدين 2.5 ألف كلم.

عموما إن فكرة إقامة جدار فاصل بين الدول كأسلوب وقائي من هجمات البربر قديمة قدم الحياة على الأرض. فقد بدأ بتنفيذها الامبراطور الصيني تشين شي هوانغ قبل الميلاد بكثير، واستمرت السلالات التي أتت بعده بنفس العمل. وفي عصرنا قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بناء جدار على الحدود مع المكسيك لمنع قدوم المهاجرين من هذا البلد. ومع تحميل أفغانستان مسؤولية هذا العمل، تدعو إسلام آباد كابل إلى تدمير ملاجئ المسلحين. لأن باكستان قرر بناء الجدار عقب مقتل أكثر من 100 شخص على يد الإرهابيين الذين توغلوا إلى البلاد من أفغانستان.

وكانت باكستان قد أغلقت في بداية الشهر الجاري نقطة العبور في هذه المنطقة (خط دوراند) الذي رسمه المستعمر البريطاني عام 1893 كخط للحدود بين البلدين، بيد أن أفغانستان لم تعترف به إلى يومنا هذا. واشار الجنرال قمر باجوا، إلى أن بناء الجدار سيكون في البداية في منطقتي موهمند وباجاور المحاذيتين لولايتي ننجرهار وكونار في أفغانستان. وبحسب رويترز سترابط هناك قوات إضافية ومعدات مراقبة، وكذلك مراقبة جوية مستمرة.

ولم يعلق الجانب الأفغاني على قرار باكستان بشيء، حيث أن العلاقات بين البلدين متوترة خلال السنوات الأخيرة. وتتهم كل عاصمة نظيرتها بأنها لم تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة للقضاء على مسلحي "طالبان". كما اتهمت أفغانستان جارتها بأنها تتعمد عدم ملاحظة قادة "طالبان" على أراضيها وأكثر من هذا تدعمهم. من جانبه رد الجنرال باجوا، بقوله إن باكستان تضع آلية لضمان أمنها وأمن أفغانستان، وقال "من الأفضل أن تكون الحدود أمينة وتصب في مصلحة البلدين الشقيقين. لأنهما تكبدا خسائر جسيمة في محاربة الإرهاب".

لقد حاولت باكستان في السابق غلق الحدود التي تمر عبر المناطق الجبلية، حيث لا توجد فيها نقاط مراقبة. وكانت قد أعلنت عام 2007 بأنها ستبني في هذه المنطقة الحواجز وتزرع الألغام في منطقة وزيرستان بطول 35 كلم. ويذكر أن طائرات أمريكية من دون طيار هاجمت ما لا يقل عن مرتين مواقع "طالبان" باكستان في الأراضي الأفغانية.

اضف تعليق